آحمد صبحي منصور Ýí 2016-01-11
هجص الخضر عند ابن الجوزى ( ب2 ف 3 )
كتاب ( الخضر بين القرآن الكريم وخرافات المحمديين )
الباب الثانى : صناعة اسطورة الخضر فى العصر العباسى الثانى
الفصل الثالث : هجص الخضر عند ابن الجوزى
مقدمة :
1 ــ بعد خمس سنين من موت الغزالى ولد ابن الجوزى عام 510 ، ومات عام 597 ، حيث كان أشهر شخصية (علمية ) فى القرن السادس الهجرى بعد الغزالى فى القرن الخامس الهجرى . يجمع بينهما الافراط فى الكذب وكثرة المؤلفات والكتابة فى الفقه الوعظى ، ولكن تميز الغزالى بأنه مؤسس دين التصوف السنى ، وأنه مبتكر لفقه جديد ، بينما كان ابن الجوزى أكثر تأليفا وأقل إبتكارا ، بالاضافة الى حيرته بين التصوف والسنة ، فهو صريع للتصوف فى غرامه بالمنامات والكرامات . ومع أن ابن الجوزى كان فقيها حنبليا صبغ كتاباته برؤيته الحنبلية المتشددة حتى فى تأريخه كما يظهر فى موسوعته التاريخية ( المنتظم ) ومع أنه أفرد معظم كتابه ( تلبيس ابليس ) فى الانكار على الصوفية إلا إنه كان متأثرا بالتصوف يقدس أولياءه السابقين كالجنيد ورفاقه .وقد نعذره لأن عصره فى القرن السادس قد بدأت فيه مؤثرات التصوف القوية ومنها شيوع الاعتقاد فى وجود الخضر حيا حياة أبدية ، بل كان بعضهم يقرنه بالأنبياء . ونقرأ هذه النادرة لابن الجوزى فى كتابه ( اخبار الحمقى ) الذى ينقل فيه أخبار عصره : ( قال بعضهم: مررت على قوم قد اجتمعوا على رجليضربونه ، فتقدمت إلى شيخ كان يجيد ضربه ، فقلت:" يا شيخ ما قصة هذا ؟ " قال: " لا تكوننمنهم . هذا رافضي يقول: نصف القرآن مخلوق ونصفه لا وليس في القوم خير من النبيوبعده الخضر. " فبادرني الضحك ، فرددته مخافة الضرب ، وقلت: " يا شيخ زده فإنك مأجور.".! ).
2 ــ بهذا التخبط تأثّر ابن الجوزى فى كلامه عن الخضر . فهو فى ناحية يعترف بحياته الأبدية وينقل هجص الصوفية عن الالتقاء به ، ومن ناحية أخرى يتناقض مع نفسه فينكر الأحاديث ( النبوية ) التى وضعها الصوفية فى حياة الخضر الابدية، أى يقتصر به على عصر موسى كما جاء به البخارى . وفى الحالتين وقع ابن الجوزى فى الهجص ، غاية ما هنالك أنه إحتار بين هجص البخارى وهجص الغزالى .
3 ــ ونعرض فى لمحة لهذا وذاك فى كتبات ابن الجوزى .
أولا : ابن الجوزى مع هجص الحياة الخالد للخضر :
1 ـ يذكر ابن الجوزي في تاريخه المنتظم قصة عن الخليفة أبى جعفر المنصور، وقد أسندها إلى رواة على طريقة المحدثين . وابن الجوزي يروي تلك القصة وهو مصدق لها بدليل أنه يذكرها في تاريخه ضمن أحداث عام 148 هـ ، وموجزها أن رجلا كان يدعو الله جل وعلا فى الحرم يشكو إنتشار الظلم فسمعه ابوجعفر المنصور فاستدعاه ، فقام الرجل بوعظ المنصور وعظا مؤثرا ومطوّلا فأبكى المنصور ، وخرج الرجل فبعث المنصور حارسا يستدعيه ، فجاء الحارس للرجل الواعظ فعلمه الواعظ دعاءا يستجير به عند الخوف من الحاكم الظالم ، وكتب الدعاء فى ورقة ، وعاد الحارس فوجد ابا جعفر المنصور مبتسما وأخبر الحارس أن هذا الواعظ كان ( الخضر ) . وقد ذكرنا هذه الواقعة بالتفصيل فى إحدى مقالات ( وعظ السلاطين ) وهى منشورة هنا . ومعنى أن يذكر ابن الجوزى هذه الحكاية فى تاريخه المنتظم ضمن أحداث عصر الخليفة أبى جعفر المنصور أنه مؤمن بحياة الخضر حتى عصر ابى جعفر المنصور .
الطريف أن ابن الجوزى ــ الذى كثيرا ما إنتقد الغزالى ــ هو الذى ينقل نفس هذه الرواية عن الغزالى ، وقد أوردها الغزالى فى ( إحياء علوم الدين ) فى ( كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) بدون عنعنة وإسناد فجاء ابن الجوزى فصنع لها إسنادا مطولا من خياله ، وذكر القصة وفى نهايتها : (قال الحارس : فأخذته فوضعته في جيبي ، ثم لم يكن لي همٌ غير أمير المؤمنين، فدخلت فسلمت عليه فرفع رأسه ينظر إلىّ ويبتسم، ثم قال لي: ويلك، تحسن السحر؟ فقلت : لا والله يا أمير المؤمنين. ثم قصصت عليه أمري مع الشيخ، فقال: هات الورق. ثم جعل يبكي، ثم قال: به نجوت، وأمر بنسخه، وأعطاني عشرة آلاف درهم، ثم قال: أتعرفه؟ قلت لا: قال: ذاك الخضر"!! ) ، والغزالى فى القصة الأصلية فى ( الاحياء ) يقول فى نهايتها : ( ..فأخذته فصيرته في جيبي ثم لم يكن لي هم غير أمير المؤمنين فدخلت فسلمت عليه فرفع رأسه فنظر إلي وتبسم ثم قال ويلك وتحسن السحر فقلت لا والله يا أمير المؤمنين ثم قصصت عليه أمري مع الشيخ فقال هات الرق الذي أعطاك ثم جعل يبكي وقال وقد نجوت وأمر بنسخه وأعطاني عشرة آلاف ثم قال أتعرفه قلت لا قال ذلك الخضر عليه السلام )...أساتذة فى الكذب ..وفى الهجص لأن دينهم هجص فى هجص ..!!
2 ـ وأفرد ابن الجوزى فى تاريخ الصحابة والتابعين والزهاد وشيوخ التصوف والعُبّاد كتابا خاصا هو ( صفوة الصفوة )، أى جعلهم صفوة الصفوة . وملأه بهجص تضحك منه النساء الثكلى . وضمن هجص الكرامات ورد ذكر للخضر ولقائه ببعض هؤلاء ( الصفوة من الصفوة ) . ونستشهد ببعض هجصه :
2 / 1 : يقول : ( عن مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير وكان مصعب يصلي في اليوم والليلة آلف ركعة ويصوم الدهر قال بت ليلة في المسجد بعد ما خر الناس منه فإذا برجل قد جاء إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم فاسند ظهره إلى الجدار فقال اللهم انك تعلم اني كنت أمس صائما ثم أمسيت فلم افطر على شيء اللهم فإني أمسيت اشتهي الثريد فأطعمنيه من عندك قال فنظرت إلى وصيف داخل من خوخة المنارة ليس في خلقه وصفاء الناس ومعه قصعة فأهوى بها إلى الرجل فوضعها بين يديه وجعل الرجل يأكل وحصبني فقال هلم فجئته وظننت أنا من الجنة فأحببت أن آكل منها فأكلت منها لقم فأكلت طعاما لا يشبه طعام أهل الدنيا ثم احتشمت فقمت فرجعت لمجلس فلما فرغ من أكله اخذ الوصف القصعة ثم أهوى راجعا من حيث جاء وقام الرجل منصرفا فتبعته لأعرفه فلا ادري أي سلك? فظننته الخضر عليه السلام. ). المضحك فى هذه الرواية أن ابن الجوزى الذى عاش فى القرن السادس الهجرى ينسب روايتها الى حفيد عبد الله بن الزبير الذى عاش فى العصر الأموى ، فكيف سمع ابن الجوزى من هذا الراوى . هذا هجص عجيب .!!
2 / 2 : يقول عن خير النساج : ( قال: سمعت إبراهيم الخواص وقد رجع من سفره، وكان غاب عني سنين، فقلت له: ما الذي أصابك في سفرك? فقال: عطشت عطشا شديدا حتى سقطت من شدة العطش ، فإذا أنا بماء قد رش على وجهي ، فلما أحسست ببرده فتحت عيني ، فإذا برجل حسن الوجه والزي، وعليه ثياب خضر، على فرس أشهب، فسقاني حتى رويت، ثم قال: ارتدف خلفي وكنت بالحاجر. فلما كان بعد ساعة قال: أي شيء ترى? قلت: المدينة. فقال انزل واقرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام وقل: أخوك الخضر يسلم عليك. )
2 / 3 : يقول : ( عمر بن سفيان المنبجي قال: اجتاز بنا إبراهيم الخواص فقلت له: حدثني بأعجب ما رأيت في أسفارك. قال: لقيني الخضر فسألني الصحبة فخشيت أن يفسد علي سر توكلي بسكوني إليه، ففارقته. )
2 / 3 : يقول ابن الجوزى فى ترجمته لداود البلخي هجصا كثيرا منه ما يخص خرافة ( إسم الله الأعظم ) التى شاعت بالتصوف وأنه من يعلمها ويدعو بها تتحق له أمنياته، وأن داود البلخى هذا كان يعلم الاسم الأعظم ، وأنه علّمه لغلام ، وقد قال هذا الغلام للراوى :" إنه يتعاظم علي أن أنطق به ، فإنني سألت به مرة فإذا برجل آخذ بحجرتي ، فقال: سل تعطه، فراعني ذلك وفزعت فزعا شديدا فقال: لا روع عليك أنا أخوك الخضر، إن أخي داود علمك اسم الله الأعظم فإياك أن تدعو به على رجل بينك وبينه نزع فتهلكه هلاك الدنيا والآخرة ....)
2 / 4 : يحكى ابن الجوزى هذا ( الفيلم الخيالى الطويل ) ومن أحداثه أن البطل ( .أبو غسان المؤذن ) قال: " .. فإذا رجل قد دخل علينا المسجد فسلم وصلى إلى جنب فتح ركعتين وقعد فسلم عليه فتح رسالة، فقال له الرجل: متى عهدك بأبي السري? قال: ما لي به عهد منذ أيام. قال: فقم بنا إليه فإنه معتل.قال: فخرجنا من المسجد وأنا أنظر إليهما حتى مضيا إلى دجلة يمشيان على الماء فقعدت أنظر رجوعهما فجاء أحدهما في آخر الليل فإذا هو فتح فدخلت عليه المسجد فرميت نفسي كأني نائم، فلما أسفر الصبح وصلينا وتفرق الناس قمت إليه فقلت: يا أبا محمد قد قضيت من زيارتك وطرا وقد رأيت الرجل الذي أتاك البارحة وما كان منكما، فجعل يعارضني. فلما علم أني قد علمت الخبر أخذ علي العهود أن لا أعلم بذلك أحدا ما علمت أنه حي، وقال لي: ذاك الخضر . ).
2 / 5 : فى ترجمة ( محمد بن علي الصوري : " قال : كنت أتمنى على الله أن يريني أبا العباسي الخضر عليه السلام. فلما كان بعد مدة إذا أنا بالباب يدق علي. فقلت: من هذا? فقال لي: أنا الذي تتمناني على الله عز وجل أنا الخضر . فقلت له: الذي طلبناك له قد وجدناه. ارجع إلى حال سبيلك. )
ثانيا : هجص ابن الجوزى ضد الحياة الخالدة للخضر
1 ـ لابن الجوزى كتاب مشهور فى الأحاديث الموضوعة ، سار عليه الفقهاء السنيون فى العصر المملوكى ، ومنهم الامام الذهبى ( 673 ــ 748 ) ثم ابن تيمية ( 661 ـ 728 ) وابن القيم (691 ــ 751 ) ، ثم السيوطى ( 849 ـــ 911 ). قام الذهبى بتلخيص كتاب ابن الجوزى فى الموضوعات ، ونلتقط منه بعض ما أورده ابن الجوزى فى نقض ونقد الأحاديث التى وضعها الصوفية فى حياة الخضر الابدية :
( حديث عبد الله بن نافع عن كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده أن رسول الله