الفصل الخامس : تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 –1818 :
فى نتائج التطبيق للشرع الوهابى :( الحزم فى الداخل والحرب مع الخارج )

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-10-14


فى نتائج التطبيق للشرع الوهابى :( الحزم فى الداخل والحرب مع الخارج )

كتاب مقدمة إبن خلدون: دراسة تحليلية 

  القسم الثاني : قراءة في مقدمة إبن خلدون   

الفصل الخامس  : تحقيق النظرية الخلدونية فى الدولة السعودية الأولى (1158-1233 /1745 1818 ): 

فى نتائج التطبيق للشرع الوهابى :( الحزم فى الداخل والحرب مع الخارج )

أولا : الحزم الوهابى فى الداخل :

بين السىء الوهابى والأسوأ العثمانى  :

  كان الإختبار بين السىء الوهابى والأسوأ العثمانى .الحكم العثمانى وفى داخله حكم الأشراف وصل الى حضيض الفساد  ، والبديل الوهابى السعودى كان أقل فسادا بتطبيقه الجهاد والأمر بالمعروف وإزالة المنكر بالمفهوم الحنبلى . 

السىء الوهابى

1 ــ قام الحاكم السعودى فى الدولة السعودية الأولى بفرض هيبة الدولة باسم الشرع الحنبلى فأرهب الأعراب ، ومنعهم من السلب داخل الدولة ، خصوصا وقد وجهت الدولة شوكتهم الحربية للخارج ، وبحرب الخارج انهالت عليهم الغنائم خصوصا من سلب ونهب المدن وثروات المشاهد المقدسة للشيعة والصوفية . وبتحقيق الأمن فى الداخل ازدهرت الزراعة وانتعشت التجارة .

2 ــ وقد زعم الشيخ عثمان بن سند البصري الفيلكاوي ــ وهو من خصوم الوهابيين ــ أن الأمن الذي حققه الحاكم السعودي كان دسيسة خدع بها السعوديون العوام، إلا أن الشيخ عثمان حلل القضية تحليلا رائعا حين يقول ،إن تحقيق الأمن يدفع الناس للإشتغال بالزراعة والتجارة وتربية الماشية للتكسب ،فإذا اشتغلوا بالكسب الحلال فلا ينهبون ولا يسرقون ولا يقتلون ،فمتي وجد الأمان إرتفع السارق والقاتل لاشتغالهم بالمعاش الحلال ،ومتى إشتغلوا به وُجد َالأمان ..أي أن الأمن والرخاء مقترنان ،يقوم أحدهما بالآخر .

أما في داخل الدولة العثمانية فكان الحال على النقيض ،يقول الشيخ عثمان  نفسه : (ذهب الأمن وبطلت المعايش وتدهور الوطن العثماني إلى ما هو معروف .)ويضطر بالقول بأن من محاسن الوهابية (أنهم أماتوا البدع ومحوها ومن محاسنهم أنهم أمّنوا البلاد التي ملكوها ،وصار كل ما تحت حكمهم من هذه البراري والقفار يسلكها الرجل وحده ..خصوصا بين الحرمين الشريفين ،ومنعوا غزو الأعراب بعضهم لبعض ،وصار جميع العرب على اختلاف قبائلهم من حضرموت إلى الشام كأنهم إخوان أولاد رجل واحد ،إلى أن عَدُمَ الشرُّ في زمان إبن سعود ،وانتقلت أخلاق الأعراب من التوحش إلى الإنسانية ،تجد في بعض الأراضي المخصبة :هذا بيت غزي وبجانبه بيت عتيبي وبقربه بيت حربي وكلهم يرتعون كأنهم إخوان ،ورأيت لهم عقيدة منظومة يحفظها حتى رعاة غنمهم ،منها:

        وما الدين إلا أن تقام شعائر                    وتأمن سبل بيننا وشعاب .

فكأنهم جعلوا تأمين الطرقات ركنا من أركان الدين )[20].

3 ــ ونأخذ شهادة أخرى من مبعوث نابليون المتنكر الذي شهد دخول السعوديون إلى مكة يؤددون المناسك في 45 ألف مجاهد من جيش سعود الكبير ،بينما اختفي شريف مكة وتجمد جنوده خوفا فوق أسلحتهم ،وقد سجل دومنجو باديا أي البليخ أو الحاج علي العباسي هذا المشهد وسلوك السعوديين بما نفهم سر توطيد الأمن في المناطق التي يسيطرون عليها ،يقول(لم يلبث الذعر أن اجتاح الجبل وما حوله ،عندما احتلته جموع الوهابيين وكان مشهدهم يملؤ النفوس ذعرا للوهلة الأولى ،ولكن ما أن يزول هذا الإنطباع حتي يكتشف المرء خصالهم الحميدة فهم لا يسرقون قط ،لا عن طريق القوة ولا عن طريق الحيلة إلا إذا اعتقدوا أن المتاع يخص عدوا أوكافرا ،وهم يؤدون ثمن كل ما يشترونه وأجور كل الخدمات التي تقدم لهم ..). أى يكتفون بسلب العدو ـ أى الغنائم .

الأسوأ العثمانى

1 ــ وقتها كانت الدولة العثمانية (الإسلامية ) فى عصر إنحلالها وإضمحلالها ، وكان جيشها وحامياتها العسكرية عنوان الفساد والإنحلال في كل عاصمة يحكمونها . كانوا همجا لا يعرفون سوى السلب والنهب والعربدة والسبى . والواقع ان الوالى محمد على أرسل بهم لحرب الوهابيين ليتخلص منهم لأنه كان يريد  تأسيس جيش عصرى مدرب تدريبا حديثا ، وقد رفضوا هذا التدريب الحديث وخاف من شغبهم فكان الحل ان يتخلص منهم فى صحراء الجزيرة العربية.  وبعدها أنشأ جيشا مصريا عصريا قامت حوله نهضة صناعية وتعليمية .

2 ــ وإذا رجعنا الي الجبرتي وهو يسجل إستعداد محمد علي لغزو الدولة السعودية نجد أن أول حملة كانت تحت قيادة طاهر باشا أخذت في السلب والنهب من المصريين بحجة تسهيل العسكر المسافر للخوارج أي السعوديين ،وانتهت بأن لم تسافر ، واكتفت بنهب المصريين.

أما الحملة التي وصلت إلى الحجاز لأنقاذه من (الخوارج ) فقد نزلت إلى (ينبع ) ، ولم يكن بها أحد من (الخوارج ) ومع ذلك فقد عاثت فيها فسادا ،يقول الجبرتي (نهبت ما كان بالينبع من الودائع والأموال والأقمشة والبن ،وسبوا النساء والبنات الكائنات بالبندر ،وأخذوهن أسرى يبيعونهن لبعضهن البعض ..) ، ثم إذا واجهوا السعوديين على أرض المعركة الحقيقية ينهزمون بقائدهم طوسون هزيمة منكرة ..

3 ــ وفي تفسير هذه الهزيمة يعترف أحد القادة للجبرتي وقد صقلته المواجهة مع الجيش السعودي فاستيقظ ضميره، قال : ( أين لنا النصر وأكثر عساكرنا على غير الملة ،وفيهم من لا يتدين بدين ولا ينتحل مذهبا ،وصحبتنا صناديق المسكرات ،ولايسمع في عرضينا (أي نواحي الجيش )آذان ولا تقام به فريضة ،ولا يخطر في بالهم ولا خاطرهم شعائر الدين ،والقوم (الوهابيون ) إذا دخل الوقت أذّنَ المؤذنون وينتظمون صفوفا خلف إمام واحد بخشوع وخضوع ،وإذا حان وقت الصلاة والحرب قائمة أذّن المؤذنون وصلوا صلاة الخوف ، فتقوم طائفة للحرب وتتأخر الإخرى للصلاة ،وعسكرنا يتعجبون لأنهم لم يسمعوا به أصلا ).  ثم يقول عما فعله جيش طوسون عندما وصل إلى بدر (ولما وصلوا بدرا واستولوا عليها وعلى القري و بها خيار الناس وبها أهل العلم والصلحاء نهبوا وأخذوا نساءهم وبناتهم وأولادهم وكتبهم فكانوا يفعلون فيهم ويبيعونهم لبعضهم البعض ،ويقول عنهم هؤلاء الكفار الخوارج . حتى إتفق أن بعض أهل بدر الصلحاء طلب من بعض العسكر زوجته ،فقال تبيت معي الليلة ،وأعطيها لك في الغد .[21]

ثانيا : الحرب مع الخارج

1 ــ كانت الحرب حتمية بين القوتين السعودية والعثمانية خصوصا عندما إحتل السعوديون الحجاز وسيطروا على فريضة الحج التى كانت شعار الخلافة العثمانية . وقد أرسل الصدر الأعظم ( بمثابة رئيس الوزراء فى الامبراطورية العثمانية ) إلى شريف مكة يبلغه بحسن ظن الدولة به، وتأكد محمد علي من إنحياز الشريف له ،وكاتب الباب العالي يخبرهم بميل الشريف إليهم ورغبته في التعامل معهم [22] أى  رغبته في خيانة الدولة السعودية التي أرغمته على أن يكون تابعا لها .

وقد استمرت الحرب بين جيوش محمد علي والدولة السعودية فيما بين 1811 1818 ،وقاد الحرب فيها طوسون ثم محمد علي نفسه ،ثم إبراهيم باشا ،ومن الجانب السعودي شهدت السنوات الاخيرة من حكم سعود الكبير مع حكم إبنه عبد الله (1814-1818 ). وتخللها فترات من الهدنة ومحاولات الصلح .

2 ــ وفي مراسالات الصلح هذه كان الأمير عبد الله بن سعود يؤكد على أن هدف دولته إقامة شرائع الإسلام ،أي يتهم ضمنيا الخلافة العثمانية بأنها لا تقيم شرائع الاسلام .   

3 ــ ونتذكر الرسالة المتعالية التى أرسلها الأمير سعود الكبير الى السلطان سليم العثمانى ، يقول فيها له : ( من سعود إلى سليم .أما بعد فقد دخلت مكة في الرابع من محرم سنة 1218 وأمّنت أهلها على أرواحهم وأموالهم ،بعد أن هدمت ما هناك من أشباه الوثنية ،وألغيت الضرائب إلا ما كان منها حقا ،وثبتُّ القاضي الذي وليته أنت طبقا للشرع ،فعليك أن تمنع والي دمشق ووالي القاهرة من المجئ بالمحمل والطبول والزمور إلى هذا البلد المقدس ،فإن ذلك ليس من الدين في شيئ ،وعليك رحمة الله وبركاته ).

إختلفت اللهجة فى خطابات الأمير السعودى للسلطان العثمانى يبرر فيها أفعاله متمسحا بالاسلام . وهذا حين اضطر لطلب الصلح سنة 1815 ، وتبودلت الرسائل بينه وبين محمد علي باشا يطلب فيها الأمان له ولقومه في مقابل إعترافه بالتبعية للدولة العثمانية ،ولم تفلح المفاوضات حينئذ ، ولكن من بين سطور رسائل الأمير عبد الله يقول فيها عن نفسه (من المسلمين الذي لا ينفكون عن آداء شروط الإسلام التي هي إعلاء كلمة الشهادة وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصيام رمضان وحج بيت الله الحرام ومنع الظلمة من الإضرار بالناس وكف أيديهم والحث والحض على تأدية الواجبات التي هي حقوق الله تعالي ومفروضاته ) إلى أن يقول عن شريف مكة أنه حسده بسبب ذلك )[23]

وفي رسالة أخرى إلى محمد علي باشا يقول له الأمير عبد الله بن سعود (إنما جاهدنا الأعراب حتى أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وألزمناهم صيام رمضان وحج بيت الله الحرام ومنعناهم من ظلم العباد  والسعي في الأرض بالفساد وعن قطع سبيل المسلمين والتعرض لحجاج بيت الله الحرام من الوافدين ،وعند ذلك شكوا إلى والي مكة ورمونا بالكذب والبهتان وخرّجونا (أي إتهمونا بأننا خوارج ) وبدّعونا (أي إتهمونا بأننا مبتدعون )وقالوا فينا ما نحن منه براء، فسير علينا بأجناد وعدد وعدة فأعجزه الله وله الحمد والمنة ،فقاتلناهم دفعا لشره ومقابلة لفعله القبيح ومكره ،فرده الله بغيظه ،لم ينل خيرا ،واستولينا على الحرمين الشريفين وحده وينبع ،فلما تمكنا من أوطانه فعلنا معه كل جميل ..)

وفي رسالة أخرى منه إلى محمد علي باشا يكرر ما سبق من عمله على إقامة شعائر الإسلام ،ومن ذلك قوله (ولما كانت لنا قدرة عليهم أمرناهم بإقامة شعائر الإسلام والتزام سائر الإحكام من عبادة الله وحده لا شريك له ،إقامة الصلوات الخمس ، وصوم شهر مضان ،وحج بيت الله الحرام فانحسم بذلك  مواد شرهم وفسادهم لأن أكثرهم مفسدون في الأرض ..بل أكثرهم للطرق قاطعون وجملتهم للبعث منكرون فلما كانت لنا القدرة عليهم وجب علينا أن نحملهم على الشرع الشريف عملا بقوله تعالي (الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر )[24]

ثالثا : نتيجة الحرب : سقوط الدولة السعودية الاولى واستمرار الوهابية

1 ـ لم تقم الدولة السعودية الأولى بتطبيق الشرع الاسلامى ، بل الشرع الحنبلى الوهابى الذى كان لا يخلو وقتها من بعض ملامح إيجابية فى مقارنة بالأسوأ العثمانى ،  ولكن انتصر الأسوأ العثمانى وأسقط الدولة السعودية . اسقطها حربيا ولكن لم يستطع القضاء على الوهابية دينيا وفكريا ، لأن هذا يستلزم إجتهادا فكريا إسلاميا يوضح الفارق بين الشرع الاسلامى الحقيقى والشرع السنى الحنبلى التيمى الوهابى . ولقد كانت الغلبة للوهابية فى الجدل مع الصوفية والشيعة ، وبالتالى كان مستحيلا وجود إجتهاد صوفى أو شيعى يؤسس التناقض بين الاسلام الحقيقى والوهابية ، لأن هذا الاجتهاد الاسلامى نفسه سيطيح بالتصوف والتشيع أيضا .

2 ــ ظلت الوهابية منتصرة فكريا على التصوف والتشيع ، لذا إستمرت حية فى ( نجد ) بعد سقوط الدولة السعودية الأولى . وعندما قامت دولة آل الرشيد ،وهم من  أعوان الأسرة السعودية بقيت آثار من ملامح الأمن وتطبيق بعض مظاهر الشرع الوهابى ،نلاحظ هذا فيما تحدثت عنه الليدي آن بلنت في رحلتها إلى نجد وما يتمتع به جبل شمر من أمن في عهد محمد بن الرشيد ،نذكر ما أسمته بأولى علامات الوهابية حين نودي لصلاة الظهر وجاء رجل يحث القاعدين على الصلاة وبعده إثنان من المطوعين، بل إنها تذكر أن المسافرين من المسلمين إلى نجد  خلال صحراء النفوذ يستعدون لإقامة الصلاة ،تقول (يريدون أن يتمرنوا من إجل نجد حيث تسود الوهابية  وحيث الصلاة أمر محبوب مرهوب )[25].  .

3 ــ  بل إن جذوة الوهابية هى التى ساعدت فى إقامة الدولة السعودية الثانية ، ثم الدولة السعودية الثالثة الراهنة .

اجمالي القراءات 7507

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,690,384
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي