آحمد صبحي منصور Ýí 2007-03-20
د.أحمد صبحي منصور
الدين والخرافة
من الأفضل أن نضع هذا المقال فى صورة سؤال وجواب للتيسير على القارىء.
1 ـ ما هو الدين ؟ ؟
من الخطأ القول بالأديان السماوية لأن هناك دينا سماويا واحدا وهو الوحىالذى ينزل كتابا من الله تعالى على كل نبى ورسول بعثه الله تعالى للناس. أى هناك رسالات سماوية ـ نزلت على كل الأنبياء ورسل الله تعالى ـ تعبر عن دين سماوى واحد. ولكن الذى يحدث هو اختلاق وحى كاذب يتدخل به البشر فى الدين السماوى بالتحريف والاضافة ، وبذلك تقوم أديان أرضية بشرية على أنقاض الدين السماوى. حدث هذا قبل نزول القرآن الكريم مع الأنبياء السابقين من نوح الى عيسى عليهم السلام ، وحدث مع الكتب السماوية السابقة حيث اقام البشر ـ قبل نزول القرآن الكريم ـ أديانا أرضية متنوعة لا تزال على الساحة حتى الان. وحدث نفس الحال مع المسلمين بعد نزول القرآن وموت خاتم النبيين محمد عليه السلام. قامت بين المسلمين أديان أرضية مثل السنة و التشيع و التصوف تماثل الأديان الأرضية السابقة .
أى فى النهاية هناك دين الاهى سماوى واحد برسالات سماوية متعددة ، ولكن هناك أديان أرضية مختلفة قامت على أشلاء الدين السماوية الواحد ورسالاته السماوية، وهى الان المسيطرة على أغلبية العالم .
2 ـ ما هىّ الخرافـة ؟
تقول فلان (خرِف) عقله، أى فقد التمييز بين الحق والباطل فيما يستمع إليه، وصار عقله مستودعاً للخرافات والأساطير. والخرافة تقوم على أساس أساطير وهمية, ومن كلمة أسطورة جاءت كلمة story أي قصة أو رواية, فالخرافة أساطير وروايات لا محل لها من التصديق.
3 ـ ما هو موقف الدين السماوى والدين الأرضى من الخرافة ؟
الدين السماوى يقف ضد الخرافة بينما تقوم الأديان الأرضية أساسا على الخرافة.
وقد حفظ الله تعالى القرآن الكريم الذى حوى جوهر الرسالات السماوية السابقة ليكون حجة على البشر الى قيام الساعة. والعقل السليم هو الذي يتوقف مع كل رواية يسمعها بالنقد والتحليل ، لذلك فالإنسان العاقل هو الذي لايؤمن بالخرافة. وبناء الانسان العاقل هدف أساس من إنزال القرآن الكريم الذي هو دعوة للتعقل والتبصر( يوسف 2، الزخرف 3).
4ـ الغيبيات جزء أساس فى الدين السماوى والدين الأرضى . والغيبيات هى منبع الخرافة . ومن هنا ارتبط الدين بالخرافة فى رؤية منكرى الأديان كلها سماوية أو وضعية بشرية. فماذا تقول ؟
نبدأ اولا بالتوقف مع الغيبيات. التى لا ينكرها الا المعاند .
الغيب بالنسبة لنا هو كل ما يغيب عن حواسك وما لا تستطيع ادراكه. وكل انسان لا يستطيع ادراك كل ما يحيط به. لا يستطيع ان يرى كل ما هو حوله ، لا يستطيع أن يسمع كل صوت قريب منه. هناك حدود للرؤية البشرية وحدود للسمع البشرى ، وبعض الحيوانات و الحشرات ترى و تسمع و تحس أكثر من الانسان . والله تعالى يقول (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ .وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ) ( الحاقة 38 ـ ) أى هناك ما هو قريب من المجال البصرى لعينك ولا تستطيع رؤيته. وهذا غيب،لأنه يغيب عنا ، ولا ينكرها إلا معاند.
5 ـ إذن هناك غيبيات مقبولة ، وهى ما لا نراه. نريد معرفة أنواع الغيبيات .
الغيوب أنواع: منها الغيب النسبى ، ومنه الغيب المطلق الذى لا طاقة للبشر الوصول اليه فى هذه الحياة.
6 ـ ما هو الغيب النسبى بالتفصيل ؟
الغيب النسبى هو الذى يمكن للبشر الوصول اليه بالعلم و التكنولوجيا فى عالم المشاهدة أو عالم الشهادة. ولهذا فان العلم بالغيب النسبى يتفاوت . لنفترض أن أخاك الان فى موسكو وأنت فى بيروت ، ما يحدث لكل منكما يعتبر غيبا عن الاخر ، ولكن تتقلص مساحة هذا الغيب اذا كان مع كل منكما تليفون متنقل بالصوت و الصورة . أى أنه بالعلم تتقلص مساحة هذا الغيب النسبى وتتضاءل. مثلا : فى القرون الوسطى كانت الغيبيات النسبية أكثر و اعمق، فالاتصال بين القاهرة و مراكش يستلزم شهورا حتى يصل البريد بأنباء ما يحدث بين البلدين. ما يحدث فى احداهما هو غيب بالنسبة للآخرى. الآن انمحت ـ تقريبا ـ المسافات ، وأصبح بامكان البشر الاتصال برواد الفضاء فى السفن الفضائية فى التو و اللحظة. دخل هذا فى عالم الواقع المادى بعد أن كان فى العصور الوسطى غيبا ( نسبيا ).
7 ـ إذن فان ثورة المعلومات و الاتصالات أنهت ذلك الغيب النسبى . اليس كذلك ؟
كلا ..
لا يزال يوجد الكثير من هذا الغيب النسبى فى عصرنا لم نكتشفه بعد ،و ربما يستعصى كشفه فى المستقبل القريب ، ومنه المجرات البعيدة التى تفصلنا عنها بلايين النسين الضوئية والتى اندثرت من ملايين السنين بكل اسرارها بينما لا بزال ضوؤها يصل الينا ـ اى بقى منها مواقعها والضوء الذى لا يزال يصل منها بعد تدميرها و تحولها الى ثقب اسود هائل يبتلع ملايين المجرات الأخرى.
المجرات البعيدة جدا عنا ، وتلك التى انتهى بعضها ولا يزال ضوؤها يأتى ـ نراها مجرد نجوم بسبب بعدها الساحق عنا، ومن هنا يقول تعالى عنها (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ ـ َّلوْ تَعْلَمُونَ ـ عَظِيمٌ ، إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) ( الواقعة 75 ـ ) ويلاحظ هنا أن القرآن العظيم قد أشار الى حقيقة أصبحت معروفة اليوم، وهى مواقع النجوم، فالضوء النجمى يأتى من موقع النجم و ليس من النجم أو المجرة نفسها. فى الوقت التى يصل ضوؤها لنا تكون هى قد انمحت او تغير موقعها. أى ان المؤكد هو موقع النجم وليس النجم ذاته ـ أو المجرة ذاتها. هذه حقيقة قرآنية ولكنها كانت من الغيبيات النسبية وقت نزول القرآن فى القرن السابع الميلادى.
لا يزال عصرنا ـ فى تورة المعلومات و الاتصالات يواجه تحديات هائلة فى كشف الغيبيات النسبية ، خصوصا المجرات ، بل أن المجرات نفسها هى مجرد مصابيح للسماء الدنيا ، وهذه حقيقة قرآنية ( الصافات 6 ـ ) ( فصلت 12 ) تدخل الان فى إطار الغيب النسبى الى أن يكتشف العلم صدقها فى المستقبل. والله تعالى تحدى البشرو الجن فقال (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانفُذُوا لَا تَنفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ) ( الرحمن 33 ) أى فان الجن أنفسهم لا يستطيعون إختراق السماوات والأرض إلا بسلطان الاهى ، أى إذن الاهى لم يأت أوانه بعد. والى أن يأتى هذا الاذن الالهى سيظل هذا المجال بعيدا عنا واقعا فى نطاق الغيب النسبى. ، هذا مع إنه فى إطار الممكن كما أشار اليه رب العزة.
8 ـ نفهم الان ( أقطار السماوات ) المذكورة فى الاية الكريمة. ولكن ما هى اقطار الأرض التى يتحدانا رب العزة باختراقها بدون إذن ؟ وهل بقى من الأرض ما لم نصل اليه؟ هل بقى فى الأرض ما يدخل الان فى الغيب النسبى ؟
نعم.
جوف الرض لا يزال فى معظمه مجهولا لنا. وما يأتينا من أنبائه يصفع وجوهنا. حتى الان لا نستطيع التنبؤ بموعد الزلازل والبراكين. بعض الحيوانات والطيور تحس بها ، فنأخذ الحذر ونتحرك لتقليل الخسائر. جوف المحيطات والبحار فضاء آخر لا يزال يتحدانا بغرائب مخلوقاته وبحاره العذبة الداخلية و تياراته الهوائية. لا زلنا نتحسس جدار الصمت فى القارتين القطبيتين..
كل هذا غيب نسبى فى عالم الشهادة فى هذا الكوكب الذى نعيش عليه. والأولى بنا أن نتفرغ للأرض قبل ان نتوجه للفضاء.
ومع هذا فإن أصعب التحديات فى مجال الغيب النسبى ليس فقط أضخم الأشياء و أبعدها عنا ، بل أصعبها هو اقربها لنا ، وهو الفضاء الداخلى لنواة الذرة ، بل أن أكبر تحد يواجه العلم يكمن فى أقرب الأشياء الينا ، وهو النفس البشرية وفضاؤها الداخلى. هذه النفس هى كينونة كل فرد منا. ومع ذلك فهى أكبر غيب نسبى يتحدانا ،والآيات القرآنية عن النفس عالية المستوى وعميقة المحتوى ، ولا زلت أفكر فى قوله تعالى (وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ ) ( ألأنعام 98 ) وكل معنى أصل اليه يتضاءل امام عظمة الاية الكريمة. هذا عن النفس هى أقرب أنواع الغيب النسبى الينا وهو الذى يكمن فينا. ناهيك عن ماهية الحياة داخل الخلية التى تكون ميتة ثم تدب فيها الحياة. يستطيع العلم تحليلها وهى ميتة فاذا دبت فيها الحياة استعصى تحليل ماهية الحياة التى دبت فيها. الغيوب النسبية فى هذه الأرض وأقطارها محيط لا ندرك قراره، وكلما أبحرنا فى داخله أدركنا عمق الجهل الذى نعيشه ،وتحسرنا على جهلنا بكل هذا الابداع الالهى . هذا هو حال العلماء الذين يشقون بالعلم وطلب المعرفة. الغافلون والجاهلون فى الحقيقة هم أسعد الناس بجهلهم .ويقول عنهم المثل الشعبى المصرى ( يا بختك يا اهبل بعقلك.. جرى اللى جرى ما انشغل لك بال )..!!
9 ـ أذن هناك علاقة بين التقدم العلمى وتقلص الغيب النسبى ، كما أن الجهل يساعد على تكاثف الغيب النسبى .. أهذا صحيح ؟
نعم.
ونؤكد أنه كما يتقلص الغيب النسبى بالعلم التجريبى و المخترعات التى تطوى الزمان والمكان فان الغيب النسبى يزداد بالجهل الذى يرتدى ثوب الدين ـ نقصد الدين الأرضى بالطبع .
كانت العصور الوسطى عصر تسيد الأديان الأرضية وحروبها الدينية ، وسيطرة رجال الدين هنا وهناك على الجماهير مع تعاونهم مع المستبدين فى قهر الناس. ولقد بدأت أوربا نهضتها بالتخلص من سيطرة الأديان الأرضية فيها خصوصا بعد تنازعها و حروبها و انشقاقاتها. بالتحررمن الكنيسة انطلقت اوربا تكتشف العالم الجديد وتبدع وتخترع. فى هذا الوقت كان المسلمون لا يزالون أسرى لدين ارضى شديد التخلف هو التصوف السنى. وفى الوقت الذى كانت اوربا تكتشف العالم الجديد و تقلص مساحة الغيب النسبى بالعلم التجريبى والسعى فى الأرض كان المسلمون يعيشون أسرى الخرافة الدينية ، حيث تكاثرت أكاذيب الكرامات و المعجزات عن الولى الذى يطير فى السماء و الذى يطوى المكان و يطوى الزمان.
ونضحك مع الامام الشعرانى ـ أعظم أئمة العصر العثمانى ـ وهو يفتخر بنفسه فى كتاب ( لطائف المنن ـ الكبرى ) فيقول:
( ومما وقع لى ان شخصا من بلاد الحبشة أسلم عندنا فى مصر ، فسألته عن بلده ، وعن الكنيسة الكبيرة التى فى آخر زقاق داره ، وعن شجرة النبق التى فى دار جاره ، فصدقنى على ذلك ، ثم قال للحاضرين : "هذا صالح "، مع أننى ما رحت اليها قط بجسمى ، وانما نظرت اليها بقلبى ) فالشعرانى هنا افترى هذه الأكذوبة لكى يجتاز بالخرافة بعض مظاهر الغيب النسبى. وفى عصرنا الآن يمكن عن طريق بعض البرامج أن ترى أى مكان فى العالم بالانترنت دون الحاجة الى كرامات و خزعبلات. ولكن الشعرانى يغرينا بمتابعة أكاذيبه خفيفة الظل ، يقول:
( وكذلك وقع لى مع خادم نبى الله لوط عليه السلام ، لما قدم علينا بمصر ، فقلت له : ما فعل شجر الليمون المغرس تجاه مقام السبد لوط ؟ فقال : موجود لم يقطع منه شىء. مع أننى لم أره إلا بقلبى. وفى كلام سيدى أحمد بن الرفاعى رضى الله عنه أن القلب أذا إنجلى عن محبة الدنيا وشهواتها صار كالبلور ، وأخبر صاحبه بما مضى وبما هو آت من أحوال الناس، وإذا صدأ قلب الفقير ( أى المريد أو الشيخ الصوفى ) حدثه باباطيل يغيب معها رشد الرجل و عقله. انتهى. وصورة طوافى كل ليلة على مصر وجميع أقاليم الأرض أننى أشير باصبعى الى أزقة جميع المدائن والقرى و البرارى و البحار، وأنا أقول : الله الله الله . فابدأ بمصر العتيقة ثم بالقاهرة ثم بقراها ، حتى أصل الى مدينة غزة ، ثم الى القدس ، ثم الى الشام ، ثم الى حلب ، ثم الى بلاد العجم ، ثم الى البلاد التركية ، ثم الى بلاد الروم ، ثم أعدى من البحر المحيط الى بلاد المغرب ، فأطوف عليها بلدا بلدا حتى اجىء الى اسكندرية ثم أعطف منها الى دمياط ، ثم منها الى أقصى الصعيد ، ثم الى أقصى بلاد العبيد ، ثم الى بلاد الرجر ، وهى إقطاع جدى الخامس ، ثم أعطف على بلاد التكروروبلاد السكوت ، ومنها الى بلاد النجاشى، ثم الى أقصى بلاد الحبشة ، وهى سفر عشر سنين ، ثم منها الى بلاد الهند ، ثم الى بلاد السند ، ثم الى بلاد الصين ، ثم أرجع الى بلاد اليمن ، ثم الى مكة ، ثم أخرج من باب المعلا الى الدرب الحجازى الى بدر ، ثم الى الصفراء ، ثم الى مدينة النبى صلى الله عليه و سلم ، فأستأذنه عند باب السور ، ثم أدخل حتى أقف بين يديه صلى الله عليه وسلم،فأصلى وأسلم عليه وعلى صاحبيه ، وأزور البقيع ، ثم أقول ( سبحان ربك رب العزة عما يصفون ، وسلام على المرسلين ، والحمد لله رب العالمين ). وما أرجع الى دارى بمصر إلا وأنا ألهث من شدة التعب ، كأنى كنت حاملا جبلا عظيما . ولا أعلم أحدا سبقنى الى مثل هذا الطواف. وكان ابتداء حصول هذا المقام لى فى سنة ثلاث وثلاثين وتسعمائة( من الهجرة ). فرأيت نفسى فى محفة طائرة فطافت بى سائر اقطار الأرض فى لحظة. وكانت تطوف بى على قبور المشايخ من فوق اضرحتهم إلا ضريح سيدى احمد البدوى وضريح سيدى ابراهيم الدسوقى رضى الله تبارك وتعالى عنهما ، فان المحفة نزلت بى من تحت عتبة كل من أحدهما، ومرت من تحت قبره، ولم أعرف الى الآن الحكمة فى تخصيص هذين الشيخين بذلك . نفعنا الله تعالى بهما . والحمد لله رب العالمين ) ( لطائف المنن الكبرى : 174 ).
وأبذل جهدا خارقا لكى أمنع قلمى من التعليق الساخر على تلك الأكاذيب الشعرانية ، تاركا المهمة للقارىء.
10 ـمعنى هذا أن الغيب النسبى موجود ولا يمكن انكاره ، بدليل سعى العلماء بالاختراع لتقليص مساحة هذا الغيب النسبى. ولكن المنكرين للغيب يركزون على الميتافيزيقا ـ أو ما بعد الطبيعة. فماذا تقول فى هذا ؟
هذا هو الغيب المطلق ، أى الألوهية و الآخرة و الجن والملائكة و الشياطين والبرزخ. وهو
النوع الآخر من الغيب الذى لا يمكن لعلم البشر اخضاعه للتجربة والعلم التجريبى الذى يبحث فى المادة و الطاقة. ومعروف الان أن الطاقة التى نعرفها هى من تجليات المادة. ولأن العلم البشرى يعجز عن إخضاع هذا الغيب المطلق للتجربة المعملية فان بعض العلماء الذين لا يعرفون سوى العلم المادى و الطبيعة ينكرون ما وراء الطبيعة أو الميتافيزيقا. وبعضهم يتطرف فى انكاره الى درجة الالحاد مغرورا بما لديه من علم بظواهر الأشياء، تستغرقهم القشور ويفرحون بما لديهم من بعض العلم ويكتفون به منكرين ما عداه ، أو بتعبير القرآن العظيم (يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ ) ( الروم 7 ) (فَلَمَّا جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُون ) ( غافر 83 ).
الواقع أنه لا يمكن لأى بشر أن يرى أو يدرك هذا الغيب المطلق وهو حى فى هذه الدنيا ، والعلم به يأتى من الله تعالى فى دينه السماوى و رسالاته السماوية. وهنا يجب على الانسان ان يؤمن بهذا الغيب المطلق الذى ذكره الله تعالى فى دينه السماوى.
11 ـ نريد باختصارموقف الاسلام من الغيب النسبى و الغيب المطلق .
الغيب النسبى هو ما يخص عالم الشهادة . أى ما يغيب عنا فى عالم الشهادة من السماوت والأرض وما بينهما. هو فى الأصل مشهود أو ينبغى أن يكون مشهودا لنا لأن الله تعالى سخره لنا. وهذا يتسع ليشمل السماوات والأرض و ما بينهما . وهو مجال مفتوح ومباح لنا لكى نكتشفه ونستخدمه و نسخره. لذا لا بد أن نتعامل معه بالعلم والتجربة لنقلص وجوده وننفذ امر الله تعالى بالنظر فى ملكوت السماوات والأرض ( يونس 101 ،يوسف 105 ) ، و السعى فى الأرض لنرى كيف بدأ الله تعالى الخلق ( العنكبوت 19 : 20 )، و لنستمتع بما سخره الله تعالى لنا فى السماوات والأرض جميعا منه ( الجاثية 12 : 13 ).
هذا فيما يخص عالم الشهادة.
أما عالم الغيب الحقيقى المطلق فلا بد من الايمان به طبقا لما جاء فى القرآن الكريم ـ المرجعية الأصلية للدين السماوى ، و ليس كما جاء فى خرافات الأديان الأرضية.
12 ـ هل هناك تقسيمات أخرى للغيب فى القرآن الكريم ؟:
نعم.
هناك تقسيم للغيب حسب الزمن ، مثل حديث القرآن عن غيوب الماضى كقصص السابقين قبل نزول القرآن ـ وهناك غيب فى الحاضر ـ كحديث القرآن الكريم عما كان يفعله المنافقون من كيد للنبى محمد عليه السلام و المؤمنين وقت نزول القرآن ، وهناك غيب المستقبل كالحديث عن علامات الساعة و أحداث القيامة.
وهناك تقسيم آخر للغيب عموما ، فهناك غيب لم يرد أصلا فى القرآن الكريم ـ وبالتالى فهو مجهول لنا تماما و بالكلية, وهناك غيب ـ كان غيبا ـ فنزل القرآن يتحدث فيه ، فأصبح معروفا لنا بعد أن كان غيبا عنا.
هذا الغيب الذى أشار له القرآن الكريم له أيضا جانبان :
هناك جانب غيبى فى القصص القرآنى يأتى داخل القرآن الكريم نفسه توضيح له ، وعندها نستطيع من خلال التوضيح القرآنى أن نتعرف على بعض ملامح هذا الغيب الذى أوضح الله تعالى بعض ملامحه. وهناك غيب فى القرآن الكريم لم تات توضيحاته فى القرآن الكريم ، ويجب على المؤمن الايمان به كما هو. مثل الاشارة الى هاروت وماروت . ليس لنا أن نبحث خارج القرآن عما قيل عنهما لأنه ببساطة شديدة كل ما قيل عنهما خارج القرآن هو خرافة. لأنه غيب و لا يعلم الغيب الا الله تعالى . وعلام الغيوب ذكر من الغيب شيئا وترك أشياء، وما تركه لا يعلمه الا هو . والنبى محمد عليه السلام لم يكن يعلم الغيب ، وبالتالى فلا أحد يعلم بقية الغيوب التى لم يذكرها الله تعالى.
13 ـ ما هو موقع الوحى للأنبياء فى هذا الغيب ؟
الوحى للأنبياء يقع ضمن الغيب الذى جاء بعض توضيح له فى القرآن الكريم.
يقول تعالى : ( إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا. وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا ) ( النساء 163 ـ )
المستفاد من الآيتين الكريمتين أن الله تعالى أوحى الى خاتم النبيين محمد ـ عليهم جميعا السلام ـ بنفس الطريقة التى أوحى بها الى كل الأنبياء المذكورين فى الآية 163 وغيرهم من أنبياء لم يرد قصصهم فى القرآن الكريم. وأن موسى عليه السلام قد انفرد وحده بطريقة فى الوحى كان فيها يسمع كلام الله تعالى ، ويخاطب ربه جل وعلا.
وقد ذكر رب العزة جل وعلا طرق الوحى للأنبياء فقال ( وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ . وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ( الشورى 51 ـ ) والمستفاد هنا أن الله تعالى أوحى لخاتم الأنبياء عن طريق رسول من الملائكة هو جبريل : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاء إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ . وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا) فهناك وحى مباشر ـ مثل تكليم موسى ـ ووحى من وراء حجاب ، ووحى يحمله رسول من الملائكة هو جبريل.
وقد تحدث القصص القرآنى كثيرا عن الوحى لموسى قبل وبعد تلقى ألواح الكتاب السماوى( التوراة). وذكر الله تعالى أن هناك خطابا جرى بين الله تعالى و موسى أثناء ذلك الوحى. حدث هذا فى أول وحى مباشر عند شجرة طور سيناء ، وذكرته سور الأعراف وطه والقصص و النمل .. وحدث أيضا عندما كلمه ربه فى ميقات الجبل (الطور ) فى سيناء. وبعده. ولكن لم يأت فى القرآن الكريم كيفية الحوار، هل كان بصوت أم بالمعنى..
وقد ضل علماء الكلام المسلمون حين أخذوا يجادلون فى هذا الغيب فأضاعوا أعمارهم فى جدل عقيم لأنه غيب ، وطالما لم يذكره الله تعالى فيجب علينا التوقف عما توقف عنه علام الغيوب. فما أشار اليه فى القرآن الكريم نستطيع أن نفكر من خلاله فنخطىء ونصيب ، ولكن ما سكت عنه يجب أن نتوقف عنه ،
وفى كل الأحوال فلا بد من الايمان بالغيب الموجود فى القرآن فقط.
وأذا آمنت بالخرافاتت الغيبية الغبية الموجودة فى كتب التراث فقد كفرت بالقرآن.، لأنه ببساطة لا يعلم الغيب الا الله تعالى ، و خاتم الأنبياء محمد لا يعلم الغيب ، وبالتالى فان ابن فلان وابن علان من أئمة التراث إذا تكلم فى الغيب فقد افنرى على الله كذبا ، وإذا آمنت بما يقول فقد كذبت أنت بآيات الله تعالى ، وأصبحت مثله ظالما مجرما ، ممن قال الله تعالى فيهم (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ )( يونس 17 )
لا وسطية هنا ولا اعتدال ، بل هى قضية عقيدة لا تحتمل التوسط ،إما حق وإما باطل .( فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ ) ( يونس 32 ) (اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ ) 0 الأعراف 3 )
14 ـ بتفصيل أكثر : كيف نتعرف على الغيب الحق الذي نؤمن به، والخرافة الباطلة التي ننأى عنها ؟ .
لقد دعا القرآن الكريم للإيمان بالغيب ( البقرة 3 ) , وتحدث عن بعض الغيبيات , كالملائكة والجن والشياطين وعرش الرحمن ويوم القيامة وعلامات الساعة, وتلك من الأسس الاعتقادية للمسلمين .
ومنهج القرآن في حديثه عن الغيبيات يقوم على أساسين هما معاً الضابط في الموضوع,
الأول: حصر الإيمان بالغيوب في مجالات محددة, والثانى حصر الإيمان بها على ما جاء في القرآن فقط ، وما عدا ذلك فهو خرافة . لقد حصر القرآن مجالات الغيوب وهى :ذات الله تعالى , الملائكة, الجن والشياطين, غيب المستقبل والقيامة واليوم الآخر, وكل هذه الغيوب خارج نطاق الحس البشري, أو خارج نطاق عالم الشهادة,أي غيب. وهى تقع فى إطار ما نسميه بالغيب المطلق . ثم حصر الإيمان بهذه الغيوب على ما جاء عنها في كتاب الله القرآن الكريم وحده, ومعنى ذلك أن أي حديث عن هذه الغيبيات المحددة لا يكون إلا من القرآن الكريم وحده .
15 : :ما هىّ نماذج الخرافات الدينية السائدة في عصرنا ؟؟
كلها يدخل في إطار الغيبيات , ويؤمن بها الناس بدون محاولة منهم لإثباتها علمياً,ولها عدة أنواع,منها ما يتعلق بالعلاقة مع الجن والشياطين والتداوي من المس الشيطاني ، مع أن حديث القرآن عن المس الشيطاني يعني فقط محاولته الوسوسة والإضلال للبشر, وحديث القرآن عن الشفاء يعني أيضا الهداية, ويدخل في ذلك طبعا الدجل بالسحر الأبيض والأسود, مع أن السحر في مفهوم القرآن لا يعني سوى الخداع البصري والتأثير على بعض الناس, وذلك ممكن بدون إدعاء الدجل بالسحر,ويدخل في ذلك الاعتقاد بان الحسد يوقع الضرر بالمحسود, مع أن معنى الحسد في القرآن هو الحقد الذي لا يضر إلا الحاسد نفسه, ثم هناك خرافات دينية كالاعتقاد في الأضرحة والشيوخ وكراماتهم, وادعائهم المنامات والوحي والعلم اللدني وعلم الغيب, وهم يتاجرون بهذه الادعاءات ويكسبون بها الأموال والجاه, ومعلوم أن القرآن يهاجم الذين يتاجرون بالدين , ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً .
ونعطى أمثلة لأكاذيب الشعرانى من نفس كتابه ( لطائف المنن ـ الكبرى ) . يقول عن علاقته بالجن : ( ومما منّ الله تبارك وتعالى به علىّ : طاعة الجن واعتقادهم فىّ اوائل دخولى فى طريق القوم ( أى الصوفية ) ، فكنت أقول للواحد منهم : إرجع عن ركوب فلان أو فلانة فينزل عنهما من غير عزيمة. وربما دخلوا على ّ فى الليل أفواجا من طيقان القاعة، فيصلّون معى ويسبحون معى على السبحة، ثم يذهبون. وسحب واحد منهم خيط السبحة فقلت له : إلزم الأدب ، وإلا لا تعد تجالسنى ، فتاب. وأتونى مرة بعدة أسئلة فى التوحيد ، أشكلت عليهم ، يطلبون منى أن أكتب لهم عليها ، فكتبت لهم عليها ، وكانت نحو خمس وسبعين سؤالا. ونقلت الأسئلة ، وألفت الاجابة عليها فى نسخة سميتها ( كشف الحجاب والران عن وجه أسئلة الجان ) ليراجعها من يريد استفادتها ، فتلقاها العلماء بالقبول ، وكتب الناس منها نسخا لا احصيها، ونقلت الى الممالك القريبة و البعيدة.وكان على هذا القدم سيدى أبو الخير الكليباتى رضى الله تعالى عنه، وسيدى ابراهيم المتبولى رضى الله تعالى عنه ، وسيدى على الخواص رضى الله تعالى عنه، وسيدى على الشاذلى رضى الله تعالى عنه، فكانوا يستخدمون الجن فى صورة كلاب. وكان الشيخ أبو الخير الكليباتى رضى الله تعالى عنه يدخل بهم ( أى الجن ) جامع الحاكم فينكر ذلك عليه الفقهاء انكارا شديدا لاعتقادهم انهم كلاب ..) ( ومما أنعم الله تبارك وتعالى به علىّ : كثرة حضور الملائكة والجن لدرسى ...وقد تقدم فى هذه المنن أن علماء الجن أرسلوا الىّ خمسة و سبعين سؤالا فى التوحيد وغيره، فكتبت لهم عليها ، ومسودتها عندى الى الان ) ( لطائف المنن الكبرى 229 ، 454 ) وبدون سخرية نذكر ان كتاب الشعرانى فى الرد على اسئلة الجن المزعومة مطبوع و متداول، أى ظل متداولا طيلة ستة قرون..ويحظى بالتصديق و الايمان ،ولا يزال .. فالمثل الشعبى المصرى يقول ( رزق الهبل على المجانين )..!!
16: ولكن هناك أحاديث منسوبة للنبي محمدعليه السلام تتحدث عن علامات الساعة, وما يحدث فيها من شفاعات وغير ذلك, وتتحدث عن المستقبل وذات الله وصفاته وعوالم الجن والملائكة والشياطين!!
ج: القرآن الكريم يؤكد في أكثر من عشرين آية صريحة وقاطعة الدلالة على أن النبي محمدا لا يعلم الغيب , وأنه لايدري ما يحدث له في المستقبل أو لغيره, وأنه لايملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله, وأنه لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير وما مسه السوء, وأنه لا يعلم شيئاً عن الساعة, وما سيحدث فيها, فالقضية هنا واضحة، فإما نؤمن بالقرآن وتأكيداته القاطعة في أن النبي محمداً صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب , وإما أن نؤمن بتلك الأحاديث التي نخالف القرآن ونكفر بالقرآن, ولا يعقل أن نؤمن بشيئين متناقضيْن, وكل إنسان له حريته المطلقة في الإيمان بهذا أو ذاك, وتلك مسئوليته أمام رب العالمين يوم القيامة, والمهم في موضوعنا أن أي حديث خارج القرآن عن تلك الغيبيات يعد خرافة لأن النبي نفسه لا يعلم الغيب , ولم يتحدث في الغيبيات. وما ورد فى تلك الأحاديث الكاذبة انما يعبر عن دين السنة الأرضى ، بالضبط كما كان الشعرانى وغيره من أئمة الصوفية يعبرون بخرافاتهم عن دين التصوف السنى .
17 : هل ورد في السيرة النبوية ما يؤكد أن النبى محمدا لم يكن يعلم الغيب ؟
أولاً: آيات القرآن مطلوب أن نؤمن بها دون حاجة إلى تأكيدات من خارج القرآن, والمؤمن بالقرآن إذا جاءه كل البشر بكلام يخالف آية قرآنية واحدة ينبغي عليه أن ينحاز للآية القرآنية وحدها, ويخالف من أجلها كلام البشر أجمعين, لأن ذلك هو الإيمان الحقيقي بكلام رب العالمين الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ثانياً : إن المصادر الأولى للسيرة النبوية مثل طبقات ابن سعد, وسيرة ابن هشام ,وتاريخ الطبري تؤكد على أن النبي قام في دعوته ، وفي إرساء دولته بجهده البشري , كان أحوج الناس إلى المعجزات, وإلى علم الغيب حين أُوذي , وحين هاجر وحين جاهد, وحين إنهزم, وحين ناضل في مكة والمدينة وما بينهما, ولكنه نجح في دعوته, وفي إقامة دولته بالتدبير البشري والاستعداد العسكري والتدريب والتعليم واستشارة أصحابه, وهذا دليل على أن الإسلام دين التعقل والأخذ بالأسباب, ولا مجال فيه للخرافات أو الإيمان بمعجزات البشر أو السوبرمان.
ثالثاً : ثم وقع المسلمون في عصور التأخر اسرى لأديان أرضية بشرية تعتمد على الأكاذيب والخرافات,وانعكس ذلك على نظرتهم للنبي وتدوينهم لسيرته فى عصور التخلف , لذلك إمتلأت بالخرافات والمعجزات الحسية .. وذلك يخالف القرآن والمصادر الأصيلة للسيرة النبوية.
18 ـ: معنى ذلك أنه لم تكن للنبي محمد معجزة حسية؟ فما قولك في الإسراء والمعراج ومعجزات الأنبياء السابقين ؟
أولاً الأنبياء السابقون كان كل منهم نبياً لمجتمع معين في زمان معين , لذا كانت المعجزة الحسية يشهدها ذلك المجتمع, وتنتهي معه، وكانت تلك المعجزات نذيراً بالإهلاك للقوم إذا لم يؤمنوا.. واختلف الحال بمجيء النبي محمد عليه صلى الله عليه وسلم,خاتماً للأنبياء الى قيام الساعة وفي عصر ارتقى فيه العقل الإنساني ، وتقاربت المسافات بين البشر ، لذلك كانت المعجزة قرآناً عقلياً متجدد الإعجاز إلى يوم القيامة, وهذا هو الفارق بين القرآن معجزة النبي محمد صلى الله عليه وسلم الوحيدة, وبين معجزات الأنبياء السابقين , فالقرآن معجزة عقلية وعامة للبشر جميعاً، ومستمرة إلى قيام الساعة.
ثانياً : المعجزة هىّ الآية التي تنزل للتحدي, وهذا ما ينطبق على القرآن , وعلى عصا موسى، وعلى ناقة صالح, وتأتي دليلاً على أن النبي مرسل من لدن الله تعالى ويتحدى المجتمع بهذه المعجزة. إلا أن هناك آيات أخرى تكون خاصة بالنبي ولا شأن للمجتمع بها مثل ما أعطاه الله تعالى للأنبياء داود وسليمان وابراهيم (حين أنقذه من النار ) ومثل الإسراء الذي كان خصوصية للنبي محمد صلى الله عليه وسلم, لذا قال تعالى عن الإسراء { لنريه من آياتنا} أي هذا خاص به ,ولا شأن لنا به, فما رآه النبي في الإسراء من مكة إلى المسجد الأقصى اعتبره القرآن {فتنة للناس} (الإسراء60) لأن الناس لم يروا ما حدث ،ولهذا يمتلأ كلام البشر عن الإسراء بالخرافة طالما خرج عن النصوص القرآنية , والأمر أفظع في المعراج الذي لم يرد مطلقاً في القرآن, بل ورد في القرآن ما ينفي صعود النبي إلى السماء أو معراجه (النجم 5 : 13 , الإسراء 93 و الأنعام 35 ), ونحن بهذا نؤكد ما سبق , وهو أن كلام الله تعالى في القرآن فيه وحده الغيب الذي ينبغي أن نؤمن به , وما عداه خرافة طالما يتعلق بالغيب الذي لم يره البشر.
19 ـ أفهم مما سبق أن الغيبيات محددة ومحصورة في القرآن فقط, وأن مجال استعمال العقل أصبح متسعاً أمام المسلمين للبحث والابتكار واستخدام الأسباب, وكان نجاح النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة دولة دخلت التاريخ العالمي دليلاً حياً على تطبيق ذلك المنهج العقلي الخالي من الخرافة .. ولكن يبقى السؤال الهام , وهو: كيف بدأت الخرافة تسلل إلى عقول المسلمين؟
ج: الفتوحات الحربية للمسلمين الأوائل كانت أفدح معصية للقرآن والاسلام حيث حولت الجهاد فى الاسلام من الدفاع الى الهجوم الظالم على الآخرين و استعبادهم واحتلال بلادهم. ونتج عن الفتوحات اختلاف المسلمين فى الثروة الهائلة التى ملكوها ، وتحول الاختلاف الى حرب أهلية ، أدت فى النهاية الى قيام حكم استبدادى بالدولة الأموية. وخلال تلك الحروب الأهلية لجأ المتحاربون الى اختراع أحاديث نبوية قامت بدور الحرب الفكرية ، ثم اتسعت تلك الأحاديث لتشمل التشريع و التقنين وفق الهوى والعقائد المخالفة للاسلام . وبهذا قامت للمسلمين أديان أرضية مثل السنة و التشيع. وساعد فى انتشار الأحاديث مبكرا أن الدولة الأموية اخترعت منصباً دينياً هو صاحب القصص , وهو أشبه بوزارة الإعلام في عصرنا,وكان يجلس القاص في المسجد بعد الصلاة يحدث الناس وينشر من خلال حديثه توجهات الدولة ويستميل إليها الناس , ولكي يضمن تمام تأثيره عليهم كان يحرص على نسبة أقواله إلى الصحابة والنبي صلى الله عليه وسلم, ثم يملأ أحاديثه بأقاصيص مثيرة عن عوالم الجن والملائكة والأنبياء وعذاب القبر وعذاب الآخرة وسائر الغيبيات، ومن خلال السيطرة على عقولهم يتحكم فيهم وفي ولائهم للدولة , لذا كان حرص الأمويين على هذا المنصب شديداً, خصوصا وهم الذين ابتدعوا لعن الإمام على ابن أبي طالب على المنابر,وابتدعوا تحويل خطبة الجمعة والعيدين إلى نشرة سياسية لتأييد الحاكم أو لنصرة فكر ديني على حساب فكر ديني آخر , ولذلك كان أبرز القضاة هم الذين يتولون منصب القصص في المساجد,والإمام الأوزاعي أشهر من تولى القصص في المسجد الأموي بدمشق , وكان فقهيا يخدم السلطة الأموية , ثم خدم بعدها السلطة العباسية, وهو أحد من اخترعوا حد الردة , وهو في النهاية الذي يمثل العلاقة بين روايات القصص ورواية الأحاديث , إذ أنه كان ينسب أقاصيصه إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ذلك أن أفظع المساويء الفكرية أن خرافات القصاص ما لبثت في العصور التالية أن تحولت إلى أحاديث وتاسست عليها اديان المسلمين الأرضية معززة بالخرافات ، وكلها تم تدوينها في العصر العباسي ضمن كتب الحديث الصحاح.
20 ـ : نريد بعض الأمثلة لما تقول ؟
الأمثلة كثيرة .. يكفي أن تقرأ قصص الأنبياء للثعالبي , والجزء الأول للطبري ,في تاريخه وما بعده, حين يتحدث عن خلق السموات والأرض وتاريخ الأنبياء , ويكفي أن تقرأ المكتوب عن عذاب القبر وعن الثعبان الأقرع, وقد ناقشنا ذلك في كتابنا عن عذاب القبر والثعبان الأقرع.
وبالإضافة إلى ذلك هناك الكثير من الأحاديث المذكورة في البخاري , أصلها الحقيقي يرجع إلى خرافات القصاصين ، مثل ذلك الحديث الذي يزعم أن الشمس عندما تغرب تأتي إلى عرش الرحمن وتسجد لله وتخبره أن قوماً يعصونه, فيأمرها بالرجوع فترجع ، وأحاديث أخرى عن الشيطان وعلاقته بأبي هريرة, وكيف كان إبليس يسرق القمح من المسجد وكيف كان أبو هريرة يربطه في عمود المسجد, وأحاديث أخرى عن الحجر الذي سرق ملابس النبي موسى عليه السلام وهو يستحم ، ثم هرب الحجر بملابس موسى, فخرج موسى عارياً فرآه بنو اسرائيل.. وأحاديث أخرى نستحي من ذكرها .. وفي غير البخاري أمثلة أفظع .. وفي مجال التفسير تسللت الخرافات خلال القصاصين, من ذلك ما يرويه عن ابن عباس أن الأرض يحملها حوت ضخم, وذكر المفسر ابن كثير هذا الرأي في تفسيره لسورة ( نون والقلم) والطريف بل المفجع أن كتاب التفسير المقرر على السنة الثانية الثانوية الأزهرية ( تفسير النسفي) , يضيف لنا معلومات جديدة فيقول أن اسم الحوت الذي يحمل الأرض هو "بهموت فمشكل " .
المشكلة أن أصحاب ثقافة ( بهموت فمشكل ) يريدون القفز على أكتافنا ليحكمونا باسم الاسلام ، بينما هم أصحاب دين أرضى يناقض الاسلام فى جوهره و تفاصيله وعقائده و تشريعه.
21 ـ والعمل يا شيخنا ؟ ماذا نفعل ؟
الرجوع للقرآن الكريم ، نقرؤه قراءة موضوعية وفق مفاهيمه ومصطلحاته لاصلاح المسلمين سلميا..
20 ـ ولكن هذا ا عسير يا شيخنا . ستنهال علينا الشتائم و السباب من أصحاب الديانات الأرضية والمعتقدين فى خرافاتها.
تذكر قوله تعالى ( واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما )
22 ـ سلاما..!!
إن السعي إلى الحقيقة لسعي دؤوب و مرهق ، ولكنه واجب .و قد أمرنا سبحانه و تعالى بأن لا نركن إلى الأرض تاركين الحاقدين على الإسلام يرتعون في السماء و إنها لمفارقة كبرى أن يعيش المسلم على فتات الغرب وبين يديه كتاب ينطق بالحق ويشحذ الهمم و ينير السبل
فترى الذين هم يحسبون أنهم حماة الدين و علماؤه لا يتورعون في تثبيط الجماهير إلى الأرض بقصد أو بغير قصد ويتفننون في خطابات عقيمة قد طواها الزمن فلربما يحدثنا أحدهم عن الدين فيستثير فينا مشاعر الحب والرهبة وما إلى ذلك من خطابات قلبية وهذا جيد و لكنه غير كاف. فالقرآن لم يكن خطابا قلبيا فحسب بل خطاب شاملا يسافر بنا من الماضي إلى المستقبل و من الحاضر إلى الغد الأفضل و من ضيق العيش إلى سعة الرحمة و من الجهالة إلى عرى اليقين و من العدم إلى كتابه المنشور ومن الجمود والركود إلى معرفة هذا الكون الدال على المعبود
ثم تجد من ينكر على كائنا من كان أن يرفع عن عينيه غشاوة سمكها يزيد عن ألف سنة ولولا حفظ الله لكتابه المبين لتقطعت بنا السبل . ثم لسائل أن يسأل أليس العقل مناط التكليف ؟ فلم كل هذا الجحود ؟ أتستكثرون على المسلم أن يتدبر آيات ربه بما آتاه الله من معرفة أكاد أجزم بأن علماء الدين ليس لهم فيها نصيب وأنا يكون لهم ؟ وقد أمضوا دهرا يسبحون في السند دون المتن وتغييب العقل بفرض النقل و إن رفضه المنطق و أنكرته الفطرة النقية بل و ينسخون القرآن إنتصارا لجيلا له ما كسب و عليه ماكتسب ونحن نرى في هذه الأيام العجاف جبالا من الكتب يحسبها أصحابها دعامة للدين وما أراها إلا والعياذ بالله هدما للدين وأسأل نفسي و إياكم :من أعظم قدرا ؟ ، كلام الله أم كلام تناقلته الأفواه ؟ فستجيبون حتما بأن كلام الله أعظم قدرا .و إن كان كذلك فلم هذا الهرج والمرج ؟ من "ناسخ و منسوخ "و "علم الجرح والتعديل" و"فن التكفير" و "الرجم" و"قتل المرتد" و "عذاب القبر" و "المسيح الدجال" وما إلى ذلك من صنوف الترف الفكري الذي إن لم يكن هداما فهو عقيم .
إن الأمة في أمس الحاجة إلى الخطاب العقلي الذي يخرجها من عالم البرزخ إلى عنان السماء و من ظلمات الجهل إلى أنوار العلم الذي أصبح في هذه الأيام تهمة كتهمة قوم لوط "إنهم أناس يتطهرون" فعندما تصبح القذارة أشرف من الطهارة فلا غرابة في أن يتهم الذين قال عنهم ربهم " إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) من سورة آل عمران.
بأنهم علمانيون أو عقلانيون أو قرآنيون و الإتهامات عديدة.
وأؤكد و أقول بأن الأمة التي لبثت في أعماق الجب أحقابا والتي تركت الدنيا وما فيها وافترشت ترابا والتي إتخذت القرآن مهجورا فزدادت إغترابا والتي جعلت التاريخ أعظم قدرا وانتسابا من تعاليم المنهج الذي فتح الله به لنا أبوابا فتفرقت بنا السبل وما لنا إياه ربا ولا لغيره نرجو احتسابا. فلو استقمنا كما أمرنا رب الأرباب لخرجنا من الجب كما خرج يوسف عليه السلام ولو عظمنا كتابنا ل ازددنا عزة و رفعة و لو بحثنا في هذا الكون الدال على خالقه لكنا أسبق من غيرنا في إعماره و تسخيره لما ينفع البشرية و يرفع عنا البلية
والله ولي التوفيق.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,690,712 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ....
هل ننجو لو أننا من القرآنيين ؟
دعوة للتبرع
توبة المسرفين : اخي احمد لدي سؤال وعندك كل الوقت لترد...
عن على بن ابى طالب: ارسل هذه الرسا لة لأستف سر عنما ذكرته بخصوص...
زينة المرأة .!!: عندي سؤال. الله يأمر ابن آدم بإتخا ذ زينته م ...
Music: I am a passionate saxophone player. I particular ly love to play jazz,...
إغتيال القذافى : هل قتل الفذا فى بلا محاكم ة يعدّ حراما ؟...
more