آحمد صبحي منصور Ýí 2017-04-19
مقدمة :
1 ــ هذه رسالة مطولة أنقلها بالكامل ، تقول : ( أنا استاذ جامعى على المعاش ومجنون ثقافة ، والمعاش قليل ، من قبل كنت اتحسر على عدم قدرتى على شراء الكتب والان الحمد لله على نعمة الانترنت الذى أتاح لأمثالى الثقافة بأيسر طريق . قضيت سنوات أتجول بين المواقع اتنقل بين هذا وذاك الى ان عثرت بالصدفة عليك فى عرب تايمز ، وانبهرت باجتهادك فى ابحاثك التاريخية. وساءنى هجوم القُرّاء عليك فى عرب تايمز ، وكنت أتعجب من جهلهم وبذاءاتهم فى الهجوم عليك وسكوتك عليهم وعدم ردك عليهم . وقلت إن هذا بسبب إضطرارك للنشر فى عرب تايمز والمستوى الهابط للمعلقين فيها . ثم تعرفت على موقعك ( أهل القرآن ) وتوقفك عن النشر فى عرب تايمز ، ومن يومها من عام 2006 ، وأنا قارىء متابع لك ، كثرة إنتاجك ألهث فى متابعته والجديد الذى تتحفنا به . أنا مثلك باحث ولكن فى ميدان مختلف وهو الأدب العربى ، وإعترافا بموسوعيتك البحثية من القرآن الى التراث والشريعة والتصوف والتاريخ فإننى أحييك على مقال لك تعرضت فيه لشخصية أبى الطيب المتنبى . أعتقد أن أحدا لم يفعل به مثلما فعلت وأنت تقارنه بأبى المسك كافور . تخصصى فى الأدب العربى العباسى . وكان هجومك على أبى الطيب المتنبى مفاجئا لى حطّم اسطورته عندى . وهذا ضمن أساطير الأولين التى تواصل تحطيمها من تاريخ الخلفاء الراشدين الى أئمة التصوف والسنة والتفسير والحديث وحتى عبد الناصر والسادات ومقالك الرائع الساخر فى تحليل شخصية السادات ( الممثل) (محمد أنور وجدى السادات ) .
أنا أقرؤك بعين بحثية بمثل ما تفعل أنت ، وانت كما تقول متخصص فى السيئات وأحاول هذا معك فى هذه الرسالة . لاحظت أنك تكرر أفكارك وخصوصا فى الفتاوى . ولا شىء فى هذا فأنت تجمع بين كونك باحثا وكونك مصلحا واعظا ، والواعظ يحتاج الى التكرار. ولكن الخطور فى التكرار انه يوقعك فى إختلاف مع نفسك . وقد عثرت على أمثلة كثيرة من هذا الاختلاف بين كتاباتك القديمة وكتاباتك الحديثة ، وكنت على وشك أن أكتب مقالا فى تناقض آرائك ، لولا أنك قلت أنك أفكارك تتطور ، وهذا واضح فعلا ، وهو دليل على أنك صادق مع نفسك ، فأنت بدأت بنقد التصوف وكنت سنيا معتدلا ثم أصبحت منكرا للسنة ، ثم لم تكن تهاجم الصحابة ثم هاجمتهم بعنف فى فتوحاتهم ، وكنت تحترم (على بن أبى طالب ) ثم هاجمته بقسوة . ليس هذا من التناقض فى شىء ، لأنك تتطور ، وكما أنت تقول عن نفسك أنك لست نبيا يأتيك الوحى ، ولكنك باحث بدأ من الصفر يبحث فى جبل التراث الذى توارثه المسلمون الذين تسميهم الان المحمديون . وتنشر كل ما تقول وتعلنه ، فضربت التصوف الضربة القاضية ثم عصفت بالسنة والبخارى ومالك وابن حنبل ، وأخيرا الصحابة والخلفاء الراشدين وأن شهادة الاسلام هى ( لاإله إلا الله فقط ) . هذا صدق فى البحث وشجاعة أن تعلن ما تصل اليه وتتلقى التكفير بينما يجب أن تنال التقدير .
إختلف معك فى قضية واحدة . وأقول أنك مخطىء فيها . أنت تنفى حديث ( إذا مات ابن آدم إنقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية وعلم ينتفع به وولد صالح يدعو له ) . وأنت تقول أن هذا الحديث يعارض آية ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) وأن سعى الانسان يتوقف بموته ، وأنه بقفل كتاب أعماله لا يمكن أن يضاف اليه عمل آخر سواء كان عملا صالحا أوسيئا . لأن تسجيل أعماله توقف بعد موته ولم يعد له عمل بعد موته ، وأنه إذا عمل عملا صالحا يستمر فى العطاء بعد موته فإنه يأخذ أجره كاملا حين عمل هذا العمل فى حياته الدنيا ، وبموته فلم يعد مسئولا عن هذا العمل الخيرى سواء إستمر ينتج الخير أم أفسده من جاء مشرفا عليه . ونفس الحال لو أقام مرقصا فإنه يأخذ ذنوبا على عمله ، وبعد موته ليس مسئولا عن هذا المرقص سواء إستمر مرقصا أم تحول الى مسجد .
كلامك منطقى . ولكنه يخالف القرآن . والدليل هو قول الحق سبحانه وتعالى ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25) النحل ) . هنا الفقهاء الذين يضلون الناس يحملون أوزارهم وأوزار أتباعهم الضالين . ومثلا فإن ابن عبد الوهاب بعد موته يتحمل وزر كل الوهابيين الذين يطبقون كلامه فى القتل وسفك الدماء . وكذلك البخارى والشافعى وابن حنبل وكل من صنع أحاديث ونسبها للرسول صلى الله عليه وسلم . وايضا الشيخ الشعراوى الذى أضل أجيالا من الناس . كتاباته لا تزال تُضل ُّ الناس . وهو بذلك سيأتى يوم القيامة يحمل وزره وأوزار أتباعه الضالين . ونفس الحال مع القرضاوى بعد موته إذا لم يبادر بالتوبة . كل ( المُضلّين ) من الأئمة الموتى سيحملون أوزار ( الضالين ) من أتباعهم . وايضا فالذى يكتب فى الهداية تكون سببا فى هداية الناس فإنه ( علم ينتفع به ) بعد موته ، طالما إنتفع به الناس بعد موته . أنت كتبت الكثير واجتهدت بالكثير ، وبك عرف كثيرون الحق وأنا واحد منهم ، وكتاباتك ستجد الرواج الأكبر بعد موتك ، وبالتالى فإن علمك الذى ينتفع الناس به سيضيف اليك حسنات بعد موتك .
أنت استاذ مجتهد تتقبل النقد ، وتؤكد أنك تقول وجهات نظر تقبل النقاش . ولقد أطلت عليك ، وارجو عدم نشر هذه الرسالة مكتفيا بتصحيح وجهة نظرك فى حديث ( إذا مات ابن آدم ). أنا مثلك لا أقول أنه حديث قاله النبى صلى الله عليه وسلم ، واقول أنه كلام جيد يتفق مع القرآن . مع إتفاقه مع القرآن فليس جزءا من الاسلام لأن الاسلام هو القرآن وكفى . ).
2 ـ ومع الشكر الجزيل لصاحب هذه الرسالة ، أقول :
أولا : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ) فى ضوء المحكمات والمتشابهات :
1 ـ سبق لنا مناقشة بعض القضايا المختلف فيها مثل الشفاعة ورؤية الله و قوله جل وعلا : (إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى ) فى ضوء المحكم والمتشابه، طبقا لقول رب العزة جل وعلا:( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)(7) آل عمران ) .
2 ـ وقلنا أن هذه الآية الكريمة تشير الى المنهج العلمى فى تدبر القرآن الكريم،فالراسخون فى العلم يؤمنون بالقرآن كله وأنه كل آياته من عند رب العزة جل وعلا ، وبالتالى يكون تدبرهم فى موضوع ما بأن يقوموا بتجميع كل الايات القرآنية الخاصة به والمتصلة به ، فى سياقها المحلى ( فى الآية وما قبلها ومابعدها ) وفى سياقها الموضوعى بتتبع الموضوع فى القرآن الكريم كله . بعد تجميع كل الآيات الكريمة يكون تحدد المصطلحات والمفاهيم ، وتحديد الاية المحكمة والآية المتشابهة ، فالآية المحكمة هى التى تعطى الحكم القرآنى قاطعا واضحا ، وتأتى الآيات المتشابهة تشرح وتُفصّل وتبين .وبهذا يكون بيان القرآن بالقرآن وتفسير القرآن بالقرآن . وهذا التدبر يبدأ وينتهى بباحث لا يضع رأيا مسبقا يريد تعضيده بالتلاعب بالقرآن ، بل هو يبدأ طالبا الهداية مستعدا لأن يضحى بكل ما توارثه إذا تعارض مع نتيجة تدبره فى القرآن الكريم .
ثانيا ـ بتطبيق هذا على موضوعنا نقول :
1 : الآيات المحكمات هنا آيتان : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) النجم ) و ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) الانعام ).
2 : قول رب العزة جل وعلا عن عموم البشر: ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) النجم ) يحصر مسئولية الانسان على ما سعى وهو حىّ فى الدنيا ، سواء كان سعيه خيرا أو شرا . لا يستفيد خيرا إلا من سعيه الخيّر .
3 ـ ثم يقول جل وعلا فى الآية التالية : (وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى (40) النجم ). إن عمل الانسان سيتم تصويره بالصوت والضوء بالحركة والهمسة والمشاعر . وبالتالى فإنه عمله فى حياته . ويوم القيامة سيرى كل الناس كل أعمالهم ، كل أمة سترى كتاب أعمالها الجماعى ، يأتون فى البعث أشتاتا وجماعات ، كل جماعة عاشت دنياها مع بعضها ستأتى لترى عملها ، من أدق ذرة الى أكبر عمل ، يقول جل وعلا : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) الزلزلة ). وهنا يكون الخزى العظيم لمن عاش دنياه منافقا مرائيا يستخفى من الناس ولا يستخفى من رب الناس جل وعلا لا يعلم بأن الله جل وعلا يراه ، وأن ملائكة الأعمال تسجل أعماله .
عن كتاب الأعمال الجماعى لكل أمة ، وأخذ كل فرد النسخة الشخصية التى تخُصه من الكتاب الجماعى يقول جل وعلا : (وَتَرَى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (29) الجاثية). وحين عرض الكتاب الجماعى لكل مجتمع يتعجب الكافرون من إحتوائه على كل شىء وأنه ما غادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها بحيث وجدوا عملهم الذى عملوه بأنفسهم فى الدنيا حاضرا،يقول جل وعلا: ( وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) الكهف ).
يتلقى كل إنسان عمله الشخصى الذى عمله وهو حىّ يسعى فى حياته الدنيا . فى حياته الدنيا كل قول يقوله وكل حركة تصدر منه وكل مشاعر يحُسُّ بها ( تطير ) منه الى عالم البرزخ حيث يسجلها كتاب أعماله سواء فى عمله السرى مع نفسه منفردا أو فى تفاعله وعلاقاته مع غيره . عن عمله الذى يطير عنه ليتم تسجيله يقول جل وعلا : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ). الآية التالية تقول (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)الاسراء ) . أى كل فرد مسئول عن عمله فقط طبقا لقوله جل وعلا : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) النجم ) .
4 : الآية المحكمة الأخرى هى قول رب العزة جل وعلا عن عموم أهل النار : ( قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) الانعام ). كلهم كذبوا باليوم الآخر وعملوا ما استحقوا به العذاب ، ثم تكون مفاجأتهم يوم القيامة حين يأتى كل منهم يحمل وزره الذى إرتكبه فى الدنيا على ظهره .
5 ـ من أعماله التى إرتكبها فى حياته ما يكون قد قام به بنفسه ، ومنها ما يكون قد حرّض عليه . هناك مثلا قاتل إرتكب جريمة قتل ، يأتى يوم القيامة يحمل وزر جريمته ، ولكن هناك من أقنعه أن يرتكب جريمة القتل ، وحثّه عليه . هذا المحرّض يحمل وزر تحريضه . نفس الحال مع من يقوم بتفجير نفسه ليقتل الأبرياء . هذا الانتحارى المأفون يأتى يوم القيام يحمل وزر جريمته ، وهناك من قام بتحريضه قولا وعملا ، وساعده بالمال وبالعتاد ، هذا المحرض المُضلّ يأتى يوم القيامة يحمل وزر التحريض ( وزرا إضافيا ) الى جانب أوزاره الأخرى .
6 : وفى ضوء هذه الآية المحكمة التى تنطبق على أصحاب النار جميعا :(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (31) الانعام ) نفهم الاية المتشابهة التى تخصُّ المضلين الذين يضلون أتباعهم وهم يعيشون معا فى هذه الدنيا ، هذا فى قول رب العزة جل وعلا : ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)النحل).هنا تفصيل يخص ( المُضلين ) الذين هم ( ضالون ) ويصدرون ضلالهم الى غيرهم ، لذا يأتون يوم القيامة يحملون وزر ضلالهم ووزر إضلالهم لقرنائهم .
7 : الآية المتشابهة التى تخص المضلين:( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ (25)النحل) لا تتحدث عمّن كتب كتابا فى الضلال واستمر كتابه يضل الناس بعد موت المؤلف . الآية الكريمة تتحدث عمّن يقوم الاضلال فى حياته ، أى يرتكب الاضلال وهى حىُّ يسعى .والآية الكريمة تشير الى ذلك فى علاقة شخصية بين الضال والمُضل : ( وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ ).اسلوب التعبير بالفعل المضارع يدل على مشاركة (حالية) و (حيّة ) و(تفاعل) بين الضال والمُضلّ . نحن هنا أمام شخصين يعيشان معا ، أحدهما يضُلُّ الآخر ، هذا المُضلُّ ضال فى البداية يتحمل وزر ضلاله ، ثم هو يقابل شخصا آخر فيُضلّه فيتحمل وزر الإضلال . بالتالى فإن ما فعله وهو حىُّ فى الأرض يسعى يدخل ضمن قول رب العزة جل وعلا : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) النجم ) .
8 : عمليا : ليس شرطا أن كتابا فى الهداية يظل يهدى الناس بعد موت صاحبه . القرآن الكريم ذاته بعد موت النبى ــ مباشرة ــ ضلّ معظم الصحابة وهو معهم، إرتكبوا جريمة الفتوحات والقرآن معهم . وفى وقت نزول القرآن الكريم كان البعض يزداد به كفرا (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً ) ( المائدة 64) (وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) المائدة ) . الاخوان المسلمون يقولون ( القرآن دستورنا ). مجرمو الارهاب ومنظُروا الارهاب يستشهدون بآيات القرآن الكريم يتلاعبون بآياته يتبعون من تشابه منه إبتغاء الفتنة .
عمليا : ليس شرطا أن كتب الضلال تظل تُضلُّ اللاحقين . نحن قرأناها فإستنكرناها ورفضناها ، تظل الهداية والضلال مسئولية شخصية . الذى يكتب يضلُّ الناس يحمل وزر ما كتبه وقت كتابته . الذى يقوم بإضلال الناس وينجح فى حياته يأتى يوم القيامة يحمل وزر ضلاله ووزر نجاحه فى إضلاله الآخرين . الذى يهدى الناس الى الخير ويقوم بعمل الخير يحمل عمله الصالح وقوله الصالح معه يوم القيامة . كل هذا ضمن قوله جل وعلا : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى (39) النجم ) .
عندما قرات الرسالة الموجه اليك يا دكتور وما جاء فيها من الاستاذ الجامعي رايت انها مقنعة الى حد ما مع علمي المسبق برايك في اية وان ليس للانسان الا ما سعى ولكني عندما تابعت القراءة ورايت ردك ازدت قناعة بما تقول واعجبت كثيرا بتحليلك للمعنى الوارد بالاية ومن اوزار الذين يضلونهم انخفضت نسبة اقتناعي بتحليل الاستاذ الجامعي وزادت نسبة اقتناعي بتحليلك الرائع للايات القرانية المذكورة وهذا ان دل على شيء فانما يدل على قوة حجتك وقوة تحليلك وشدة فهمك للقران الكريم وانا رغم كل ما قرات في حياتي الا انني اعترف ان هذا التحليل الذي ذكرت انما انا لاول مرة اسمع به او اقراء مثله وهو بحق ان دل انما يدل على وعي كبير من عالم كبير نسال الله ان يكون كل هذا في ميزان حسناتك ان شاء الله
أنا مع الأستاذ أحمد فيما ذهب إليه.
ولو كانت الصدقة الجارية حق للزم أن يجهل والله سبحانه وتعالى الغيب. فأي عمل، صالحا كان أو سيئا، يقدره الله حق قدره ويكتبه في ميزان حسنات عامله، أو في ميزان سيئاته. وذلك في لحظة إنجازه العمل. ثم الله بعد ذلك هو الوارث. ولم يعد يهمه العامل، بعد ما تقاضى أجره، هل انتفع الناس به أم تضرروا. ولا ينتظر الرب أن يعمل به شخصان فيكتب له، ثم غدا يعمل به ثلاثة أشخاص فيكتب له من جديد. لكونه جل وعلا عالم الغيب والشهادة.
والله سبحانه وتعالى هو الوارث؛ لأن وجود أمور ومحلات صالحة مأمورة ضروري، وجود أمور ومحلات سيئة محظورة ضروري كذلك، ليتوفر الخير والشر في امتحان الحياة الدنيا.
من يعمل خيرا يُجز به كاملة، ومن يعمل سوء يُجز به كاملة. ثم تسكب المنجزات في "بنك المعطيات" ليُختَبر بها الناس.(…وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً. وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ.) [الأنبياء: 35]
من بنى مسجدا لله يشتريه الرب بحق قدره (وهو أعلم بطول حياة البنية، وعدد من سيزورونه، مكانته في حياة الناس، وكل ذلك يدخل في تقييم قيمة البنية، دون أن تتقيد قيمتها بذلك) ثم يكتبه لصاحبه في حينه. فيصبح المسجد بيت الله وليس مسجد فلان. لأن فلان قد تقاضى ثمنه.
ومن بنى بيت دعارة يقدره الله حق قدره بنفس الاعتبارات ويكتبه له. ثم يترك البنية عنصر في امتحان الحياة الدنيا للذين في قلوبهم مرض. ولا يهم هذا ولا ذاك من عمل بما أنجز ومن لم يعمل به. ولله ميراث السماوات والأرض.
وما يسمونها بالجارية قد جرت، في علم الله، وانتهت وسجلت لصاحبه في حينه. ويدخل قبره مع قيمة أعماله كاملة. أي إنه يدخل قبره وهو حامل أوزاره مع اوزار الذين سيضلونهم كاملة.
فقيمة العمل تشمل تبعياته وآثاره في الزمن. (وكل شيء أحصيناه كتابا) (إنا نحن نحيي الموتى،ونكتب ما قدموا وآثارهم (معا) وكل شيء احصيناه في إمام مبين.) سمي سجيل الأعمال إماما لأنه يقدم صاحبه ويؤمه في الآخرة. (… ولتنظر نفس ما قدمت لغد!…)
والله أعلم
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,688,309 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
رائع ..ولكن .!!: هل فكرتم بأن يكون لكم تطبيق على الهوا تف ...
سؤالان : السؤا ل الأول : هل قنوت صلاة الصبح فرض ؟ أم...
هو حفظ الذكر: ما رأيكم أستاذ نا في تفسير الجمب ري للأية...
يا خالتى يا عمتى .!: في تعامل نا اليوم ي مع الذكو روالإ ناث ...
مجذوب..يا ولدى .!!: نا متسطر عليا من الصوف ية و محتاج علاج للمس...
more
السلام عليكم
أولا أنا أرى من البديهي أن كل انسان منح عقلا يفكر به ( ليس به خلل) مسؤول عن تصرفاته واعماله الحسنة والسيئة، اللهم إلا إذا أخطأ أو نسي أو إلى ما هنالك مما ذكر في القرآن (البقرة 286).
ثانيا أن المسؤولية تكون بقدر العمل الذي قام به الانسان، فمن يقتل شخصا واحدا ليس كمن يقتل شخصين أو أكثر، ومن يضل شخصا واحدا ليس كمن يكتب كتابا يضل به كثير من الناس (إذا ضلوا). الضالون هم مسؤولون عن ضلالهم، ولكن المضل عليه مسؤولية اكبر بأنه أضل جماعة وليس فردا واحدا.
ثالثا لنفترض أن أحد "الجهاديين" فجر نفسه بين جماعة من الناس، وكان هو أول الاموات، وجرح من الجماعة عشرة مات منهم خمسة متأثرين بجراحهم، فهل سيحاسب صاحبنا عن التفجير فقط، لأن المساكين ماتوا بعد وفاة الجاني. طبعا سيحاسب أيضا على الانتحار في كل الاحوال.
رابعا أنا أرى أن الله بين للناس الحسنة والسيئة، أما الحساب على هذا أو ذاك فهو من شأن المولى، وليس لنا التدخل فيه.
مع تحياتي