القاموس القرآنى : (يـمـــتـرون ) ( تمترون ) و( مـمــتـــرين )

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-08-07


أولا : تجربة شخصية فى توضيح معنى (يـمـــتـرون ومـمــتـــرين )

1 ـ حين كنت فى الرابعة عشر من العُمر أنكرت الأضرحة المقدسة فى قريتى (ابوحريز / شرقية ) وأعلنت انها رجس من عمل الشيطان ، وقررت من وقتها الاهتمام بموضوع التصوف خصوصا وأن عائلتى لقبها عائلة ( الخليفة ) أى تتوارث خلافة الطريقة الرفاعية فى المنطقة ، وكنت أرى أن التصوف لا بأس فيه ، وأن الفساد فيه مبعثه المنتسبون اليه . وتبين لى فى رسالة الدكتوراة فيما بعد أنه دين مناقض للاسلام ، وأنه يزعم وحيا كاذبا من المنامات والأحاديث . وقفت ضد التصوف وكنت سنيا معتدلا ، وبالقرآن الكريم أزلت من عقلى شوائب التصوف ، ثم إلتفتّ الى السُّنة فناقشت أحاديثها بالقرآن ، وبه آمنت أنه لا حديث يجب الايمان به إلا حديث الله جل وعلا فى القرآن ، وأن السّنة هى سنة الله وشرعه ومنهجه ، وأن النبى متبع لسنة الله وكتابه . قالوا لى فى جامعة الأزهر وقتها (  1985 : 1987 ) إنهم كانوا ضدى فى رسالة الدكتوراة وأنا أُنكر التصوف ، وهم الآن يوافقوننى ، ولكن (إلّا السًّنة النبوية ) قلت لهم سيأتى الوقت الذى توافقوننى فى موضوع السُّنة كما وافقتموننى فى موضوع التصوف .. كان ممكنا أن يوافقوا ــ لولا النفوذ السعودى الذى أشعل التنافس فى الانخراط فى الوهابية طلبا للريال والدولار .

2 ـ فى الجدال معهم داخل الجامعة وبعد تركها ، كنت أستشهد لهم بالقرآن فى نفى كون تلك الأحاديث جزءا من الاسلام ، ويكون الرد دائما ( نعم ..بسّ ) أى الموافقة ثم الجدل بالتشكيك فى القرآن كقولهم : ( صحيح بس كيف نصلى ) ( بس فين ركعات الصلاة فى القرآن ) ( صحيح بس كيف نحُجّ ). أوضحت لهم ـ كثيرا ــ أن العبادات متوارثة من ملة ابراهيم ، وأن خاتم المرسلين متبع لملة ابراهيم وأن القرآن الكريم نزل ليصحح اخطاء العرب وأهل الكتاب فى تطبيقهم لملة ابراهيم ، والتشريعات الجديدة فيه تاتى مفصلة ، وأن ليس كل المتوارث خطأ ، ولهذا لا بد من الاحتكام للقرآن الكريم فما يخالفه نرفضه ولا نتمسك به لمجرد أنه ما وجدنا عليه آباءنا. كلما شرحت لهم قالوا :( صحيح .بسّ ) كتبت مبكرا كتاب ( الصلاة فى القرآن الكريم) بعد أم مللت من كثرة الاجابة على نفس السؤال ، وكنت أصوره وأعطي منه نسخا لمن يسأل عن الصلاة ، وكانت نفس الاجابة ( صحيح ..بسّ ) .. لم ينقطع السؤال أبدا ، ولم ينقطع قولهم ( أيوه صحيح ..بس ّ ) . لذا سميتهم وقتها :( آل بسّ ) .

3 ـ هناك فارق بين من يسأل ويناقش طلبا للهداية ، وبين من يجادل ليخفى كفره بالقرآن الكريم وساعيا يطلب العوج فى آيات الله جل وعلا ، ورب العزة يقول فيه: ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (51) الحج) ( وَالَّذِينَ سَعَوْا فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (5)سبأ) (وَالَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ أُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (38) سبأ ). ونلاحظ  التكرار مع التعبير بالماضى ( سعوا ) والمضارع ( يسعون ) تأكيدا على إستمرار السعى من الكافرين للتشكيك ونسبة العوج الى كتاب الله جل وعلا ، وهو جل وعلا قد نزّه كتابه الكريم عن العوج : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا (1) قَيِّماً ) الكهف ) (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ )(28)الزمر) ، وهو جل وعلا لعن الذين يسعون فى آياته وسبيله معاجزين ، فقال جل وعلا : (أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ كَافِرُونَ (45) الاعراف )( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) هود )( وَوَيْلٌ لِلْكَافِرِينَ مِنْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (2) الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (3) ابراهيم ).

4 ــ فى النهاية كنت أقول لهم : ( هل تسأل لتعرف ام تسأل لتجادل؟ إذا كنت تريد أن تعرف فاسمعنى الى النهاية ، وإذا كنت تريد الجدال فإن الجدال ممنوع فى آيات الله ) .

ثانيا : المجادلون الممترون المُصابون بالمرية أو الشك والريب :

1 ــ هؤلاء المجادلون فى آيات الله الساعون فى آيات الله معاجزين هم ( الممترون ) الذين يجادلون للتشكيك . فى قلوبهم شكُّ وريب ، ويريدون طرد هذا الشك من نفوسهم بالجدال تشكيكا فى الكتاب العزيز . هم فى شك أو ريب أو ( مرية ) من لقاء الله جل وعلا الذى لا ريب فيه ، وسيظلون هكذا الى أن تأتيهم الساعة أو العذاب العقيم: ( وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ (55) الحج )( أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54) فصلت ). فالمرية هى الشّك والريب.  ،

2 ــ وقد أمر الله جل وعلا رسوله الكريم أن يتأكد من ضلال العرب المتمسكين بما وجدوا عليه آباءهم والذى يخالف القرآن الكريم ،ولا يكون عنده شك أو مرية كفرهم ،فقال له جل وعلا:( فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ )(109)هود) ، أى لا يكون لديه شكّ فى ضلالهم ، وفى نفس الوقت نهاه جل وعلا عن المرية أو الشكّ فى الكتاب المنزل على موسى :( وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً أُوْلَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنْ الأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ )(17)هود).

3 ـ وعن المماراة او الجدل التشكيكى يقول جل وعلا عن الجدل فى عدد أهل الكهف: ( قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22)الكهف 22 ). وقلنا فى بحث منشور هنا  أن ليلة القدر هى ليلة الاسراء الى المسجد الأقصى فى جبل الطور فى سيناء ، حيث رؤية الرسول لجبريل حين دنا جبريل وتدلى من الأفق الأعلى وتم بهذا الوحى القرآنى مكتوبا فى فؤاد الرسول عليه السلام .يقول جل وعلا عن المتشككين فى رحلة الاسراء:( مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11) أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) النجم 12 ).

ثالثا : لا ريب ولا مراء فى القرآن ولا ريب ولا مراء فى اليوم الآخر

1 ـ مصطلح ( لا ريب فيه ) يأتى وصفا للقرآن الكريم فى قوله جل وعلا : ( ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) البقرة )( الم (1) تَنزِيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) السجدة ) ( وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (37) يونس  )

2 ــ وتكرر مصطلح ( لا ريب فيه ) وصفا لليوم الآخر (رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)( فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ)(25) آل عمران ) (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ )(87)النساء) (وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ )(99) الاسراء  ) (وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا )(21) الكهف ) (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا )(7) الحج ) (إِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا) (59) غافر )( قُلْ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ )(26)( وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ ) (32) الجاثية ) ( وَتُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ ) (7) الشورى).

أخيرا : من هم الممترون ؟

1 ــ الممترون هم الذين يجادلون فى اليوم الآخر الذى لا ريب فيه . يقول جل وعلا يخاطبهم    : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ)الأنعام:2 ) (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا  )الزخرف:61 ). وسيقال لهم وهم فى العذاب : ( إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ)الدخان:50 )

2 ـ وردا على الممترين فى بشرية المسيح يقول جل وعلا : (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) مريم:34 )

3 ـ وردا على ( آل بسّ ) المُشار اليهم فى أول المقال ، أو الممترين المُشككين فى القرآن الكريم الساعين فى كتاب الله معاجزين نجد خطابا أكثر وقعا وأشد خطورة ، يتوجه بالنهى الشديد للنبى محمد نفسه والتأكيد الثقيل ، ينهاه أن ( يكونّنّ ) من الممترين فى كتاب الله ، يقول له ربه : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ)البقرة:147 ) (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ)الأنعام:114 ) (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلْ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ المُمْتَرِينَ) يونس 94 ) إذا كان نهيا لخاتم المرسلين نفسه تكرر ثلاث مرات ، فكيف بنا ؟ وما هو موقف المحمديين ( آل بسّ ) يوم الدين ؟

 احسن الحديث

يقول جل وعلا يحذرنا : ( فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنْ النُّذُرِ الأُولَى (56) أَزِفَتْ الآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) النجم 55  )

ودائما : صدق الله العظيم . 

اجمالي القراءات 10788

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,686,057
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي