آحمد صبحي منصور Ýí 2015-06-29
أولا : المستوى الثالث للشخصيات التاريخية بين البحث التاريخى والدراما التاريخية
1 ـ من الصعب تتبع سيرة الشخصيات التاريخية من المستوى الثالث ، فالمؤرخون في العصور الوسطي كانوا يركزون على تسجيل التاريخ لشخصيات المستوى الأول من الحكام وكبار القادة والثائرين ، ثم يلتفتون إلى شخصيات المستوى الثاني من الولاة أصحاب التأثير ومن في مستواهم داخل الحكم أو خارجه ويلحق بهم كبار العلماء والأئمة ، ثم لا يبقى لشخصيات المستوى الثالث إلا بعض لمحات بين سطور التاريخ مبعثرة هنا وهناك ، بحيث يصعب على الباحث أن تتكون لديه معلومات تاريخية متصلة بأصحاب هذا المستوى الثالث . هذا مع أن هذه الشخصيات التاريخية ــ من المستوى الثالث ــ هم غالبا القائمون فعلا بصناعة الأحداث التاريخية ، وهم الأبطال الحقيقيون للدراما التاريخية!. تكتفى الشخصيات التاريخية من المستوى الأول بإعطاء الأوامر من مقاعدهم الوثيرة ، ويقوم بتنفيذها واقعا حيا وتاريخيا تلك الشخصيات ( المجهولة ) من المستوى الثالث ، والتى لا تحوز على إهتمام مؤرخى العصور الوسطى .ففي الحرب مثلا يأتي قرار الحرب من المستوى الأول ، ويقود المعارك أصحاب المستوى الثاني ، أما العبء في ساحة المعارك فيقع على شخصيات المستوى الثالث ، وهم الذين يصيغون النصر أو الهزيمة ، وفى كل الأحوال يسهمون بالجانب الأكبر في صنع التاريخ خصوصا النساء والجواري في قصور الحكم في عصور الضعف السياسي للحكام .
2 ـ وهنا تكمن المفارقة بين التاريخ الواقعي الذي حدث والتاريخ المكتوب الذي يدور فيه المؤرخون حول الحكام الكبار ويهملون صانعي التاريخ الحقيقيين من المستوى الثالث ، بحيث لا يجد الباحث التاريخى في سيرتهم ما يشفى الغليل ويضطر إلى ملء الفجوات باستنطاق الأحداث ووضع الروايات التاريخية القليلة والمبعثرة عن تلك الشخصية في السياق العام لعصرها وظروفها السياسية والاجتماعية.
2 ــ وتتعقد المشكلة أمام مؤلف الدراما التاريخية ، حيث تطالبه الدراما بسرد القصة الدرامية فى تتابع متدفق متسلسل لا مجال فيه للفجوات وانقطاع الأحداث ، وحيث يتحتم عليه إبراز دور الصناع الحقيقيين للتاريخ وهم الشخصيات التاريخية الحقيقية من المستوى الثالث المشار اليها . هنا يجب أن يكون كاتب الدراما باحثا متعمقا فى تاريخ المدة الزمنية التى تدور فيها أحداث الدراما .
ثانيا : كاتب الدراما التاريخية هو باحث متمكن وكاتب درامى موهوب
1 ـ والمفترض أن كاتب الدراما التاريخية هو فى الأصل باحث تاريخى من الطراز الأول .
وهذا الباحث التاريخى المتمكن هو متخصص فى عصر ما من عصور التاريخ ، يعايش أحداثه وأبطاله ، ويفهم مصطلحاته وطريقة تفكيره وعاداته الاجتماعية والدينية وأمثاله الشعبية و يقرأ ما بين سطور حولياته التاريخية بحيث يسهل عليه ليس فقط تعليل وتفسير الغوامض من الأحداث بل ويمكن له أن يتنبأ بأحداث تاريخية مسكوت عليها أو أحداث تربط بين أحداث مكتوبة ، وبالتالى يتمكن بسهولة من المقارنة بين الروايات المختلفة للحدث الواحد ، ويعرف بسهولة تمييز الصحيح منها ، كما يميز بين الأحداث الحقيقية فى الروايات المتداخلة أو الروايات المركبة ، ويتعرف على دور أبطال الحدث التاريخى المجهولين الذين لا يعبأ المؤرخون المعاصرون لهم من ذكر أسمائهم .
2 ـ هذا الباحث التاريخى المتمكن مهما بلغ من عبقرية فهو دون الكاتب الدرامى النموذجى لنفس العصر التاريخى . فذلك الكاتب الدرامى النموذجى يبدأ من حيث ينتهى الباحث التاريخى المتمكن ، أى يحمل فى داخله باحثا تاريخيا متمكنا وكاتبا دراميا متمكنا أيضا ، ويستخدم موهبته فى فن الكتابة الدرامية فى تحويل الروايات التاريخية المضطربة و المتشابكة و المتناقضة والمركبة والمتداخلة الى عمل درامى متدفق بالأحداث المنطقية المعبرة عن عصرها، إذ يضيف اليها اللغة واللهجة و المصطلحات التى ينطق بها العصر وعاداتهم فى الزى و طريقتهم فى الكلام والتحية والسلام والطعام ..الخ .
3 ـ ومثل الباحث التاريخى المتمكن من أدوات بحثه فإن كاتب الدراما هذا عليه استنطاق أحداث التاريخ المكتوب ليفهم ما بين سطورها ، وإذا لم تفلح تلك المحاولات في استنطاق الأحداث فعلى الباحث أن يتبحر في كشف العلاقات الغامضة بين سطور الروايات كي يلقى المزيد من الأضواء على أحداث مجهولة تملأ الفجوات بين الأحداث التاريخية المسجلة ، وإذا بقيت فجوات أخرى فعليه هنا أن يلجأ إلى الخيال الدرامي ولكن مع مراعاة الحذر والمنطقية والعقلانية. وهنا تأتى معضلة الخيال الدرامى فى الدراما التاريخية.
ثالثا : الخيال بين البحث التاريخي والدراما التاريخية
1 ــ إن منطق الدراما العادية غير منطق البحث التاريخي . فالباحث التاريخي لا يخلق أحداثا أي لا يفترض وقوع الأحداث التاريخية ، وإنما يرتبط ببحث ما هو مكتوب بالفعل . أما الدراما فهي خلق أحداث خيالية أو نصف خيالية ، يمكن أن تحدث بالكامل أو بعضها ، كما يمكن أن تظل في دائرة الوهم والخيال
2 ــ في مجال الدراما التاريخية ليس هناك من فارق بينها وبين البحث التاريخي . فالخيال لدى الباحث التاريخى مقيد وليس مطلق السراح ، بل تحكمه منطلقات البحث التاريخي لتساعد الباحث التاريخى على تفهم الشخصيات ودوافعها ، وتجلية الصادق من الأحداث ومعرفة الزيف فيها . الخيال هنا فى خدمة البحث ولا يعلو عليه ولا يختلق شخصيات أو أسماء لا وجود لها .
3 ــ الخيال فى الدراما التاريخية يعلو فوق كتابات المؤرخين ، ليس طعنا فيهم أو انتقاصا مما كتبوه ، ولكنه الادراك للفارق بين منهج المؤرخين فى الكتابة عن عصرهم والحقائق المعاشة لذلك العصر. فهناك شخصيات حقيقية واقعية رئيسة تجبر المؤرخين على رصد وتتبع سيرتهم وما يفعلونه ، ولكنهم ـ أى المؤرخون المعاصرون للاحداث يركزون على الأبطال الظاهرين والمشهورين فى الحدث ويهملون بقية صانعى الحدث ممن نسميهم المستوى الثالث للشخصيات التاريخية ، وهى مظلومة دائما فى الكتابات التاريخية مع أنهم الصناع الحقيقيون للأحداث. وهناك شخصيات أخرة تغلف الحدث التاريخى ولا يمكن أن نتصور الحدث التاريخى بدونها ، فهم خلفية الحدث وهيكله الأساس مثل الجند والخدم والجوارى والعبيد والحراس وموظفى القصور وجماهير الشارع ، وهم لا يتمتعون باهتمام مؤرخى الحدث التاريخى مع انهم المسرح الذى لا يقع الحدث التاريخى بدونه.
4 ــ هنا يكون دور الخيال الدرامى فى الدراما التاريخية .فالواقع أن تلك الشخصيات التاريخية الأساس لا تتحرك فى فراغ ، بل تحوطها شخصيات أخرى فى القصور وفى الشارع، ولكن المؤرخين المعاصرين للأحداث لا يلتفتون الى تلك الشخصيات الحية التى تملأ ذلك الفراغ . ووظيفة مؤلف الدراما التاريخية أن يملأ هذا الفراغ بتلك الشخصيات التى يهمل ذكرها المؤرخون ، ولكن لا بد أن تكون مستوحاة من الواقع التاريخى ومن بين سطور الروايات التاريخية ، وأن تعبر تلك الشخصيات عن عصرها ، بلغة الحوار، وكذلك الأفعال وردود الأفعال وبقية العادات والتقاليد ، وبمعنى آخر فالخيال الدرامي ، هنا في إطار العصر التاريخي وثقافته وشخصياته ووقائعه ، ولكنه حين يبتكر أحداثا أو شخصيات تفسر الفجوات بين روايات التاريخ فلا بد أن يأتى بها من السياق التاريخى نفسه ومن داخل الإطار الذى تدور فيه الأحداث زمنيا وجغرافيا. وليس هذا صعبا على من يعايش عصرا تاريخيا بشخصياته وعقائده وثقافته وسلوكياته ، فالمؤلف هنا إذا أبتدع حادثة أو أضاف شخصية فرعية مذكورة بالوصف " مثل الحاجب أو الخادم أو الجارية فلانة " فإنها تعبر عن أشخاص حقيقيين وتتكلم وتتصرف بلغة العصر وثقافته ، وفى تلك الحالات يجد الخيال مجاله الواسع في الإبداع ، لأن بعض تلك الشخصيات مذكور في التاريخ الحقيقي بالوصف دون الاسم والنسب ، وأحيانا يذكرنا التاريخ بالاسم ويتفضل عليها بسطر أو سطرين لأن تلك الشخصيات لا تنتمي إلى المستوى الثالث بل المستوى الرابع وما بعده . وقلنا إنها لا تحظى باهتمام المؤرخين ، مع أهميتها في صناعة التاريخ خصوصا ما اتصل منه بالمكائد والمؤامرات ، وهم ــ من هذه الناحية ــ أساس الدراما القائمة أولا وأخيرا على الصراع . وربما يشكل ذلك إغراء للمؤلف يجعله يخرج عن حقائق التاريخ المكتوبة ، وهنا يقع فى الخطأ ، وعليه هنا أن يتذكر أن يجعل خياله الدرامي في خدمة التاريخ ومنسجما معه وليس متعارضا معه .
5 ــ كما أن روايات تاريخنا تتفاوت فيما بينها في نسبة الصدق والكذب ، وتلك هي مهمة البحث التاريخي في نقد وتمييز الصحيح من الزائف ، وهذا التحليل التاريخي في الأبحاث والمؤلفات ينبغي ألا يكون بعيدا عن مجال الدراما التاريخية ، بل لابد أن تكون الدراما التاريخية إحدى تجليات البحث التاريخي وإحدى مهام الباحثين التاريخيين المتعمقين . وأولئك المتخصصون في تاريخنا يدركون أكثر من غيرهم أن تاريخنا الموثق يحتوى على حقائق أغرب من الخيال ، بحيث لا يحتاج المؤلف الدرامى إلى أن يتخيل حقائق لا أصل لها ، بل يكفيه أن يرصد الغرائب الواقعية ويستخدم خياله في الربط بين وقائع التاريخ وغرائبه .
رابعا : النوادر التايخية تصلح دراما تاريخية
1 ـ تراثنا التاريخى والأدبى مليء بكنوز درامية، وهى النوادر . بعضها قد يكون مجرد سطرين ، وقد تصل أحيانا إلى بضع صفحات ، ولكنها – حتى لو كانت مجرد سطرين – فهى قصة درامية مكتملة بكل عناصر الدراما من إثارة وتشويق وصراع ، علاوة على ما فيها من حكمة وعظة وخبرة يمكن الاستفادة بها في عصرنا ، مع كونها وقائع تاريخية . ومن الطبيعي أن العثور على هذه النوادر الدرامية بين سطور التراث لا يتأتى إلا لمن يعايش التراث بحثا وتنقيبا. والمهم هو تحويلها إلى دراما تاريخية بحيث تكون في تصالح مع التراث التاريخي ، وليس بمنطق الاستخفاف السائد الآن .
2 ــ وإذا كان صعبا تحويل حياة الشخصيات التاريخية الثانوية ( من المستوى الثالث ) إلى دراما لأن مجرد بحثها والبحث عنها وسط السطور يعتبر مرهقا ، فإنه من السهل – منذ البداية – على الباحث التاريخي أن يعثر على إحدى النوادر ، وتكون بالتالي صالحة بنفسها للتحويل إلى عمل درامي طالما اكتملت فيها عناصر الدراما الناجحة . ولن يضطر هنا إلى التدقيق بين السطور في المراجعة والبحث . فالنادرة هنا ( حتى لو كان بطلها أحد الشخصيات المشهورة ) تتناول واقعة درامية مكتملة الأحداث والأبطال وربما أكثرية الحوار المطلوب ، وكل ما هناك أن يتمكن من صياغتها دراميا بحيث لا يحتاج إلى عناء كبير في البحث عن ملامح العصر وشخصياته الأخرى خارج سياق موضوعه .
3 ــ ولكن هذا لا يعنى أن الباحث التاريخي كاتب الدراما سيكون مطلق السراح في أن يتخيل ما يشاء ، بل سيكون خياله محكوما بمنطق العصر عموما ومنطق القصة التي يتناولها على وجه الخصوص . وبهذا الخيال " العلمي أو البحثي " يتمكن من عرض تلك القصة دراميا بأكبر درجة من الصدق التاريخي .
مثال تطبيقي
1 ــ جاء في سطور التراث الحادثة الآتية : "( لطم رجل الأحنف بن قيس ، فقال : " لم لطمتنى " ؟ قال : " جٌعل لي جُعل أن ألطم سيد بني تميم " ،قال : " ما صنعت شيئا ، عليك بحارثة بن قدامة ، فإنه سيد بنى تميم " فانطلق فلطمه ، فقطع يده ، وذاك ما أراده الأحنف .). المعنى أن رجلا لطم الأحنف بن قيس سيد بنى تميم . وكان مشهورا بالخلم والحكمة ، فلم يبادر بعقاب الرجل الذى لطمه ، بل سأله عن السبب ، فقال الرجل إنهم جعلوا له مكافاة لو لطم سيد بنى تميم . فقال له الأحنف إنه لن يحصل على المكالفأة لأن سيد بنى تميم ليس الأحنف بن قيس ولكنه الحارثة بن قدامة . فانطلق الرجل الى الحارثة هذا فلطمه ، فقطع الحارثة يده . وبهذا إنتقم الأحنف من الرجل الأحمق.
2 ــ ولتحويل هذه النادرة إلى فقرة درامية في حدود ربع الساعة ، لابد أولا من تجميع كل المعلومات التاريخية عن بطلها الأحنف بن قيس ، وليس ذلك بالعسير ، فالأحنف شخصية من المستوى الثاني في خلافة معاوية بن أبى سفيان ومن بعده ، وكان من شيعة " على " المخلصين ، وتجد ترجمته في معظم الطبقات للقرن الأول الهجري ، ومن هذه المعلومات يستطيع كاتب الدراما أن يفهم أكثر العنصر الغائب في هذه الحادثة الدرامية ، وهو ذلك الرجل الخفى الذي حرض الرجل الأبله على أن يلطم الأحنف بن قيس ، فالأمر هنا ليس فيه من المزاح شيء ، ولكنه انتقام مدبر للنيل من سيد بنى تميم الذي رفض البيعة ليزيد بن معاوية على رؤوس الأشهاد ، فقد استحضر معاوية رءوس القبائل وكبار القادة وأوعز إلى أتباعه منهم أن يمدحوا ابنه يزيد ويرشحوه للخلافة، وكان معاوية يعرف كراهية الأحنف له ولابنه ، ولم يكن له أن يتجاهل وجود الأحنف سيد بنى تميم فأقام هذا " المؤتمر الانتخابي " الذي يتبارى فيه المنافقون في مدح يزيد ، حتى يشعر الأحنف بعزلته ويصبح لا مفر أمامه إلا بالتسليم أمام الإجماع على يزيد ، ولذلك قال معاوية للأحنف : " ما تقول يا أبا بحر " ؟ فرد عليه الأحنف " أخاف الله إن كذبت ، وأخافك إن صدقت " . وهكذا بكل بساطة أفشل الأحنف ذلك المؤتمر الانتخابي وأضاع كيد معاوية حينئذ. وبالتالي فإن المتوقع أن يحاول معاوية الانتقام من غريمه الأحنف بتلك الطريقة الماكرة ، فإذا كان الأحنف ينافس معاوية في الدهاء والحلم فليكن مقتل الأحنف المعنوى وإحراجه من هذا من هذا الطريق ، بأن يسلط عليه – من خلال أعوانه – رجلا أبله يجعلون له مكافأة إن هو صفع سيد بنى تميم وينتظرون رد الفعل ، فإن تمسك الأحنف بالحلم ورضي بالإهانة فإن قبيلة بنى تميم أكبر القبائل المضرية لن ترضى بهذا الهوان وستضيع مكانة الأحنف في قومه ، ويصير بعدها متاحا لأي ماجن أن يصفعه على قفاه ، أما إن ثار الأحنف لكرامته واندفع في الانتقام فأين حلمه وأين مكره ودهاؤه ؟ وفى كل الأحوال فإن معاوية انتقم من غريمه بهذه اللطمة .
3 ــ هذه هي الخلفية التاريخية لهذه النادرة ، ومن خلالها يمكن رسم الشخصيات في جانب الأمويين أصحاب السلطان ، وفى مجلس الأحنف بين قومه ، وفى مضارب الحارثة بن قدامة ، وكيف تحرك الرجل الأبله هنا وهناك يتلاعب به الأمويون ، ثم الأحنف ، وكيف انتهى مصيره ...
أخيرا : مشكلة الدراما التاريخية وروعتها
1 ــ وهنا تكمن مشكلة الدراما التاريخية وروعتها أيضا، ففيها قمة البحث التاريخى وقمة الابداع الدرامى ، يمتزجان معا . هنا أيضا المشكلة حين يتصدى للكتابة الدرامية من يقرأ كتابا تاريخيا سطحيا ثم يتهيأ له أنه صار متخصصا فى التاريخ فيكتب دراما تاريخية .
2 ــ تحولت المشكلة الى مأساة فى عصرنا ، فالدراما التاريخية هي أفضل ما يجمع بين الثقافة والمتعة معا ، بل أن جمهورها يتسع باستمرار لان ثقافة التراث هي التي تسيطر على العقول والقلوب ، وهى التي تقوم بتجميع كل العرب والمسلمين في تراث مشترك يفهمونه جميعا ويحبونه جميعا . ولقد استمر التناول الدرامي للتاريخ بهذه الخفة وبذلك الطيش فتحولت المشكلة إلى أزمة ، ليس فقط على المستوى العلمي والفني والفكري ، ولكن أيضا على المستوى السياسي ، لأن التناول السطحي لدراما التراث يجعل المؤلف مضطرا لستر العيوب باختلاق مواقف حماسية وشعارات أيديولوجية يرضى عنها عوام العصر وتسهم في تغييب عقولهم وتباعد بينهم وبين تاريخهم الحقيقي .وبهذا أسهمت الدراما التراثية فى نشر أيدلوجية التطرف ، بتركيزها على التمجيد وتقديس الشخصيات التاريخية ، وتحويلهم من شخصيات انسانية لها مساوىء ومزايا الى شخصيات يوتوبية لا توجد فى الواقع التاريخى أو الانسانى . ثم يتم تصوير العصر كله بهذه القداسة ليجعل المتلقى يحلم بعودة الخلافة . ويتناسى المؤلف الجهول أن تلك الخلافة كانت إستبدادا وفسادا معدوم الصلة بالاسلام .
3 ــ ولقد ركزت البدايات الأولى للدراما التاريخية – في هذا القرن – على نقل تاريخ المستوى الأول والثاني إلى الشاشة ، من فيلم ( فجر الاسلام ) و ( الشيماء أخت الرسول ) الى ( الناصر صلاح الدين) ليوسف شاهين الذى جعل الدرما فى هذا القيلم تتحدث عن العروبة والعرب في خطاب أيديولوجي ناصري يتفق مع عصر الستينيات بقدر ما يخالف منطق الحروب الدينية والانتماءات الدينية في زمن صلاح الدين الأيوبي والعصور الوسطي عموما . ورأينا أخطاء أخرى في دراما عن قطز وهولاكو ، وصمم كاتب الدراما على أن يجعل قطز يقابل هولاكو خلافا للوقائع التاريخية الثابتة التي تؤكد أنهما لم يلتقيا على الإطلاق ، وأمثلة كثيرة من العبث لا داعي للتوقف معها ، ولكنها كانت ولا تزال تتم في التعامل الدرامي مع المستوى الأول والمستوى الثاني من الشخصيات التاريخية المشهورة والمكتوبة عنها الآلاف من الصفحات ، فكيف بهم إذا توغلوا بالدراما إلى رصد الحياة الاجتماعية لأسلافنا من خلال الشخصيات التاريخية الثانوية من المستوى الثالث وما بعده ؟
4 ــ من الطبيعي أن هذا يستلزم باحثين جادين لهم المقدرة الفنية على الصياغة الدرامية بالإضافة إلى المعايشة مع العصر ووقائعه . والجدية في البحث التاريخي والتراثي لن تبخل على أصحابها بمفاجآت أو مكافآت .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,690,311 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
لا تعنى الحسد : هل الحسد هو المرا د بقوله جل وعلا : ( وإن يكاد...
مس المصحف بلا وضوء: هل يجوز مس وقرأء ة القرء ان من المصح ف وانا...
الولع بالمرأة : هل هي حقيقة الرجا ل التي روّج لها الدين السني...
إمكانية الزواج: هل يمكن للمرء ان يتزوج علما انه في مرحلة البحث...
لماذا 4 شهور و10 يوم: وأيضا : ما هى الحكم ة فى عدة الأرم لة ( أربعة...
more