بين طهارة الاسلام ورجس الشرك ( فى القرآن والعبادات ):
القــذارة فى دين التصوف

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-05-24


ج3 / ف 6  : بين طهارة الاسلام ورجس الشرك ( فى القرآن والعبادات )

التصوف ونشر المساوىءالاجتماعية :  القــذارة فى دين التصوف

   كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

الجزء الثالث : أثر التصوف فى الانحلال الأخلاقى فى مصر المملوكية 

 الفصل السادس : التصوف ونشر المساوىءالاجتماعية . القذارة فى دين التصوف

ليس مثل الاسلام دينا فيما يخص الطهارة ، وليس مثل التصوف دينا فيما يختصُّ بالقذارة . وكما أن الاسلام هو دين الطهارة المعنوية القلبية والطهارة الحسية الجسدية فإن الأديان الأرضية على النقيض ، تؤسس على الرجس المعنوى القلبى ، و إذا تسيدت عصرا ـ كالعصر المملوكى ــ جعلت القذارة الحسية فيه من شعائرها ، والتصوف بالذات لديه غرام بالقذارة لا مثيل له . ونعطى بعض التفاصيل

 بين طهارة الاسلام ورجس الشّرك ( فى القرآن والعبادات)

مقدمة :

 للقرآن الكريم مصطلحاته الخاصة ، ففى موضوعنا مثلا لا يستعمل رب العزة مصطلح ( النظافة ) ولكن يستعمل مصطلح ( الطهارة ). لأن النظافة تفيد الطهارة الخارجية الجسدية المادية الحسية فقط ، أما ( الطهارة ) فهى تفيد طهارة النفس بإخلاص الايمان بالله جل وعلا إلاها لا إله غيره ولا تقديس لسواه ، وطهارة الجسد الحسية المادية .

وليس من مصطلحات القرآن الكريم كلمتا ( قذارة ووساخة )، لأنهما أيضا تفيدان الاستعمال الحسى الجسدى المادى . الله جل وعلا يستعمل فى كتابه العزيز مصطلحا أعمق هو ( الرجس ) و ( النًجس ) بفتح النون وفتح الجيم . ولقد آثرنا أن نستعمل المصطلح الشائع وهو القذارة لتبسيط الموضوع ولنركّز على القذارة الحسية الجسدية المادية للتصوف . فقلنا ( القذارة فى دين التصوف ). وقد عرضنا من قبل لمفهوم التزكية فى الاسلام وهى تعنى التطهُّر  

القرآن والطهارة :

1 ــ يقول جل وعلا عن القرآن إنه صُحُف مطهرة :( رَسُولٌ مِنْ اللَّهِ يَتْلُوا صُحُفاً مُطَهَّرَةً (2) البينة ). الطهارة هنا معنوية ، من يؤمن بالقرآن فعلا يتطهر به قلبه عقيديا وجوارحه سلوكيا. وتكرّر فى القرآن الكريم أن مهمة الرسول أنه يتلو عليهم آيات القرآن الكريم ليزكيهم ــ أى يطهرهم ـ وليعلمهم الكتاب والحكمة ( الجمعة 2 ، آل عمران 164 البقرة 129 ) .

2 ــ والهداية أو الضلال مشيئة شخصية لكل فرد ، والذى يريد تزكية نفسه بالهداية يهده الله جل وعلا فيزداد بالقرآن إيمانا ، والذى يرفض الهداية والتطهر والتزكية يزداد بالقرآن كفرا وطغيانا .

يتجلى هذا بالقرآن بالذات ، فهو الميزان . يقول جل وعلا عن بعض منافقى المدينة : (وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (124) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ (125) التوبة ). أى إزداد المنافق بالقرآن رجسا الى رجسه . فالمؤمن يزداد بالقرآن إيمانا ( الأنفال2 ) ، والمنافق يزداد به ( رجسا). ويقول جل وعلا عن بعض الكفرة من أهل الكتاب الذين إزدازدا بالقرآن طغيانا وكفرا :( وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً )(64) (68)المائدة ).

هم إختاروا الضلال ، وبناءا على إختيارهم فإن الله جل وعلا لم يُرد أن يُطهّر قلوبهم : ( أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدْ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41)المائدة ).فطهارة القلب والجوارح مشيئة فردية شخصية ، وايضا فرجس القلوب إرادة فردية شخصية. 

3 ــ ولهذا يتحول القرآن الى شفاء ورحمة للمؤمن به أو الى خسارة تزيد الظالمين خسارة على خسارتهم الأصلية ، يقول جل وعلا : (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً (82) الاسراء )( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ (44) فصلت ) (يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ (26) الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (27) البقرة ).

4 ــ وهذا الإعجاز القرآنى هنا تحقّق ويتحقق لدى المحمديين فى أديانهم الأرضية الذين إختاروا بمحض إرادتهم أن يزدادوا رجسا على رجسهم ، مع وجود القرآن معهم . إذا واجهتهم بعشرات الآيات القرآنية التى تؤكد عدم شفاعة النبى أعلنوا كفرهم بالقرآن وسلطوا عليك نفوذهم وشياطينهم يصدون عن سبيل الله وكتابه يبغونها عوجا:( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) هود ).  

هم فى تقديسهم للبشر والحجر( يستخدمون ) القرآن الكريم فقط فى خدمة أديانهم الشيطانية ، يتبعون ما تشابه منه إبتغاء الفتنة وإبتغاء تأويله ، يلوون عُنُق الآية لتوافق أهواءهم ويتجاهلون آيات أخرى ليجعلوا لأديانهم الأرضية مُسوّغا قرآنيا بالتزييف والتحريف . وهذا قد نبّأ به رب العزة من قبل ، فى الحديث عن المتشابه والمُحكم من القرآن الكريم : ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ (7) آل عمران ).

وبالتأويل واسطورة النسخ ومزاعم ما يسمى بعلوم القرآن وإفتراء الأحاديث يتّخذ المحمديون القرآن الكريم مهجورا ، يكون موجودا فى كتبهم وحفلات أسمارهم ، وممنوعا من الاحتكام اليه فى الاصلاح . والاحتكام الى القرآن الكريمة فريضة إسلامية للتصحيح والاصلاح ، يقول جل وعلا فى سياق الحديث عن مُتّبعى الأحاديث الشيطانية ووجوب الاحتكام لرب العزة فى القرآن الحكيم : (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (112) وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ (113) أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُونَنَّ مِنْ الْمُمْتَرِينَ (114)  الأنعام ) .

ولكنّ المحمديين إذا قيل فى الاحتكام الى القرآن لهم: تعالوا الى ما أنزل الله ، قالوا مقالة الكافرين : حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (170) البقرة ) ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) لقمان) . وهى عادة سيئة للمشركين فى كل زمان ومكان: ( بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ (22) وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) الزخرف ) 

5 ــ الذى ينجو من هذا هو المؤمن بالقرآن الكريم حقا، صاحب القلب الطاهر من تقديس البشر والحجر. الذى لا تقديس فى قلبه إلّا لله جل وعلا ، ولا تأخذه فى الحق القرآنى وحق الله جل وعلا لومة لائم . هذا المؤمن بالقرآن يدخل على القرآن الكريم بقلب سليم،  يتدبره ، بلا رأى مسبق ، بل بقلب يطلب الهداية ويسعى اليها ، وبهذا القلب المخلص تأتى هداية الرحمن تزيده هدى.

وبالتالى، فهناك فريقان اشار اليهما رب العزة فى سورة العنكبوت : ضالون مفترون مكذبون لآيات الله (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ (68) العنكبوت )، وفريق يسعى للهداية مجاهدا فى سبيل الحق : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (69)العنكبوت ).

هذا المؤمن طاهر القلب يمسّ القرآن قلبه ، فالقرآن لا يمسُّ ولا تصل أنوار هدايته إلا للمطهرين من رجس الشرك ورجس تقديس البشر ، والذين هم على إستعداد للتخلى عن أى فكرة أو عقيدة يظهر لهم أنها تعارض القرآن الكريم ، والذين هم على أتم إستعداد لقبول التضحيات تمسكا بالقرآن المجيد . هؤلاء هم المطهرون قلبيا الذين تمسُّهم أنوار القرآن الكريم . يقول جل وعلا  عن الفريقين فى سورة الواقعة : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ (77) فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ (79) الواقعة ). أما غيرهم من المؤمنين بأحاديث مفتراة فهم يجعلون رزقهم التكذيب بالقرآن الكريم ، ويقول جل وعلا يخاطبهم فى كل زمان ومكان : (أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ (81) وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ (82)  الواقعة ).

العبادات والطهارة الحسية والقلبية المعنوية

1 ــ الإسلام دين الطهارة المعنوية فى العقيدة والسلوك، ودين الطهارة الحسية بمعنى نظافة المظهر والجسد. ويتجلى هذا فى العبادات الاسلامية .

2 ــ وكان فرض الوضوء جمعا للطهارة الحسية مع الطهارة المعنوية القلبية فى الصلاة خشوعا وتقوى . يقول سبحانه وتعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ) هذا عن الطهارة الحسية بالاغتسال، ثم يأتى التذييل فى الآية الكريمة يشير الى الطهارة القلبية : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (6) المائدة ). فالآية الكريمة بينت أسلوب الطهارة للصلاة من الحدث الأصغر والأكبر بالماء أو بأى شىء طيب نظيف  عند تعذر وجود الماء أو استعماله، وتردد في الآية تين الحث على الطهارة الحسية: (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) والطهارة القلبية المعنوية (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ). 

3 ــ بل أن الإسلام حرصاً منه على الطهارة حرم الإتصال الجنسى بالزوجة الحائض لأن الحيض ( أذى ) : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) البقرة ) . قوله جل وعلا : (وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ ) تعنى الطهارة الحسية لموضع نزول الحيض الذى يجب إعتزال النساء  جنسيا بسببه ، وقوله جل وعلا : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) يعنى الطهارة القلبية المعنوية بالهداية وزكاة النفس بالتقوى .

4 ــ و( الماء ) هو أصل الحياة ( وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30)الأنبياء) (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ )(45) النور) ، والماء أيضا الوسيلة الأساسية للطهارة . وهو ينزل من الغلاف الجوى ماءا نقيا طهورا :( وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48) الفرقان48 ) .

والماء وسيلة الطهارة الحسية :( إِذْ يُغَشِّيكُمْ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ ). وحين يتطهر المؤمن حسيا بالماء وقلبه مُهيا للطاعة فإن الطهارة المعنوية تُصاحب الطهارة الحسية . نفهم هذا من تكملة الآية الكريمة السابقة : (وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ (11) الأنفال )   . 

الماء هو الوسيلة الحسية للطهارة الحسية ( والمعنوية أيضا لأصحاب القلوب المؤمنة ) . و( القرآن ) هو السبيل للطهارة القلبية ، وهما ( الماء والقرآن ) يجتمعان فى الصلاة ، بما يُعرف بالوضوء والغسل قبل الصلاة وبالخشوع القلبى فى تأدية الصلاة و التقوى فيما بين الصلوات ، أو بالمصطلح القرآنى ( إقامة الصلاة ) و ( المحافظة على الصلاة ) و ( إيتاء الزكاة ) أى التزكية وتطهير القلب أى النفس ( القلب والنفس والفؤاد بمعنى واحد ).

ولأن الماء والقرآن هما معا للطهارة بنوعيها المادية والقلبية فإنّ من الروعة القرآنية أن الله جل وعلا يتحدث عن الماء والقرآن معا فى سورة الفرقان. قال جل وعلا عن الماء :( وَهُوَ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً (48) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَاماً وَأَنَاسِيَّ كَثِيراً (49)) وقال بعدها عن القرآن : ( وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (50) وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً (51) فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَاداً كَبِيراً (52)الفرقان). والفرقان من أسماء القرآن .

القرآن يُحيى القلوب والنفوس (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (122) الانعام ) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) (24) الأنفال ) والماء أصل الحياة : ( وَجَعَلْنَا مِنْ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ (30)الأنبياء) (وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ )(45) النور) .

 5 ــ والمساجد بيوت الصلاة هى نفسها بيوت التطهر والنظافة أى تجمع بين الطهارة المعنوية والطهارة الحسية ، يقول تعالى"( لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) التوبة ). الطهارة هنا بالمعنى الحسى والقلبى الايمانى .

  ، ونزلت آيات الوضوء والطهارة في المدينة، وكان العرب قبلها فى تأديتهم لملة ابراهيم يصلون دون طهارة ، وفي الفترة المكية نزل للرسول في بدايات الوحى: ( وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) المدثر ) . ثم بعدها فى المدينة نزل تشريع الطهارة الحسية فى سورتى النساء والمائدة .

6 ــ ويقول جل وعلا لنساء النبى :( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمْ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33) وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً (34) الاحزاب ). أى بإقامة الصلاة وتزكية النفس وطاعة الله جل وعلا ورسوله يتم التخلص من الرجس ويتم التطهير.

7 ــ ويقول جل وعلا عمّن خلط عملا صالحا وآخر سيئا ويريد التوبة والتطهر : ( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (102) خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) التوبة ). فالزكاة المالية من سُبُل الطهارة القلبية .

اجمالي القراءات 7729

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5111
اجمالي القراءات : 56,688,386
تعليقات له : 5,445
تعليقات عليه : 14,818
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي