الطلاق السياسى بين السعودية والاخوان المسلمين

آحمد صبحي منصور Ýí 2017-07-12


الطلاق السياسى بين السعودية والاخوان المسلمين

كتاب : نشأة  وتطور أديان المسلمين الأرضية.  ج 2 الوهابية

الباب الرابع : الاخوان المسلمون صناعة سعودية وهابية

الفصل الثالث : الطلاق السياسى بين السعودية والاخوان المسلمين

أولا : أثر ثورة الميثاق فى نفور الملك عبد العزيز من الاخوان المسلمين  :

1 ـ نتصور رد الفعل لدى الملك عبد العزيز ، وقد عقد معاهدة جدة مع غريمه الامام يحيى ، وقد حفظ فيها كرامته بعد هزيمته ، فلم يحتل أرضه ولم يعزله عن عرشه بمثل ما فعل مع آخرين فى الجزيرة العربية . ثم يتعرض عبد العزيز لمحاولة إغتيال ــ دبرها إمام اليمن ــ نجا منها بأُعجوبة ، وقد حدثت فى طوافه بالكعبة وسط تجمع المسلمين فى عيد الأضحى ، والتوقيت والمكان غاية فى الأهمية ، ليس فقط لاغتيال عبد العزيز جسديا بل لإغتياله معنويا ، فكيف يقوم على حماية الحجيج وهو الذى عجز عن حماية نفسه .  ومع نجاته ـ غير المتوقعة من محاولة الاغتيال المحكمة ـ فإن آثارها المعنوية ظلت عالقة بعبد العزيز وهو حىُّ ، لا يمحيها من وجهة نظره إلّا بقتل إمام اليمن .

2 ـ من هنا أحكم عبد العزيز الخطة ، بتعاون بين ابن الوزير وحسن البنا وجماعته المتخصصين فى تدبير الاغتيالات.  لم يكن إحتلال اليمن فى تفكير عبد العزيز . ربما كان يأمل فى تغير نظام الحكم وقيام حكم جديد هناك تابع له بحيث لا ينكشف دوره فى الثورة وتغيير نظام الحكم . هذا إذا نجحت الثورة . أما إذا فشلت فالخطة واضحة فى قطع الصلة بها سريعا وتأييد نظام ابن الامام يحيى بعد قتل أبيه، وقتل أبيه يحيى هو الهدف الأصيل . بوقوف القبائل فى صف احمد ابن الامام يحيى تحتم فشل الثورة ، وتحتم على عبد العزيز أن ينفض يده منها ، وأن يمد يد العون لأحمد ابن يحيى .

3 ــ ولكن لم يكن هذا هو السبب الوحيد . كان هناك سبب آخر ، ربما إكتشفه عبد العزيز فى الاخوان ( المصريين ). هؤلاء الاخوان المسلمون ( المصريون ) إعتنقوا الوهابية سُلّما للوصول الى الحكم فقط . ومع وهابيتهم هذه فقد كانت لهم خلفية سياسية من مصر الليبرالية تخالف ثقافة عبد العزيز البدوية التى تمزج بين الحاكم وشيخ القبيلة . قدم الاخوان نظريتهم ـ الميثاق ـ فى صورة ليبرالية بعض الشىء ، تحمل إصلاحا سياسيا وإجتماعيا ، يعتبره عبد العزيز خطرا على حكمه فى مملكته وهو الذى عانى من قبل من معارضة الاخوان النجديين وإصرارهم على المشاركة فى الحكم . وبالتالى لا يريد عودة الماضى أو أن يزحف اليه من خلال اليمن بظام حكم ساعد فى إقامته فيها . وفشلت ثورة ( الميثاق ) فى اليمن ، ولكن ظل ( ميثاق الاخوان المسلمين ) الذى جعلوه عنوانا لهذه الثورة يؤرق عبد العزيز ، ويجعله لا يثق فى الاخوان ، ويجعله يؤكد خطته من البداية ، أن يساعد الاخوان فى مصر بقدر المستطاع ، وأن يمنع تأثيرهم فى مملكته ـ أيضا ـ بقدر المستطاع .

4 ـ وقوف الملك عبد العزيز ضد الثورة أذهل الإخوان المسلمين ، وهم الذين كانوا يعولون عليه فى نجاحها . وفهموا بعدها خشيته على عرشه من ( الميثاق ) . وأبدى الإخوان غضبهم من الملك عبد العزيز لوقوفه ضدّ هذه الثورة، يقول محمود عبدالحليم مؤرخ الاخوان : ( وبعد هذا التلكؤ قام الوفد –أي وفد الجامعة العربية- ولم يتوجّه إلى اليمن مباشرةً كما كان ينتظر بل اتجه إلى السعودية ومكث في السعودية أياماً تلقى نصائح العاهل السعودي الذي قد لا يسعده أن يقوم حكم في جارته المتاخمة له يضرب بنظام الوراثة والأسر المالكة عرض الحائط ويختار الأصلح غير عابئ بالأسرة التي ينتمي إليها. ).

ومن هذا الموقف، أصبحت السعودية حذرةً في تعاملها مع حسن البنّا. قال فهمي أبو غدير: ( سعدت بصحبة أستاذي الأستاذ البنّا في مكّة موسم حج 1367هـ 1948 وتوثقت الصلة بيني وبين أحد النجديين المتحركين المتصلين.. نصحني لله ألا أعود لمصر هذا العام، الاعتقالات والسجون والمنافي والمحاكمات والمشانق والاغتيالات في انتظاركم!! وعهد الله أنني أجوب معك نجد والحجاز داعين إلى درب الإخوان المسلمين.. تبسّم البنّا عندما سمع بذلك (وقال: ) “ألا تعلم أنّ الحكومة السعودية لم تسمح لي بالحج هذا العام إلا بعد أن تعهّدتُ بعدم الخطابة والكلام في السياسة” قلت: بلى “فكيف تسمح بالدعاية للإخوان؟ ) .

فالملك عبد العزيز منع حسن البنا من الخطابة والكلام فى السياسة فى موسم الحج عام 1948 ، بعد فشل ثورة الميثاق . وهناك متعاطفون مع الاخوان المسلمين داخل المملكة يريدون الدعوة الى (درب الاخوان) وهذا ما يتخوّف منه عبد العزيز سلفا . عبد العزيز كان قد أطلق على المملكة إسم اسرته السعودية ، وصار الحاكم المستبد الذى لا يُسأل عما يفعل ، وصار رجال دينه الوهابى يجعلون طاعته ( طاعة ولى الأمر ) فرضا دينيا . وفى إتصالات الاخوان ببعض من يعيش فى المملكة وبإعلان ميثاقهم اصبح هذا هو ( درب الاخوان ) الذى يعطى هامشا من المشاركة فى الحكم ، وصار هذا الدرب أملا لمن عرف الاخوان ، يتمنون تطبيقه فى المملكة التى يمتلكها عبد العزيز  . وهذا ما يرفضه عبد العزيز السعودى مالك ( السعودية ).

ثانيا : هجرة الاخوان المسلمين الى السعودية بعد موت عبد العزيز

 1 ـ أدت ثورة الميثاق اليمنية الى إنتباه نظام الحكم المصرى الى خطورة الاخوان ، وكيف إستطاع حسن البنا إشعال ثورة فى اليمن ب ( الريموت كنترول )، وتسارعت الأحداث ووصلت الى إصدار رئيس الوزراء المصرى محمود فهمى النقرشى حل الاخوان فى 8 ديسمبر  1948 ، فإغتاله الاخوان بعدها بعشرين يوما .ودخل الاخوان فى صدام مع الدولة المصرية نتج عنه إغتيال حسن البنا في 12 فبراير 1949 وتولّى الهضيبي مكانه في 19أكتوبر 1951 ، ثم قامت حركة الجيش ، وكان الاخوان خلفها . ودخل الاخوان فى عصر جديد .

2 ـ وما لبث أن شبّ الصراع بين الاخوان والعسكر ، وعصف عبد الناصر بالاخوان المسلمين ، وقام بحل جماعة الاخوان، ثم موجة الاعتقالات عام 1954 فى عصر الملك سعود بن عبد العزيز ، وكانت الموجة الثانية من الاعتقالات عام 1964 . من نجا منهم من سجون عبد الناصر وجد ملاذا آمنا فى المملكة السعودية ودول الخليج .  

3 ـ لجأ الاخوان المسلمون المصريون الى السعودية آلافا بعائلاتهم ، وتولّوا مناصب حسّاسةٍ وحصل عددٌ منهم على الجنسية السعودية وبعضهم حظي بالجواز الديبلوماسي.لم يكن هذا مجرد كرم سعودى ، بل إحتاجت لهم السعودية فى مواجهة المدّ الناصري الثوري ، حيث ناصب عبدالناصر الملكيات العربية ( الرجعية ) العداء، وسعى إلى الإطاحة بها ، ونجح مسعاه في ليبيا واليمن وضربت طائراته المناطق الجنوبية في السعودية، فواجهته السعودية فى اليمن ، وتبنّت دعم الإخوان المسلمين والشعار ( الاسلامى ) ليس فقط في وجه المدّ الناصري بل واليسارى والقومى البعثى . وبعد موت عبد العزيز بشخصيته القوية عاد تزمت شيوخ الوهابية يعرقل تقدم المملكة وتحديثها ، وأصدر ( الشيخ محمد بن ابراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ  ) كتابا فيه تكفير الأنظمة الحديثة التى أدخلتها الدولة السعودية، أى يعيد مأساة الاخوان النجديين مع عبد العزيز . وكان لا بد من الاستعانة عليهم بالاخوان المصريين وهم الأقدر على تحديث الوهابية بما يلائم العصر .  

4 ـ وإستغل الاخوان هذا فى تدعيم وضعهم فىالدولة السعودية بالسيطرة على العملية التربوية  والجمعيات الخيرية والاسلامية، وبخبرتهم فى العمل السرى تغلغلوا فى مفاصل الدولة .  وانتعش الاخوان فى السعودية بعد وفاة عبد الناصر  والإفراج عن حسن الهضيبي والإخوان المسلمين عام  1971 ، وانتهز الهضيبي فرصة الحجّ سنة 1973 فعقد أوّل اجتماعٍ موسّعٍ للإخوان في مكة ، وكان هو الاجتماع الأوّل من نوعه منذ محنة 1954 .. ونظراً لأن معظم الإخوان في الخارج قد هاجروا إلى منطقة الخليج والجزيرة العربية أو البلاد الأوروبية والأمريكية فقد تركّز عمل لجنة العضوية في تلك المناطق: فتشكّلت لجنة الكويت، ولجنة قطر، ولجنة الإمارات، وثلاث لجانٍ للسعودية في الرياض، وفي الدمّام، وفي جدّة”،  وقد سهّل على الهضيبي هذه المهمة انتشار الإخوان في السعودية والخليج وتنظيماتهم المحكمة هناك.وتكون  مجلس الشورى العام الذي يمثل السلطة التشريعية لجماعة الإخوان المسلمين  من 38 عضواً، ثلاثة أعضاء ثابتين بالتعيين مباشرةً من المرشد العام وبموافقة مجلس الشورى العام (أخ سعودي وآخر سوري والثالث مصري) و2 من تنظيم الأردن و2 من اليمن و1 من العراق و1 من الإمارات العربية المتحدة و1 من البحرين و2 من السعودية. ولوحظ  أنّ أقطار الخليج والسعودية ممثلة بقوة نظرا للحاجة الى التمويل .

5 ـ وصل نفوذ الاخوان المسلمين فى السعودية الى ذروته فى عهد الملك فيصل       ، وفيها سيطر الاخوان المسلمون وأنصارهم على العملية التعليمية والاعلامية . وقام الملك فيصل بنشر الوهابية فى أوربا وفى أمريكا فإحتاج الى التنظيم الدولى للإخوان ، والى فروعه وكوادر الاخوان فى الغرب.   وسعى فيصل للتقريب بين الاخوان والرئيس السادات ، وبجهوده عاد الاخوان للسيطرة على مصر فى عصر السادات ، ومن عباءتهم خرجت كل التنظيمات الدعوية السلفية والسياسية الحركية ، واهمها الجامعة الاسلامية والجهاد والتكفير والهجرة ، وعلى أيديهم لقى السادات حتفه . الملك فيصل أنفق عشرات البلايين فى نشر الوهابية ــ باسم الاسلام ــ فى العالم ودفع العالم الثمن فى مذابح لا تزال مستمرة حتى الآن . نشر الملك فيصل حمامات الدم فى العالم فى سبيل أن يجعل من أسرته السعودية زعيمة للمسلمين فى العالم .

6 ـ إنتبهت الدولة السعودية مؤخرا الى خطر الاخوان عند غزو صدام للكويت ، ووقوف الاخوان  الى جانب صدام ، وتبين أن المعارضة الوهابية التى تزعمها المسعرى والفقيه من تلامذة الاخوان . إنتقم الاخوان مما فعله بهم عبد العزيز عندما تخلى عن ثورة الميثاق ، فقاموا بتعليم المثقفين ( السعوديين ) حقوقهم المسلوبة وفق ( الميثاق ) الذى وضعوه والذى لا مكان فيه لتوارث الحكم فى أسرة بعينها بل هو للأصلح . خلق الاخوان المسلمون طموحا سياسيا مشروعا لدى المثقفين ( السعوديين ) الذين تعلم معظمهم فى مصر واوربا والغرب تعليما عاليا ، ومنهم من تخصص فى العلوم الطبيعية ، فأكبوا برغم ذلك على دراسة الوهابية وتفوقوا على علماء السلطة من آل الشيخ ليكسروا إحتكارهم للدين الوهابى ، وليزايدوا بوهابيتهم على الأسرة السعودية ، كل ذلك بسبب طموح سياسى زرعه فيهم الاخوان المسلمين الذين تخصصوا فى ( التربية ) تلك المرحلة التى تسبق عندهم مرحلة ( التمكين ) . ثم حدث زلزال الخليج بغزو صدام للكويت ، وهرعت الأسرة السعودية تستنجد بأمريكا بما يعنى عجزها عن الدفاع عن مملكتها برغم مئات البلايين التى أنفقتها على التسليح . لذا نشأت المعارضة السعودية . وهنا أيضا حدث الطلاق السياسى بين السعودية والاخوان . والتفاصيل فى كتابنا عن المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ، وهو منشور حلقاته هنا .

7 ـ كان الأمير نايف وزير الداخلية هو الذى واجه المعارضة السعودية فى التسعينيات . يقول عن الاخوان فى حوار لصحيفة السياسة الكويتية : (  جماعة الإخوان المسلمين أصل البلاء. كل مشاكلنا وإفرازاتنا جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار.. عندما اضطهد الإخوان وعلّقت لهم المشانق لجأوا إلى السعودية فتحمّلتهم، وحفظت محارمهم وجعلتهم آمنين” ويضيف “أحد الإخوان البارزين أقام 40 سنة عندنا، وتجنّس بالجنسية السعودية، وعندما سئل عن مثله الأعلى قال حسن البنّا”! ويكمل الأمير نايف تعليقا على الغزو العراقي للكويت: “جاءنا عبدالرحمن خليفة والغنوشي والزنداني فسألناهم هل تقبلون بغزو دولة لدولة واقتلاع شعبها؟ فقالوا نحن أتينا للاستماع وأخذ الآراء” ويضيف “بعد وصول الوفد الإسلامي إلى العراق فاجأنا ببيانٍ يؤيد الغزو”!) .

أخيرا :

 1 ـ أدرك أبناء عبد العزيز فى نهاية القرن العشرين خطورة الاخوان المسلمين المصريين عليهم فى عُقر دولتهم السعودية ، وهذا ما فطن اليه أبوهم عبد العزيز من قبل وتحسّب منه بسبب تجربته المريرة مع الاخوان النجديين قبل الاخوان المسلمين .

2 ـ الذى ربما لم يدركه أبناء عبد العزيز أن دينهم الوهابى يتيح للمستبد أن يمارس إستبداده بالدين ( الوهابى ) ، ولكن هذا الدين الوهابى نفسه يتيح للطامحين للحكم أن يزايدوا على نفس المستبد دينيا وسياسيا ، وأن يثوروا عليه . والفيصل هو القوة ، والحكم لمن يغلب ، أو بالتعبير السُنّى ( المتغلب على الحكم ) . هذا المعارض الوهابى إذا تغلّب على الحكم وأزاح المستبد الوهابى فهو حاكم شرعى ـ طبقا للدين السنى الوهابى ـ إلى أن يتغلب عليه معارض وهابى آخر .

3 ـ وفى ضوء هذا نفهم أن أعدى أعداء الدولة السعودية هم صنائعهم من الوهابيين داخل دولتهم وخارجها، لا فارق بين داعش والقاعدة والاخوان المسلمين .

4ـ ومن هنا فالحل الذى يحقن الدماء هو أن تعلن الأسرة السعودية تحللها من العقد الذى عقده جدهم محمد بن سعود مع محمد بن عبد الوهاب عام 1745 ، ذلك العهد الذى تحولت به الدرعية الى دولة توسعت فى الجزيرة العربية حتى أسقطها الوالى محمد على عام 1818 . آن الأوان لكى تتحرر الدولة السعودية من هذا الالتزام بالوهابية وأن تتحول الى مملكة عادية مثل مملكة الاردن والمغرب ، مع إصلاحات ضرورية تمنع سيطرة الوهابية على سكان المملكة وتتيح لهم حريتهم الدينية ، مع بعض إصلاحات سياسية تكون به نوعا ما مملكة دستورية .

5 ـ هذا إذا أرادت الدولة السعودية أن تستمر على قيد الحياة وسط الزلزال الذى تمر به المنطقة والذى سببته وهابيتها .

اجمالي القراءات 6845

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,690,451
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي