آحمد صبحي منصور Ýí 2015-11-24
مواكبة التنزيل القرآنى لحركة المنافقين : البداية
مقدمة :
1 ـ فى التنزيل المكى لم يكن فيه إى حديث عن المنافقين . كانت هناك إشارة للسماح لمن يتعرض للإكراه فى الدين أن يقول كفرا ، ويغفر الله جل وعلا له طالما كان قلبه مطمئنا بالايمان . يقول جل وعلا : (مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل 106 ) وفى التنزيل المدنى كان هناك إشارة ( للتقية ) للمؤمن فى مجتمع معاد للاسلام ويجبر ذلك المؤمن على أن يوالى ذلك المجتمع فى عدائه وعدوانه على المسلمين المسالمين ، يقول جل وعلا : (لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗوَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ ) آل عمران ). فى الحالتين نحن أمام مجتمع تنعدم فيه الحرية الدينية . وهذا يخالف الدولة الاسلامية التى أرساها الرسول عليه السلام ، وتمتع فيها الجميع بالحرية الدينية بلا حد أقصى ، وبحرية المعارضة السلمية ، أيضا بلا حد اقصى . هذا المناخ الحُرُّ أتاح للملأ فى يثرب أن يمارس حريته الدينية والسياسية بلا حدود ، وأطلق عليهم رب العزة لقب ( المنافقون ) .
أولئك المنافقون كانوا ( الملأ ) ، من أثرى سكان يثرب ( المدينة ) وحين تحول معظم أهلها الى الاسلام وهاجر اليها النبى عليه السلام والمهاجرون من مكة وغيرها جرفته الأحداث الجديدة ، فقدوا مكانتهم وسيادتهم وجاههم وتساووا فى المواطنة مع غيرهم من الأنصار بل من الغرباء ( المهاجرين القادمين ) ( لمدينتهم ) .! وفى نفس الوقت كانوا لا يملكون الهجرة من المدينة وهى وطنهم ومقر ثروتهم وفيها أهلهم وذووهم ، ثم مغادرتهم المدينة سيجعلهم تحت رحمة قبيلة أو قبائل أخرى تابعين لهم بلا مكانة بل فى أقل مكانة . أضطروا الى البقاء فى المدينة حيث كانوا ينعمون فيها فى ظل الدولة الاسلامية بحريتهم الدينية والسياسية مع تآمرهم بكل ما يستطيعون ، وهذا ما كانوا يفعلون . وكل ما كان يلزمهم هو القسم بالله جل وعلا كذبا ، أى كما قال رب العزة (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) المجادلة 16 ) ( المنافقون 2 ).
2 ـ وروعة التنزيل المدنى هنا هو التسجيل لما كان يحدث من بداية حركة النفاق الى إشتدادها قبيل موت النبى عليه السلام . وانتهى العلم بهم بموت النبى وإنتهاء الوحى نزولا . وهذا لا يعنى أن حركة النفاق إنتهت وتم إستئصالها مرة واحدة ، ولكن يعنى العكس ، وهو بلوغها الذروة بعد غياب الوحى فلم يعودوا يخشون من نزوله يفضح ما يفعلون . بل إن البحث التاريخى للمسلمين فى الفتوحات يؤكد أن هذه الفتوحات وما تلاها من حروب أهلية قد قادها اولئك الذين مردوا على النفاق ولم يكن النبى عليه السلام يعرفهم وهم الى جانبه ، يقول جل وعلا :( و مِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍ ) التوبة 101 ) هم يختلفون عمّن ذكرهم رب العزة فى الآية التالية ، وهم عُصاة إعترفوا بذنوبهم وعسى ان تكون توبتهم صادقة فيغفر الله جل وعلا لهم : ( و آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) التوبة 102 ). كلا .. هؤلاء الذين مردوا على النفاق لم يعترفوا ولم يتوبوا ، بل حافظوا على كراهيتهم للإسلام ، وأمسكوا ألسنتهم وضبطوا حركاتهم حتى لا يفضحهم الوحى ، وبعد موت النبى عليه السلام وإنقطاع الوحى نزولا تصدروا المشهد ( من أبى بكر وعمر وعثمان والزبير وطلحة وسعد وابن عوف ..الخ ) . أولئك الذين مردوا على النفاق حققوا لزملائهم المنافقين المفضوحين ( من الأوس والخزرج والأعراب ) ما كانوا يتمنونه . كان يجمع هؤلاء المنافقين العلنيين وهؤلاء المنافقين ( المردة ) كراهية شديدة للإسلام ، ولكن الفارق أن المنافقين القرشيين الذين هاجروا الى المدينة كانوا الأكثر دهاء ، وكانت التعليمات عندهم أن يلتصقوا بالنبى ، ولو نجح فى دعوته فتكسب قريش وتجنى الثمرة. هذا التخطيط الجهنمى الذى وصفه رب العزة بانه مكر تزول منه الجبال ( ابراهيم 46 ) أسفر عن تغيير هائل فى التاريخ العالمى ، إذ حكمت قريش بعد موت النبى وإستغلت الاسلام فى الفتوحات ، وبه ظلت تحكم قريش معظم العالم المعروف من خلافة ( الراشدين ) الى خلافة الأمويين والعباسيين والفاطميين . والتفاصيل فى كتابنا ( المسكوت عنه فى تاريخ الخلفاء الراشدين ) وهو منشور هنا . ولكن الذى يهمنا هنا أن التنزيل القرآنى المدنى حفل بتفصيلات عن المنافقين العلنيين فى المدينة ، مع إشارة الى منافقين مجهولين أخطر ، لم يكونوا وقتها قد إرتكبوا أعمالا عدائية حتى ينزل القرآن يفضحهم ، بل قدموا طاعة وإلتزاما ، وليس معقولا أن يفضحهم التنزيل بأفعال لم يرتكبوها بعد . لذا كان المناسب الإشارة الى أنهم من أهل المدينة وأنهم مردوا على النفاق وأنه النبى لا يعلمهم وأنهم سيرتكبون أعمالا فيما بعد يعذبهم بسببها رب العزة مرتين فى الدنيا ثم يموتون بكفرهم ليلاقوا فى الآخرة العذاب العظيم .
3 ـ ونتتبع حركة النفاق ( العلنية ) من خلال رصد التنزيل المدنى لها .
البداية : الكلام عنهم بما يعملون دون وصف ( المنافقين )
1 ـ جاء هذا فى سورة النور ضمن موضوع ( حديث الإفك ) والذى ( تولى كبره منهم ) و( الذين يحبون أن تشيع الفاحشة فى الذين آمنوا ) و( الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات ) . نزل التأنيب والتحذير لأولئك ( المنافقين ) بدون كلمة ( المنافقين ) .( النور 11 : 26 )
2 ـ بدأ المنافقون يرفعون لواء الايمان خداعا بينما بعقدون إجتماعات سرية لهم يتندرون فيها على المؤمنين ، ونزل آيات سورة البقرة تفضحهم ( البقرة 8 : 20 ) ولكن دون وصفهم بالمنافقين .
ذكرهم بالاسم ( المنافقون )
سورة الأنفال :
أول وصف لهم بالمنافقين نزل فى سورة الأنفال فى الإشارة الى حقدهم على انتصار المؤمنين فى موقعة ، يقول رب العزة : ( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ غَرَّ هَٰؤُلَاءِ دِينُهُمْ ۗ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) الانفال 49 ).
سورة ( آل عمران ): سجلت تعاظم دورهم فى موقعة ( أحُد )
1 ــ فى بداية الحديث عنهم جاء الحديث عنهم بوصفهم ( بطانة ) ، ونزل التحذير للمؤمنين من إتخاذ بطانة من غيرهم كارهة لهم تبدو الكراهية على وجوههم وما تخفى صدورهم أكبر ، يفرحون إذا أصاب المؤمنين سيئة ، ويحزنون إذا حدث للمؤمنين خير ، ولا يتوانون فى الكيد للمؤمنين ، ولو تمسك المؤمنون بالصبر والتقوى لن تضرهم مكائد اولئك الكارهين (آل عمران 118 : 120 ).
2 ــ وفى سياق الحديث عن موقعة ( أحُد )، ( آل عمران 138 : 180 ) تعرض التنزيل المدنى فى السورة الى مواقف وأقوال المنافقين والرد عليها ، إذ وجدوا فى هزيمة المؤمنين فرصة لهم . حين تحرك جيش قريش للإنتقام قاصدا المدينة إستشار النبى أهل المدينة فرأى المنافقون البقاء فى المدينة وإنتظار الكافرين بينما تحمس شباب المؤمنين الى الخروج لملاقاتهم فى الطريق لدرء خطرهم عن المدينة . وهو الرأى الأصح . وأخذ به النبى ، وصدقهم الله جل وعلا وعده فانتصر المؤمنون فى البداية وكشفوا جيش قريش عن مكانه ، ولكن حدثت الهزيمة لأن فريقا من المؤمنين كان ( يريد الدنيا ) أى الغنائم ، وحدثت الفوضى ولم يسمعوا تحذير الرسول لهم ( آل عمران 152 : 153 ). وبعد الهزيمة وجدها المنافقون فرصة يلومون فيها النبى يقولون لو أطعتم رأينا ما حدثت الهزيمة وما قُتل أولئك الناس ، ويقولون : ( ليس لنا من الأمر شىء )( لو أطاعونا ما قُتلوا ) ونزل الرد عليهم بأن كل نفس مقدر لها موعد ومكان موتها . وأن أولئك الذين قتلوا فى أحد لو ظلوا فى بيوتهم سيذهبون الى مكان المحدد لموتهم ، وأن الخير ينتظرهم عند ربهم ، وأنهم ليسوا موتى بل أحياء عند ربهم يُرزقون : ( آل عمران 154 ، 156 : 158 ،168 ، 169 : 171 ). ويفضح التنزيل المدنى موقف المنافقين فى رفضهم الدفاع عن المدينة بحجة انهم لا يعرفون القتال ( آل عمران 167 ) ، وكان من يسارع منهم الى الكفر وكان النبى يحزن لكفرهم ولا داعى لأن يحزن بشأنهم فليس لهم حظ فى الآخرة ،( ملاحظة : لم يكن هناك ما يُعرف بحد الردة لمعاقبة أولئك الذين كانوا يسارعون بإعلان الكفر فى وجود البنى الى درجة أن يحزن بسبب ردتهم ) ومنهم من يبخل وسيتم تطويقه بما يبخل به يوم القيامة ، وان محنة موقعة ( أحد ) كانت إختبارا يتميز فيه الطيب من الخبيث ، خصوصا أولئك المؤمنين الصادقين الجرحى فى المعركة والذين صمموا رغم جروحهم على مطاردة جيش القرشيين الذين بادروا بالفرار بعد ان خطفوا نصرهم السريع . أولئك المؤمنون الأبطال رفضوا تخويف المنافقين بأن جيش الكفار قد جهز لهم وجمع لهم كمينا ، لم يترددوا فى متابعة جيش قريش ، بينما تقاعس المنافقون وقعدوا عن حراسة المدينة بعد خروج جيش النبى منها لمواجهة جيش قريش : ( آل عمران: 167 : 168 ، 172 : 180).
شكرا لأستاذى الدكتور منصور -على المقالات وعلى التعقيب ، وشكرا للأستاذه داليا ..
وأعتقد أن مجتمع المدينة (يثرب ) وما حولها كان يتجاوز ال 250 الف او أكثر من المُسلمين . نحن لا نعرف منهم إلا مشاهير الصحابة (من المهاجرين والأنصار ) فبالتأكيد كان هُناك مسلمين مُخلصين لله ولدينهم ،ولكنهم كانوا مغمورين ،وبعيدين عن الأضواء فى عصر النبى عليه السلام ،وبعيدين عن الصراع السياسى فى عهد الخلفاء ، مثلما هو الحال عليه الآن فى مصر لا نعرف سوى من عليهم الأضواء ،(وغالبا معظمهم منافقين او فاسدين ) ،ولكن لا نعرف من الوطنيين المخلصين لله ،ولرفعة ورقى بلدهم إلا قليل القليل . وفى النهاية التاريخ لن يذكر إلا تاريخ النظام ،ومن معه من المنافقين والفاسدين .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,691,595 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
موعدنا يوم الحساب.!: ايها الدجا ل تسمي موقعك اهل القرء ان وتطعن...
التراضى فى الزنا: بعد عام من الإنك ار، أقر طارق رمضان ، ...
أربعة أسئلة: رسال ة من الاست اذ أبى أسامة ( السلا م ...
الايمان بشخص كفر: ما هو الفرق بين الذين امنوا بما أنزل على محمد و...
الجرز : ما معنى ( الجُر ُز ) ؟ ...
more
فهمت من مقاله حضرتك ان المنافقين من الاعراب وهم من يسموا بكبار الصحابة بخلاف المنافقين من المدينة الذين مردوا على النفاق كانوا حول الرسول وهم اصلا الاسماء التي نسمع انها حول الرسول فهل معني ذلك ذلك انه لم يكن حول الرسول اي مؤمن صادق وحقيقي !! الوحيد الاسمع انه لم يشترك فى الفتوحات ونهب ثروات الامم هو ابو ذر الغفاري فهل كل من كانوا حول الرسول منافقين ؟ كيف جمع القرآن فى صحف بايديهم ولم يتم تحريفه طالما جميعهم هكذا منافقين ما بين اعراب ومن مردوا من اهل المدينة !! واذا كان اهل المدينة النافقوا كان بسبب كراهيتهم للرسالة الاتت ساوت بينهم وبين العبيد وقسمت ثرواتهم فما هو سبب كراهية من يسموا بكبار الصحابة كابا بكر وعمر وعثمان وطلحة للاسلام وقد جعلهم اسياد فى الاسلام كما هم فى الجاهلية بل ازداد فضلهم بقربهم من الرسول ؟؟ .. وشكرا لوقت حضرتك