آحمد صبحي منصور Ýí 2015-04-29
الفهرس
مقدمة كتاب ( شاهد على بضعة أشهر من حُكم السيسى ).
الفصل الأول : فرحة لم تتم
خطوة رائعة للرئيس السيسى : إصلاح مادة التربية الدينية
في الجمعة 27 يونيو 2014
الفصل الثانى : النصيحة مع الأمل
بلاغ الى ضمير الرئيس عبد الفتاح السيسى ( 1 من 2 )
الإرادة السياسية اساس فى التخلص من شيوخ داعش فى الأزهر
الأربعاء 13 اغسطس 2014
بلاغ الى ضمير الرئيس عبد الفتاح السيسى ( 2 من 2 )
أملا فى التخلص من شيوخ داعش فى الأزهر
الجمعة 15 اغسطس 2014
السيسى ودواعش الأزهر
السبت 23 اغسطس 2014
الفصل الثالث : نقد مع إستمرار الأمل
السيسى يسير فى الطريق الخطأ : (1 ) ( فى إصلاح الأزهر )
الأحد 26 اكتوبر 2014
السيسى يسير فى الطريق الخطأ:(2 ) عدم إصلاح قانون المظاهرات
في الإثنين 27 اكتوبر 2014
فلاح وشيخ و... حمار
الثلاثاء 18 نوفمبر 2014
حول دعوة الرئيس السيسى الى ثورة دينية
في الأحد 04 يناير 2015
أهل القرآن بدءوا ( الثورة الدينية ) من عام 1977 ولا يزالون يحملون شعلتها
تفعيل الثورة الدينية فى مصر لا يمكن بدون مشاركة أهل القرآن
لو كنت .. مكان السيسى
في السبت 07 فبراير 2015
الفصل الرابع : نقد لإبراء الذّمة وللعظة ـ بعد اليأس مع الاصلاح
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
السبت 28 فبراير 2015
فى الاحتكام الى رب العزة جل وعلا بشأن الرئيس السيسى
الرئيس السيسى : هل يؤمن بالله جل وعلا ؟
في الإثنين 02 مارس 2015
فى الاحتكام الى رب العزة جل وعلا بشأن الرئيس السيسى
الرئيس السيسى : هل يؤمن باليوم الآخر ؟!!
في الأربعاء 04 مارس 2015
الدولة العسكرية الأمنية ( الفرعونية ) ( السيسية )التى تستعلى على الشعب:
الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى
في الخميس 05 مارس 2015
الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى
السيسى وفرعون موسى : العلو الذى يصل الى التأليه : ( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى )
في الجمعة 06 مارس 2015
الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى
السيسى وفرعون موسى : من الكفر الى التوبة
في السبت 07 مارس 2015
الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى
بين الرئيس السيسى وفرعون موسى : النهاية والعظة والعبرة
في الأحد 08 مارس 2015
بين نقيضين : السيسى وعمر بن عبد العزيز
في الإثنين 09 مارس 2015
السيسى والرهانات المدمرة لمصر والمنطقة
الأحد 05 ابريل 2015
الحلقة الرابعة : حكومة كعب الغزال بعد القضاء على ثورة الشيخ منيع
الإثنين 13 ابريل 2015
حكومة كعب الغزال وكيف صنعت المعارضة الجهنمية / الحلقة الخامسة
الثلاثاء 14 ابريل 2015
الخاتمة :
أيها السيسى ..وداعا ..!!
الاربعاء 29 ابريل 2015
مقدمة كتاب ( شاهد على بضعة أشهر من حُكم السيسى ).
بدأ مقالا أستبشر فيه بالسيسى أملا فى إصلاح شامل يوفر على مصر تكلفة باهظة فى تحولها الديمقراطية فى وقت تشتعل فيه حروب أهلية فى دول الجوار . لكن السيسى خيّب الأمال ، فكتبت أنقده على أمل موضحا أُسُس الاصلاح المطلوب التى يتجاهلها مع قدرته عليها . ثم كتبت أنقده بعد فقدان الأمل ، أكتب بأساليب مختلفة أصولية وتاريخية واستراتيجية وفكاهية ساخرة فى تحليل الاستبداد المصرى الفرعونى ، أكتب للعظة ولإبراء الذمة ولتنوير جيل الشباب المصرى ليكون مختلفا عن هذا الجيل الذى أرهق معظمه الدين الوهابى السلفى الحنبلى السُّنى .
أهدى هذا الكتاب للجيل المصرى الواعد الذى سيقوم بالتغيير الى الأفضل ، داعيا الله جل وعلا أن يتم التحول الديمقراطى فى مصر وغيرها بأقل قدر ممكن من التضحيات .
أحمد صبحى منصور
سبرنج فيلد ـ فيرجينيا ـ الولايات المتحدة
29 ابريل 2015
الفصل الأول : فرحة لم تتم
خطوة رائعة للرئيس السيسى : إصلاح مادة التربية الدينية
في الجمعة 27 يونيو 2014
مقدمة :
بجاء خبر رائع عن خطوة رائعة للرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى نشره موقع : ( موجز الأنباء )
http://www.mojaznews.com/misc/7974/
2 ـ يقول الخبر : ( اعلنت وزارة التربية والتعليم اليوم عن إصدار كتاب القيم والاخلاق الذى يدرس فى جميع مراحل التعليم بعد الغاء كتاب مادة التربية الاسلامية وتبديل المادة بمادة الاخلاق والقيم بعد أن شهد الشارع المصرى فى الفترة الاخيرة هبوط فى مستوى الاخلاق والقيم وتعرض الفتيات التى عمليات تحرش وغياب الاخلاق فى الشارع دفع الرئيس السيسى الى الغاء مادة التربية الاسلامية وعمل تحديث للمادة العلمية فى المنهج وزرع القيم والاخلاق فى الشارع من خلال مادة القيم والاخلاق التى سوف يتم التدريس بهذه المادة بدايه من العام الدراسي الجديد 2014-2015 وذلك بعد مشاورات بين الكنيسة والازهر الشريف لاهمية ذلك الموضوع.وقد حرص الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على ضرورة الانتهاء من تحضير كتاب هذه المادة الجديدة لكى يتم تدريسها لجميع الطلاب بجميع المراحل الدراسية بالعام الدراسي الجديد.اكد وزير التعليم المصري انه يتم تغير كتاب مادة التربية الاسلامية واستبداله بكتاب الاخلاق والقيم بعد تدهور القيم والاخلاق عند معظم الشباب المصري وخاصة بعد تعدد حالات التحرش بالكثير من الميادين والشوارع والمحافظات.كما اكد وزير الاوقاف ان القيم والاخلاق اكدت عليها جميع الاديان السماوية وحرص على توضيح ان هذا الكتاب ايضا سوف يحتوى على معلومات عن حضارة الاسلام و سماحة الاديان.). كان لا بد من كتابة هذا التعليق ليكون خاتمة لهذا الفصل يذكّر بالمدخل المكتوب عام 2000 .
أولا :
1 ــ قضيت يوما سعيدا أمس ، فقد جاءت بشائر تحقيق ما كنت أحلم به من إصلاح ، وأحسست أن بعض ثمار معاناتى خلال الثلاثين عاما المنصرمة لم تذهب هباءا ، خصوصا فى مجال إصلاح التعليم واصلاح الأزهر . ويتذكر القارىء أن كتاب ومقالات ( مبادىء الشريعة الاسلامية وكيفية تطبيقها ) ذكر حزمة من الاصلاحات على رأسها إصلاح التعليم المصرى وإصلاح الأزهر وإصلاح المساجد .
2 ـ وسيأتى الوقت الذى أنشر المٌتاح من المعارك الفكرية التى دخلت فيها بسبب الدعوة للإصلاح ، ومنها معركة إصلاح التعليم المصرى ، المعروف بمشروع ( التعليم المصرى والتسامح ) والذى إنشغل به مركز ابن خلدون عامى 1989 : 1999 .، وكان التركيز فيه على اصلاح مادة التربية الدينية للمسلمين والمسيحيين ، ومادتى التاريخ والقراءة . وأسهمت فيه فى إصلاح مادة التربية الدينية الاسلامية ، بكتابة ( دليل المعلم ) بديلا عن ( دليل المعلم الرسمى لوزارة التربية والتعليم ) ثم وضعت مقترحات بديلة لمادة التربية الدينية الاسلامية فى التعليم الابتدائى و الاعدادى والثانوى . ثم كتبت سيناريو فيلم تراثى عن شخصية قبطية رائعة فى العصر العباسى ، ( نشرت القصة فى موقعنا بعنوان : قبطى عظيم فى عصر خليفة لئيم ) وفيلما تسجيليا عن ظاهرة مصرية مجهولة ، وهى إشتراك المسلمين فى إحتفالات مولد السيدة العذراء فى كنيسة مسطرد . وأنتجهما مركز ابن خلدون . بعد التأليف والانتاج دعا د سعد الدين ابراهيم رئيس مركز ابن خلدون كل المؤسسات المصرية الى مناقشة المشروع ، من مجلس الوزراءووزارة التربية والتعليم والأزهر والكنيسة والاعلام والمثقفين والمفكرين والكُتّاب والأدباء ، وفوجئنا بهجوم فظيع من مجلس الشعب ومجلس الوزراء والاعلام الرسمى والحزبى ، وتركز الهجوم على شخصى وما كتبته فى اصلاح مادة التربية الدينية الاسلامية . والذين هاجموا لم يقرأوا المكتوب ، بل إستطلعوا رأى الشيوخ الذين يهاجمون أى شىء منسوب لشخصى . وبعد أن قرأ بعضهم بعض المكتوب ونشره خفّ الهجوم فى العام التالى ، وهذا شجعنا على الانتقال الى المرحلة التالية للمشروع ، وهو تطبيقه خلال ألأجازة المدرسية بمناقشته مع مدرسين من الوزارة ، وقيامهم بتدريسه على عينات من الطلبة فى مراحل التعليم . وتم توزيع جوائز تفوق على المدرسين المتفوقين . ثم كانت المكافأة التى تلقيناها هى إعتقال د سعد الدين ابراهيم وغلق مركز ابن خلدون وإعتقال كثيرين من أهل القرآن من المشاركين فى رواق ابن خلدون الذى كنت أديره ، والمشاركين فى مشروع اصلاح التعليم ، وقبل إعتقالى شددت الرحال الى أمريكا لأنجو بحياتى ، لأن إعتقالى وحشرى مع المساجين الارهابيين الوهابيين يعنى حتما قتلى .
3 ـ وسيأتى الوقت لنشر المكتوب فى اصلاح مادة التربية الدينية الاسلامية بالتفصيل ، ولكن أعرض سريعا لمقدمة وفهرس موضوعات الكتاب الأول ( كتاب : دليل المعلم . )
ثانيا : لمحة عن كتاب ( مشروع التعليم والتسامح : رؤية في دليل المعلم : للتربية الدينية الإسلامية .د . أحمد صبحي منصور)
1 ـ ( مقدمة : ليس المقصودمن هذه الكتابة عن دليل معلم التربية الإسلامية هو تكرار ما سبق إيراده في دليل المعلم لسنوات الدراسة ، وإنما تقديم رؤية أصلاحية تناقش المنهج الذي تسير عليه مادة التربية الإسلامية وتحاول إصلاحه والاقتراب به أكثر من حقائق الإسلام ، ثم نتوقف مع معلم التربية الإسلامية ونعطي دارسة قرآنية حول حقائق الإسلام الكبرى التي ينبغي أن ينشأ عليها المسلمون أطفالا ويمارسوها كبارا . ثم نقدم في النهاية مقترحا بمنهج مشترك للتربية الدينية للمسلمين والمسيحيين على أن تكون مادة النجاح فيها بالمجموع . إن الإصلاح هو الهدف الذي نسعى إليه جميعا ..و مادة التربية الإسلامية هي أساس الإصلاح ،وإذا شابها ادني خطأ في المنهج أو في العرض أصبحت شديدة الخطورة على الوطن والموطنين .. ومن هنا لا ينبغي منذ البداية أن تكون مادة التربية الدينية للمسلمين والمسيحيين بؤرة التفرق والانقسام والاختلاف بين أبناء الوطن الواحد ، ولكن ينبغي أن تكون نقطة التلاقي والاتصال والتعاون على البر والتقوى والوقوف أمام الإثم والعدوان . وهذا هو المفهوم الحقيقي لحقائق الإسلام وهي تدعو إلى الحق والقسط والخير والحب والتسامح والصبر والسلام والعفة والتقوى . والتي تنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي والظلم والشرور والتعصب والإرهاب والكراهية وكل ما هو مشين وقبيح ..ومادة التربية الدينية هي الميزان الحساس ، وأي ميل أو اعوجاج في هذا الميزان يكون خطيرا على الدين الوطن .وحبا في دين الإسلام والوطن كتبنا هذا البحث ..
والله المستعان . د. أحمد صبحي منصور ..1998 )
2 ـ ( الفهرس : القسم الأول : رؤية لمنهج التربية الإسلامية :
نماذج للتجاوزات والأخطاء في دليل المعلم (الرسمى ) :
أولا : تكفير الآخر . ثانيا : تجاهل الآخر. ثالثا : تجاهل مصر والمكانة المصرية في القرآن الكريم .
رابعا : تجاهل القصص القرآنى عن المصريين والمصريين الذين تحدث عنهم القرآن الكريم . خامسا : تجاهل مقاصد التشريع في القرآن : تجاهل التقوى الاسلامية .
القسم الثاني : توجيه لمعلم التربية الإسلامية :
أولا : التعرف على حقائق الإسلام : العدل والقسط . الحرية الدينية . التسامح ( من الإحسان إلى الصبر ). الإحسان والتسامح في الدعوة ، التسامح والعفو والغفران ، الإحسان بالقلب ، الإحسان والصبر. تشريعات القتال في الإسلام هدفها السلام وحرية العقيدة :
ثانيا : الموالاة والانتماء لمصر فرضية الانتماء لمصر.الخصائص المصرية المستفادة من القصص القرآني .
الخاتمة : حول منهج جديد لمادة التربية الدينية في التعليم العام : مقترح بمنهج عام مشترك للتربية الدينية الإسلامية والمسيحية في العقائد : (1 ) في العبادات (2) في السلوكيات والأخلاق و محاربة السلوكيات الهدامة . ملاحظات على كيفية التنفيذ .) انتهى .
أخيرا
1 ـ المُصلح متخصص فى السيئات ، ولا يمدح إلا مُضطرا . ولكنى بقلب مفتوح أسجل تقديرى للرئيس عبد الفتاح السيسى على بدئه بهذه الخطوة الاصلاحية ، وأتمنى أن يسير فى طريق الاصلاح التشريعى الدستورى والقانونى ، لأن محاربة الارهاب أمنيا لا تُجدى مع وجود دين الارهاب مسيطرا على القلوب والعقول متخفيا باسم الاسلام ، نريد تطبيق إصلاح كامل مؤسس على الجمع بين الحرية والعدل .
2 ــ طيلة حياتى ما دعوت لأى حاكم ولا نافقته ولا مدحته ، بل كنت ولا زلت ناقدا متخصصا فى السيئات . ولكن أرى تباشير خير فى الرئيس عبد الفتاح السيسى . أدعو أن يوفقه رب العزة جل وعلا ليصلح ما أفسده أسلافه .
الفصل الثانى : النصيحة مع الأمل
بلاغ الى ضمير الرئيس عبد الفتاح السيسى ( 1 من 2 )
الإرادة السياسية اساس فى التخلص من شيوخ داعش فى الأزهر
الأربعاء 13 اغسطس 2014
المقال السابق ( برنامج تليفزيزنى لمواجهة شيوخ داعش .. لوجه الله تعالى ) أثار تعليقات وصل بعضها على أيميلى الخاص . وسأعلق عليها فى عدة مقالات . إثنان منها عن الارادة السياسية ، وهى أساس فى (الاصلاح )، وأساس أيضا فى ( الإفساد ). وأبدأ بهذا المقال الذى أوجهه بلاغا الى ضمير الرئيس المصرى عبد الفتاح السيسى . :
أولا : قواعد أساس فى موضع الارادة السياسية ( المصرية )
1 ـ إن مصر هى محور العرب وبلاد المسلمين . إن قامت بدورها الاصلاحى وإرتفعت به إرتفع بها ومعها العرب والمسلمون . وإن ضاعت منها الريادة وتدهورت ضاع معها العرب وتدهوروا . لأن الذى ليس مؤهلا للريادة سيقود بدلا من مصر ، وسيضيع ويضيع معه العرب والمسلمون .:
2 ـ إن مصر تكتسب ملامح الحاكم فيها . إذا كان قائدا مؤهلا للقيادة عارفا بالريادة المصرية عزيزا كريم النفس صارت مصر تحمل نفس ملامحه ، وتؤدى به ومعه ريادتها، ويرتفع بها ومعها العرب والمسلمون . هذا ما حدث مع مصر محمد على وعبد الناصر فى العصر الحديث ، وحدث من قبل مع مؤسسى الدول كصلاح الدين الأيوبى واحمد بن طولون والمعز لدين الله الفاطمى . بدون هذه العظمة فى الحاكم المصرى والتى يجب أن تتناسب مع دور ومكانة مصر فإن مصر تهبط بهذا الحاكم الذى لا يليق بمصر . والأمثلة كثيرة ومريرة فى عصرنا الراهن . ومن قبل فى عصر الخليفة العاضد الفاطمى وأبناء وذرية السلطان العادل ألأيوبى والسلطان الكامل الأيوبى وخلفاء احمد بن طولون وخلفاء محمد بن طغج الإخشيد .
3 ـ وجود ( الأزهر ) فى مصر وبقاؤه فيها منذ تأسيس القاهرة لأكثر من ألف عام ، أضاف معادلة جديدة فى الحياة الدينية فى مصر وخارجها . الأزهر الشيعى الذى أقامه الفاطميون أسهم فى نشر التشيع فى مصر وخارجها . وحين قضى صلاح الدين الأيوبى على الدولة الفاطمية عطّل الأزهر ، وأنشأ بدلا منه مؤسسات صوفية سنية ( خانقاه سعيد السعداء ) . وعاد الأزهر لدوره فى الدولة المملوكية ( 1250 ـ 1517 ) ضمن مؤسسات أخرى ينشر التصوف السُّنى . واستمر فى العصر العثمانى بعد إندثار المؤسسات التعليمية الدينية الأخرى . وفى كل الأحوال كان الأزهر مأوى للمصريين وغيرهم ، ومؤثرا فى مصر وخارجها . وفى العصر الراهن وفى أزمة العرب والمسلمين اليوم ( الوهابية / الارهاب / داعش / الاخوان ) وفى جدل الاصلاح من داخل الاسلام نقول :إن إصلاح المسلمين ( بليون ونصف البليون نسمة ) يستلزم إصلاح العرب ( 300 مليون ) واصلاح العرب يستلزم إصلاح المصريين ( 80 مليونا ) . وإصلاح المصريين يستلزم إصلاح الأزهر . وإصلاح الأزهر يستلزم إصلاح مناهجه . وإصلاح مناهج الأزهر يستلزم التخلص من شيوخ داعش المتحكمين فى الأزهر . والتخلص من شيوخ داعش فى الأزهر يستلزم إرادة سياسية من الرئيس عبد الفتاح السيسى .
ثانيا : وهذا يطرح بعض تساؤلات :
1 :هل شيوخ داعش الأزهريين ( بجهلهم وعجزهم عن تأدية دورهم فى تجلية حقائق الاسلام ومخالفتهم لقانون الأزهر وصدّهم عن سبيل الله جل وعلا ) أهم من إصلاح المسلمين / والعرب / والمصريين ؟ أترك هذا لضمير الرئيس السيسى . وأنا واثق فى ضميره الوطنى وضميره الاسلامى .
2 : هل التخلص من شيوخ داعش الأزهريين يعتبر مهمة صعبة يتعذر القيام بها ؟ أقول لا . وفقا لقانون الأزهر نفسه يمكن بكل سهولة عزلهم بتهمة تنطبق عليهم ، وهى إنكار حقائق الاسلام . وهذا يستلزم بعض التوضيح .
ثالثا : لمحة عن قانون الأزهر 103 الذى أصدره عبد الناصر عام 1961
1 ـ عبد الناصر ـ بإرادته السياسية ـ هو الذى قام بتحديث الأزهر بضمه الى الحكومة وتأميم الأوقاف ، وتم إنشاء الكليات العملية من طب وهندسة وصيدلة وزراعة ..الخ ، ثم تم وضع قانون الأزهر رقم 103 عام 1960 ليوجب على شيوخ الأزهر تجلية حقائق الاسلام ، وتجنب القانون تماما ذكر كلمة ( السّنة ) وأحل محلها القرآن وعلوم الإسلام والثقافة الإسلامية ،أي التراث الإسلامي أو الفكر البشري ،وطالب بتجريده من الشوائب والتعصب . ولعل أروع ما في هذا القانون هو مذكرته التوضيحية، والتي تؤكد بعبارات ديبلوماسية تخلف الأزهر وتخلف خريجيه عن نبض العصر وإحساسهم بالدونية واعتقادهم انهم رجال دين ،مع أن المسلم يجب أن يكون رجل دين ورجل دنيا معا، لأن الله تعالى في عقيدة المسلم اقرب إليه من حبل الوريد ، ولأن المسلم يؤمن بأن الله تعالى يجيب الداعي إذا دعاه فليس في حاجه إلى وسيط أو شفيع يقربه إلى الله.. أي أن المذكرة التوضيحية التي كتبها وزير الأزهر في ذلك الوقت سنة 1961 تنفى عن الأزهر صفة الكهنوتية، حيث لا كهنوت في الإسلام، أي انه مؤسسة مدنية تتبع السلطة التنفيذية ، بل إن المذكرة التوضيحية تصف شيخ الأزهر بأنه (الأستاذ الأكبر) وليس الإمام الأكبر, فتقول المذكرة عن المجلس الأعلى للأزهر إنه الهيئة التي (يرأسها الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر ) .فالمذكرة تصف شيخ الأزهر بأنه الأستاذ الأكبر وتؤكد على أنه لا كهنوت فى الإسلام حيث لا توجد واسطة بين العبد وربه ، وتنفى الشفاعة والولاية .
2 ـ والعبارات المستنيرة فى قانون الأزهر جاءت في المادة 2 عن دور الأزهر فى حفظ التراث الإسلامي "ودراسته وتجليته ونشره " وتعنى الاجتهاد العلمي . وتقول عن هيئة الأزهر "وتعمل على إظهار حقيقة الإسلام وأثره فى تقدم البشر ورقى الحضارة ..وتعمل على رقى الآداب وتقدم العلوم والفنون.."وكل ذلك يدفع الى الاجتهاد في إظهار حقائق الإسلام وكونه مما يدفع إلى التقدم.وفى المادة 15 تجعل مهمة مجمع البحوث مجرد الدراسة وتجديد الثقافة الإسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وإثارة التعصب السياسي والمذهبي وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص ..وحمل تبعة الدعوة إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة ..وكل ذلك يعنى الاجتهاد.وفى المادة 33 تجعل مهمة جامعة الأزهر "حفظ التراث الإسلامي وتجليته ونشره،وتؤدى رسالة الإسلام إلى الناس وتعمل على إظهار حقيقته .."وكل ذلك يعنى الاجتهاد.أي أن واجب الأزهري فى مجمع البحوث أو في جامعة الأزهر هو الإجتهاد في تجلية حقائق الإسلام من خلال القرآن الكريم والتراث . وهذا يعنى أن من حقائق الإسلام ما يحتاج الى تجلية وتوضيح وان في الثقافة الإسلامية شوائب وفضول وتعصب يحتاج إلى تنقيه وتجليه ليعود للإسلام فكره وجوهره الخالص الأصيل ...هذا هو الاجتهاد الذي يفرضه قانون الأزهر.. فماذا يعنى الاجتهاد؟ يعنى الخروج عن المألوف والإتيان برأي جديد من خلال المصادر الإسلامية ذاتها يخالف ما وجدنا عليه آباءنا. هذا ما يفرضه قانون الأزهر ،أو بالأدق هذا ما تفرضه العبارات المستنيرة في قانون الأزهر.
3 ـ فما هو جزاء العاملين بالأزهر إذا تقاعسوا عن واجبهم الوظيفى الذى يفرضه عليهم قانون قانون الأزهر ؟ بل كيف إذا قام شيوخ الأزهر بمحاربة الاجتهاد الذى يوجبه قانون الأزهر ؟ بل كيف إذا أنكر شيوخ الأزهر حقائق الاسلام البينات الواضحات فى القرآن الكريم ؟ هنا ينطبق عليهم ما جاء فى قانون الأزهر نفسه . تقول المادة 30 من القانون أن عضوية مجمع البحوث الإسلامية تسقط إذا ما وقع من العضو ما يلائم صفة العضوية كالطعن في الإسلام أو إنكار ما علم منه بالضرورة أو سلك سلوكا ينقص من قدره كعالم مسلم ،وتقول المادة 72" كل فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس (في جامعة الأزهر ) أو لا يلائم صفته كعالم مسلم ،أو يتعارض مع حقائق الإسلام أو يمس دينه أو نزاهته يكون جزاؤه العزل.."شيوخ داعش فى الأزهر يطعنون فى القرآن الكريم بطريق غير مباشر ، حين يدافعون عن أكاذيب البخارى التى تخالف القرآن الكريم والتى تطعن فى شخص النبى عليه السلام ، وحين يستخدمون نفوذهم لمعاقبة وإرهاب المجتهدين . هم بما يفعلون يطعنون فى الاسلام ويرتكبون ما يُزرى بشرفهم كأعضاء فى هيئة التدريس فى جامعة الأزهر .
4 ـ أكثر من هذا . القانون الجنائى يجعل المُحرّض على القتل شريكا للقاتل . لو قام فرد بقتل شخص واحد بتحريض من شخص آخر ، فإن القائم بالتحريض يكون مشاركا أصيلا فى جريمة القتل . هذا عن جريمة قتل شخص واحد . فماذا إذا كان القتلى بالآلاف ؟ ماذا إذا كان التحريض يجعل جريمة القتل للأبرياء جهادا دينيا يعنى دخول الجنة والتمتع بالحور العين ؟ ماذا إذا نجح هذا التحريض فى قتل آلاف الأبرياء فى مصر وخارجها ؟ ماذا إذا نجح هذا التحريض فى دفع المصريين ليكونوا داعشيين يقطعون رءوس الغلابة ؟ ماذا إذا أنتج هذا التحريض منظمات ارهابية تقتل الجنود المصريين غدرا وهم آمنون لا يتصورون أن يأتيهم الطعن من ظهورهم ؟ ماذا إذا أثمر هذا التحريض تأسيس منظمات ارهابية فى قاع المجتمع المصرى تقتل المصريين عشوائيا ؟ ثم ماذا إذا تم إستغلال إسم الاسلام العظيم ـ وهو دين السلام ـ فى التحريض على القتل العام للمصريين وغيرهم ؟ ماذا إذا تم إستغلال إسم خاتم المرسلين ـ وهو الذى أرسله الله جل وعلا رحمة للعالمين ، فى التحريض على ارهاب وقتل آلاف المصريين وغير المصريين ؟
5 ـ ثم هناك قانون أصبح سيىء السّمعة بسبب أن شيوخ داعش فى الأزهر يسيئون إستخدامه ، وهو قانون إزدراء الدين . المقصود رسميا الدين الالهى ، اى الاسلام . نحن لا نوافق على هذا القانون لأنه ضمن المتاريس التى تعوق حرية الفكر والدين . ولكن حتى مع وجوده وتطبيقه وفقا لنصوصه فهو ينطبق على شيوخ داعش فى الأزهر والأوقاف ويمسك بخناقهم . فهم بما يرتكبون يقعون تحت طائلة إزدراء الدين . أكبر إزدراء لدين الاسلام أن يكون الاسلام دينا للسلام وأن يكون رسول الاسلام رحمة للعالمين ثم يجعله شيوخ داعش المتحكمين فى الأزهر ـ دينا سىء السمعة يُرهب العالمين ، وليس ذلك فقط ، بل تتأسّس بما يفعلون تنظيمات ارهابية تتخصص فى قطع الرءوس وإغتصاب النساء ودفن الأطفال أحياء و إخراج الناس من بيوتهم وأموالهم ، وسلب البنوك . هذه جرائم يتقاصر عنها وصف ( إزدراء الدين )
6 ـ أسهل كثيرا مما سبق . هو قانون الخروج الى المعاش . يتمتع الأزهريون الذين أمضوا فى الأزهر ( 4 سنوات فى الاعدادى و 5 سنوات فى الثانوى ) بميزة هى خروجهم على المعاش عند بلوغ الخامسة والستين ، خلافا للسائد فى كل الدولة المصرية ( 60 عاما للمعاش ) . الدفعة الأخيرة من الأزهريين الذين أمضوا 4 سنوات فى الاعدادى و 5 سنوات فى الثانوى ـ هى دُفعتى . وما بعدها لا ينطبق عليها هذا القانون . وبالتالى يجب إن يُحال الى المعاش كل من بلغ الستين عاما من موظفى الأزهر بلا إستثناء ، طالما لم يمضوا تسع سنوات فى المرحلتين الاعدادية الثانوية . هذا هو العدل ، وايضا للإصلاح .
أخيرا
1 ـ كل المطلوب من الرئيس عبد الفتاح السيسى هو تنفيذ القانون وتطبيق ما وعد به ، وهو إصلاح التعليم وإصلاح الخطاب الدينى . وهذا الاصلاح يعنى التخلص من دواعش الأزهر والأوقاف لتنجو مصر والعرب والمسلمون من كوارث قادمة . فى هذا الوضع الخطير الذى تتوالى فيه سقوط الدول فالطريق واضح ، وهو بمنتهى البساطة : تنفيذ قانون الأزهر نفسه ، وهناك قابلية مجتمعية لهذا الاصلاح ، وهناك ملل من سماع نفس الاكليشيهات ونفس الجمود ونفس الوجوه، ولا تحتمل مصر تأجيل مشاكلها للغد تهربا من مواجهتها . وليس هذا التأجيل من سياسة الرئيس السيسى ، فهو الذى بادر بإجراءات إقتصادية كان يتهيب منها الجميع . الكرة الآن فى ملعب السيسى وهو بطريقته المستقيمة فى المواجهة ومصارحة الناس أقدر على إنقاذ مصر من سقوطها فى قبضة الدواعش . الدواعش ليسوا جماعات أو تنظيمات فقط ، هم فكر ارهابى يتستر بالاسلام ظلما وزورا ، ومن السهل أن يعتنقه الكثيرون حتى فى داخل المؤسسات الأمنية والعسكرية ـ لا قدّر الله جل وعلا . فهل ننتظر حتى ينجح شيوخ الأزهر الداعشيون فى تدمير مصر ؟
2 ـ لا يكلف الله جل وعلا نفسا الا وسعها . وهذا فى وسع الرئيس السيسى ، وهذا هو واجبه الاسلامى وواجبه الوطنى .وسيسأله رب العزة يوم الحساب عن هذا .
3 ـ أحسن الحديث :
(يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) النحل ) .
ودائما : صدق الله العظيم .!
بلاغ الى ضمير الرئيس عبد الفتاح السيسى ( 2 من 2 )
أملا فى التخلص من شيوخ داعش فى الأزهر
الجمعة 15 اغسطس 2014
لا زلنا نوجه هذا البلاغ الى ضمير الرئيس السياسى أملا فى إنقاذ مصر والعرب والمسلمين من خطر دواعش الأزهر . وهنا نعطى لمحة تاريخية سريعة للإرادة السياسية بالايجاب أو السلب ، وكيف تمخضت عن سيطرة دواعش الأزهر على الحياة الدينية للمصريين والعرب والمسلمين :
1 ــ حين لاح فى الأفق خطر داعش بادرت بنشر كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية ) للتنبيه مقدما على أن المذابح التى كان يقترفها جنود عبد العزيز آل سعود فى الشام والعراق يقوم وهابيو اليوم بتكرارها فى الشام والعراق وغيرهما . جرى هذا فى قيام عبد العزيز آل سعود بتأسيس الدولة السعودية الثالثة ( الراهنة ) . الارادة السياسية لعبد العزيز آل سعود خلقت ( الاخوان النجديين ) الذين قامت على سيوفهم الدولة السعودية الراهنة ، وعندما عارضوا عبد العزيز وثاروا عليه إختارت الارادة السياسية لعبد العزيز آل سعود التخلص من هؤلاء الاخوان النجديين ، وتأسيس ( إخوان ) آخرين فى مصر باسم ( الاخوان المسلمين) . وشرحنا هذا بالتفصيل فى القسم الأول من كتابنا ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين ) والذى لا زلنا نواصل نشره على حلقات هنا .
2 ـ وانتشر تنظيم الاخوان المسلمين فى مصر وتسلل الى الضباط الأحرار فى الجيش المصرى ، وانضم للاخوان المسلمين كثير منهم ، ونجح انقلاب الثوار فى يولية 1952 ، وكان الاخوان المسلمون هم الظهير الشعبى لهذا الانقلاب . وحدث الخلاف بين الاخوان والقائد الفعلى للانقلاب (جمال عبد الناصر) وأطاح عبد الناصر بالاخوان ففرّ معظمهم الى وطنهم الروحى (السعودية ) . وكان عبد الناصر عارفا بمنهج الاخوان الدينى وكان ينتقده علنا وساخرا فى خُطبه . وواجه عبد الناصر الوهابية السعودية بايدلوجية القومية العربية وباصلاح الأزهر مستمدا العون من التدين المصرى القريب للاعتدال والبعيد عن التزمت والتطرف . وبتأثير مصر الناصرية أصبحت السعودية فى خطر محيق ، إذ وصلت أصداء الثورة الى تكوين ( الأمراء الأحرار ) فى البيت السعودى نفسه يتزعمهم الأمير طلال بن عبد العزيز . وكان لابد من القضاء على عبد الناصر لتستمر السعودية ، فإغتالو عبد الناصر فى قمة نشاطه وحيويته وهو فى الثانية والخمسين من عمره. لو عاش عبد الناصر الى الثمانين مثلا ( حسنى مبارك تجاوز 85 عاما ، ومحمد حسنين هيكل فى التسعينات ) لانتهت الدولة السعودية وما رأينا داعش والقاعدة والنصرة والجهاد وحماس ..الخ .. لا ننسى أن مصر هى التى دمرت الدولة السعودية الأولى عام 1818 ، وهى التى سمحت بقيام الدولة السعودية الثانية وبسقوطها ، وبالتالى فإن إستمرار الدولة السعودية الثالثة مرهون بالرضى المصرى ، وتألق الدولة السعودية الراهنة يستلزم سيطرة السعودية على مصر . وإلّا فإنّ مصر الناصرية تعنى سقوط السعودية .
3 ــ التخلص من عبد الناصر كان إرادة سياسية وهدفا أمريكيا اسرائيليا سعوديا ، واستلزم الايقاع به خطوات محسوبة وعلى مهل ، خصوصا بعد تزعمه حركة الحياد الايجابى وعدم الانحياز عام 1964 ، ونجاح الثورات ضد الاستعمار فى الوطن العربى وأفريقيا ، والتحالف المعلن بين عبد الناصر والاتحاد السوفيتى فى مواجهة أمريكا . بدأت الخطة بالانفصال ( انفصال سوريا عن مصر عام 1961) ثم استدراج عبد الناصر الى حرب اليمن ، وبمجرد خروجه منها تم إيقاعه فى كمين حرب 67 ، وبها انتهت اسطورته ، وسقطت هامة مصر وهامة عبد الناصر لتعلو هامة فيصل آل سعود فى مؤتمر الخرطوم فى 29 أعسطس عام 1967 والمشهور بثلاثة ( لاءات ) : لا صلح ، لا إعتراف لا تفاوض مع اسرائيل قبل عودة الحق لأصحابه . من وقتها تولت السعودية القيادة تاركة عبد الناصر يضمد جراح الهزيمة ، ثم كانت الضربة القاضية باغتيال عبد الناصر ،والتى تم لاعداد لها على مهل عن طريق السادات .
4 ــ من عام 1955 توثقت الصلة بين السادات وكمال أدهم الذى أصبح رأس المخابرات السعودية و المنسق الإقليمي لنشاطات وكالة المخابرات المركزية الأمريكية فى الشرق الاوسط ، وهو زوج اخت الملك فيصل . فى عام 1955 كان كمال أدهم ممثل السعودية فى منظمة المؤتمر الاسلامى الذى كان يرأسه أنور السادات، فأصبح من وقتها السادات أملا للسعودية تتسلل به لمصر . بتقرير الصلح بين عبد الناصر والملك فيصل أصبحت السعودية تقدم دعما لمصر مقداره 41 مليون جنيه استرلينى ضمن علاقات أخرى تم إستحداثها ، وكان هذا الوضع الجديد مبررا للملك فيصل أن يُلحّ فى تعيين السادات نائبا للرئيس عبد الناصر بحجة أن السادات هو الذى يستطيع إنجاح التواصل المصرى السعودى بعيدا عن حاشية عبد الناصر من اليساريين مثل ( على صبرى ورفاقه ) . وتم تعيين السادات نائبا للرئيس عام 1969 . كانت الخطوة التالية إعتيال عبد الناصر ليحل السادات محله . فى العام التالى مباشرة نشب الصراع بين المقاومة الفلسطينية والاردن بعد أحداث ( ايلول الأسود )، واستغاثت المقاومة الفلسطينية بعبد الناصر فتم عقد مؤتمر القمة فى القاهرة فى 21 سبتمبر عام 1970 ، وكان عبد الناصر فى أوج تألقه من بداية المؤتمر الى نهايته ، وبعد أن قام بتوديع الرؤساء والملوك العرب كلهم ـ كان آخرهم أمير الكويت حسبما أتذكر ـ ذهب الى الاستراحة وشرب عصيرا مسموما مات بعده فورا . وتولى السادات . وتغير تاريخ مصر وتاريخ المنطقة وساد عصر السعودية ..ولا يزال .. وضاعت مصر ووصلت الى الحضيض ..ولا تزال ..
5 ـ الذى يهمنا هنا هو تأثير هذا على الأزهر الذى كان ذراع عبد الناصر داخل وخارج مصر .عبد الناصر هو الذى قام من البداية بالغاء القضاء الشرعى الأهلى الفاسد ، وضمه الى القضاء المدنى الحكومى ، ثم إلتفت الى الأزهر الذى كان فى الحضيض وقتها تابعا للأوقاف فقام بتحديث الأزهر بضمه الى الحكومة وتأميم الأوقاف ، وتم إنشاء الكليات العملية من طب وهندسة وصيدلة وزراعة ..الخ ، ثم وضع قانون الأزهر رقم 103 عام 1960 ليوجب على شيوخ الأزهر تجلية حقائق الاسلام ، وتجنب القانون تماما ذكر كلمة ( السّنة ) فتحدث عن القرآن وعلوم الإسلام والثقافة الإسلامية ،أي التراث الإسلامي أو الفكر البشري ،وطالب بتجريده من الشوائب والتعصب. واحتوى القانون على سطور ( رجعية ) بالمفهوم الناصرى ، فكلف عبد الناصر وزير الأزهر بوضع المذكرة التوضيحية التي كتبها وزير الأزهر في ذلك الوقت سنة 1961 تنفى عن الأزهر صفة الكهنوتية، حيث لا كهنوت في الإسلام، أي انه مؤسسة مدنية تتبع السلطة التنفيذية ،بل إن المذكرة التوضيحية تصف شيخ الأزهر بأنه (الأستاذ الأكبر)وليس الإمام الأكبر, فتقول المذكرة عن المجلس الأعلى للأزهر إنه الهيئة التي (يرأسها الأستاذ الأكبر شيخ الأزهر) .فالمذكرة تصف شيخ الأزهر بأنه الأستاذ الأكبر وتؤكد على أنه لا كهنوت فى الإسلام حيث لا توجد واسطة بين العبد وربه ،وتنفى الشفاعة والولاية .
6 ـ عبد الناصر هو الذى أنشا المجلس الأعلى للشئون الاسلامية عام 1960 ليكون ذراعه فى الريادة الاسلامية خارج مصر ، وأنشا مدينة البعوث الاسلامية لاستضافة الطلبة من العالم الاسلامى ، وأنشأ وإذاعة القرآن الكريم جنبا الى جنب مع إذاعة صوت العرب ، وفتح التعليم والترقى أمام الفتاة المصرية و المرأة المصرية فصارت وزيرة ( د حكمت أبو زيد ) ومديرة ومساوية للرجل فى الوظائف والأجر ، وترتدى أحدث الموضات . وفتح ابواب التعليم للجميع على قاعدتى العدالة والكفاءة ، فأصبح من حق ابن الفلاح والعامل أن يدخل أعلى كلية وفق مجموع درجاته ، وأن يدخل فى سلك القضاء والنيابة والشرطة والجيش بكفاءته، وتفاصيل أخرى تخرج عن موضوعنا ، ويكفى أن ترى أفلام الستينيات وحفلات أم كلثوم لترى الرقى المصرى فى عهد عبد الناصر ، ويكفى أن تقرأ تراث مصر وقتها لتعرف قيمة المصرى فى الخارج بفضل عبد الناصر . كان لزاما التخلص من عبد الناصر الذى كان الزعيم المناسب فى الدولة المؤهلة للريادة ، وبهذا فقط تستطيع السعودية ( التى تكونت رسميا عام 1932 بعد 77 سنة من تأسيس جريدة الأهرام المصرية )أن تكون ( الشقيقة الكبرى) لمصر ( أقدم دولة مستقرة فى التاريخ الانسانى ) .
7 ـ جاء السادات فأعلن أنه سيسير على خُطى عبد الناصر ، ولكنه فعل النقيض تماما ، فانتشرت نُكتة مصرية تقول إنه سيسير على طريق عبد الناصر بأستيكة ، وهذا ما حدث . تطوع السادات بتحقيق أقصى ما تحلم به أمريكا وقدمه لها مجانا ، وهو طرد الخبراء السوفيت وربط مصر بالقاطرة الأمريكية ووضع 99% من أوراق اللعبة السياسية فى الشرق الأوسط فى يد أمريكا . هذا مع تبعية مصر للسعودية وفتح الأبواب للإخوان المسلمين وسائر تنظيماتهم ما ظهر منها وما بطن . وبعد أن إستنفد السادات كل ما لديه وأصبح حملا ثقيلا مزعجا استجابت أمريكا للطلب السعودى، فكانت نهاية السادات المروعة على يد الوهابيين .
8 ـ فيما يخص الأزهر فقد قضى السادات على قانون 103 ومذكرته التوضيحية بإصدار ( اللائحة التنفيذية ) عام 1975. وهذا فى حد ذاته أمر عجيب ومريب ، أن يكون لقانون واحد مذكرة توضيحية ويتم تطبيقه بها 14 عاما . ثم بعدها يصدر السادات تلك اللائحة التنفيذية بقرار جمهوري رقم 250 لسنة1975 . وقضت هذه اللائحة التنفيذية على مزايا القانون الذى وضعه عبد الناصر ، والتفاصيل فى بحثنا المنشور هنا ( حريات لا يحميها القانون المصرى ) . أكثر من هذا ، فإن هذه اللائحة التنفيذية أتاحت للشيوخ العاجزين عن الاجتهاد فى تجلية حقائق الاسلام أن يعاقبوا من يجتهد فى تأدية دوره الوظيفى طبقا لقانون الأزهر نفسه . تقول المادة 72 " كل فعل يزري بشرف عضو هيئة التدريس (في جامعة الأزهر )أو لا يلائم صفته كعالم مسلم ،أو يتعارض مع حقائق الإسلام أو يمس دينه أو نزاهته يكون جزاؤه العزل . " وحين قمت بالاجتهاد في تجلية حقائق الإسلام اتهموني بإنكار حقائق الإسلام مع ان كل كتاباتي التي حاكموني بسببها فى الفترة من 1985 :1987 كانت إما آية قرآنية أو تعليقا على آية قرآنية بآية قرآنية أخرى، ولكن اللائحة أعطت سلاحا للشيوخ القاعدين عن الاجتهاد لكي يستخدموا نفوذهم ومناصبهم في معاقبة المجتهد الذى يطبق قانون الأزهر.
9 ــ وهكذا فإن الارادة السياسية لعبد الناصر أعطت لمصر حقها فى الريادة وأعطت للأزهر دوره ، فجاءت الارادة السياسية للسادات بعكس ذلك ، فقد زرع السادات ألغاما أمام العقل المصرى ، حجبت دور العقل المصرى صاحب المكانة الكبرى فى التجديد والاجتهاد ( من رفاعة الطهطاوى ، محمد عبده ، طه حسين ، أحمد أمين ، محمد حسين هيكل ،الى الشيخ شلتوت وابو زهرة وامين الخولى ..) ، وأخضعته للتحكم الوهابى . الارادة السياسية للسادات ( رئيس دولة العلم والايمان / الرئيس المؤمن / المتشبه بعمر بن الخطاب ) أدخل مصر فى نفق الخطاب الدينى السلفى الوهابى بحيث أصبح كل أمر مُباح فى شريعة الاسلام يستلزم فتوى سلفية متزمتة . وبالتالى وضع السادات إطارا دينيا للتيار السلفي السياسى الطامح للحكم كي يتهم خصومة السياسيين بالكفر بحجة إنكار تطبيق الشريعة . وقُدر لهذه الألغام أن تنفجر .. وانفجر أولها في وجه السادات نفسه حين أتهمه التيار السلفي بالكفر , ثم انفجرت باقي الألغام في عصر حسنى مبارك .. ولازالت تنفجر فى مصر وخارجها ..
أخيرا
نأمل خيرا فى ضمير الرئيس عبد الفتاح السيسى أن تكون إرادته السياسية إيجابية بما يكفى لتخليص مصر والعرب والمسلمين من خطر الدواعش .. دواعش الأزهر والأوقاف .
السيسى ودواعش الأزهر
السبت 23 اغسطس 2014
أولا : هناك حقائق ملموسة فى الجدل الدائر الآن فى مصر :
1 ـ أنه لأول مرة يجرى علنا وفى الاعلام المصرى نقد لمناهج الأزهر .بعد اصدار عبد الناصر لقانون الأزهر عام 1961 تم السكوت عن تنقية وتطوير وتحديث مناهج الأزهر ، وتم تماما فى الاعلام المصرى قفل الأبواب أمام أى نقد لمناهج الأزهر . أذكر أننى أرسلت ببعض الكتب المقررة فى الأزهر الى الدكتور رفعت السعيد وطلبت منه أن يكتب نقدا لها . فلم يفعل . أرسلت نفس الكتب الى الراحل فرج فودة فكتب مقالا تمهيديا فى ( الأحرار ) وسرعان ما جاءه تحذير من الرئاسة لأن شيخ الأزهر وقتها ( جاد الحق ) ثار واتصل بمبارك . وكفّ الراحل فرج فودة عن متابعة الموضوع وكتب ما يفيد ذلك ، وقال ساخرا انه سيكتب بعدها فى الرياضة ..او شىء من هذا القبيل .
2 ـ وأنه لأول مرة ينطق فى الاعلام المصرى شيخ أزهرى شاب جرىء ( الشيخ محمد نصر ) يقول ( البخارى مسخرة ) ويستشهد ببعض أحاديث البخارى فيُفاجىء الشيخ الآخر الذى كان يناظره بما يُقال عن البخارى ، الشيخ السّنى المسكين عابد البخارى لم يكن يتصور فى أشد الكوابيس رُعبا أن يسمع نقدا كهذا للبخارى . الشيخ السنى المسكين عابد البخارى كان يستشهد بالبخارى فى إثبات عذاب القبر والثعبان الأقرع ليُرهب الشيخ نصر ، ففوجىء بالشيخ نصر يقول عى ( إله السنيين ) وقدس أقداسهم إنه ( مسخرة ). كيف يقال هذا عن البخارى الذى يمتنع أن يقترب منه أحد إلا بالتمجيد والتقديس . إعتاد الملحدون سب رب العزة وسبّ الاسلام والطعن فى خاتم النبيين عليه السلام ، وكل ذلك لم يكن ليُحرك ساكنا لدى شيوخ داعش المتحكمين فى الأزهر ، فلما قام ( عبد الله ) يتعرض لالههم البخارى بكلمة واحدة هبوا جميعا على قلب رجل واحد يهاجمون الشيخ نصر لأنه ( سب آلهتهم وسفّه أحلامهم ) كما كانت تقول قريش.
3 ـ وإنه لأول مرة يُعلن رئيس مصرى ــ وفى بداية عهده ـ عن أهمية اصلاح التعليم واصلاح الخطاب الدينى ، ويبدأ مبكرا فى تنفيذ بعض البنود مثل وضع مادة مشتركة لمادة التربية الدينية فى التعليم العام ، والسيطرة ـ نوعا ما ـ على الخطابة فى الزوايا والمساجد .
ثانيا : هذه الحقائق الملموسة ، والتى نسعد بها ونعتبرها نجاحا جُزئيا لما نكافح فى سبيله ، إلّا أنها لا تزال تجرى فى مناخ كئيب ، فهناك حقيقة أخرى كئيبة ، منها :
1 ـ هى إننا نسعى من أكثر من ثلاثين عاما للوصول الى أى قناة تليفزيونية مصرية لنقول فيها بعض ما نكتبه وننشره فى إصلاح المسلمين بالقرآن وفى فضح عداء البخارى وبقية أئمة السنة للاسلام ورسول الاسلام ، وهو مما يدخل فى ( إصلاح التعليم وإصلاح الخطاب الدينى ). ولكن الأبواب موصدة فى وجوهنا حتى هذا الوقت . نشرنا آلاف المقالات والفتاوى والأبحاث والكتب ـ ووصل العلم بها الى من يهمه الأمر ، ولكن سياسة الباب الحديدى لا تزال هى السائدة فى التعامل معنا ، وهى باختصار : قل ما تشاء بعيدا عنا ولكنك ممنوع من الاقتراب منا . ومن يسير على طريقتك ينتظره قانون إزدراء الأديان .
2 ـ لقد جرى التعرض ( إعلاميا ) لما سبق أن نشرناه فى التسعينيات ( عذاب القبر والثعبان الأقرع ) وموضوعات أخرى ، وردد المهاجمون لهذه الخرافات بعض ما قلناه بالحرف ، ولكن مع التجاهل التام لذكر إسم الشيخ الأزهرى ( احمد صبحى منصور) الذى بدأ دعوة الاصلاح من داخل الأزهر من ثلاثين عاما واستمر يواصل طريقه حتى الآن فأسس تيار ( اهل القرآن ) فى العالم كله . بل إن باحثا فى مركز الاهرام للدراسات كتب فى إصلاح الأزهر وتجاهل تماما الإشارة الى إسم ( أحمد صبحى منصور ) ، مع أنه كانت تربطنا علاقة ثقافية فى التسعينيات . هذا الاصرار على تجاهل ( الإسم ) وإنكار ( الجهد ) و( المعاناة ) للشيخ الأزهرى وهو أكبر مجدد فى التفكير الدينى للمسلمين يرفع ألف علامة إستفهام وأضعافها من علامات التعجب . هذا الخوف من (إسم أحمد صبحى منصور ) الذى إرتبط إسمه بألقاب منها ( إنكار السّنة ) و ( القرآنيون ) فى الثلاثين عاما الأخيرة ، قد يكون مرجعه الى ( الخوف ) من جرأته فى إعلان ما يعتقده سياسيا ودينيا ، دون أى محاذير ، وقد يكون مرجعه تصديق تلك الاتهامات التى دأب الشيوخ ( الدواعش ) على ترديدها ومعهم الاعلام الرسمى ، والتى رسمت شخصية شيطانية للشيخ الأزهرى (أحمد صبحى منصور ) تُخيف الناس من الاقتراب منه ومن تدول إسمه . وأسهم تعرض أهل القرآن فى أربع موجات إعتقال فى ترسيخ الخوف منهم ، خصوصا وأن العرب والمصريين لا يزالون أسرى لمرحلة ( الثقافة السمعية ) والتى تجعل المُصابين بها يسارعون الى تصديق ما يقال دون تمحيص ، ودون إلتزام بقوله الله جل وعلا : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ (6) الحجرات ). وأديان المسلمين الأرضية من ( سُنّة وتصوف و تشيع ) مؤسّسة على هذه الثقافة السمعية ، وعلى الأخص منها ( دين السّنة ) وما يسمى ( بعلم الحديث ) القائم على أن فلانا فى العصر العباسى الثانى ( البخارى مثلا ) (سمع ) من فلان ( فى العصر العباسى الأول ) الذى (سمع ) بدوره من فلان ( فى العصر الأموى )الذى ( أخبره ) فلان ، الذى (روى) عن فلان الذى ( سمع ) من فلان الذى (قال ) له فلان أن الصحابى فلان قال إن النبى قال كيت وكيت . دين مبنى على ( قال الراوى ياسادة يا كرام ) . أكاد ألمح رُعبا من قراءة هذا الكلام . هذا يفسّر الخوف الذى يُحسّه من يقرأ لأول مرة للشيخ الأزهرى ( أحمد صبحى منصور ) .
3 ـ هل يعنى هذا أن هناك توجها مُعاديا لنا داخل دوائر الحكم ؟ ربما . وهذا لا نرضاه ولا نحبه . فلسنا نطمع فى ثروة أو سلطة ، ولا نزاحم أحدا على أى حُطام دنيوى . نحن كما قال النبى شعيب عليه السلام لقومه : ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (88) هود )، ونحن ـ ومنذ البداية ـ نعلن أربعة مبادىء نلتزم بها فى الدعوة السلمية للإصلاح : أننا لا نفرض أنفسنا على أحد ، ولا نفرض ما نقول على أحد ، ولا نطلب أجرا من أحد ، ونعفو ونصفح بقدر إستطاعتنا . ربما تكون هذه المثالية المُفرطة عائقا أساسا فى قبولنا لأن دوائر الحكم فى بلاد المسلمين لا ترتاح الى هذا الصنف من البشر لأنه بقدر مثاليته يكون حُرا لا يخضع إلا لله جل وعلا ، وأهل الحكم يريدون من يسمع لهم ويطيع .
4 ـ هل يعنى هذا أن دوائر الحكم تبدأ بملاعبة الشيوخ الدواعش بهجمات متفرقة تدعوهم الى الاصلاح فإن لم ينهضوا الى الاصلاح فسيلجأ أهل الحكم الى الاستعانة بالأسلحة الثقيلة : ( اهل القرآن ) ؟ ربما .
ثالثا : ربما يُفيد فى تحديد الاجابة حقائق أخرى ، منها :
1 ـ إن الدولة العميقة فى مصر تستريح الى العاملين فى أجهزتها العريقة والذين تتمكن من السيطرة عليهم بالرهبة والرغبة . وشيوخ داعش يمكنهم الانصياع . يعيب هذا أن شيوخ داعش ليسوا مثل بقية الخبراء العاملين فى الدولة العميقة . شيوخ داعش آية فى الجهل ومعدومو الخبرة فى مجال تخصصهم ، وقد أمضوا عمرهم الوظيفى فى الدفاع عن الباطل وفى الصّد عن الحق ، ومن الصعب عليهم التنكر فى نهاية ( الخدمة ) لما جاهدوا فى سبيله من قبل . وحتى لو هاجموا ما كانوا يدافعون عنه فلن يكونوا مُقنعين للناس . سيحصلون على سخرية مريرة تضيع بها صُدقيتهم وتضيع معها حُجتهم . إذن لا يبقى أمام القائمين على أجهزة الدولة العميقة سوى الاستعانة بالصف الثاتى من دواعش الأزهر ، أى الذين لم يتصدروا ـ بعدُ ـ الصفوف ، ولم يظهروا فى الاعلام ، ولم يسبق لهم الدفاع عن الخرافات والأوهام . وتقوم بتلميعهم ودفعهم الى الأمام . صحيح أن هذا الجيل التالى من الدواعش يتمتع بنفس جهل الشيوخ الأكابر، ولكن ستكون له الشجاعة فى مواجهة أولئك الشيوخ . وسيقتبس بعضا من كتاباتنا ، وسيجادل به الشيوخ الدواعش ، فيصيبهم بالضربة القاضية . ولعل بعض هذا هو ما يحدث الآن .
2 ـ إن الدولة العميقة فى مصر مؤسسة على الاستقرار والتوازن ، ولا تستريح للحلول الجذرية الحادة . وفى موضوعنا لا تستريح الى الإلغاء الكامل للسّنة ( البشرية ) البخارية وغير البخارية . وتفضل الحل الوسط ، وهو الحذف والانتقاء والتعديل والتنقية ، اى حذف ما تعتبره ضارا وإبقاء ما يكون مفيدا لها إلغاؤه . صحيح أننا كتبنا ضد ذلك التوجّه ؛ كتبنا فى تأكيد عداء البخارى لله جل وعلا ورسوله الفصل الثالث من كتابنا ( القرآن وكفى ) مصدرا للتشريع ) وكتبنا ( منهج البخارى فى الطعن فى النبى عليه السلام ) وكتبنا ( السُّم الهارى فى تنقية البخارى ) ، كما كتبنا فى نفى الصلة بين الرسول عليه السلام وتلك الأحاديث بحث ( الاسناد فى الحديث ) وكتبنا فى التناقض بين الاسلام وأديان المسلمين الأرضية بحث ( التأويل ) ، وصحيح أن هذه الأبحاث سبق نشرها فى التسعينيات وأُعيد نشرها فى موقعنا . هذه كله صحيح . ولكنه لا يعنى الدولة العميقة فى شىء . يعنيها فقط أن تهدد به كبار الدواعش فى الأزهر . إما أن تنصاعوا وإما فالقنبلة الذرية الفكرية تنتظر الاشارة لتنفجر فيكم .
رابعا : يعزز هذا ما جاء فى أنباء الشهور الماضية :
1 ـ بدأ د جابر عصفور وزير الثقافة بمباردرة الى الاصلاح باقتراح التعاون مع وزارة الأوقاف فى تثقيف الدعاة ، فوجد نفسه فى خضم معركة مع دواعش الأزهر ، وتطايرت بيانات ودعوات لارهابه .
2 ـ سكت مؤقتا د عصفور ، فظهر فجأة ابراهيم عيسى ـ بلا سابق إنذار ـ يهاجم بعض خرافات السّنة وتقاعس ( دواعش ) الأزهر عن دورهم ، ثم إذا هوجم ثعبانهم الأقرع هبوا من الكهف ثائرين . ثارت عليه حملة فسكت ـ مؤقتا ـ ابراهيم عيسى و ظهر الشيخ نصر فأشعل مصر بعبارة ( البخارى مسخرة ) ، واستضافت بعض القنوات الفضائية المستشار أحمد عبده ماهر وهو يفنّد مناهج الأزهر مثبتا خطورتها .
3 ـ أضطر بعض دواعش الأزهر الى الانحناء للعاصفة بعد أن أدركوا أن التهديد بالنائب العام وبقانون إزدراء الدين لا يُجدى ، وأن هناك ( شُبهة ) فى أن الدولة العميقة ترضى بذلك . رأينا وزير الأوقاف يتراجع ويأتى خبر عن بروتوكول تعاون بين ( دولتى ) الثقافة ( العلمانية ) والأوقاف الداعشية . ولم يتم تحريك دعوى جنائية ضد من وقف ضد الدواعش .
أخيرا : الحقيقة الكبرى
1 ـ ( داعش ) هو المولود الشيطانى الذى أنجبته أخيرا الوهابية التيمية الحنبلية السّنية . سبقته ( إخوان عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة ) وداعش تكرر مذابحهم بصورة علنية مصورة الآن ، وبعدهم ( الاخوان المسلمون ) وسائر تنظيماتهم ما ظهر منها وما بطن ، ثم ( القاعدة ) وسائر ما تمخّض عنها . موجز هذا كله فى ( فكر ) ينتسب زروا الى الاسلام يقوم على نشره والدفاع عنه شيوخ رسميون أو شيوخ ثائرون ، ويعتنق هذا الفكر شباب يٌضحون بأنفسهم أملا فى الجنة ونكاح الحور العين ، فنجد نوعين من الضحايا : ذلك الشباب الارهابى المخدوع ، وضحاياهم من الناس المسالمين الغلابة ، أما القتلة الارهابيون الحقيقيون فهم شيوخ داعش .
2 ـ تتعدد الأسماء والألقاب من الاخوان الى القاعدة الى جبهة النصرة وبيت المقدس وداعش ، وستظهر مسميات أخرى ، ولكنه نفس الفكر الدينى الارهابى ، ونفس شيوخه ، لافارق بين السعودية ومصر وتونس ..الخ ..وهذه موجة تنتشر الآن بسبب فشل ثورات الربيع العربى ، والعجز عن إصلاح فساد تجذر عقودا من الزمن ( مصر ، ليبيا ، تونس مثلا ) ، فلا يجد الشاب اليائس سوى تفجير نفسه والآخرين فى داعش وأخواتها . وبقدر غضبه وإحباطاته تكون رغبته فى الانتقام من كل شىء .
3 ـ مصر مرشحة لنشاط داعش وأمثالها . بلا شك هناك تنظيمات دواعشية فى العمق المصرى. إن لم يحدث إصلاح دينى سريع ستتسع داعش وتنتشر وسنرى رؤوسا يتم قطعها ، ورقابا يتم ذبحها ، وآلاف الغلابة يتم قتلهم غدرا وغيلة وعشوائيا . السبب فى الانتشار المُنتظر لداعش فى مصر يرجع الى :
3 / 1 قيام شيوخ داعش المتحكمين فى الأزهر والأوقاف والافتاء بحفظ ( دين داعش الوهابى الحنبلى السنى ) ودفاعهم عنه وحمايته ،وارهاب من يجرؤ على نقده ومناقشته .
3 / 2 : تمسك السلفيين بنشر نفس الدين الداعشى فى المساجد والزوايا وغسيل مخ الأطفال والشباب واعدادهم ليكونوا دواعش المستقبل تحت بصر الأوقاف .
3 / 3 : معاناة المصريين من فاتورة الاصلاح الاقتصادى ، والتى يواجهها الرئيس السيسى بجرأة ، ومعاناة المصريين من انهيار الأمن والمرافق ، ومن غابة القوانين المتلاطمة والتى تستلزم إصلاحا عاجلا ، وهو إصلاح مؤجل الى قيام مجلس الأمة واستكمال خارطة الطريق . ومن يدرى طبيعة هذا المجلس ، هل سيكون إصلاحيا حقوقيا ، أم نفس التركيبة الفاسدة ( سلفيون وفلول )
3 / 4 : تربص الاخوان والمتحالفين معهم من السلفيين فى الداخل و القوى الاقليمية فى الخارج على حدود مصر ( ليبيا / السودان / حماس ) وتركيا وقطر . ومن المّخزى أن تتهاوى قامة مصر وتنهار حتى تكون مسرحا لتلاعب قطر والسودان وحماس وليبيا ..وتركيا .!!وتستجلب العون من السعودية ( الشقيقة الكبرى ) ومن الامارات .!! ( فينك يا عبد الناصر ). من السهل أن يستثمر المتربصون بمصر وضعها الراهن فى تجييش دواعش مصريين من الشباب اليائس الساخط ، فالسلاح متوافر ويجرى تهريبه عبر الحدود ، وآلاف السلفيين والاخوان الموتورين يتوقون الى تفجير مصر . على الأقل إنتقاما لزعمائهم المسجونين من أمثال الشاطر وحازم ابو اسماعيل .
أخيرا : الحل
1 ـ ما لا يُدرك كله لا يُترك كله . هناك فارق بين ما يقوله مفكر مثلى فى الاصلاح ، عليه أن يقول الحق كاملا ولا يخشى فى الله جل وعلا لومة لائم . ولكن لا بأس بتطبيق الدولة العميقة للاصلاح على مراحل ، خصوصا وأنها تقوم بمواجهة فساد فكرى فى التعليم والأزهر والاعلام والأوقاف استمر عقودا بل قرونا .
2 ـ ولكن هذا الاصلاح المرحلى يستلزم حزمة من الاصلاح التشريعى فى قانون العقوبات لإزالة المتاريس التى تمنع حرية الفكر وحرية الدين ، واصلاح قانون الأزهر ومناهج الأزهر ، وإصلاح الدُّعاة ، وفتح الأبواب امام الاعلام لمناقشة المسكوت عنه فى التراث والتاريخ بسماع وجهات نظر مختلفة .
3 ـ سمعنا عن لجنة تختص بمراجعة القوانين الاقتصادية لتشجيع الاستثمار و تحريك عجلة الاقتصاد لتنقية التشريع المصرى ، نريد تكوين لجنة مماثلة لتفعيل ما أعلنه الرئيس السيسى فى اصلاح التعليم وتجديد الخطاب الدينى . تتكون من المفكرين المستنيرين وفقهاء القانون والعاملين فى حقوق الانسان ، ولا يكون فيها عضو من دواعش الأزهر لأن الله جل وعلا لا يصلح عمل المفسدين .
اللهم بلغت ... اللهم فاشهد .!!
الفصل الثالث : نقد مع إستمرار الأمل
السيسى يسير فى الطريق الخطأ : (1 ) ( فى إصلاح الأزهر )
الأحد 26 اكتوبر 2014
مقدمة
1 ــ ناشدنا الرئيس السيسى ـ بناء على دعوته لتجديد الخطاب الدينى ـ أن يقوم باصدار تشريع لاصلاح الأزهرعلى مستوى قانون الأزهر نفسه ( القانون 103 لسنة 1961 ، والذى تعرض لكثير من الشرح والتعديل أضاعت ما فيه من مزايا وزادت ما فيه من مثالب ) وعلى مستوى المناهج الأزهرية لتواكب العصر ، بدلا من تلك المناهج الدينية المتطرفة المخالفة للاسلام والتى أنتجت جيلا من المتطرفين داخل الأزهر نفسه . كان هذا فى إطار دعوتنا الاصلاحية ومنها أن مواجهة الفكر الوهابى المتطرف يستلزم إصلاحات تشريعية تُنقى التشريع المصرى من كل القوانين التى تمنع حرية الفكر والحرية الدينية لكل فرد مصرى .
2 ـ كنت مستبشرا ببعض خطوات تمت للسيسى فى إصلاح مادة التربية الدينية فى التعليم العام ،وببعض ما تناثر فى أجهزة الاعلام من نقد للبخارى ( الإله الأكبر للسلفية والوهابية السنية ) ، ولكن بعدها ارتفعت أصوات الشيوخ فى المنابر تمدح فى السيسى وتخترع له أكاذيب بمثل ما كانوا يفعلون للرئيس السابق محمد مرسى ، ومنذ أيام أصدر الرئيس السيسى تعديلا لقانون الأزهر ، وسبقه منح الضبطية القضائية لشيوخ الأوقاف . وهذا القراران أعتبرهما نكسة هائلة ، أخشى أن يدفع ثمنها السيسى شخصيا والدولة المصرية معها . ونتوقف فى هذا المقال مع بعض الشرح :
أولا : ( "السيسى" يصدر قراراً بتعديل بعض أحكام قانون إعادة تنظيم الأزهر والهيئات التي يشملها(
هذا هو العنوان الذى ظهر يوم 23 اكتوبر عام 2014 . وأبرزت الصحف قرارات الرئيس السيسى فى تعديل القانون ، وهى : ( يستبدل بنص الفقرة الأخيرة من المادة ( 72 ) من القانون رقم 103 لسنة 1961 المشار اليه النّصّ الآتى : * ويعاقب بالعزل المنصوص عليه فى البندين ( 4 ، 5 ) من هذه المادة عضو هيئة التدريس الذى يرتكب أيّا من المخالفات الآتية :
1 ـ الاشتراك فى مظاهرات تعرقل العملية التعليمية ، أو تعطل الدراسة أو تمنع أداء الامتحانات ، أو تؤثر عليها ، أوالتحريض أو المساعدة على ذلك 2 ـ إدخال اسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو اية أدوات من شأنها أن تستعمل فى إثارة الشغب والتخريب 3 ـ الاضرار العمدى بالمنشئات الجامعية أو المبانى التابعة لها أو ممتلكات الجامعة 4 ـ التعامل فى الدروس الخصوصية بمقابل أو بغير مقابل 5 ـ كل فعل يُخلُّ بشرف عضو هيئة التدريس أو يُزرى بصفته كعالم مسلم أو يتعارض مع حقائق الاسلام الثابتة أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو يمس نزاهته . وتسرى أحكام هذه المادة على العاملين بالجامعة من غير أعضاء هيئة التدريس عند ارتكابهم المخالفات الواردة بالبنود ( 1 ، 2 ، 3 ) من هذه المادة .)
وتبع هذا تعديل آخر يعطى رئيس الجامعة الحق فى فصل الطلاب بتهمة إلحاق ضرر جسيم بالعملية التعليمية والنيل من هيبة جامعة الأزهر الشريف وعرقلة أداء رسالتها التعليمية. )
ثانيا : قراءة نقدية لهذه التعديلات :
1 ــ المادة رقم 72 التى جرى تعديلها كانت فى الأصل تقول : ( العقوبات التأديبية التى يجوز توقيعها على اعضاء هيئة التدريس هى :1- الانذار ، 2 - توجيه اللوم .3 - توجيه اللوم مع تأخير العلاوة المستحقة .4 - العزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش او المكافأة .5 - العزل مع الحرمان من كل او بعض المعاش او المكافأة ، وفقا للقوانين واللوائح المعمول بها فى هذا الشأن .وكل فعل يزرى بشرف عضو هيئة التدريس اولا يلائم صفته كعالم مسلم ، او يتعارض مع حقائق الاسلام ،او يمس دينه ونزاهته يكون جزاؤه العزل . ) جاءت التعديلات أكثر قسوة فى تنويع أسباب العزل من الوظيفة ، وأكثر إنحيازا لسلطة الشيوخ فى الأزهر فى الانتقام ممن يخالفهم فى الرأى ، وأكثر تأكيدا فى المحافظة على مناهج الأزهر المُخزية الارهابية المتطرفة ، حيث أصافت ضمن الاتهامات الموجبة للعزل من الوظيفة أن يقول ما يتعارض مع المعلوم ( لديهم ) من الدين بالضرورة . وهى تعنى عندهم ما يعرفونه من التراث المتطرف وما يقومون بتدريسه .
ثم إنها عبارة واسعة مطاطة ، إذ لا توجد قائمة معروفة ومتفق عليها فى تحديد هذا المعلوم من الدين بالضرورة . والأصح أن يقال فيه ( المجهول من الدين بالضرورة ).!!
2ـ وبالتالى ، تتجلى في هذا التعديل العادة السيئة فى صياغة قوانين العقوبات فى التشريع المصرى ، وهى عدم التحديد الدقيق للإتهام ، بل تعمد جعله مطّاطا يمكن تطبيقه حسب الهوى . صياغة القوانين فى العالم المتحضر صناعة راقية ، وهى كذلك فى التشريع القرآنى ، تأتى الصياغة محددة باسلوب علمى لا يحتمل سوى معنى واحدا . ولكن فى هذه التعديلات نرى تعبيرات هلامية مطاطة واسعة ، منها : فى موضوع المظاهرات : (، أوالتحريض أو المساعدة على ذلك ) كيف يمكن تحديد هذه العبارة ؟ وما هى حدود التحريض ؟ والمساعدة ؟. ومنها ( بتهمة إلحاق ضرر جسيم بالعملية التعليمية والنيل من هيبة جامعة الأزهر الشريف وعرقلة أداء رسالتها التعليمية.).
2 ــ ثم هذا البند بأكمله ، والذى بسببه عوقبت فى جامعة الأزهر بسبب إجتهادى فى أيراد حقائق الاسلام ، وقد أبقى عليه تعديل السيسى وزاد عليه كما قلنا ، يقول هذا البند الكارثى (ـ كل فعل يُخلُّ بشرف عضو هيئة التدريس أو يُزرى بصفته كعالم مسلم أو يتعارض مع حقائق الاسلام الثابتة أو ما هو معلوم من الدين بالضرورة أو يمس نزاهته )، تركها هنا مفتوحة تنتظر تفسير صاحب السلطة ليعاقب بها من يراه فعل ما يُخلُّ بالشرف أو يُزرى بصفته كعالم مسلم ،أو يمسُّ نزاهته ، أو ما يراه متعارضا مع حقائق الاسلام والمعلوم من الدين بالضرورة. وعندهم فإن كل مناهج الأزهر المليئة بالتطرف والارهاب والخرافات هى حقائق الاسلام والمعلوم من الدين بالضرورة .
3 ــ وأتذكر هنا انهم كانوا يحاكموننى فى عامى 1985 : 1986 بسبب إجتهادى فى تأليف خمس كتب دفعة واحدة أُجلّى وأوضح فيها حقائق الاسلام ، وكانت التهمة قبل التعديل السيساوى تقول :( وكل فعل يزرى بشرف عضو هيئة التدريس اولا يلائم صفته كعالم مسلم ، او يتعارض مع حقائق الاسلام ، او يمس دينه ونزاهته يكون جزاؤه العزل . )، وقد جعلوا إجتهادى فى تقرير حقائق الاسلام بالقرآن إخلالا بالشرف وماسّا بالدين ومتعارضا مع حقائق الاسلام .
4 ــ ومن المؤسف أنه فى وقت محاكمتى ذهبت طالبة فى كلية البنات الاسلامية فرع جامعة الأزهر فى مدينة نصر الى قسم شرطة مدينة نصر وهى ( حُبلى ) تتهم إستاذا بأنه أحبلها فى علاقة غير شرعية ويرفض الزواج منها وينكر مسئوليته عن حملها . هذا الاستاذ كان يدرس مادة التفسير ، وكان متزوجا وله أسرة وبنات فى نفس عُمر الطالبة وكان يبلغ عمره وقتها ة 55 عاما وملتحيا ويرتدى الزى الأزهرى. أبلغ مأمور قسم مدينة نصر رئيس جامعة الأزهر ـ د محمد السعدى فرهود وقتها ـ بالبلاغ . وجرى التكتم على الأمر حرصا على سُمعة الأزهر ، ولم تتم إحالة هذا الشيخ الزانى الى المحاكمة كما فعلوا معى .
5 ــ ومنتظر من شيوخ اليوم أن يعاقبوا بالعزل أى عضو فى هيئة التدريس يقول شيئا فى الاصلاح ، لأنهم ضد الاصلاح ، ولأن الاصلاح ينافى المعلوم عندهم من دينهم بالضرورة .!
ثالثا : لماذا جامعة الأزهر بالذات
1 ــ لماذا معاقبة جامعة الأزهر بالذات بهذه القوانين ؟ لماذا لا يتم تطبيق نفس القوانين فى عزل أعضاء هيئة التدريس وفصل الطلاب على الجامعات الأخرى حين يقومون بنفس الأفعال مثل : ( الاشتراك فى مظاهرات تعرقل العملية التعليمية ، أو تعطل الدراسة أو تمنع أداء الامتحانات ، أو تؤثر عليها ، أو التحريض أو المساعدة على ذلك و إدخال اسلحة أو ذخائر أو مفرقعات أو اية أدوات من شأنها أن تستعمل فى إثارة الشغب والتخريب والاضرار العمدى بالمنشئات الجامعية أو المبانى التابعة لها أو ممتلكات الجامعة و التعامل فى الدروس الخصوصية بمقابل أو بغير مقابل ). هل هذا حرام على الأزهريين وحدهم ومُباح لغيرهم ؟
2 ـ الواضح إنه تعديل قانونى عوقبت به جامعة الأزهر لأن أعضاء من هيئة تدريسها وجماهير من طلابها قد تطرفوا فى المظاهرات وفى إستعمال العنف وفى التصدى للأمن وفى التخريب . لذا كان الأسهل هو تخصيصهم بهذه العقوبات دون غيرهم من الجامعات الأخرى .
3 ـ لن نتوقف عند العادة المصرية السيئة فى ( الاسهال التشريعى ) فما أسهل إصدار القوانين خصوصا فى موضوعات العقوبات وخصوصا أيضا فى غيبة المجلس التشريعى المنوط به هذه المهمة ( مجلس الشعب ). ولكن نتوقف مع مأساة هذا التعديل . قلنا إن إصلاح الأزهر يستلزم إرادة سياسية ، وهى موجودة عند الرئيس السيسى ، وهى فعلا موجودة عنده ، ولكنه يستخدمها فى الطريق الخطأ ، بدليل هذا التعديل المأساوى .
4 ــ بدلا من أن يُصدر قرارات جمهورية باصلاح الأزهر وإصلاح التشريعات العقابية فى القانون المصرى نراه فى هذا التشريع يقوم بعملين متناقضين فى قانون الأزهر بالذات : ( 1 ) التأكيد على أن مناهج الأزهر هى المعلوم من الدين بالضرورة وهى حقائق الاسلام . وبالتالى فإن من الواجب تدريسها والعمل بها ، ( 2 ) وحين يعمل بها أعضاء هيئة التدريس وحين يجتهد الطلبة الأزهريون فى تطبيقها يتم عزلهم وفصلهم . هل هو كمين للإيقاع بهؤلاء البؤساء الضحايا ؟ نقنعهم بأن هذا الاسلام ثم حين يطبقونه نعاقبهم ؟!!
5 ــ إنّ كل ما تقوله داعش والاخوان والقاعدة هو الدين الذى يحافظ عليه الأزهر ، وكل ما يفعله طلبة الأزهر ضد السيسى هو الجهاد الذى يوجبه الأزهر وتقوم عليه مناهج الفقه والحديث والتفسير والتوحيد، وتتخصص فيه كليات ( أصول الدين ) و ( الشريعة ) و ( الدراسات الاسلامية ) و ( الدعوة ) ، وهى الكليات الأوسع انتشارا فى العمران المصرى من القاهرة الى المدن وحتى فى الريف ، علاوة على التعليم الأزهرى قبل الجامعى . الطالب فى بعض القرى يتعلم فى قريته فى المعهد الأزهرى الاعدادى والثانوى الأزهرى ثم يلتحق بكلية أصول الدين وغيرها فى قريته أو فى القرية القريبة أو المدينة القريبة ، ويتخرج فيها قنبلة موقوته جاهزة لأن تنفجر فى وجه مصر . ثم يعمل خطيبا فى الأوقاف . وندخل معه على مصيبة أخرى ، وهى :
رابعا :منح شيوخ الأوقاف الضبطية القضائية ، اى القبض على من يخطب فى مسجد من غير ترخيص
1 ــ قال أهل الطبل والزمر فى الاعلام المصرى : ( في إطار جهود وزارة الأوقاف لضبط المشهد الدعوي ومواجهة غير المتخصصين، تلقى الدكتور محمد مختار جمعة - وزير الأوقاف – قرار المستشار محفوظ صابر - وزير العدل - الخاص بمنح صفة مأموري الضبط القضائي للدفعة الأولى من قيادات ومفتشي الأوقاف وعددهم مائة، وذلك بالنسبة للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 51 لسنة 2014، بتنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد وقصرها على الأزهريين. ) شيوخ المعلوم من الدين بالضرورة هم أصحاب الضبطية القضائية لمنع خطباء السلفية من خارج الأزهر من إعتلاء المنابر . الواضح أنه لمنع السلفيين المعارضين للسيسى من الخطابة ، وتركيز الخطابة فى السلفيين الأزهريين المؤيدين للسيسى والمعارضين للإخوان .
2 ــ هذا كلام جميل . ولكن ماذا إذا وقف خطيب يتكلم فى الاصلاح ؟ ينتقد المعلوم لدى الشيوخ بالضرورة ويُثبت تناقضه مع القرآن الكريم ؟ ماذا سيكون مصيره طبقا ( للجرائم التي تقع بالمخالفة لأحكام قرار رئيس الجمهورية بالقانون رقم 51 لسنة 2014، بتنظيم ممارسة الخطابة والدروس الدينية في المساجد وقصرها على الأزهريين. ) ؟
ختاما
تعرضت للوم ولاتهام بأننى سارعت بتأييد بعض الملامح الاصلاحية للرئيس السيسى . ولكن لا يزال عندى الكثير من الأمل والكثير من الخوف على مصر وأهلها .!..
السيسى يسير فى الطريق الخطأ:(2 ) عدم إصلاح قانون المظاهرات
في الإثنين 27 اكتوبر 2014
أولا ـ قانون المظاهرات الحالى ينذر بحرب أهلية فى مصر .
1 ـ قد يحدث هذا مع تأجيل الاصلاح التشريعى وإستمرار المعاناة الإقتصادية التى يتحملها أغلبية المصريين ، وهم الذين يفترسهم التصاعد المستمر فى الأسعار . حين ينعدم الأمل ستخرج هذه الجماهير فى ثورة جياع وستجد أمامها قانون التظاهر الحالى و تطبيقه بالجيش والأمن ، عندها ستحدث مذابح ، وتنجم مواجهة بين الشعب من ناحية والجيش والأمن من ناحية أخرى فى حرب وجود ، نرجو الا تحدث .
2 ـ يزيد فى هذا الاحتمال البغيض حماية الفكر الوهابى واعتباره سُنّة نبوية وشريعة إسلامية وحقائق إسلامية . مواجهة الارهابيين بالأمن فقط يزيد من إنتشار هذا الفكر ويشحذ الهمم فى الانتقام من نظام السيسى . تصاعد المواجهة وسقوط الضحايا مع إستمرار نفس الفكر متسيدا باعتباره دينا ـ يؤمن به معظم أفراد الجيش والشرطة ــ سيؤدى الى خروج الرتب الصغرى والوسطى فى الأمن والجيش على القادة وإنضمامهم الى المعارضة المسلحة .
3 ــ خلال أربعين عاما وبالتعليم الدينى الفاسد وعبر الاعلام و المساجد تربى جيل مصرى كامل من سن الطفولة الى سن الخمسين على أن الفكر الوهابى هو ( صحيح الاسلام ) . ويضم هذا الجيل الطلاب فى مراحل التعليم من الاعدادى والثانوى الى الدراسات العليا ، وصغار وكبار الموظفين ، والرتب الصغرى والمتوسطة ، وحتى نرى فى الرئيس السيسى نفسه تأثرا بهذه النوعية من التدين السلفى . الفارق هنا بين السلفيين داخل النظام وخارجه هو المصالح . المتوقع أن تحدث إنشقاقات داخل الجيش والأمن إذا وجد سلفيو النظام ( من الرتب الوسطى والصغيرة ) داخل الجيش والشرطة أنهم الذين يدفعون الثمن دفاعا عن الكبار أصحاب السلطة والثروة دون مقابل سوى قتل المعارضين السلفيين الذين يشاركونهم فى نفس الدين السلفى.
4 ـ وهذا الانشقاق يحدث الآن بصورة بسيطة ، والنظام وأهل الطبل والزمر فى أجهزة أعلامه يطلقون عليهم أنهم ( خلايا إخوانية نائمة ) ، وهى تسمية مضحكة تنمُّ على إستخفاف هائل بالمصريين ، فهل لديهم علم بالاخوان الظاهرين ( الصاحيين ) وبقية الاخوان ( النائمين ). التفسير الوحيد أن هؤلاء يعتنقون نفس دين الاخوان الوهابى السلفى ، شأن معظم هذا الجيل ، ورأوا أن واجبهم الدينى يحتم عليهم الجهاد علنا أو سرأ ، وبما أنهم داخل النظام وأجهزته الخدمية ( التعليم ، الكهرباء ، الخ .. ) وأجهزته الأمنية والعسكرية فهم يستغلون مواقعهم الوظيفية فى الجهاد ضد النظام الذى يعتبرونه كافرا . هذه حالات قليلة الان . ولكن مع استمرار الأحوال كما هى ، وبقاء قانون التظاهر كما هو فمصر مُقبلة على حرب وجود . ومن ضمن النجاة منها إصلاح قانون التظاهر ضمن منظومة إصلاحية حتمية ..وإلّا .. فالثمن باهظ ..
ثانيا : الحل فى الشريعة الاسلامية الحقيقية
1 ــ فى الدولة الاسلامية التى أقامها خاتم المرسلين ــ عليه وعليهم السلام ـ كان علاج الأمن الداخلى والخارجى ليس بالتضحية بالحرية ، ولكنه بالحرية المطلقة فى الدين وبالعدل للجميع والأمن والسلام للجميع . ولقد كتبنا فى هذا كثيرا ، ونعتذر إذا نضطر للتذكير ببعضه هنا .
2 ـ دولة النبى محمد عليه السلام كانت فى حالة حصار مستمر إستمر الى قبيل موت النبى عليه السلام . كان هناك المشركون المعتدون فى الخارج من قريش والقبائل الأخرى ، وحول المدينة هناك الأعراب الموصوفون بأنهم الأشد كفرا ونفاقا ، يزعم بعضهم الدخول فى الاسلام ودخل المدينة ليتعرف على تحصناتها ، وليتصل بالطابور الخامس من المنافقين ، ثم كان هناك قبائل اليهود على أطراف المدينة ( بنو قينقاع والنضير وقريظة ) وهم كالمشركين فى إعتداءاتهم ، ثم فى داخل المدينة هناك المنافقون .
3 ـ كل هذا يدفع أعتى دولة ديمقراطية حديثة لأن تتمسك بقانون الطوارىء وهى فى حالة حرب فى الداخل وفى الخارج . وتكون الضحية الأولى لهذه الحرب هى الحرية حفاظا على الأمن . وهى عادة سيئة يتمسك بها أى مستبد ،ولكن دولة الاسلام فى عهد النبى عليه الاسلام وبالتشريع الاسلامى أوجدت الحل السحرى ، وهو أن الحرية مع العدل والسلام هما اساس الأمن .
3 ـ أروع تطبيق لمبدأ ( الدين لله والوطن للجميع ) كان فى دولة الرسول الاسلامية ،( فالوطن للجميع) أى على قدم المساواة ، والدخول فى دولة الاسلام يتم فرديا عبر عقد أو بيعة ، وهى من حق النساء ايضا ( الممتحنة 12 ) وهؤلاء المواطنون هم مصدر السلطة السياسية حتى فى دولة يقودها النبى عليه السلام ( آل عمران 195 ) . و(الدين لله ) بمعنى أن الله جل وعلا هو الذى يحكم يوم الدين فى إختلافات البشر الدينية ، وهو الذى خلقهم أحرارا ، وجعلهم مسئولين عن إختيارهم العقيدى يوم الحساب ، والهداية مسئولية شخصية ومن أهتدى فلنفسه ومن ضل فعلى نفسه ، ومهمة الدولة الاسلامية ليس إدخال لناس الجنة ، بل تأكيد هذه الحرية الدينية لكل فرد يعيش فى ظلها حتى لا يكون لديه عُذر يتحجج به يوم الدين . هذا مع القيام بواجب الدعوة والنصيحة للدين الحق دون إكراه فى الدين . مئات الآيات القرآنية تؤكد ما سبق. والتطبيق الفعلى لهذه الشريعة القرآنية جاء فى صٌلب القرآن الكريمة نفسه ، سواء بالمصطلحات القرآنية التى تم تجاهلها وتكذيبها فيما بعد ، او بالتشريعات القرآنية الواضحة ، والتى ايضا تم تجاهلها وتكذيبها فيما بعد . ونعطى أمثلة :
3 / 1 :مصطلح الكفر والشرك فى التعامل البشرى يعنى الاعتداء الحربى على المسالمين سواء كانوا أفرادا كما كانت تفعل قريش مع المؤمنين فى مكة ، او كانوا دولة مسالمة كما كانت تفعل قريش مع دولة النبى الاسلامية فى المدينة . هذا هو الكفر أو الشرك السلوكى الذى يمكن للبشر التعامل معه .
وهناك الكفر القلبى فى الاعتقاد وفى العبادة ، وهذا ليس للبشر أن يتعاملوا معه ، إنما مرجعه لله جل وعلا يوم الدين .
ومقابل ذلك فإن مصطلح الايمان والاسلام يعنيان الأمن والسلام فى التعامل الظاهرى السلوكى . أما فى المصطلح القلبى فالايمان بالله جل وعلا وكتبه ورسله ـ لا نفرق بين أحد من رسله والايمان باليوم الآخر. وهذا هو معنى الايمان القلبى الذى مرجعه لله جل وعلا وحده يوم الدين .
والاسلام القلبى هو الاستسلام والطاعة القلبية والسلوكية لله جل وعلا ، وان تكون لله جل وعلا وحده صلاتنا ونُسُكنا ومحيانا ومماتنا لا شريك له . وليس لأحد سوى رب العالمين الحكم على هذا الاسلام القلبى .
بإختصار فإن حقوق العباد مجالها هذه الدنيا لحفظ حق الحياة وحق المال والعرض والأمن لكل فرد . اما حقوق الله جل وعلا فيما يخص الأيمان به وحده وعبادته وحده فمجالها الحرية المطلقة ، والحكم فيها مؤجل ليوم الدين، حيث سيحكم فيه جل وعلا بين البشر فيما كانوا فيه يختلفون .
3 / 2 : بالتالى فقد كانت ( المواطنة ) فى دولة النبى محمد عليه الاسلامية للفرد المُسالم المؤمن ظاهريا بغض النظر عن عقيدته ، كانت تعنى ( الذين آمنوا ) ، ليس بالمعنى القلبى بل بالمعنى السلوكى ، أى ( آمن ب ) بمعنى وثق وإطمأنّ ، فالمؤمنون هم المُسالمون المسلمون ظاهريا الذين لا يعتدون على أحد حربيا وسلوكيا . يؤكد هذا أن الله جل وعلا أنزل آيات تعظ ( الذين آمنوا ) سلوكيا بأن يكملوا إيمانهم السلوكى المُسالم بإيمان قلبى يجعلهم يؤمنون بالله جل وعلا وكتبه ورسله ويحذرهم من الكفر القلبى بالله جل وعلا وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر : ( النساء (136) ، وأنزل الله جل وعلا آيات تعظهم بهجر عبادة الأوثان التى كانوا يعكفون عليها فى المدينة، ( الحج 30 ) ، ولم يجتنبها بعض الصحابة فى عهد الدولة الاسلامية فى حياة النبى عليه السلام ، فظلوا يعكفون عليها وعلى ما توارثوه من عادات وعبادات الجاهلية فى مكة ، من شُرب الخمر ولعب الميسر والقسم بالأزلام وعبادة الأنصاب أى القبور المقدسة ، فكان من أواخر ما نزل فى القرآن الكريم لهؤلاء الذين آمنوا ( سلوكيا وليس قلبيا ) قوله جل وعلا فى خطاب مباشر لهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (92) المائدة ). الله جل وعلا بعد أن وعظهم قال لهم ( فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ ) ، واكّد أن مهمة الرسول لا تتعدى التبليغ (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ )، وهو عليه السلام ممنوع من أن يُكره أحدا فى الدين ( يونس 99 ).هؤلاء هم المؤمنون المواطنون طبقا لمصطلح القرآن الكريم . المواطن هو الفرد المسالم سلوكيا فى الدولة بغض النظر عن دينه وعقيدته .
3 / 3 : على أن هناك من كان من حيث الظاهر مُسالما ، ولكنه كان متآمرا فى سلوكه . وفى عهد نزول القرآن الكريم بالمدينة إختار رب العزة جل وعلا لهم وصف ( المنافقين ) ونزلت فى الصحابة المنافقين عشرات الآيات ، تصف تآمرهم وأنهم كانوا يحلفون بالباطل تبريرا لجرائمهم . ومن القرآن الكريم نعرف أنه كانت لهم الحرية فى إيذاء النبى عليه السلام نفسه ، وفى القعود عن الجهاد وفى التحريض على القعود عن الجهاد ونشر الاشاعات وقت الحروب والامتناع عن دفع الزكاة المالية والسخرية من المؤمنين المتطوعين ،وفى الاحتكام القضائى خارج سلطة الدولة ورفض الاحتكام للنبى ، أكثر من هذا ، كانوا يتحالفون مع العدو ويقيمون مسجدا ( للضرار ) للتآمر ، وقد إنخدع به النبى فكان يُصلى فيه الى أن جاءه النهى عن الاقامة فيه . هذا أقصى مدى من الحرية القولية والفعلية والحركية التى كان المنافقون يتمتعون بها كمعارضة السياسية، بالاضافة الى حريتهم الدينية فى الكذب على الرسول والتقول عليه وتكذيب القرآن الكريم .
ومع كل هذه الجرائم ومع كون الدولة الاسلامية فى حالة حصار مستمر سبقت الاشارة اليه فإن العلاج كان أساسا بضمان حريتهم فى القول والفعل طالما لا يرفعون سلاحا . أى طالما لا يرفعون سلاحا فالتعامل معهم حسب الظاهر ، مثلهم مثل باقى المؤمنين ظاهريا .
3 / 4 :الذى يحمل السلاح على الدولة الاسلامية المسالمة لا يكون مؤمنا سلوكيا بل هو كافر بسلوكه العدوانى ويجب قتاله قتالا دفاعيا حتى ينتهى عدوانه . وهذا هو تشريع القتال فى الاسلام ( البقرة 190 : 194 ، 217 ) ( الأنفال 38 : 40 ) ( التوبة 1 ــ ).
وبهذا جاء التهديد للمنافقين إذا تطورت معاضتهم وتحولت الى حمل السلاح واصطدموا مع المؤمنين فى حرب ، او بالتعبير القرآنى ( الثقف ) فيتعين قتالهم ( الأحزاب 60 : 62 ).
نفس الحال مع المنافقين من الأعراب الذين هم أشد الناس كفرا ونفاقا ، والذين كانوا يدخلون المدينة للتآمر ثم يهاجمونها ، اولئك أوجب الله جل وعلا قتالهم إن لم يتوبوا ( النساء 88 : 91 ).
ونفس الحال فى أواخر ما نزل من القرآن ، فى عقوبة من يحارب الله جل وعلا ورسوله بالاعتداء الحربى على المسلمين فى الداخل ، أو ما يعرف تراثيا بحد الحرابة . هى عقوبة فظيعة تساوى الجريمة ، تخيل ( داعش ) وهى تهاجم آمنين مسالمين تقتل وتسبى وتغتصب وتسبى ، هذه الجرائم تستحق العقوبات المنصوص عليها فى سورة المائدة :( 33: 34 ) .
ثالثا : كيفية تطبيق هذه الشريعة فى عصر السيسى
1 ـ تمتعت المعارضة السلمية بالحرية المطلقة فى دولة النبى عليه السلام ، وهى الدولة القائمة على العدل والسلام والحرية المطلقة فى الرأى والدين . يهمنا هنا ( فى موضوع المظاهرات ) أنهم كانوا أن يقيموا مظاهرات من الرجال والنساء يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف خلافا للتشريع الاسلامى ، فعل هذا المنافقون والمنافقات ، وكان الرد عليهم ليس بقوانين إستثنائية وبالأمن المركزى وتلفيق القضايا و القبض العشوائى و التعذيب ، ولكن بأن تقوم من المؤمنين والمؤمنات مظاهرات تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ( التوبة 67 : 72 ).
2 ـ هناك نبرة وطنية مصرية ودينية فى خطابات السيسى ، ولا يُنكر مُنصف إخلاصه ، إذ يواجه المشكلات المتراكمة بحلول جذرية صعبة وكان يمكنه تأجيلها الى أن تنتهى رئاسته كالمعهود من قبل . ومن منطلق ولائه لمصر وخوفه عليها ، ولمحات التدين التى تبدو فى خطابه وإستمرار ذكره لرب العزة جل وعلا ـ خلافا لمن سبقه من الرؤساء المصريين فى العصر الحديث ، نعظه بأن يسير على الشريعة الاسلامية الحقة ، بإصلاح شامل لمنظومة التشريع ومنظومة القضاء فى مصرلارساء العدل ، على أن يبدأ هذا بإصلاح سريع لقانون التظاهر .
3 ـ وهذا مجرد إقتراح : السماح بالتظاهر بمجرد أن يقدم القائمون على المظاهرة تعهدا بحفظ النظام فيها وألّا تتحول الى شغب وفوضى وعنف ، وان تخلو تماما من حمل السلاح ، وأن يتم تحديد ساحات معينة فى كل مدينة للتظاهر فيها ، مع تحديد وقت المظاهرة ، ثم تكون فى حراسة الشرطة ، لحمايتها وليس للإعتداء عليها أو رصد القائمين عليها تمهيدا لتلفيق التهم لهم .
4 ـ يستتبع هذا التعديل أوامر جازمة للشرطة بالتخلى عن العنف والتعذيب وتلفيق القضايا ، وأن تلتزم بحُسن معاملة الجماهير ، وإحترام آدمية المتهمين ، والأهم من ذلك وقبله العفو وإطلاق سراح المسجونين ظلما من النشطاء والصحفيين وكافة أصحاب الرأى .
5 ـ يبقى بعد هذا حق الدولة المصرية فى معاقبة من يحمل السلاح باغيا معتديا بالتظاهر الباغى العنيف المسلح ، أو بالهجوم على الجيش والشرطة وأفراد المصريين وممتلكاتهم .
فلاح وشيخ و... حمار
الثلاثاء 18 نوفمبر 2014
1 ــ كان الفلاح يعيش مع زوجته وأولاده وبناته فى حجرة ضيقة يتكدسون فيها ، لا يكادون يتنفسون هواءا نقيا . إشتكى الفلاح الى شيخ المسجد من معاناته طالبا منه ان يجد له حلا ، فأمره الشيخ بأن يجعل الحمار الذى يملكه الفلاح يعيش معهم فى نفس الغرفة الضيقة . وأذعن الفلاح فليس له أن يخالف رأى الشيخ . وأصبحت حال الفلاح وأسرته أسوأ والحمار معهم فى الغرفة يبيت معهم ويتبول عليهم ، ولم يعد بإستطاعة الفلاح التحمل فولّى وجهه شطر الشيخ يقول له : إغثنى ياشيخى وإرحمنى من وجود الحمار معنا فى الغرفة. فسمح له الشيخ بإخراج الحمار من الغرفة ، وتنفس الفلاح الصعداء مستريحا . وزاره الشيخ فى غرفته فوجد الفلاح راضيا قانعا ، يتذكر بكل سوء الأيام التى عاش معهم فيها الحمار فى الغرفة .
2 ـ هذه قصة رمزية تنطبق على الحالة المصرية . ضجّ المصريون من إستبداد مبارك وفساده وحكم العسكر ، وثاروا عليه ، واستبدلوه بالاخوان ، فكانوا الأسوأ ، فعادوا الى حكم العسكر راضين به ، وطردوا الحمار الاخوانى خارج الغرفة . إكتشف المصريون أن عليهم الاختيار بين السىء ( حكم العسكر ) والأسوأ ( حكم الاخوان ) . فرضوا بالسىء ( أفضل ) لهم من ( الأسوأ ).
3 ــوما أتعس أن يكون الأفضل لك هو السىء .!!
4 ـ لماذا يظل المصريون محصورين بين إختيار السىء والأسوأ ؟ لأن المصريين رهنوا عقلهم لدى الشيخ ، أو القسيس . رهنوا عقولهم لدى أرباب الدين الأرضى . أرباب الدين الأرضى ( شيوخ وقساوسة ) يركبون المصريين ، والحاكم المستبد يركب هؤلاء الشيوخ والقساوسة . مشكلة المصريين الحقيقية هى فى خضوعهم لأرباب أديانهم الأرضية ، وجعل الدين الأرضى فاعلا ومؤثرا ومتحكما فى حياتهم اليومية ، فأصبح كل أمر محتاجا الى فتوى من الشيخ والى مباركة من القسيس .
5 ــ الغرب تقدم حين حصر دينه الأرضى داخل الكنيسة ، وأبعدها عن التدخل السياسى والاجتماعى ، وجعل لها دورا ترفيهيا ثانويا فى مناسبات قليلة لمن شاء أن يذهب ولمن شاء أن ( يكفر ). وإنفتح المجال واسعا أمام أهل الغرب للسخرية من رجال الدين ومن الدين الأرضى نفسه ، واصبح رجال الدين فى كنائسهم ( يتسولون ) إهتمام الناس ، وإنخرطوا فى الأعمال الخيرية فإبتدعوا طريقا جديدا يحظون فيه على بعض الاحترام من الناس ، وهو قيادة العمل الخيرى داخليا وخارجيا .
6 ـ الغرب حين إسترد عقله من الكنيسة ودينها الأرضى إنطلق يسير فى الأرض يعمرها ، وإنطلق ينظم حياته مسترشدا بالفطرة السليمة التى تهتدى بالعدل والحرية المسئولة فى التعامل بين الناس والحرية المطلقة فى الدين وبكرامة الانسان وحقوقه ، فأرسى الديمقراطية وحقق نوعا من العدالة الاجتماعية والتكافل الاجتماعى ، واصبح العيش فى مجتمعات الغرب حُلما للبشر الذين يعيشون فى الجانب الآخر أسرى لأديانهم الأرضية ، خصوصا الأديان الأرضية للمحمديين من سنة وتصوف وتشيع ، حيث ينحصر الاختيار بين السىء ( حكم العسكر أو القبيلة ) والأسوا ( حكم رجال الدين الأرضى كالاخوان المسلمين أو داعش ) . ولا سبيل أمامهم إلا بأن يستردوا عقولهم من هذه الطائفة الضالة المُضلة ( رجال الدين الأرضى ) .
6 ــ لو إسترد المصريون عقولهم ( أو ما تبقى من عقولهم ) من الشيخ والقسيس لانفتحت أمامهم سُبُل الاختيار ، لن تكون محصورة بين السىء والأسوا ، أو بين ( إمّا وإمّا ) ولكن ستتعدد أمامهم الاختيارات طالما يُمسكون مصيرهم بأيديهم بإختيارهم الحُر ، ولديهم الاستعداد للتضحية فى سبيل حريتهم فى إختيار ما يريدون . عندما يقومون بتغيير ما بأنفسهم من خضوع وذلّة وعندما يصممون على إختيار الحرية والحياة الكريمة ، عندها لا يمكن أن تقف أمامهم قوة . ولكن عندما تنحنى رأس المصرى أمام شيخ أو قسيس فستظل تركع وتسجد أمام الحاكم لأن هذا الحاكم هو الذى يدور فى فلكه شيخ الأزهر والبابا .
7 ـ الذى لا يعرفه المحمديون أن رجال الدين هم شياطين الانس ، هم أقذر المخلوقات البشرية ، إذ جعلوا حرفتهم الكذب على الله جل وعلا وإضلال الناس .
الذى لا يعرفه المحمديون أن الاسلام الذى هجروه هو ( دين علمانى ) لا مكان فيه لكهنوت الأديان الأرضية ، وليس فيه ( ازهر ) أو ( قم ) أو ( كنيسة ). وليس فيه مؤسسة دينية تتوسط بين الناس ورب الناس ، لأن الهداية أو الضلال إختيار بشرى ومسئولية شخصية سيكون الفرد مسئولا عنها يوم الدين.
الذى لا يعرفه المحمديون أن العلاقة مباشرة بين الفرد وخالقه جل وعلا ، ولا مجال فيها لواسطة ، وانه ليس فى الاسلام فرد بشرى مقدس.
الذى لا يعرفه المحمديون أن الاسلام يمنع خلط الدين بالتنافس الدنيوى سياسيا أو إقتصاديا ، بل يجعل الدعوة الى الاسلام ليس لإقامة دولة بل للهداية الى أنه ( لا إله إلا الله ) والايمان بالله جل وعلا وحده إلاها وباليوم الآخر موعدا للحساب ، أى دعوة للتقوى . وبالتقوى يكون الفرد حسن الخُلق فى التعامل مع الناس ، سواء كان عاملا فى المجال السياسى أو غيره .
9 ـ الذى لا يعرفه المحمديون أن الغرب حين تحرر من دينه الأرضى أصبح أقرب بفطرته وعقليته الى التشريع الاسلامى المؤسس على الحرية والعدل والتيسير وكرامة الانسان وحقوقه . ترك المحمديون الاسلام ، وإعتنقوا بديلا عنه أديانا أرضية ، اشدها شراسة الدين السُّنى الحنبلى الوهابى الذى أنتج الاخوان والقاعدة وداعش.
الذى لا يعرفه المحمديون أن الله جل وعلا أعطى كل إنسان وقتا محددا يعيشه فى هذا الكوكب الأرضى فى هذه الحياة الدنيا ، وفى الأجل المحدد يموت ، وانه خلال هذا العُمر المحدد الذى ينتهى بالموت يمكنه أن يختار أن يعيش ذليلا محشورا فى غرفة ضيقة قذرة يتحكم فيه وفيها الحمار والحاكم الذى يركب الحمار، أو أن يختار أن يعيش حرا يترك هذه الزنزانة يضرب فى الأرض مهاجرا مستمتعا بحريته لا يقدّس إلّا الخالق جل وعلا . المحمديون لا يفقهون قوله جل وعلا : ( يَا عِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ (56) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ (57) العنكبوت ) . الأرض واسعة ، الكرة الأرضية لا نهائية لأنها دائرية ، تخيل نملة تسير فوق بطيخة ، هل يمكن أن تصل الى نهايتها ؟ كذلك هى الأرض ، هى لا نهائية لمن يسير فيها . الأرض واسعة لا محدودة ، ولكن العمر الذى يقضيه الانسان فى هذه الأرض محدد وقصير . لماذا تقضيه وتضيعه ذليلا يتحكم فيك الحمار وراكب الحمار ؟
( وبالمناسبة فالحمار هو الوصف التمثيلى القرآنى لأرباب الديانات الأرضية سواء من يخدم منهم السلطان أو من يطمح للوصول الى السلطان مستخدما دينه الأرضى الذى يحمل أسفاره ولا يفقه منها شيئا (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة ))
10 ــ الذى لا يعرفه المحمديون أن وقت الوفاة محدد سلفا ، و لايستطيع بشر إنقاذك حين يحل موعد موتك ، ولا يستطيع بشر أن يميتك قبل موعد موتك . كل ذلك بيد الرحمن جل وعلا وحده ؟ فلماذا تخشى الموت وأنت محكوم عليك سلفا بالموت ؟ لماذا تخشى الاعدام وأنت لا محالة ستلقى الاعدام فى الوقت المحدد سلفا؟ ثم ، لماذ تخشى الحمار وراكب الحمار وكلاهما بشر مثلك محكوم عليهما مثلك بالاعدام ؟
( وبالمناسبة فالحمار هو الوصف التمثيلى القرآنى لأرباب الديانات الأرضية سواء من يخدم منهم السلطان أو من يطمح للوصول الى السلطان مستخدما دينه الأرضى الذى يحمل أسفاره ولا يفقه منها شيئا (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة ))
11ـ مساحة مصر حوال مليون كيلومتر مربع . يزدحم المصريون فى 5% منها ، يتكدسون فى غرفة ضيقة تحت إستبداد العسكر والحمار الذى يركبه العسكر ، وهو نفس الحمار الذى يركب المصريين . ماذا لو طبّق المصريون أمر الله جل وعلا بالمشى فى مناكب الأرض المصرية (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ ) (الملك 15 )؟ أمامهم فضاء واسع خال مهجور حول بحيرة ناصر وجنوب البحر الأحمر وجوانب سيناء وحلايب وشلاتين والواحات والصحروات ؟ لماذا لا يهاجرون اليها ويعمرونها بعيدا عن العسكر وحمار العسكر ؟
( وبالمناسبة فالحمار هو الوصف التمثيلى القرآنى لأرباب الديانات الأرضية سواء من يخدم منهم السلطان أو من يطمح للوصول الى السلطان مستخدما دينه الأرضى الذى يحمل أسفاره ولا يفقه منها شيئا (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة ))
12 ــ عندها ستتغير القصة وتكون كالآتى : ( كان الفلاح يعيش مع زوجته وأولاده وبناته فى حجرة ضيقة ، يتكدسون فيها ، لا يكادون يتنفسون هواءا نقيا . قرر الفلاح أن يترك غرفته الضيقة ، توكل على الله جل وعلا ، وارتحل فى أرض الله الواسعة . وجد آلاف الأماكن الصالحة للسكن والزراعة الاستثمار ، لكنها تحتاج الى عمل شاق ، ووجد أن العمل الشاق وهو حُرُ أفضل من العيش فقيرا محكوما بالحمار وصاحب الحمار . بنى الفلاح لنفسه بيتا ، وأسّس لنفسه وأولاده مستقبلا حُرّا كريما . وأصبح هو الذى يركب الحمار ، ولا يركبه الحمار ) .
توتة توتة .. خلصت الحدوتة ..
أخيرا
( وبالمناسبة فالحمار هو الوصف التمثيلى القرآنى لأرباب الديانات الأرضية سواء من يخدم منهم السلطان أو من يطمح للوصول الى السلطان مستخدما دينه الأرضى الذى يحمل أسفاره ولا يفقه منها شيئا (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة ))
حول دعوة الرئيس السيسى الى ثورة دينية
في الأحد 04 يناير 2015
أهل القرآن بدءوا ( الثورة الدينية ) من عام 1977 ولا يزالون يحملون شعلتها
تفعيل الثورة الدينية فى مصر لا يمكن بدون مشاركة أهل القرآن
مقدمة
1 ــ يلفت النظر فى خطاب الرئيس السيسى الأخير فى مناسبة المولد النبوى أنه واجه شيوخ الأزهر بالدعوة الى ثورة دينية . جاء هذا الخطاب المباشر لهم فى حضورهم وأمام أجهزة الاعلام ليتوج بذلك دعوات سابقة له لهم بتجديد الفكر الدينى ، وقد ردّ عليها شيوخ الأزهر بالتمسك بعدم الهجوم على ( داعش ) .
2 ــ ويلفت النظر فى خطابات الرئيس السيسى عموما تلك النبرة الدينية والايمان بالمسئولية أمام الله جل وعلا يوم القيامة ، وقد زادت هذه النبرة الدينية فى خطابه الأخير فى قوله إنه سيحاجج شيوخ الأزهر يوم القيامة أمام رب العزة جل وعلا ، أى سيكون لهم خصما .
وأقول :
1 ــ إن الله جل وعلا لا يكلف نفسا إلّا وسعها . فهل قام الرئيس بما فى وسعه لتجديد الفكر الدينى ؟ وماذا سيدافع السيسى عن نفسه يوم الحساب أمام رب العزة ، وقد كان فى إمكانه أن يفعل الكثير ؟
نحن نتحدث هنا عن الممكن الميسور فى إصلاح الأزهر وفى تجديد الخطاب الدينى . وقد كتبنا هنا فى هذا كثيرا ، ووجهنا له رسائل بهذا . وواضح أنه يعرف كاتب هذه السطور ، فقد إستشهد ببعض مؤلفاتى فى ورقة بحثية كتبها حين كان طالبا فى الدراسات العليا العسكرية فى أمريكا . ولا يمكن لمسئول عمل فى المخابرات أن يجهل ( القرآنيين ) وجهادهم ومعاناتهم ، وهم مرصودون من أجهزة الدولة حتى الآن بعد أربع موجات من الاعتقال ، وهذا مع إستمرار منع فكرهم من الظهور فى الاعلام المصرى . وهو الفكر الحقيقى الذى يمثل ( ثورة دينية ) فى مجال إصلاح وتجديد وتطهير الفكر الدينى . إستمرار هذا الوضع فى اضطهاد أهل القرآن وتجاهل كتاباتهم الاصلاحية ( الثورية )فى عصر الرئيس السيسى يتناقض مع دعوته لتجديد الفكر الدينى .
ويصل التناقض الى قمته حين يضع الرئيس السيسى مسئولية تجديد الفكر الدينى مسئولية فى عنق أعداء أهل القرآن ، المعارضين لإصلاح المسلمين سلميا بالقرآن الكريم . هؤلاء هم من أسميتهم فى مقالات سابقة بشيوخ داعش داخل الأزهر. لن يسمح أولئك الشيوخ بتجديد الفكر الدينى وهم المدافعون عن الثعبان الأقرع وحد الردة وحد الرجم وحديث ( أمرت أن أقاتل الناس .. ) وحديث ( من رأى منكم منكرا فليغيره .. ) وفقه تحقير المرأة وقتل الأسرى و إضطهاد الآخر المختلف فى المذهب والدين وأنصار الإكراه فى الدين ، وهم الذين يطاردوننا بالتكفير والتحريض والمصادرة والقوانين المصرية التى تصادر حرية الدين والرأى والفكر ، وأهمها ( إزدراء الدين ) .
إن وضع الرئيس السيسى هذه المسئولية فى أعناق شيوخ داعش الأزهريين ينطبق عليها المثل الشعبى المصرى ( حُطّها فى رقبة عالم وإطلع سالم ) ، مع إنه لم يضعها فى رقبة عالم بل شيوخ تمكّن منهم الجهل . يكفى أنهم يدافعون بكل ضراروة عن ( صحيح البخارى ) دون قراءة له ، وقد أصبح ( صحيح البخارى ) مادة للسخرية على الانترنت ، من الشباب الذى يقرأونه ويسخرون منه ، بسبب وضوح تناقضه مع العقل والقرآن . ولكن شيوخ الجهل لم يصلوا الى درجة الوعى عند شباب الانترنت .
ثم هذا الذى أفنى عمره متمسكا بالتقليد مدافعا عن خرافات وأكاذيب التراث يعتبرها دينا ، هل تنتظر منه مرة واحدة أن يقفز فى أرذل العمر من حضيض التقليد والجهل الى قمة الاجتهاد والعقل ؟ حتى لو أراد ذلك فلن يستطيع . وهناك من الشيوخ المطيعين الموظفين الطامعين فى الترقى من سيستجيب ، ولكنه فاقد للأهلية العلمية ، فقد أمضى عمره فى إستجلاب رضى الحاكم ، ولم يكن ولن يكون لديه وقت للبحث والاجتهاد . أى سيكتفى فى إصلاحه المزعوم ببعض القشور .
2 ـ الرئيس السيسى ــ وهو أقوى رجل فى مصر الآن ـــ حتى الآن لم يفعل ما فى وسعه وما فى إمكاناته فى تجديد وتطوير الخطاب الدينى ليعبر عن القيم العليا للإسلام الذى هو دين السلام والعدل والحرية والرحمة وكرامة الانسان . فى وسعه تحقيق ما طلبناه منه ، وهو الآتى :
2/ 1 : رفع الحظر عن أهل القرآن ونشر مؤلفاتهم التى تمثل ثورة دينية حقيقية وفتح الطريق أمامهم للمشاركة فى الاصلاح الدينى السلمى .
2 / 2 : محو القوانين التى تكبل حرية الرأى والفكر والتظاهر السلمى ، والعفو عن المعتقلين السياسيين وأهل الرأى .
2 / 3 : عزل شيخ الأزهر وبقية شيوخ داعش . طبقا لقانون الأزهر هم يستحقون العزل لأنهم برفضهم تجديد الفكر الدينى ينكرون حقائق الاسلام فى الحرية والسلام والعدل والرحمة، ويسلكون مسلكا يُزرى بمكانتهم كعلماء فى الأزهر .
2 / 4 : تعيين اساتذة من الجامعة الأزهرية ذوى ميول إصلاحية محل الشيوخ الدواعش . وتكوين لجنة متخصصة لاصلاح قانون الأزهر ومناهجه . ولدينا تصور كامل فى هذا سبق نشر بعض ملامحه أكثر من مرة .
3 ـ لم أكن يوما فى منصب تنفيذى . يعلم الرئيس السيسى أننى كنت عضو تدريس فى جامعة الأزهر أُطبق واجبى الذى يفرضه قانون الأزهر فى تجلية حقائق الاسلام . وفعلت كل ما فى وسعى فى تجديد الفكر داخل جامعة الأزهر وتعرضت لاضطهاد داخل هذه الجامعة استغرق فترتين: ( 1977 : 1980 )، ( 1985 : 1987 ) ، وتعرضت للعزل وللسجن ، ولم أتراجع .
وأقول إننى لم استغل المُتاح لى شرعا بالتقية عند الاضطهاد ، بل صممت على التمسك بالحق وسط كل الأهوال التى مررت بها . ولا زلت ماضيا فى طريقى وأنا على وشك بلوغ 66 عاما وعلى حافة القبر . وحين أموت سأكون ــ إن شاء الله جل وعلا ــ قد فعلت ما فى وسعى . وحين ألقى ربى جل وعلا يوم القيامة ــ وهو الذى لايضيع أجر من احسن عملا ــ سأكون خصما ـ بعونه جل وعلا ــ لشيوخ الأزهر والسلفية الوهابية ، وسأكون خصما لكل من إضطهدنى فى الدين من اصحاب السلطان من مبارك وغيره ، وسأكون خصما لكل مسئول كان فى وسعه تحقيق الاصلاح ولم يفعل مكتفيا بالتصريحات .
4 ــ يعلم الله جل وعلا اننى أتحرّج من الحديث عن النفس . ولكن أضطر لقول حقيقة تاريخية ملموسة لأنه يجحدها ويتجاهلها الخصوم : إننى أول من قام بتجديد فكرى كامل ، لأول مرة فى التاريخ الفكرى للمسلمين منذ بدأ فى القرن الأول الهجرى وحتى الآن . المنشور فى موقعنا يشهد بذلك ، ولا يزال نشر الانتاج العلمى مستمرا وقد يستغرق سنوات أخرى. أى هى ثورة حقيقية فى التفكير الدينى من شيخ أزهرى مصرى بدأ بها عام 1977 واستمر يحمل شعلتها حتى الآن ، وتكونت حوله وبسببه ــ فى بلاد المسلمين والجاليات المُسلمة فى الغرب ــ تيارات ما يسمى بالفكر القرآنى بدرجات مختلفة ، وبسببه تمهد الطريق أمام الجميع لنقد المقدسات السنية والشيعية والصوفية .
5 ــ يتجاهل الرئيس السيسى هذا الشيخ الذى أفنى عمره فى تجديد الفكر عند المسلمين والذى وضع فاصلا بين الاسلام دينا ( القرآن الكريم ) وبين التراث بإعتباره فكرا بشريا ، موضحا التناقض بين القرآن الكريم فكر المسلمين . هذا الشيخ الأزهرى ( المصرى ) تجاهله الرئيس ( المصرى ) السيسى ، ويتجه الى شيوخ داعش يطلب منهم ثورة فكرية .
6 ـ لا بأس .. فموعدنا أمام الواحد القهار ليحاسب كل نفس على ما كسبت وعلى قدر ما آتاها .
7 ــ يقول الله جل وعلا : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أُوْلَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الأَشْهَادُ هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (18) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً وَهُمْ بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (19) أُوْلَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمْ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ (20) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (21) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الآخِرَةِ هُمْ الأَخْسَرُونَ (22) هود )
ودائما : صدق الله العظيم ..وكذب دواعش الأزهر ..
لو كنت .. مكان السيسى
في السبت 07 فبراير 2015
أولا :
1 ــ المصريون ـ وغيرهم ـ فى الشرق الأوسط بين خيارين السىء أوالأسوا ، الحضيض أوأسفل السافلين ، حكم العسكر والمستبد العادى الفاسد أوالحكم الوهابى ( من الاخوان الى داعش ). قام المصريون بثورة إستثنائية اسقطوا بها حاكما مستبدا فاسدا يمثل حكم العسكر الذى يحكم مصر من عام 1952 . أسقطوا الرأس وظل الجسد العسكرى الحاكم قائما وحكم مصر خلال المجلس العسكرى .
كتبت هنا من قبل أن العسكر تراجعوا للوراء وأعطوا الفرصة للإخوان كى يحكموا لفضحهم ، فالاخوان ظلوا يتآمرون ثمانين عاما للوصول للحكم ولم يتوقفوا ثمانين دقيقة للتفكير فى كيفية الحكم . كان حتما أن يفشل الاخوان .ورأى المصريون بأنفسهم أنهم وقعوا ضحية للأسوأ ،، فإستغاثوا بالسىء ، وظهر السيسى رئيس العسكر مختلفا ، يجيد المعسول من القول متواضعا متدينا إستجار بالشعب فأيده الشعب بما أصبح معروفا بثورة 30 يونية . وعاد العسكر الى صدارة الحكم بقيادة السيسى .
2 ــ التأييد الساحق الذى حصل عليه السيسى فى 30 يونية تآكل قليلا بسبب رفضه الافصاح عن برنامجه السياسى ووقوفه ضد الحرية وضد الشباب الثائر ، لذا كان الاقبال ضعيفا على إنتخابات الرئاسة . أصبح السيسى رئيسا ، وقد بذل خلال الأشهر الماضية جهدا شاقا حتى أوصل شعبيته الآن ( 7 فبراير 2015 ) الى الحضيض . الفساد إستشرى أكثر ، و الاستبداد طغى وفاض ، ووحشية البوليس فاقت الحدود ، وقمع الحريات لا يوازيها سوى تطرف القضاء فى الظلم بإصدار أحكام عشوائية بإعدام المئات ، والمؤبد على رموز الثورة المصرية . إستخدم السيسى كل أذرعه فى الجيش والبوليس والنيابة والقضاء والاعلام وترزية القوانين ليقمع مناوئيه ، ليس الاخوان فحسب بل الشباب اليائس والثائر . خلال أشهر نجح السيسى فى التفوق على مبارك ( 30 عاما ) . هذا كله وخارطة الطريق لم تكتمل لأنها خارطة طريق لاستبداد العسكر وليس لاصلاح مصر . خلال أقل من شهر أطلق السيسى سراح مبارك وولديه لينعموا بالبلايين التى سرقوها من دماء الشعب ، وحكم قاضى ( السيسى ) على دومة و ( ست البنات ) الثائرة بالمؤبد ، وأطلق بوليس السيسى النار على شيماء الصباغ لأنها ضمن مسيرة سلمية كانت تحمل الزهور . من وقت وصول المجلس العسكرى للحكم وحتى الآن إرتكب العسكر عدة مذابح للمصريين يتحمل مسئوليتها السيسى داخل المجلس أو قائدا للعسكر ، من فضيحة ( كشف العذرية ) للثائرات المصريات الى ماسبيرو ورابعة ، وأخيرا مقتل شيماء الصباغ . واضح هذا الاصرار على تعقب وإغتيال زعماء الثوار ، أى تم الانتقام لمبارك من الاخوان ومن الثوار معا . هذا هو الانجاز الذى قام به السيسى ، وهذه هى خارطته للطريق . وهى خارطة واضحة المعالم يتبقى منها إستنساخ مجلس شعب على شاكلة مجلس الشعب الأخير فى حكم مبارك والذى صنعه الفاسد أحمد عز ، ولقد تم إطلاق سراح أحمد عز للإستفادة من خبرته .
3 ــ إستبشرت خيرا بالسيسى حين تكلم عن الاصلاح ، وعن إصلاح المادة الدينية فى التعليم ، وعن إصلاح الخطاب الدينى . إن مهمة الكاتب المُصلح أن يتخصص فى السيئات ، يُظهرها ويفضحها طلبا لاصلاحها . ومع هذا فإذا ظهر فى الأفق أمل فى حاكم ما أن يكون مصلحا فعلى الكاتب أن يشجع ويؤيد ويطلب التنفيذ والمزيد .
فعلت هذا مع القذافى ، قرأت الكتاب الأخضر وديمقراطيته الشعبية المباشرة ، وبرغم ما فيه من مضحكات فقد رأيت فيه أملا فى تدعيم ثقافة الديمقراطية لأن الديمقراطية تحتاج الى تأسيس وتجذير ثقافتها ومؤسساتها حتى تتوطد سلوكا شعبيا وأخلاقيا . ثم أن القذافى وقتها أعلن إنكاره للسنة ، فتقاربت بيننا المسافة . وحضرت زائرا بعض مناسباته فرأيت فى الواقع إستبدادا مُمٍلّلا . وفى آخر زيارة لى كان مطلوبا أن نوافق مقدما على بيان فرفضته وقمت بإعداد بيان بديل ، وخاف بعض الأحبة من المصريين المرافقين من إنتقام محتمل . وعدت الى مصر ولم أذهب بعدها الى مؤتمرات القذافى . وهاجمته ، وأنتهى القذافى، ونظامه مدين لى بألفي جنيه ثمن مؤلفاتى التى نشروها .
حين تولى الملك السعودى عبد الله وجرى حديث عن ميوله الاصلاحية كتبت أدعوه الى تبنى مشروع الثائر ناصر السعيد للنهوض بالمملكة السعودية . وانتهى الأمر باليأس والهجوم عليه وعلى أسرته ودولته . ونفس الحال مع السيسى إستبشرت به خيرا ، ثم إتضح أنه يجيد الكلام المعسول الذى لم يعد يُجدى نفعا والبلد على يديه على وشك الانفجار.
4 ــ كتبت كثيرا أدعو السيسى الى إصلاح تشريعى ودينى ، وكتب غيرى فى نفس الدعوة الى الاصلاح . والسيسى يرد بأنه يطلب من مفسدى الأزهر إصلاح الأزهر ، وإلا سيحاججهم عند الله جل وعلا ، السيسى بيده مقاليد السلطة وهو المسئول سياسيا وجنائيا عما يحدث فى مصر طوال فترة حكمه ، وبالتالى سيكون مُساءلا يوم القيامة عن كل الظلم الذى أوقعه بالمصريين ، وبكل المذابح التى ارتكبها جنوده ، وكل السلب والنهب الذى يتنعم فيه كبار ضباطه . ملايين المصريين المظلومين سيكونون خصوما للسيسى أمام الله جل وعلا ، وستكون أعماله شاهدة عليه ، وحينئذ لن تُغنى عنه موهبته فى التلاعب بالألفاظ .
5 ــ فى هذه الحياة الدنيا سيكون السيسى مُساءلا أمام الأجيال القادة فى أنه خيّب أمل المصريين الغلابة فيه ، وانه ــ طبقا للواضح حتى الآن ـ يمهّد الطريق أمام ثورة مصرية قادمة ساحقة ماحقة ، قد تتحول الى حرب أهلية ، فيها يواجه الشعب المصرى بصدره العارى أسلحة العسكر( المصريين ) تلك الأسلحة التى إشتراها العسكر بأموال المصريين ليقتلوا بها المصريين .!!. فى ثورة 25 يناير 2011 عاد الثوار الى بيوتهم أملا فى العسكر وتصديقا لوعودهم ، فخاب أملهم . فى ثورة 30 يونية أوصل الشعب السيسى الى موقع الزعامة ، ثم خاب أملهم فيه وفى العسكر .
6 ــ الثورة الشعبية القادمة ستكون صراع وجود : إما الشعب وإما العسكر . ( الشعب ) وقتها ستكون الأغلبية الجائعة التى يقتلها كل يوم إرتفاع الأسعار والدولار ، وهى بين الموت جوعا أو الموت ثورة وشرفا . ( العسكر ) هم قادة الجيش من الرتب العليا التى ترقّت فى دولة مبارك وتنافست فى خدمته والاخلاص اليه ، وبعد أن اسقطه الشعب كانت تلك الرتب العليا هى التى عاقبت الثوار والاخوان معا . الصراع بين الشعب الثائر الجائع وقواد العسكر معروف و محسوم . سيسصدر قادة العسكر أوامرهم للضباط الصغار وصف الضباط والجنود من الأمن المركزى والشرطة والجيش بضرب الشعب ومظاهراته المليونية ، وسيسقط آلاف من الشعب الذى لا خيار أمامه إلا الموت الفورى أو الموت البطىء الذليل . باستمرار سقوط القتلى من الشعب أمام أعين العالم سيشعر الضباط الصغار وصف الضباط والجنود بالخزى والعار ، لأن مهمتهم هى الدفاع عن الشعب وليس قتل الشعب . سيوجهون أسلحتهم نحو قادتهم من العسكر .بعد أن خاب أمل المصريين فى السيسى ومؤسسته العسكرية يبدو فى الأفق أنه لا بد لمصر فى تحولها الديمقراطى من مواجهة ثورية ضد العسكر بعد أن تخلصت من الاخوان .
7 ـ قبل أن تصل مصر الى هذا الاختيار المرير أدعو السيسى الى إصلاح تشريعى يحقق الحرية الفكرية والدينية والسياسية التى يستحقها المصريون ، وأن يقوم باصلاح الأزهر والتعليم والقضاء والشرطة والاقتصاد ، وأن يسترد الأموال المنهوبة والأراضى المنهوبة التى سرقها مبارك وأسرته وزبانيته وأباطرة الفساد فى الجيش وفى طبقة رجال الأعمال، وتقديم مبارك وأعمدة نظامه الى محاكمة سياسية إستثنائية تكون عبرة لأى مسئول فى الأيام القادمة ، وأن يكون الجيش خاضعا للسلطة المدنية ممثلة فى مجلس الشعب والرئاسة ، وأن يكون مجلس الشعب مختصا بالحرص على مالية الدولة ويحاسب المسئولين وتتبعه أجهزة الرقابة كلها ، وهذا فى ظل إعلام حُرّ يكشف الفساد ويتعقب المفسدين فى دولة قانون يتم تطبيقه ـــ بقضاء مستقل نزيه ــ على الجميع على قدم المساواة ، وبدلا من أن يكون الجيش محتلا لمصر وحاكما لها على طريقة الحكم المملوكى يعود الجيش الى ثكناته حاميا لمصر ، ويتعلم البوليس أن يكون خادما للشعب وليس سيدا على الشعب قاهرا للشعب .
أخيرا
1 ـ لو كنت مكان السيسى لأعلنت هذا من البداية برنامجا سياسيا لى أواجه به برنامج حمدين صباحى ، ثم أقوم بتنفيذه معتمدا على التأييد الشعبى الذى حدث فى 30 يونية . التأييد الشعبى الذى حصل عليه السيسى يوم 30 يونيه كان سيعطيه قوة التصدى لكل المفسدين والقوة الكافية لتنفيذ الاصلاح ، وبهذا التأييد الشعبى تزدهر مصر سريعا ولا تكون فى حاجة للتسول من شيوخ البترول .
2 ــ لو كنت مكان السيسى ووقعت فى إخطائه السابقة لتداركت الموقف قبل أن تقع الواقعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، ولخطبت فى المصريين أعتذر اليهم ، وأبدأ بداية صحيحة أصلح فيها ما فات ، و أنفذ فيها الاصلاحات السابقة . عندها ستعود مصر الى زعامتها ، فمن العار أن تعيش أعرق دولة فى العالم ( مصر ) عالة على مشيخات البترول من السعودية الى الامارات والكويت . من العار أن تظل السعودية الشقيقة الكبرى لمصر وهذه السعودية تمت ولادتها عام 1932 كأكبر خطيئة للقرن العشرين .
3 ـ السيسى مقضى عليه بالهلاك إن لم يقم بإصلاح حقيقى وسريع .
الفصل الرابع : نقد لإبراء الذّمة وللعظة ـ بعد اليأس مع الاصلاح
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
السبت 28 فبراير 2015
أولا :
قال لى : أطلقوا سراح مبارك وأعوانه بعد صفقة تم فيها إقتسام أموالهم التى نهبها مبارك وأعوانه .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال لى : لا شك فى إدانة مبارك بالسرقة هو وأعوانه ، ولكنهم برأوهم . واضح أن مبارك وأعوانه إشتروا حريتهم بالتنازل عن بعض السرقات . ودخلت جيوب أصحاب السلطة الجديدة .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!:
قال : إنه بتبرئة مبارك واعوانه فقد ضاعت على مصر الأموال التى هربوها فى الخارج ، وأصبح مستحيلا إرجاعها . ومن المؤكد أنه تمت تحويل بعضها من حسابات بنكية لفلان وفلان الى حسابات بنكية أخرى لفلان وفلان ، وانتقلت من أرصدة مسئولى العهد القديم الى أرصدة مسئولى العهد الجديد .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : إن ميزانية الجيش لا يستطيع أى جهاز مصرى مدنى معرفتها ، ولا يملك مجلس الشعب الإطّلاع عليها ولا مراقبتها كما يحدث فى الدول الديمقراطية . وصفقات السلاح التى يشتريها الجيش تعرفها إسرائيل وكل من يهمه الأمر سوى أهل مصر . والجيش المصرى يستثمر أمواله فى مصر ، وله شركات ومصانع وأراضى ، ويسيطر عليها قادة العسكر ، ولا رقيب عليهم . ولا أحد يعرف الفاصل بين ميزانية الجيش وأرصدة كبار العسكر المتحكمين فى كل شىء فى مصر ، والذين يديرون شئون الجيش يتصرفون كما لو كانوا يحتلون مصر . وبالتالى فإن ما يحدث من إطلاق سراح مبارك وأعمدة ملكه وتبرئتهم يدخل ضمن هذه الأعمال الاستثمارية .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : مصادرة كل أموال مبارك وأعوانه كانت ممكنة بكل بساطة لو كانت هناك إرادة سياسية . يكفى أن تتم معاملتهم كأى مسجون مصرى ، ينام على الأرض ، ويتعرض لنفس المعاملة السيئة التى يلقاها المصريون فى أقسام الشرطة وغرف الحجز فى أمن الدولة وفى السجون العلنية والسرية . ليلة واحدة ــ بدون تعذيب ــ تجعل أولئك المترفين المنعّمين يعترفون بكل السرقات ويتنازلون عنها لميزانية مصر التى هى على وشك الافلاس ، وبدلا من الاستدانة و التسول من الخليج العربى الفارسى الى المحيط الهادى والأطلنطى نسترد أموال المصريين التى سرقها مبارك وأعوانه ، ولكنهم عقدوا صفقة مع الحرامية وأخذوا جزءا من المسروقات ، وجعلوا مبارك وأعوانه أبرياء من كل التهم .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : من البداية كان السيناريو معروفا ومرتبا . وضع مبارك وأعوانه فى سجون خمسة نجوم ، وتزييف الأدلة التى تدينهم لاستعمالها فى تبرئتهم ، ومحاكمتهم جنائيا وليس سياسيا ، وإتاحة الفرصة للدفاع أن يتلاعب بثغرات القانون ، هذا مع إستمرار المفاوضات فى عقد الصفقات الى أن تم ــ أخيرا ــ الاتفاق ، وخرجوا أبرياء . وفى نفس الوقت يوضع خصوم مبارك فى السجن ، ومنهم زعماء الثوار ، وتُفرض عليهم الغرامات وهم أفقر الفقراء .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : لو كانوا وطنيين مخلصين لمصر فعلا، لأقاموا محاكمة سياسية لمبارك باعتباره مسئولا عن تخريب مصر وتجريف مصر وضياع مكانة مصر و إفلاس مصر ونهب مصر وقتل الآلاف من أبناء مصر . وبهذه المحاكمة بأدلتها الثبوتية سينال مبارك مئات الأحكام بالاعدام هو أعوان حكمه . وإثناء المحاكمة سيتم إرغامه على ارجاع ما سلبه من أموال المصريين .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : إن الذى يجرى الآن هو عودة نظام مبارك بدون مبارك ، بل أفظع مما كان فى عصر مبارك . بالاضافة الى الفساد فهناك التعذيب وتلفيق القضايا وقتل المتظاهرين وإغتيال المعارضين ، ونشاط ترزية القوانين . إنفتحت شهية المفسدين الجُدد لالتهام المزيد ، بينما الأغلبية الساحقة من المصريين على حافة الجوع ، وهم بين الموت جوعا لو سكتوا والموت قتلا وتعذيبا لو ساروا فى مظاهرة تطالب بالحرية والعيش و العدالة الاجتماعية . وسط كل هذا الموقف المتفجر يتم تبرئة مبارك وأعوانه تحديا لمشاعر ملايين المصريين الذين ثاروا عليه .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : إنها عادة معروفة فى حكم العسكر المصرى خلال عهوده المتتالية . بعد موت عبد الناصر تعرض أعوانه للسجن والمحاكمة فيما عرف بثورة 15 مايو؛ ثورة التصحيح أوالتصليح ، وفى غياهب السجون تم عقد صفقات حصل بها الحكام الجُّدُد على غنائم من الحكام السابقين المسجونين . وبعد قتل السادات أقام مبارك محاكمات وهمية لبعض أخوة السادات وبعض رموز حكمه والفاسدين من أعوانه ، وفى غياهب السجن تم عقد صفقات إنتقلت بها بعض أملاك الحكام القدامى الى الحكام الجدد . وبعد عزل مبارك تكررت نفس القصة . الفارق الوحيد هو فى كمية المنهوبات . زمان كانت بالملايين أصبحت الآن بالبلايين .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : إنها عادة معروفة فى حكم العسكر المملوكى لمصر خلال عهوده المتتالية . كانت العادة أن يأتى السلطان المملوكى الجديد يصادر أعمدة السلطان المملوكى القديم أو السلطان القديم نفسه لو بقى على قيد الحياة . وكانت تقترن المصادرة بالتعذيب الشديد ، وأكثره كان فى سجن القلعة ، الذى لا يزال يمارس دوره .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال: إن الفارق بين سرقات العسكر المملوكى القديم والعسكر المصرى الحديث أن المماليك أقاموا بهذا المال السُّحت عمائر دينية تعليمية وخيرية لا تزال تزين القاهرة حتى الآن . أى إنهم إستثمروها فى تعمير مصر ، ولم يقوموا بتهريبها للخارج . أى إن العسكر المملوكى الوافد لمصر أفضل من العسكر المصرى المولود فى مصر .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : والفارق الأكبر إن العسكر المملوكى الغريب الذى حكم مصر رفع إسم مصر عاليا ، أمتد سلطانه من جنوب تركيا وغرب العراق شرقا الى برقة غربا ، وامتلك قبرص ، وهزم المغول واجتثّ الصليبين ، وتحكم فى التجارة الشرقية ، وسيطر على الشام وجزء من العراق وكل الحجاز ، وكانت القاهرة مقرا للخلافة العباسية ، ومركزا حضاريا لكل المسلمين . أما العسكر المصرى فتاريخه ممتلىء بالهزائم ، أضاع سيناء ، وبعد أن كانت إنجلترة مدينة لمصر ب55 مليون جنيه استرلينى قبل إنقلاب العسكر عام 1952 أصبحت مصر الآن تستدين لدفع فوائد الديون ، وبعد أن كان الدولار معدوم القيمة أمام الجنيه المصرى أصبح الدولار الآن يساوى ثمانية جنيهات . وبعد أن كان العسكر المملوكى يواجه أوربا كلها أصبحت مصر فى عصر العسكر المصريين عاجزة عن مقاومة حماس وقطر ،. وأصبحت مصر ( أم الدنيا ) تابعة للسعودية الشقيقة الكبرى لمصر، وفى ذيل القائمة بالمقارنة باسرائيل ، وبعد أن كانت القاهرة تنافس مدن أوربا فى جمالها ونظافتها منذ مائة عام أصبحت الآن عاصمة لأكوام الزبالة . باختصار : العسكر المملوكى إنتصر على أعداء مصر بينما لم يُفلح العسكر المصرى إلا فى الانتصار على مصر ونهب ثروة مصر .العسكر المملوكى الأجنبى الحاكم كان يصنع السلاح ليهزم به أعداء مصر أما العسكر المصرى الحاكم فهو يشترى السلاح بأموال مصر ليقتل به أبناء مصر .!!
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : العسكر المملوكى الغريب حكم مصر بالاستبداد طبقا لمنطق العصور الوسطى . ونهب أموال المصريين طبقا للشرعية السائدة فى العصور الوسطى . لا نلومهم لأن هذا كان شريعة عصرهم . ولكن نلوم العسكر المصرى الذى يستبد بمصر وينهبها بالمخالفة لمنطق عصرنا ، وهو عصر الديمقراطية وحقوق الانسان والعدالة الاجتماعية .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : إن لم يتعقّل عسكر مصر ستدخل مصر فى حمامات دم لن ينجو منها عسكر مصر أنفسهم ولا أولادهم . وسيكونون عبرة سيئة تحتقرهم كل الأجيال المصرية القادمة .
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
قال : التاريخ سيكون حكما بينى وبينك
قلت له : إخرس . أنت كذّاب كأبى هريرة.!!
أخيرا :
ولم يخرس . لأنه كذاب كأبى هريرة ..
ملاحظة :
لازالت أكاذيب أبى هريرة مقدسة حتى الآن ، بل أصبحت دينا أرضيا إسمه السُّنّة . ولا يزال أبو هريرة متمتعا بتقديس العسكر والاخوان .!!
فى الاحتكام الى رب العزة جل وعلا بشأن الرئيس السيسى
الرئيس السيسى : هل يؤمن بالله جل وعلا ؟
في الإثنين 02 مارس 2015
مقدمة :
1 ـ ليس مقصودا على الاطلاق من كلامنا هذا التكفير بل الوعظ والتذكير . كل ما نكتبه مستشهدين بالقرآن الكريم وآياته فى وصف المشركين الكافرين هو لوعظ أنفسنا ووعظ الأحياء المعاصرين لنا أملا فى الاصلاح ، ومهمتنا هى الاصلاح السلمى لأنفسنا وللآخرين . ومهما تكون قسوة الوعظ بالكلمة فهى الطريق السلمى لتجنب حمامات الدم . فلا مقارنة بين الكلمة والرصاص ، خصوصا إذا كانت كلمة تستشهد بالقرآن الكريم حرصا على حقن دماء الناس أجمعين .
2 ــ فى مجال الانذار والدعوة لا بد أن نستدل بالقرآن فى إيراد صفات المشركين والكافرين أملا فى اصلاح من يمارس نفس الصفات فى وقتنا، لكن ليس لنا أن نقول إن فلانا هذا الذى لا يزال حيّا يُرزق ويكرر اقوال وافعال المشركين هو من أهل النار . بل نقول إنه إذا مات على هذا فهو طبقا للقرآن من اهل النار . لنا أن نحكم على المؤلفين الموتى ممّن كتب كتابا فى الضلال بأنه من أهل الضلال بناءا على كتابه الذى يخالف القرآن الكريم . نحن فى الحقيقة لا شأن لنا بالمؤلف بل بالكتاب الضال . المؤلف مات ولا نعرفه ، ولكن الكتاب الذى بين يدينا هو الذى نعرفه ونحكم بضلاله بناءا على المكتوب فيه ، وحين نفعل ذلك فهو للتحذير وتبرئة الاسلام من نسبة هذا الكتاب اليه . هذه المشكلة الشائكة تعرض لها النبى محمد عليه السلام حين تعرض لهزيمة ( اُحُد ) قال قولا يٌستشفُّ منه الحكم النهائى وقتها على قادة جيش قريش بعدم الفلاح . ولأنه ليس من حقه أن يقول هذه الكلمة فقد نزل عليه قول الله جل وعلا مؤنبا بأنه ليس له من الأمر شىء ، لأن خالق السماوات والأرض هو الذى يملك وحده الغفران وعدم الغفران : ( لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِوَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) آل عمران ) .
3 ــ ولا شك أن الرئيس السيسى أفضل من مبارك العسكرى ومرسى الإخوانى . ولا شك أنه يمثّل الخيار الوحيد للمصريين فى ظل أزمة عاصفة تعصف بالشرق الأوسط كله فى منحنى تاريخى قد يتم على أساسه تغييرات فى هذا القرن الحادى والعشرين ، ولأننا نرى أنه يسير فى طريق خاطىء لذا نكتب رأينا نبتغى رضا الله جل وعلا وحده وأملا فى الاصلاح . ونرجو السلامة والخير لنا وللناس أجمعين .
3 ــ وفى البداية نتساءل : الرئيس السيسى : هل يؤمن بالله جل وعلا ؟
أولا : لماذا نسأل هذا السؤال :
1 ــ لم يتم توجيه هذا السؤال من قبل للرئيس مبارك لأنه لم يكن هناك أمل فى إصلاحه . من البداية كنت معارضا للرئيس مبارك ، لم أدهنه ولم أوافقه ولم أنافقه بل كتبت وتكلمت ضده وعلنا حين كنت فى مصر فى سلطانه ودولته ومضطهدا من أجهزته الأمنية . ثم إن الرئيس مبارك كان علمانيا لم يصطنع الاسلوب الدينى فى خطابه السياسى ، ولم يرفع شعارا دينيا .
ولم يتم توجيه هذا السؤال للرئيس الاخوانى محمد مرسى لأنه إخوانى وهابى ، والوهابيون فى معتقدى هم أعدى أعداء الاسلام ، وبهم أصبح الاسلام متهما بالارهاب والتطرف والتزمت والتعصب والتخلف . وهم مع عدائهم العقيدى للاسلام فهم يزعمون أنهم الممثلون للاسلام ظلما وعدوانا وإفتراءا .
2 ـ يتم التوجيه هذا السؤال للرئيس السيسى لأنه يصطنع اسلوبا دينيا فى خطابه السياسى . وهذا يعطينا الحق أن نسائله بنفس خطابه الدينى أملا فى وعظه ، ونسأله : هل هو يؤمن فعلا بالله جل وعلا ؟. هنا نحتكم الى القرآن الكريم . والاحتكام الى القرآن فريضه إسلامية ضمن الفرائض الاسلامية المُغيّبة ، التى غيبتها أديان المحمديين الأرضية ، مع إن الله جل وعلا يقول : (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً )(114) الانعام ) هيا بنا نعرض بعض أقاويل الرئيس السيسى وأفعاله على القرآن الكريم :.
ثانيا : الرئيس السيسى هل هو من المؤمنين بالله جل وعلا حقا ؟
1 ــ الايمان بالله جل وعلا ليس مجرد كلمة تُقال بل هى موقف وسلوك . معظم الناس يعلن إيمانه بالله جل وعلا ، ولكن السلوك هو الذى يُظهر حقيقة إيمانه بالله جل وعلا ، وطالما يكون الانسان حيا يسعى فى الأرض فهو فى إختبار الايمان بالله جل وعلا . يزداد إيمانه بالله وينقص تبعا لاختياراته ، فى موقف ما يختار فيه الطريق الخطأ فيتناقص فيه إيمانه ، يقول جل وعلا عن بعض المنافقين وقد إختاروا القعود عن الدفاع عن المدينة يزعمون عدم قدرتهم عن القتال : (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالاً لاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ ) (167) النساء ) أى حين قالوا ( لو نعلم قتالا لاتبعناكم ) كانوا وقتها ولحظتها وفى هذا الموقف وبذلك السلوك أقرب للكفر منهم الى الايمان. فالايمان بالله جل وعلا يزداد وينقص تبعا للمواقف ( آل عمران 173 ، الأنفال 2 ، التوبة 124 ، الاحزاب 22 ) وكذلك الكفر بالله جل وعلا يزداد وينقص حسب مواقف الانسان ( البقرة 10 ، المائدة 64 ، 68 ، التوبة 125). ومن هنا يأتى طريقنا الوعظى ، نعظ فيه أنفسنا وغيرنا بالإيمان الحق بالله جل وعلا ، وأن نلتزم بذلك سلوكا وقولا .
وفى ( ذكر ) إسم الله جل وعلا ، يكون الموقف تكون غاية فى الخطورة لا يحتمل التوسط ، فإما أن يخشع قلبك حين تنطق باسم الله جل وعلا ، أو حين تسمع إسم الله جل وعلا ، وإما أن تتخذ إسم الله جل وعلا وآياته هزوا ولعبا . ومن يمت على هذا سيكون ممّن قال فيهم رب العزة :(وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُواً (56) الكهف )( ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) الكهف )( ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمْ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُواً وَغَرَّتْكُمْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فَالْيَوْمَ لا يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (35) الجاثية ). أما من أسرع وتاب فقد نجا .
نحن نعظ أنفسنا نرجو أن نكون من المؤمنين حقا ، من الذين إذا ذُكر إسم الله جل وعلا وجلت قلوبهم وإذا فرىء عليهم كتابه إقشعرت جلودهم . فأولى صفات المؤمنين حقا هى ما جاء فى قوله جل وعلا :( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الانفال ). المؤمنون حقا هم ( الخاشعون المخبتون ) الذين قال جل وعلا عنهم : (وَبَشِّرْ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (35 ) الحج ). نحن نرجو أن نكون من هؤلاء ، وندعو الآخرين أن يكونوا من هؤلاء .
2 ــ ولكن الرئيس السيسى قال ما يناقض هذا . نكتفى مما قاله بمثل واحد فقط نتوقف معه :
قال فى خطاب علنى لمنافسه السابق فى الرئاسة ( حمدين صباحى ): ( ربنا بيحبك ). أى سار على سُنّة الوهابيين والاخوان فى إستخدام اسم رب العزة فى خطابهم السياسى ، فمن يرضون عنه فربنا راض عنه ، ومن يكرهونه فربنا لا يرضى عنه . يعنى انه يقف متناقضا مع صفة المؤمنين حقا الذين ترتعش قلوبهم عند ذكر الله ، هو على العكس يستخدم رب العزة جل وعلا فى خطاب سياسى دنيوى قد يكون مزاحا وتهريجا ، وقد يكون جادا ، ولكنه فى كل الأحوال إستخفاف برب العزة جل وعلا الذى ترتعش القلوب المؤمنة من ذكر إسمه العظيم رهبة وخشوعا وتقوى وإخباتا .
3 ــ وهنا نتساءل : هل أعطى الخالق رب العزة ( المخلوق عبد الفتاح السيسى ) رُخصة الحديث بإسمه ؟ هل أطلع رب العزة ( المخلوق عبد الفتاح السيسى )على أن ( المخلوق حمدين صباحى ) محبوب لرب العزة ؟ هل أعطى رب العزة جل وعلا ( المخلوق عبد الفتاح السيسى ) علم الغيب الذى لم يُعطه لخاتم النبيين عليه وعليهم السلام ؟ قد لا تكون هذه المعانى قد طافت بعقل الرئيس السيسى حين قالها ، ولكنه حين قالها لم يكن من الذين إذا ذٌكر الله جل وعلا وجلت قلوبهم ، بل نظنّ أنه حين قالها لم يكن يوقّر الله جل وعلا . هذا مع أن شأن المؤمنين حق الايمان هو توقير الله جل وعلا وتسبيحه : ( لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً (9) الفتح ). هذا شأن المؤمنين حقا .أما الكافرون فينطبق عليهم قول النبى نوح عليه السلام لقومه : ( مَا لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً (13) نوح ).
4 ـ هذه الأقاويل التى يستسهلها اللسان ويتم فيها إمتهان إسم الرحمن تورد صاحبها مورد التهلكة . ونعطى أمثلة قرآنية :
4 / 1 : التهكم بالدين الحق وإستخدام إسم الرحمن فى النُكت والطرائف والنوادر عادة بشرية سيئة لا تزال سائدة ، وقد إرتكبها بعض المنافقين فى عهد النبى فحكم الله جل وعلا بكفرهم . قال جل وعلا :( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (65) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ (66) التوبة ).مجرد كلمة أضاعت أصحابها . يمكنك أن تسخر من أى مخلوق وتكون مجرد سيئة ، أما أن تخوض فى حق الله جل وعلا وقرآنه ورسوله فيومك طويل ورهيب . .!!
4 /2 : بعض الكافرين إستهزا بالاسلام وباليوم الآخر ، وقال قولا يتكرّر اليوم ، يعنى أن ( السعيد فى الدنيا سيكون سعيدا فى الآخرة ) وأن الغنى الثرى فى الدنيا سيأتى فى الآخرة ثريا أيضا . قالها فرد كافر من قريش فإستحق أن يقول عنه ـ وعن أمثاله ـ رب العزة جل وعلا : ( أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَداً (77) أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً (78) كَلاَّ سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدّاً (79) وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْداً (80) مريم ).
4 / 3 : يستسهل الناس إستخدام إسم الله جل وعلا فى الحلف به باطلا ، ولا يعلمون أنهم بذلك يهلكون أنفسهم ، وهذا كان يحدث من المنافقين فقال جل وعلا عنهم:( وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (42) التوبة )
5 : إن من العادات السيئة للكافرين المشركين أعداء الرحمن جل وعلا أنهم ( لا يقدّرون الله جل وعلا حقّ قدره ) . هذا مترسّب فى قلوبهم وعقيدتهم ، وبهذا تنطق ألسنتهم .
5 / 1 : وهكذا قال رب العزة عن من يقدس الأصنام والأنصاب والبشر والحجر : ( مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (74)الحج )، لو آمنوا أن الله جل وعلا هو القوى العزيز ما جرأوا على الاستخفاف باسمه العظيم وتقديس بشر مخلوقين مع الله جل وعلا . وهؤلاء لديهم فرصة للتوبة قبل الموت .
5 / 2 : وقالها جل وعلا فى وصف الكافرين من أهل الكتاب لمجرد كلمة قالوها ؛ قالوا : ما أنزل الله على بشر من شىء . ردّ جل وعلا يصفهم بأنهم ما قدروا الله حق قدره حين نطقوا بذلك : (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ قُلْ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) الانعام ) . وهؤلاء كانت لديهم فرصة للتوبة قبل الموت. لا نعرف إذا تابوا أم لا .!
5 / 3 : ثم جاءت وصفا للكافرين يوم الدين :( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (67) الزمر ). عندها سيرون بأعينهم قدرة الله جل وعلا وجبروته وقيوميته ، ولن تكون لديهم فرصة للتوبة . ستضيع كل أوهامهم وخرافاتهم ، وسيبدو لهم من الله جل وعلا الذى لم يقدروه حق قدره ــ ما لم يكونوا يحتسبون ن وسيتمنون ـ لو إستطاعوا ــ أن يفتدوا أنفسهم من العذاب بكل ثروات الأرض ، يقول جل وعلا :(وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَدَا لَهُمْ مِنْ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (47) وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون (48) الزمر )
أخيرا : أليس من الأفضل للرئيس السيسى أن ينجو بنفسه من هذه الألغام المدمرة ، ويتكلم فى السياسة بخطاب السياسة ؟
خير الكلام :
(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16) الحديد ).
ودائما : صدق الله العظيم .!!
فى الاحتكام الى رب العزة جل وعلا بشأن الرئيس السيسى :
الرئيس السيسى : هل يؤمن باليوم الآخر ؟!!
في الأربعاء 04 مارس 2015
أولا : بين الايمان باليوم الآخر و الكفر باليوم الآخر
1 ــ الايمان باليوم الآخر قلبيا يعنى الايمان بالله جل وعلا وحده مالكا يوم الدين ، وأنه جل وعلا وحده الشفيع والولى والنصير ، وأنه جل وعلا هو الذى سيحاسب البشر جميعا وفق علمه المطلق وعدله المطلق .
الايمان باليوم الآخر عمليا وسلوكيا يعنى أن يحاسب المؤمن نفسه فى حياته قبل يوم الحساب ، وأن يؤمن ويعلم ــ وهو يحاسب نفسه ـ أنه سيكون مسئولا عما ينطق به لسانه وما تفعله جوارحه وما يجول فى قلبه مصداقا لقوله جل وعلا: ( إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً (36) الاسراء )، وأنه سيأتى يوم القيامة يجادل عن نفسه أمام ربه لينقذ نفسه من الخلود فى النار: (يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (111) النحل )، وأن يؤمن وهو يحاسب نفسه أنه لو إجتمع له كل نعيم العالم فى هذه الدنيا فى حياته القصيرة فلن يساوى لحظة نعيم فى الجنة الأبدية ، وانه لو قاسى كل آلام العالم فى هذه الدنيا فى حياته القصيرة فلن يساوى ذلك لحظة عذاب فى الجحيم الأبدى ، وان كل حُطام الدنيا لا يساوى أن يظلم الآخرين بسببه ، وأنه لا بد أن يترك المال والجاه خلال حياته أو بموته ، وبالتالى لا يكون ابدا ممّن ينسى الآخرة منشغلا بالدنيا .
2 ـ الكفر باليوم الآخر له مظهر عام هو إيثار الحياة الدنيا على رب العزة ، والله جل وعلا خير وأبقى : ( وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73) طه )، وإيثار الدنيا على الآخرة وهى خير وأبقى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (16) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (17) الأعلى ).وبعضهم يتطرف من إيثار الدنيا وتفضيلها على الآخرة الى درجة أنه ينسى الآخرة تماما ويُسقطها من حسابه ، فلا يريد سوى الدنيا .وهذا الصنف الذى لم يُرد إلا الحياة الدنيا لا أمل فى هدايته : ( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (29) النجم ).
3 ــ وهناك أنواع من الكافرين باليوم الآخر .
منهم من تشغله الدنيا فيلهو بها عن الآخرة التى إقترب موعدها ، يقول جل وعلا فى القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 عام : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1) مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2) الانبياء ). إذا كانت موعد القيامة قد إقترب من أكثر من 1400 عام فكيف بنا اليوم ؟
ومنهم من ينكر الآخرة جملة وتفصيلا مؤمنا بالدنيا وحدها ، يقول هى حياة الدنيا وحدها ( يا عم ..إحنا بنعيش مرة واحدة ) ، يقول جل وعلا عنهم : (وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَاالدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (29) الانعام )( هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ (36) إِنْ هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ (37) المؤمنون )( وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ (24)الجاثية ).
ومنهم من يصنع بالتزييف أساطير عن اليوم الآخر تمتلىء بالشفاعات والوساطات بحيث يدخل الجنة بلا حساب أو بالشفاعات ولو يدخل النار سيخرج منها . وتراث الأديان الأرضية للمحمديين والمسيحين يطفح بهذا الإفك عن ( محمد الشفيع ) و ( يسوع المخلّص). وهناك اكثر من 150 آية قرآنية تنفى هذا الأفك .
وهناك كفار باليوم الآخر يجمعون بين إنكار اليوم الآخر ، وحتى لو كان فيه يوم آخر فسيدخلون الجنة ، كما قال بعضهم : ( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلَى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنَى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِمَا عَمِلُوا وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ (50) فصلت )( وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) الكهف ).
ثم هناك فئة هى الأخطر ، وهى موجودة فى كل زمان ومكان، يزعمون الايمان بالله وباليوم الآخر وماهم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلّا أنفسهم وما يشعرون. قال جل وعلا عنهم : (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9)( البقرة ). فحيثما يوجد ( ناس ) فمن الناس من يحترف إضلال الناس بالزعم أنه يؤمن بالله جل وعلا وباليوم الآخر وهو كافر بالله جل وعلا وباليوم الآخر . هم الآن نجوم الإعلام الدينى فى مجتمعات المحمديين .
ثانيا : موقع الرئيس السيسى فى قضية الايمان باليوم الآخر
1 ــ نحن هنا نحكم على افعال وأقوال الرئيس السيىسى . لا شأن لنا بما فى قلبه ، بل بسلوكه المٌعلن بالصوت والصورة والمسجل فى الاعلام المحلى والعالمى . ونحن نحكم على ما مضى ، ولا شأن لنا بمستقبل لا نعرفه وليس لنا أن نتكلم فيه . نحكم على أقوال وأفعال مٌعلنة وماضية أملا فى أن يتراجع عنها وأن يتوب منها ، لأن أعماله هذه تؤثر فى الملايين ويقع لها ضحايا آلافا مؤلفة من المصريين . وهنا نقول :
2 ـ ليس من الايمان باليوم الآخر أن يتكرر من الرئيس السيسى قوله إنه سيحاجج هذا وذاك يوم القيامة لأنهم فعلوا كذا أو لا يفعلون كذا . قال هذا لشيوخ الأزهر كما قاله لنجوم الفن على حد سواء . إذا كان السيسى يؤمن فعلا باليوم الآخر فالله جل وعلا لا يكلف نفسا إلا وسعها ، وكل نفس ستكون مُساءلة امام الواحد القهار عمّا يمكنها فعله من فرائض ومسئوليات ولم تفعلها . الرئيس السيسى هو صاحب القرار، وهو الآن مصدر الارادة السياسية ، وهو المسئول الأول ، وعليه عزل المُقصّر لا أن يبقيه متحكما فى منصبه ثم يٌزايد عليه بالخطاب الدينى .
إختار السيسى الطريق الأسهل ، وهو أن يتكلم بخطاب دينى يبدو فيه أمام الناس تقيا مؤمنا ، وتناسى أن تقوى القلب تجعل صاحبها يتحكم فى لسانه ويخشى من هول يوم القيامة ، فلا يتكلم إلا وهو مُدرك ومؤمن بأنه مؤاخذ على ما ينطق به لسانه ، فكل ما ينطق به يتم تسجيله له أو عليه فى كتاب أعماله الفردى : (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ (18) وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (19) وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ (20) وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21) لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (22) ق ) ( وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الاسراء ).
ويقول جل وعلا عن كتاب الأعمال الجماعى : (وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً إِلاَّ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً (49) الكهف ) .
المؤمن باليوم الآخر يحاسب نفسه فى حياته الدنيا خوفا من حساب الآخرة : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (103) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (104) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (105) هود ).والقدوة هنا هو خاتم الأنبياء عليه وعليهم السلام الذى كان يخشى إن عصى ربه من عذاب يوم عظيم : ( يونس 15 ، الزمر 13 ).
3 ـ ليس من الايمان باليوم الآخر أن تحدث كل هذه الجرائم فى مصر فى عهد السيسى وفى إطار مسئوليته ، وهو الذى بيده كل السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية . كل صفعة على وجه مظلوم يتحمل السيسى الجزء الأكبر منها ، كل إغتصاب تتعرض له مصرية بيد الشرطة يتحمل جزءا من هذا الجُرم ، كل دم برىء سال ويسيل فى مصر ، وكل نفس بريئة تم قتلها ظلما وعدوانا يتحمل السيسى المسئولية الكبرى فى إزهاقها . وحتى نتخيل فظاعة الإثم ، نتعرّف على مصير الذى يقتل مؤمنا مُسالما واحدا . يقول جل وعلا : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً (93) النساء ). الجزاء هنا هو الخلود فى جهنم مع غضب الله جل وعلا ولعنته وعذاب أبدى عظيم . هذا فيمن يقتل فردا واحدا مسالما ، فكيف بالآلاف ؟ وكيف إذا كان قتلهم بموافقة المسئول عن حمايتهم ؟!. فى عصر السيسى وخلال أقل من عام تفوق عدد ضحايا السيسى على عدد ضحايا مبارك فى ثلاثين عاما . نسأل : كم عدد القتلى الأبرياء ؟ كم عدد الجرحى ؟ كم عدد المساجين السياسيين ؟ كم عدد ضحايا التعذيب ؟ كم عدد القوانين التى صدرت تصادر حقوق المصريين فى حريتهم السياسية وتُخضعهم لرأى السيسى وحده وتترصدهم وتتعقبهم وتفرض عليهم عقوبات ظالمة ؟ ثم كم عدد المجرمين الظالمين المستحقين لعقوبة القتل قصاصا والسجن طبقا لجرائمهم وتقارير المنظمات الحقوقية عنهم، وهم مع ذلك أعمدة نظام السيسى ؟ والى من ينحاز السيسى ؟ هل الى الثوار الذين وضعهم فى السجن وهم الذين أوصلوه الى السلطة ؟ ام الى نظام مبارك الفاسد الذى أفرج عنه وعن قادته وتركهم يتمتعون بما نهبوا من بلايين ؟ وهل من الايمان باليوم الآخر فرض ضرائب على الشعب المطحون ورفع الدعم عنه ؟ وهم الأغلبية الساحقة المطحونة من المصريين الذين تولى مسئوليتهم والذين خرجوا يؤيدونه بالملايين .!! وهل من يتحسّب مسئوليته أمام الله جل وعلا يوم الحساب يقوم بتبرئة حرامية سرقوا البلايين ويوقع عقوبات بالغرامة على الثوار الفقراء المساكين ؟ ملايين المصريين الغلابة لهم فيه عشم ، ولهم عليه حق . ولا يصح أن يكافئهم باتباع طريق مبارك .
أخيرا
أدعو الرئيس السيسى أن يخلو بنفسه ليفكر فى موت قادم لن يستطيع الافلات منه ، وفى لقاء الله جل وعلا الذى لا مفرّ منه . إن الفرد العادى سيكون يوم الحساب مسئولا عن نفسه وربما عدد قليل من الأشخاص ، أما السيسى فسيكون مسئولا عما فعله مع شعب بأكمله . أدعو الرئيس السيسى أن يتذكر أن هذا الكرسى الذى يجلس عليه قد جلس عليه قبله مئات الحكام ، ولو دام هذا الكرسى لغيره ما وصل اليه ، ولن يدوم له .
أرجو أن يٌسارع فى إنقاذ نفسه بالتوبة والاصلاح الجدّى الشامل ، وعفا الله جل وعلا عما سلف . التوبة ليست مجرد عقد صلح مع رب العزة بل هى أيضا إرجاع الحقوق لأصحابها .
خير الكلام :
(قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمْ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنْ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنْ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنْ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنْ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) الزمر ).
ودائما : صدق الله العظيم .!
الدولة العسكرية الأمنية ( الفرعونية ) ( السيسية )التى تستعلى على الشعب:
الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى
في الخميس 05 مارس 2015
مقدمة
جمع فرعون موسى فى يده قيادة العسكر والأمن والحكومة المدنية التى تشتغل بالانشاءات الهندسية والمعمارية . وهى الدولة العميقة التى تستعلى على الشعب وتسخره ، والتى إستعادتها دولة العسكر المصرية منذ حركة الجيش فى يولية 1952 . وإذا كان فرعون موسى له ( ها ـ مان ) قائد الجيش ومهندس الانشاءات الهندسية فإن السيسى فى عصرنا هو المتحكم فى العسكر والأمن ، وله مهندس هو ( مح ـ لب ) . انتهى فوعون موسى وجنده وقومه الى الهلاك فى البحر الأحمر بسبب العلو والفساد ومعهم دولتهم العميقة ، وتم تدمير كل المنشئات والقصور التى أنشأها ( ها ـ مان ) : ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف ). قوم فرعون هم جند فرعون هم ملأ فرعون ، أما الشعب المصرى فقد كان ــ ولا يزال ـ ضحية الدولة العميقة الفرعونية فى مصر ، بعسكرها وأجهزتها الأمنية والحكومية . الرئيس السيسى ـ بعد أقل من عشرة أشهر فى الحكم ـ ظهر الشبه سريعا بينه وبين فرعون موسى ، فكيف به إذا حكم ثلاثين عاما مثل مبارك . لذا نكتب هنا للوعظ والتحذير ، لأن مصير فرعون موسى ولعنته تلحق بكل من يسير على ( دأب فرعون ). ولهذا تكررت قصة فرعون فى القرآن الكريم فى معرض العظة والعبرة مع التركيز على أنه وقومه ودولته العميقة ( أئمة يدعون الى النار ). خوفا على السيسى ودولته العميقة ومصر ( العتيقة ) نكتب هذه المقالات .
الدولة العسكرية الأمنية ( الفرعونية ) ( السيسية )التى تستعلى على الشعب :
الدولة العميقة و العلو فى الأرض
يقول جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)( القصص ) . الواضح هنا ببساطة أن الفوز فى الدار الآخرة هو للمتقين الذين أمضوا حياتهم الدنيا لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا . التدبر فى الآية الكريمة يعطينا الآتى :
1 ــ المتقون ( لا يريدون علوا فى الأرض ولا فسادا ) ولذلك فهم أصحاب الجنة فى الآخرة . أما الآخرون الذين لا يؤمنون بالآخرة والذين ليس فى الجنة نصيب فهم ( الذين يريدون علوا فى الأرض وفسادا ). أى قرروا وأرادوا التصارع فى سبيل الوصول للسلطة التى يتعالون بها على الناس .الإرادة وحدها لا تكفى ، لا بد من توفير أسباب القوة و(إستضعاف الخصم ) . وفى هذا الصراع بين الخصوم الذين يريدون علوا فى الأرض يفوز البعض ويخسر البعض ، ولكنهم جميعا أرادوا ( العلو ) فى ( الأرض ) واستخدموا كل الوسائل الفاسدة التى تمكنهم من الوصول للحكم تحت شعارات مختلفة وطنية أو دينية أو قومية . ولكى يظل المتغلب فى ( عُلُوه ) فى الأرض فإنه يقوم بتفريق الشعب لإضعافة ، أى يخلق عدوا داخليا يضربه ليفرق الشعب شيعا ، وهذا ما فعله فرعون وما يفعله بعده كل فرعون : هنا نسترجع قوله جل وعلا : :( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص ). فرعون بعسكره وأجهزته الأمنية والحكومية أقام الدولة العميقة التى ( علا ) بها فى الأرض .
العسكر فى الدولة العميقة لفرعون موسى والدولة العميقة للرئيس السيسى
إرتبطت حياة عبد الفتاح السيسى بالجيش والحياة العسكرية ، وتقلب فى المناصب ، وكان أهم ما تولاه المخابرات الحربية ، أى جمع فى شخصه القائد العسكرى والرجل الأمنى معا . وهكذا كان نظام فرعون موسى . وهذا يستلزم تفصيلا :
( الدولة العسكرية الفرعونية والدولة العسكرية الحالية ):
1 ــ يتميز فرعون موسى بصفته العسكرية ، بل إعتبره رب العزة جنديا فقال : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) البروج ) . وتأنى كلمة ( الجنود ) مرادفة له فى القصص القرآنى .وكانت صفته قائدا عسكريا لجنوده تصاحبه فى كفره السلوكى فى بغيه وعدوانه ، يقول جل وعلا عنه وهو يُطارد بجنده إثنين من الأنبياء وقومهما لمجرد أنهم أرادوا الهروب من طغيانه وتعذيبه وإضطهاده : (وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً ) (90) يونس ). كما تصاحبه كلمة ( الجنود ) فى كفره العقيدى بالله جل وعلا مستكبرا متعاليا : ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) القصص ). أى إنه بعسكره وجنده أعلن التحدى لرب العزة فى مؤتمر أمام جنده ، قال فيه لهم وللرجل الثانى فى دولته ( هامان ): ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) القصص ). ونلاحظ أن التعبير القرآنى يقول ( وجنوده ) أى إنه يملك الجيش والجند .
ولأنها دولة عسكرية تحتكر الثروة والسلطة والسلاح والقوة وتتحكّم فى شعب أعزل من الفلاحين فقد كان الجيش هو المسيطر على كل شىء عسكريا ومدنيا وأمنيا ، من أعمال المقاولات الى الأعمال العسكرية . وكان ( هامان ) الرجل الثانى فى دولة فرعون ، وكانت له وظيفة عسكرية، إذ يأتى إسمه تاليا لفرعون فى قيادة الجنود ، يقول جل وعلا : ( وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) ( إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8) القصص )، وهو أيضا القائم على المشروعات الهندسية والتعميرية ، لذا أمره فرعون بأن يبنى بالحجر صرحا يبلغ السماء ليطلع الى إله موسى : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) القصص ).
لو تأملنا الآيات الكريمة السابقة وطبقناها على دولة العسكر اليوم فلن نجد فارقا هائلا بين عسكر فرعون وعسكر السيسى . أليس كذلك ؟
تعالى واستعلاء و ( علو ) قوم فرعون ( جند فرعون ) على الشعب المصرى
الجهاز الحاكم فى دولة العسكر المصرى الحالى يشعرون بأنهم هم ( أسياد البلد ) . قال بهذا صراحة أحد زعماء القضاة فى لقاء تليفزيونى ، وقالها من قبل لواء فى البوليس . هى نفس عقيدة العسكر الفرعونى فى عصر موسى عليه السلام .وبعقلية أنهم ( اسياد البلد ) يتصرف البوليس المصرى مع الشعب المصرى ، ويتصرف العسكر المصرى مع الشعب المصرى ، حتى مع العاملين فى خدمته وفى حكومته ، من الوزراء ونجوم الاعلام ، وهذا ما ظهر فى التسريبات فى حديث السيسى مع مدير مكتبه ، وقول مدير مكتبه عن أحد الوزراء ( الصايع الضايع ) وعن أحد نجوم الاعلام ( الواد ) فلان . منتهى الاحتقار العسكرى فى التعامل مع المدنيين خدم العسكر .!.
جند فرعون هم قوم فرعون :
1 ـ ويتكرر ايضا وصف قوم فرعون بالملأ ، وفرعون وملئه ، تعبيرا عن ملكيته لهذا الملأ . ولقد كان الملأ هم قادة الجند الفرعوني وكبار موظفيه في العاصمة والأقاليم.ونفس الحال مع ( قوم فرعون ) يقول رب العزة ( قومه ) أى هو يملك قومه . إن قوم فرعون هم جند فرعون مع ملأ فرعون ، فقوم فرعون هم الجند والملأ معا. كان الجند هم القطيع الذي يتم حشده من كل مدائن مصر خلف فرعون وملائه. و(جند) فرعون مع ملأ فرعون هم معا ( قوم فرعون) الذين هرولوا خلف فرعون يطاردون معه موسي واستقروا معه في قاع البحر. ويقول تعالي عن (قوم ) فرعون : ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ ،فَلَمَّا آَسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ " ( الزخرف 54 ) إذن أغرق الله فرعون وقومه أجمعين. وفى نفس السياق يقول تعالي عن (جند) فرعون. " وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ ،فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ .."( القصص 39 : 40 ).إذن غرق(جند فرعون) الذين هم (قوم فرعون ) .
2 ـ ويقول مؤرخ عصر الرعامسة ( بيير مونتييه : الحياة اليومية فى مصر فى عصر الرعامسة : 307 ) :( إن الجنود لم يكونوا يتعلمون مهنة أخري سوي مهنة حمل السلاح التي كانوا يتوارثونها ( وهو نفس الذى يحدث اليوم ) وكانوا جميعا من ذوي الأملاك ، اى كانوا يشرفون على الاقطاعات الزراعية التى يزرعها الفلاحون المصريون لصالح الفرعون الذى كان يملك الأرض ومن عليها. ومعني ذلك أننا أمام نظام الإقطاع العسكري حيث يقوم جيش الفرعون بالإشراف علي زراعة الأرض التي تقسم علي القادة والجنود ويتم تسخير الفلاحين في زراعتها في مقابل ما يقيم أودهم . وقد استمر الإقطاع العسكري الزراعي في مصر في فترات لاحقه كان آخرها في العصر المملوكي ( 1250ــ 1517م) وعاش الإقطاع العسكري فترات طويلة في أوربا فى العصور الوسطي.وكانت بدايته في مصر في عصر الرعامسة ..
ولا يزال الاقطاع العسكرى قائما فى مصر ، ليس فقط فى هيمنة الجيش على الأرض المصرية ، وبميزانيته المستقلة التى لا يملك أحد من الشعب معرفتها ، ولكن أيضا بتوزيع الأراضى على أنفسهم وأتباعهم بأثمان رمزية ، بل حين يقوم بعض الناس باستصلاح أرض يغتصبها قادة العسكر باعتبارها منطقة عسكرية ، أو يقيم بعض اللواءات من الشرطة والجيش جمعيات تستولى على هذه الأرض .
3 ـ والقرآن الكريم يعطي أضواء علي نظام الإقطاع العسكري الزراعي الفرعوني، ويظهر ذلك في تكرار كلمة" حشر" في أفعال فرعون، أي أنه كان يحشد جنده وأتباعه من كل مكان فى العمران المصرى ليأتوا اليه فى مكان محدد وموعد محدد. يقول سبحانه وتعالي يصف نوعية الحشد العسكري الفرعوني الذي يضم كل المدن المصرية والقرى الزراعية، يقول جل وعلا: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ،فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ،إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ،وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ،وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ،فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) ( الشعراء 53 : 56 ) . أي أن فرعون أرسل منشورا إلي قادة الجيش في كل أنحاء المدائن المصرية ليحشروا ـ أو ليحشدوا ـ قواتهم ويسيروا بها إلي فرعون ، وذلك المنشور يقول أن بني إسرائيل شرذمة قليلة ولكنهم يسببون الضيق للفرعون وأنه يحذرهم ، وطبقا لذلك الأمر خرج كل الجنود من اقطاعاتهم الزراعية وكنوزهم التي يديرونها ويشرفون عليها ، ووصفها رب العزة جل وعلا بقوله : ( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. "( الشعراء 57 : 58 ) . ويتكرر نفس المعني في قوله تعالي: ( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ ) ( الدخان 25 ـ ).
4 ـ ويعتبر فريدا فى وقته هذا الحشد العسكرى القادم من جميع العمران المصرى ليتجمع فى نقطة واحدة مركزية هى الفرعون . ونلاحظ تحكم قبضة فرعون المركزية فى الحكم ، فالحكام فى المقاطعات هم الملأ التابعون المخلصون له ، وهو الذى يملك تعيينهم وعزلهم وقتلهم . ثم ـ وهذا هو الأهم ـ إنه لا بد من وسائل اتصال قوية ومرنة و مستمرة تعزز من التواصل والاتصال بين االفرعون وأؤلئك القادة ، وتجعل الفرعون كأنه موجود فى كل مكان . ووسائل الاتصال تلك من أهم وسائل السلطة المركزية المستبدة فى التحكم فى كل اطراف دولتها.
5 ــ وفى القرآن الكريم إشارات إلي نظم متفوقة في الاتصال بين فرعون في عاصمته وفرق جيشه في سائر العمران المصري القديم . وعن طريق ذلك الاتصال المستقر والمستمر كانت كل فرق الجيش وكل قوم فرعون في متناول يده في اللحظة التي يريدها ، ويكفي انه جمع جنوده من كل الإنحاء ولحق بموسي . وفى القرآن الكريم مثلان على دقة وتميز النظام الفرعونى فى الحشد و الحشر. أولهما ينتمى الى الأعمال المدنية ، حين تم تجميع كل السحرة من كل أنحاء مصر ليأتوا فى وقت محدد للمباراة مع موسى : ( قَالَ لِلْمَلإٍ حَوْلَهُ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ، يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ، قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ، يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ ، فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ ، وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ، لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ) ( الشعراء 34 ـ ) ، إذن ذهبت الرسل إلي كل المدائن تجمع أمهر السحرة وتنقلهم إلي العاصمة في وقت محدد . ثم اندست مجموعات أخري من التنظيمات السرية للملأ الفرعونى بين الجماهير تحثهم علي حضور المباراة المرتقبة. وحتى يزيدوا في إثارة الجماهير لمشاهدة المباراة فإنهم لا يقطعون بفوز السحرة وإنما يقولون: لعل السحرة يفوزون . : (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ، لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ).
ويقول تعالى يحكى عن فرعون بعد أن شهد آية موسى فى العصا و اليد : (قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لّا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنتَ مَكَانًا سُوًى قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ) ( طه 57 : 60 )
هنا يتحدث الفرعون بلهجة الواثق من نفسه ، فيطلب من موسى أن يحدد ساعة الصفر مقدما ، ولأن موسى يعرف قدرة الفرعون على الحشد و الحشر فإنه يقول للفرعون: (مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ) ، وبسرعة يتصرف الفرعون مستغلا إمكانات الدولة فى الحشر وفى الحشد ،أو بالتعبير القرآنى (فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى ). فالقرآن يصف أجهزة فرعون في الاتصال والتأثير في الجماهير بأنه " كيد" وهو أفضل تعبير عن الأجهزة السرية التي تخدم الحاكم المطلق.
أما المثل الآخر فى الحشد والحشر فقد كان عسكريا . وطبقا للنظام الاقطاعى العسكرى فقد كان جند الفرعون موزعين فى الأقاليم يشرفون على الزراعة وتسيير أمور المملكة ، ويحكمهم نظام إتصال على أعلى مستوى متقدم فى ذلك الوقت ، مركزه قصر الفرعون . ومن الطبيعى أن يكون الحشد العسكرى أهم وأخطر أنواع الحشد . وحين علم فرعون بنية موسى على الهرب ببنى اسرائيل أمر نظامه فى الحشد و الحشر بتجميع كل الجنود من كل اقاليم مصر، فتم ذلك بسرعة جعلت جيش فرعون يكاد يلحق ببنى اسرائيل ويكاد يفتك بهم لولا التدخل الالهى ، يقول جل وعلا (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ ،فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ،إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ ،وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ ،وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ ،فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ،وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ ،كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ) ( الشعراء 52 : 59 )
المخابرات الفرعونية
1 ـ نستشفّ مما سبق وجود جهاز أمنى متشعب ومتعمق فى العمران المصرى ، نتحدث هنا عن الأجهزة السرية للفرعون ، كان منهم جهاز دعائى سرى يتخصص فى التأثير على الجماهير ، وسبق أن أشرنا اليهم فى سياق التعرض لقوله جل وعلا :(وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ ، لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِنْ كَانُوا هُمْ الْغَالِبِينَ). وربما كان منهم ذلك ( الرجل ) الذى كان في أطراف المدينة ، وعلم بالمؤامرة فجاء وحذر موسي :(وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ ) ( القصص 20 ). ربما كان يعمل ( مرشدا ) للملأ المحلى ، وربما كان من بنى اسرائيل فخاف على موسى فبادر بنصحه.ولا نستبعد وجود قارون عميلا للفرعون ضمن اجهزة الفرعون السرية التى كانت تتلصص على بنى اسرائيل..
2 ــ ولكن أخطرهم هم اولئك الذين يعملون فى الشرطة والجندية ويتخصصون فى إرهاب الناس.وقد تتبع عملاء فرعون وجواسيسه كل أفراد بني إسرائيل في عصر موسي ، ولم يشعر بهم بنو إسرائيل ، ولم يشعر موسي أو هارون بذلك النظام السري الفرعوني الذي يعد عليهم أنفاسهم.وتطلب الأمر أن يوحي الله تعالي لموسي يحذره من أولئك الجواسيس ، وجاء ذلك الوحي قبيل اللحظة الحاسمة" ساعة الصفر" أي وقت هروبهم من مصر للشرق.يقول تعالي: (وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ )( الشعراء 53 ) (فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ )( الدخان 23 ). أي كان بنو إسرائيل " متبعون" أي خلفهم جواسيس فرعون يتبعونهم حيث تحركوا .ومع إنهم تحركوا في ظلمات الليل سرا فإن البوليس السري الفرعوني ما لبث أن اكتشف السر وسارع بإبلاغه إلي فرعون ، وسرعان ما أرسل فرعون بالمنشور الذي يحشد به كل قواته من كل أنحاء مصر . ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ..)"
3 ــ واضح هنا أن النظام السري لفرعون كان يتكون من درجات مختلفة السرية .ودليلنا علي ذلك ـ أيضا ـ ما نستشفه من قوله تعالي: ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّآَ لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ."( يونس 87 ). فالله تعالي يأمر بني إسرائيل بأن يقيموا الصلاة في بيوت سرية خاصة في أنحاء مصر ، وقد جاءت هذه الآية بعد آيات أخري تفيد خوفهم من اضطهاد فرعون إلي درجة أن ذرية قليلة من بني إسرائيل هي التي آمنت لموسي ووثقت به . وتطلب الأمر أن يعتصموا بالله ويتوكلوا عليه ليستعينوا به في كربهم أمام اضطهاد الفرعون: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ ) ( يونس 83 ) .
ومعني ذلك أن رموز الإرهاب كانت تحيط ببني إسرائيل من الشرطة العلنية ونصف السرية.
وبعد أن كانوا يصلون لله في بيوت سرية فإن الأعين الفرعونية شديدة السرية كانت تلاحقهم. وحذر الله جل وعلا موسي من ذلك النظام السري الجهنمي . وفي النهاية أسرع فرعون بكيده إلي حتفه.
4 ـ ولأن جهاز الحكم الفرعون كله يخضع للمركزية الشديدة بما فيه نظام الاقطاع العسكرى فإن كل أفراد النظام المشرف على الحقول وإدراة الدولة مدنيا وإقتصاديا وعسكريا قد لحق بالفرعون فى ( نزهته الحربية) لكى يؤدب بنى اسرائيل الذين أرادوا الخلاص من إرهابه والتحرر من استبداده.وقد غرق نظام الحكم الفرعونى مع فرعون فى البحر الأحمر . وبقى الشعب المصرى العامل فى الحقول .
هل يشمل تعبير " قوم فرعون " كل المصريين ؟
1 ـ هنا نسترجع قوله جل وعلا : :( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص ). ولقد كان بنواسرائيل وقت فرعون موسى أقليه تحتلف فى الدين والعرق عن بقية المصريين ، ومع ذلك فإن رب العزة يعتبرهم من ( أهل مصر ) أى مصريين : (وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ ). وهذا هو حضيض الفساد .بينما إعتتبر فرعون وجهاز دولته ( العميقة ) : قوم فرعون أو آل فرعون أو ملأ فرعون .
وقد جمع فرعون دولته ونظام حكمه من كل الأنحاء ليطارد بهم خصومه، فغرق وغرقوا معه تاركين خلفهم أرض مصر الزراعية عامرة بما فيها من كنوز وجنات وعيون. ومعناه أن الفلاحين المصريين كان لا شأن لهم بما يجري من السياسة الفرعونية وتطوراتها.ولم يكن منتظرا أن يتركوا حقولهم ليحضروا مؤتمرا للفرعون في العاصمة، ولم يكونوا مؤهلين ليشتركوا في أعمال عسكرية. كان الفلاحون من ضحايا الفرعون شأنهم في ذلك شأن بني إسرائيل فنجوا من الغرق ورضوا بتحمل الظلم ـ ولا يزالون.
2 ـ يقول مؤرخ عصر الرعامسة أن أحقر المهن جميعا هي مهنة الزراعة التي يفني فيها الفلاحون ، وكانوا يتعرضون لأذى سادتهم . ويستغلهم السادة ومحصلو الضرائب علي السواء " وهذه هى حال رجل الحقول . تسجن زوجته ويؤخذ أولاده رهائن"( نفس المرجع 139) . أى نظام الرهائن المعمول بهم فى الدولة الأمنية الحالية فى مصر . تؤخذ الأم رهينة حتى يسلّم الابن المطلوب نفسه للشرطة .
، يقول بيير مونتييه: ( وعندما تبدأ سنابل القمح في الاصفرار يري الفلاح سادته ومعهم عدد كبير من الكتبه والمساحين والموظفين ورجال الشرطة يبدأون عملهم بمسح الحقل ثم يقدرون كمية الحبوب بالكيل ، ويكونون فكرة دقيقة عما يستطيع الفلاح أن يقدمه إلي مندوبي الخزينة ، وبعد إتمام الحصاد يحضر الكتبة والكيالون فيستولون علي المحصول ويعاقبون الفلاح الذي يخفي جزءا من المقرر عليه. ثم يتم تجميع المحاصيل كلها في صوامع ضخمة علي شكل أقماع السكر". ( نفس المرجع 154 )
وما سجله مؤرخو عصر الرعامسة كان يتكرر في العصرين المملوكي والعثماني ويتكرر بعضه فى دولة العسكر الحالية .
بين عسكر الفرعون ( الرعامسة ) والعسكر المصرى الحالى
فى الوقت الذى كان فيه الرجل الأوربى لم يهبط بعدُ من على الأشجار كان الفرعون من الرعامسة يحشد جيشه وقومه كما لو كان معه ريموت كنترول .
الدولة العسكرية الفرعونية كانت أقوى دولة فى العالم المعروف وقتها . مصر مع بداية حكم العسكر فى الخمسينيات والستينيات كانت تناطح أمريكا والغرب واسرائل ، وانهزمت وفقد سيناء ، وانتهى بها الحال الآن فى عهد السيسى تابعة للسعودية ودول الخليج وتتصارع مع حماس وقطر . الدولة العسكرية المصرية الفرعونية حولت مصر الى ( مدائن ): (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ). وكان الريف المصرى جنات وعيونا . تحولت مدن مصر وقراها الآن الى أكوام زبالة تحت حكم العسكر الحالى.
فرعون موسى كان يحكم وفقا لثقافة عصره فى الاستبداد والفساد . عسكر مصر الآن يحكم بالاستبداد والفساد مخالفا لثقافة عصرنا ، عصر الديمقراطية وحقوق الانسان .
الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى
السيسى وفرعون موسى : العلو الذى يصل الى التأليه : ( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى )
في الجمعة 06 مارس 2015
العلو فى الأرض يعنى التأليه صراحة أو ضمنا :
لا زلنا نتدبر قوله جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)( القصص ) .
1 ــ إن صاحب الحق الوحيد فى ( العلو ) هو الخالق رب العزة جل و ( علا ). فمن أسمائه جل و ( علا ) : (الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (9) الرعد) . هو وحده المستحق للتسبيح لأنه الذى له وحده حق ( التعالى ) على مخلوقاته ، لذا نقول ( سبحانه وتعالى ) ويتكرر قوله (جل وعلا):( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) النحل ، يونس 18) الروم40 الزمر 67 ) (سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) القصص )( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ (100) الانعام ). وبالتالى فمن يزعم العلو فى الأرض إنما يُنازع رب العزة جل و ( علا ) فى صفة من صفاته .
2 ـ النبى محمد عليه السلام لم يكن متعاليا وهو قائد دولة المدينة ، ولم يكن فظّا غليظ القلب ، بل كان يتعرض لأذى المنافقين ويصبر وينزل الدفاع عنه من رب العالمين فى القرآن الكريم ( التوبة 61 ) ووصل إيذاء المنافقين له الى وصفه عليه السلام بالأذل والتهديد بطرده من المدينة ( المنافقون 8 )، وكان لا يردّ على الأذى بل يصبر الى أن ينزل رب العزة آيات يردّ عنه . ولقد توعّد رب العزة جل وعلا من يؤذى الله ورسوله باللعن والعذاب المهين ( الأحزاب 57 ) ، وحذر المؤمنين فى المدينة من إيذاء النبى كما كانت بنواسرائيل يؤذون موسى ( الأحزاب 69 ).
3 ــ المستفاد من هنا تأكيد الاسلام على تشريع المساواة بين البشر فى حقوقهم السياسية ، فهذا خاتم النبيين القائد لدولة يتعرض لنقد يبلغ السّب والإهانة ، وهو عليه السلام يصبر ولا يستخدم مكانته (أو سلطته ) فى القصاص أو عقوبة منتقديه. ولوفعل ما إعترض عليه أحد ، وهو ــ طبقا لتشريع الاسلام ــ لا يملك مصادرة حقهم فى الاعتراض السياسى أو فى تنظيم مظاهرات ضد الاسلام نفسه تسير فيها جماعات المنافقين والمنافقات فى شوارع المدينة تأمر بالمنكر وتنهى عن المعروف . الرد الوحيد هو قيام مظاهرات من المؤمنين والمؤمنات تأمر بالمعروف وتهى عن المنكر ( التوبة 67 ـــ ).
4 ـ محمد عليه السلام خاتم رسل الله جل وعلا لم ( يعلُ ) برأسه على الآخرين لأن ( العلو ) حق لله جل (وعلا ) وحده .ومن يسعى للعلو فى الأرض أو يصل الى الحكم مستبدا عاليا فى الأرض إنما يرفع نفسه فوق مكانة النبى محمد عليه السلام ، أى يرفع نفسه الى مرتبة الألوهية ، لأن البشر كلهم متساوون فى البشرية وفى العبودية لرب العزة . ولذا إرتبط علو فرعون وإستعلاؤه بزعم الالوهية ، وأعلن هذا فى مؤتمر حشر وحشد له الناس : ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات).
كان فرعون موسى مُغرما بعقد المؤتمرات يحشد فيها أتباعه ، وينادى فيهم بما يقول معبرا عن ربوبيته العليا للمصريين : ( فَحَشَرَ فَنَادَى (23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى (24) النازعات ) . وفى مؤتمر آخر أعلن انه لا إله لهم غيره وأمر هامان أن يبنى له صرحا لكى يرى إله موسى متهما موسى بالكذب : ( وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ (38) القصص ) وفى واحد من مؤتمراته كان يتكلم فيها ساخرا بموسى معبرا عن ملكيته لمصر بما فيها : ( وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ (51) أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ (52) فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ (53)الزخرف ) .والمطبلاتية كانوا يهللون له ، مهما إستخف بعقولهم ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ (54) الزخرف ). ولا يزال نفس المطبلاتية حتى اليوم يصاحبون كل فرعون ، يتراقصون فى موكبه سواء كانوا من رجال الدين أو من غلمان الاعلام . وخلال عدة أشهر من حكمه أصبحت عادة للسيسى أن يعقد المؤتمرات متلاعبا بالكلمات الناعمة للمصريين ويرقص له فى دولته خصيان الإعلام الذين كانوا من قبل يهتفون لمبارك .
5 ـ من ينتقد رب العزة جل وعلا يكون كافرا ، لأنه جل وعلا المستحق وحده للثناء والحمد والتسبيح والتمجيد : (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبِيراً (43) تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً (44) الاسراء ).
المستبد الذى ( يعلو ) فى الأرض منافسا لرب العزة يتحكم فى الاعلام ويجعله آلة تسبح بحمده . قام الاعلام المصرى بواجبه فى إنتقاد الرئيس الإخوانى مرسى فتسبب فى سقوطه ، وجاء السيسى ممثلا للدولة العميقة ، وأول ما فعله هو السيطرة على الاعلام ومطاردة الاعلاميين الأحرار ، فأصبح الاعلام المصرى خلال أقل من عام عارا لا يعرف سوى التسبيح للسيسى . السيسى بهذا يرفع نفسه فوق خاتم النبيين الذى لم يكن عاليا فى الأرض ، وكان خصومه يتطرفون فى إنتقاده ويصبر عليهم رحمة بهم . إذا كان السيسى يفعل هذا ولم يُكمل عاما فى الحكم فماذا سيفعل فى المستقبل ؟ .
من اسف فإن السيسى ـ حتى الآن ـ وهو لم يكمل عاما فى الحكم يسير على سُنّة فرعون موسى فى الاستبداد السياسى . كان فرعون موسى يرى نفسه وحده صاحب الرأى الصواب حتى لو أمر بقتل موسى : ( قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ (29) غافر ) ـ ومن يُعارض فرعون يكون مصيره القتل والتعذيب الشديد كما حدث للسحرة (قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمْ الَّذِي عَلَّمَكُمْ السِّحْرَ فَلأقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى (71) طه ) . جريمة السحرة أنهم آمنوا دون أن يستأذنوا فرعون ، كما لو كان فرعون يملك قلوبهم.
السيسى يجتهد فى ملاحقة المخالفين له فى الرأى بالسجن والتعذيب والقتل . والسيسى يطارد خصومه السياسيين بقوانين يكتبها له الخدم من أتباعه ، ويُصيغونها فى صياغة هُلامية مطاطة ، يمكن تطبيقها على النبى محمد عليه السلام نفسه ، لو كان يعيش فى دولة السيسى . شىء مُقزّز ومُقرف ومُؤسف أن ينفرد شخص واحد بالتحكم فى 80 مليونا من المصريين ، ويُطارد منتقديه بأجهزته العسكرية والأمنية والقانونية والقضائية ، بحيث صارت أحكام القضاء المصرى فى خلال عدة أشهر من حُكم السيسى عارا على الحضارة الانسانية .!!. ومع هذا يقول أحد خدم السيسى من القضاة إنهم أسياد البلد .!!
6ــ إن الله جل وعلا وحده هو الذى لا يُسألُ عما يفعل ، ومن عداه فهم مساءلون: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (23) الأنبياء ) . يقول جل وعلا بعدها لخدم وطواشية المستبد : (أَمْ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِي وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ (24) الأنبياء )
هل سيسير السيسى على دأب فرعون الى أن يقول :( أَنَا رَبُّكُمْ الأَعْلَى )
1 ــ خلال هذه الأشهر القليلة من حكمه أكثر السيسى من عقد المؤتمرات لقومه سيرا على ( دأب فرعون ) أو سُنّة فرعون . وتميز بخطاب دينى يقول فيها لفلان ( ربنا بيحبك ) ويقول لآخرين إنه سيحاججهم أمام الله جل وعلا يوم القيامة . يتصور السيسى بهذا أن له حظوة عند الله جل وعلا بحيث يشكو الآخرين ، ولا يشكوه الآخرون . لو كان يؤمن فعلا باليوم الآخر لأختلفت سياسته بل وإختلف التاريخ الحالى لمصر والشرق الأوسط بسبب موقع مصر وريادتها . لو كان يؤمن فعلا باليوم الآخر لتخيل ضحاياه من القتلى والمساجين والجوعى والمُعذبين يشكونه لرب العزة جل وعلا يوم الدين . بالتأكيد هو لا يرى هذا ، وبالتأكيد هو لا يؤمن بهذا ، لأنه ــ كما قلنا ـ لو آمن باليوم الآخر لكان شخصا آخر غير الذى نعرفه .
2 ــ إن اليوم الآخر هو يوم ( التغابن ) أى رفع الغبن والظلم الذى يقع على المظلومين . إن الله جل وعلا لا يريد ظلما للناس ( آل عمران 108 ) ( غافر 31 ) ، وتكرر فى القرآن الكريم أن الله جل وعلا لا يحب القوم الظالمين ويجعل الكافرين هم الظالمين . ويوم الحساب سيكون بالعدل المطلق بالقسط المطلق : (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ (47) الأنبياء ). وفيه سينجو ويكون آمنا من عاش دنياه مؤمنا لم يخلط إيمانه بظلم ( الانعام 82) وخاب خسر من حمل ظلما ( طه 111 ). ولكن الله جل وعلا وضع البشر فى هذه الدنيا فى محنة الاختيار والاختبار . منحهم حرية الايمان والكفر والطاعة والمعصية ، ثم هم اليه راجعون ليحاسبهم يوم الدين بالعدل المطلق ، حيث ينتصف فيه المظلومون من الظالمين .
الذى يؤمن باليوم الآخر يتحسب لهذا ، ويحرص أن يخرج من إختبار الدنيا دون أن يظلم فردا ، فماذا بمن يظلم شعبا ؟ ثم ماذا إذا كان يمارس هذا الظلم ويتحدث عن رب العزة كما لو كان الناطق باسمه ، وكما لو كان هو الذى سيتهم الآخرين دون أن يتهمه الآخرون ؟ . إرتكب السيسى هذا الاستهزاء برب العزة مٌصطنعا الإستظراف المصرى الذى تميز به فرعون موسى حين كان يسخر بموسى فى مؤتمراته العلنية . خلال عدة أشهر فقط فعل هذا . فماذا سيفعل لو ظل فى الحكم ثلاثين عاما مثل مبارك ؟.
3 ــ لا نتصور أن يجرؤ السيسى على أن يقول صراحة ما قاله فرعون موسى فى زعم الالوهية المطلقة والربوبية العليا . ولكنه بخطابه الدينى السلفى هذا مُرشّح أن يكون مثل بقية الحكام المتألهين الذين تشقى بهم هذه المنطقة ، والذين أوصلوها للخراب .لا يوجد خراب فى العالم اليوم إلا فى بلاد المحمديين ..
ولكن يبقى الفارق الأساس بين السيىسى وفرعون موسى : التوبة . التفصيل فى المقال القادم .
الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى
السيسى وفرعون موسى : من الكفر الى التوبة
في السبت 07 مارس 2015
الكفر السلوكى بين فرعون موسى و السيسى
1 ــ المؤمن بالأخرة يعتبر حياته فى هذه الدنيا طريقا ليفوز بالجنة . وحتى لو أخطأ فإنه يتوب قائما بشروط التوبة الصادقة التى جاءت فى قوله جل وعلا : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه ). الذى يريد الدنيا كافرا بالآخرة غير آبه بها قد يكون مسالما لا يؤذى أحدا ولا يظلم أحدا ولا يسعى للعلو فى الأرض بالفساد . هذا مسالم فى السلوك ، وعقيدته هو مسئول عنها أمام رب العزة جل وعلا يوم الدين . هناك كافر بالآخرة قلبيا وسلوكيا يصل كفره السلوكى الى طلب العلو فى الأرض بالفساد حيث يركب أقفية الملايين من المسالمين ، ومن يعترض عليه منهم يسومهم سوء العذاب . هذه هى ( الفرعونية ) التى كانت فى الدولة المصرية العميقة ــ ولا تزال حتى الآن .
2 ــ قلنا إن المستبد الذى يفرض نفسه ( أعلى ) من الآخرين لا بد له من إستعمال القوة ضد الآخرين لينحنوا له ويستطيع العلو عليهم وركوبهم وإسترقاقهم ،أى لا بد من أن يقترن علوه بالفساد فى الأرض. وهذا ما حدث من فرعون موسى .وصفه رب العزة جل و (علا ) فقال فى بداية سورة القصص :( إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4) القصص )فإرتبط هنا العلو بالفساد ،ثم ختم رب العزة سورة القصص بآيات للعبرة منها قوله جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83)( القصص ) .وعن ارتباط العلو بالفساد قال عنه جل وعلا : ( إِنَّهُ كَانَ عَالِياً مِنْ الْمُسْرِفِينَ (31) الدخان )، اى اسرف فى الفساد .
3 ــ هذه النوعية من الفساد هى أحطُّ دركات الكفر السلوكى لأنه يعنى إرهاب الناس بالقتل والسجن والتعذيب ليستسلموا للمستبد ويتنازلوا له عن حقوقهم . هذا الاضطهاد للمسالمين يسميه رب العزة ( فتنة ) ويجعله أشد من القتل وأكبر من القتل ، لأنه قتل لكرامة الانسان وحريته . يقول جل وعلا : ( وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ ) (وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ ) ( البقرة 191 ، 217 ) ، وفعلا فإن الموت قتلا ـــ للمؤمن المسلم الحُرّ ــ خير من حياة ذليلة فى ظل حكم مستبد .
3 ــ و قلنا إن ( الفتنة ) فى المفهوم القرآنى تعنى الاضطهاد للمسالمين . وهذا ما فعله فرعون موسى حين إصطنع سياسة ( الفتنة ) أى الاضطهاد الهائل لخصومه ، وأباح لنفسه قتل معارضية وتعذيبهم ، وبسبب سطوته إرتاع قوم موسى خوفا من ( فتنة ) فرعون بهم .. يقول جل وعلا : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس )، أى بسبب الرُعب من الارهاب الحكومى الفرعونى فإن السواد الأعظم من قوم موسى إبتعدوا عنه خوفا من فرعون أن يفتنهم أى يعذبهم ، وقد كان عاليا فى الأرض ومن المسرفين .
هو نفس الاحساس الذى يعيشه المصريون فى ظل حكم العسكر الحالى ودولته البوليسية منذ 1952 . من تغضب عليه السُّلطة يتجنبه الناس خوفا من ارهاب السلطة . إذكر أننى بعد أيام من خروجى من السجن فى أواخر عام 1987 قابلت بالمصادفة صديقا عزيزا فى ميدان الأوبرا ، حين إلتقت عينانا لمحت فى عينيه الذعر الشديد حين رآنى ، وأسرع بالسلام .. وأختفى بسلام . !!
4 ــ الذى يرتكب الفتنة أو إضطهاد معارضية سياسيا أو دينيا هو كافر بسلوكه المُعلن هذا . جاءت كلمة (الفتنة ) الدين وصفا لكفار قريش الذين تابعوا المؤمنين بالهجوم الحربى عليهم فى المدينة ، وهذا قبل أن ينزل للمؤمنين تشريع القتال الدفاعى . قال جل وعلا عن كفار قريش وفتنتهم المؤمنين بالقتال الهجومى :( وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا )(217) البقرة ) . أى من يفعلون هذا فهم كفار ، ويجب قتالهم حتى يكفوا عن إعتدائهم وفتنتهم أو إضطهادهم للمُسالمين .
ويقول جل وعلا : (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) البقرة ) ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) الانفال ). وهنا جاء المقصد الأعلى من تشريع القتال الدفاعى فى الاسلام ، وهو منع الفتنة أى الاضطهاد للمسالمين ، مهما إختلفوا فى الدين . الاسلام يقوم على السلام والعدل والحرية الدينية المطلقة ، حيث لا ( إكراه فى الدين ) ليكون الناس أحرارا فى إختيارهم الدينى فى هذه الدنيا ومسئولين عن هذا الاختيار (يوم الدين ) أمام ( مالك يوم الدين )، وسيحاسب فيه رب العزة ( مالك يوم الدين ) الناس أجمعين وينبئهم بما كانوا فيه يختلفون . وهذا معنى أن يكون الدين لله جل وعلا ، أى يجب أن يكون الدين لله جل وعلا وحده بلا إضطهاد وبلا إكراه فى الدين الى أن يحكم فيه رب العالمين وحده.
من حق المظلومين تكفير الباغى الظالم الذى يمارس الفتنة ( الاضطهاد للمسالمين )
1 ــ والمؤمنون حين يقاتلون العدو الباغى المعتدى يكفّرونه أى يصفونه بالكفر ( السلوكى ) بناء على بغيه عليهم وإعتدائه عليهم ومعناتهم من ظلمه ووحشيته. لذا هم يدعون ربهم جل وعلا قائلين : ( أَنْتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (286) البقرة ) . يدعون الله جل وعلا أن ينصرهم على ( القوم الكافرين ). أى يصفونهم بالكفر . فالله جل وعلا هو مولاهم لأنه لا يحب المعتدين ، وقد قال جل وعلا فى تشريع القتال الدفاعى (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ). فالله جل وعلا لا يحب المعتدين الكافرين ، وينصر المظلومين الذين يقاتلون أولئك الكافرين المعتدين دفاعا عن حريتهم .
وهكذا كان يفعل الأنبياء السابقون فى تكفير خصومهم الذين يهجمون عليهم حربا ظلما وعدوانا : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)آل عمران ) . تكفير الباغى هنا أمر مشروع ، ولهذا قال جل وعلا عن أولئك المؤمنين المُسالمين الذين أُضطروا للقتال الدفاعى :( فَآتَاهُمْ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148) آل عمران ). هؤلاء المؤمنون المُسالمون المقاتلون دفاعا عن أنفسهم وحريتهم وصفوا أعداءهم بالكفر . وكوفىء أولئك المؤمنون من رب العزة بأن أتاهم ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة ، ووصفهم بالمحسنين .
2 ــ والمسالمون العاجزون عن القتال الدفاعى حين يتعرضون لاضطهاد ظالم باغ فمن حقهم تكفير ذلك الباغى ووصفه بالكفر بناء على إجرامه فى حقهم . هكذا فعل موسى عليه السلام وابراهيم عليه السلام .
لقد إشتكى بنو اسرائيل لموسى ما أصابهم من الاضطهاد : ( قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا )(129) الأعراف ). ونسترجع الآية الكريمة من سورة ( يونس ) عن إضطهاد فرعون لبنى إسرائيل : ( فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ (83) يونس ) ونقرأ الآية التى بعدها : ( وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ (84) فَقَالُوا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (85) وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنْ الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (86) يونس ). هنا وصفوا فرعون وآله بالقوم الظالمين والقوم الكافرين بناء على السلوك أو ( الفتنة ) اى الاضطهاد الظالم لقوم مسالمين . اى إنه من حق من يتعرض للإضطهاد أن يصف الظالمين البُغاة المعتدين بالكفر طبقا لسلوكياتهم .
نفس الحال مع ابراهيم عليه السلام وقد تعرض لاضطهاد من قومه وصل الى درجة أنهم ألقوه فى نار محرقة ( كما تفعل داعش اليوم ) . دعا ابراهيم عليه السلام ربه جل وعلا أن ينجيه من فتنة القوم الكافرين : ( رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا ) (5) الممتحنة ). أى وصفهم بالكفر بناء على ما يفعلون .
التوبة بين فرعون موسى والسيسى
1 ــ الفارق بين فرعون موسى والسيسى أن السيسى لا يزال حيا يملك وقتا للتوبة قبل الموت ، وهو يستطيع لو أراد . أما فرعون فلم يتذكر التوبة إلا عندما أشرف على الموت غرقا . ولم يتقبل الله جل وعلا توبته . يقول جل وعلا: ( وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ (90) أَالآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ). ولهذا نكتب لا لتكفير السيسى ولكن لوعظه ليلحق بقطار التوبة قبل فوات الأوان . ونعطى بهذه المناسبة تفصيلات عن التوبة فيما يخص موضوعنا :
2 ــ معنى التوبة : تعنى تصحيح الايمان والتركيز على العمل الصالح وإلتزام الهداية حتى الموت. يقول جل وعلا : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى (82) طه ).
تصحيح الايمان قد يكون سهلا لمن لديه رغبة فى الهداية . وقد أتى علينا حين من الدهر كنا نؤمن فيه بشفاعة النبى محمد وبأحاديث ما أنزل الله جل وعلا بها من سلطان . ثم تحررنا من هذا الإفك . قد يكون سهلا التخلص من الشرك العقيدى والتوبة منه ، لذا يقول جل وعلا ــ مثلا ــ عمّن يجعل الله جل وعلا ثالث ثلاثة: العقيدى ( لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73)). ثم يدعوهم الى التوبة والاستغفار : ( أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) المائدة ).
المشكلة الحقيقية هى فى الكفر السلوكى الذى يعنى ظلم البشر وسلب حقوقهم . التوبة هنا تستلزم رد الحقوق لأصحابها ، فإذا ظلمت فردا واحدا وتُبت ، فعليك أن ترد له حقه وأنت حىّ على الأرض تسعى . وإذا لم تستطع لظروف خارجة عن إرادتك فعليك بكثرة الأعمال الصالحة وتكثيفها لتعوض مظالمك السابقة قبل التوبة . ولو نجحت فى هذا فإن الله جل وعلا يُبدّل سيئاتك حسنات . يقول جل وعلا عن كبرى الجرائم من الشرك والقتل والزنا :( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69)الفرقان ) ويستثنى من هذا العذاب المهين الخالد من تاب فى حياته الدنيا وكان له وقت كاف يتمكن فيه من تأدية فرائض التوبة من تصحيح الايمان والاكثار من العمل الصالح بديلا وتعويضا عن أعماله السيئة السابقة حتى يبدل الله جل وعلا سيئاته حسنات فيكون من ( الصالحين ) لدخول الجنة :( إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (70) وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً (71) الفرقان ).
موعد التوبة : لذا فإن موعد التوبة عنصر فعّال هنا . فالذى يتوب مبكرا هو الفائز لأنه سيجد وقتا طويلا لاصلاح نفسه ، يقول جل وعلا :( إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً (17) النساء ) . أما الذى يتذكر التوبة وهو على فراش الموت بعد حياة حافلة بالظلم فلا سبيل لقبول توبته ، يقول جل وعلا فى الآيت التالية :( وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً (18) النساء). وهذا ما حدث لفرعون موسى . وهذا ما لا نرجوه للسيسى .!
التوبة فى الدنيا والغفران فى الآخرة
الذى يموت مشركا كافرا دون توبة لا يمكن أن يغفر الله جل وعلا فى الآخرة : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) (48) ( 116 ) النساء)( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) المائدة )
يخطىء البعض معتقدا أن الغفران فى هذه الدنيا بناء على التوبة فيها . ولكن الغفران سيكون يوم الدين ، وبالتحديد يوم الحساب أمام الواحد القهار . ابراهيم عليه السلام دعا ربه أن يغفر له يوم الدين : ( وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) الشعراء )، وهو هنا يوم الحساب ، فهو القائل أيضا : ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)) ابراهيم ). وقبلها والمؤمنون مع النبى يسعى نورهم بين أيديهم وأيمانهم يدعون ربهم أن يُتم لهم نورهم وأن يغفر لهم ليدخلوا الجنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8) التحريم )
إن اليوم الآخر أيام ومشاهد فى زمن لا يمكن لنا أن نتخيله . فيه يوم البعث ويوم الحشر ويوم العرض ويوم الحساب ..ونفهم أن البداية بالبعث ، وفيه يرى كل الناس أعمالهم من خير أو شر ، يشمل هذا كل شىء من الأعمال من كبيرها الى أصغر صغيرها : ( يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ (6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه (8) الزلزلة ). يتسلم كل منا كتاب أعماله الفردى ، كما يرى كتاب الأعمال الجماعى الذى يسجل حركته وتاريخ حياته مسجلا بالصوت والصورة وسط مجتمعه وقومه ، ويرى المجرمون كتاب أعمالهم فيرتاعون لأنه لم يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، ووجدوا ما عملوا حاضرا ، ولا يظلم ربك أحدا : ( الكهف 49).
ثم عند الحساب يكون الغفران لمن تاب وآمن وعمل عملا صالحا ثم إهتدى . والغفران من ( غفر ) أى ( غطى ) ، أى هو التغطية لذنوب التائب حتى لاتهلكه ذنوبه ، ولا يتبقى له سوى عمله الصالح . فهذا التائب يأتى بأعمال صالحة وسيئة ، وبالتوبة المقبولة يغفر له الغفور الرحيم جل وعلا ، أى ( يغطى ) أعماله السيئة بالأعمال الصالحة ، وبهذا يقيه من سيئات أعماله بغفرانها . فهذه السيئات هى التى سيكون بها عذاب العاصى يوم القيامة . لذا تدعو الملائكة للمؤمنين بأن يقيهم السيئات : ( وَقِهِمْ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) غافر ). فالوقاية من عذاب الجحيم تعنى الوقاية من سيئات الأعمال التى يقترفها الانسان فى حياته الدنيا ، وستكون هذه السيئات أساس تعذيبه فى النار ، ويقال لهم وهم فى الجحيم : (إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الأَلِيمِ (38) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (39) الصافات ).( اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (16) الطور ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (7) التحريم ).
بين الخاسرين يوم القيامة سيكون الأشد عذابا هو المستبد الذى ظلم شعبا بسلطانه . عندها لا ينفعه ماله ولا سلطانه ، سيصرخ قائلا : ( مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ (28) هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ (29) لحاقة ) ومصيره : ( خُذُوهُ فَغُلُّوهُ (30) ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ (31) ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ (32) الحاقة ).
الذين يغفر لهم الغفار الرحيم هم المستغفرون فى حياتهم الدنيا يطلبون الغفران من الغفور الرحيم ، يقول جل وعلا عنهم : (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) آل عمران ) ويقول جل وعلا عن مصيرهم يوم الدين :(أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) آل عمران ).
نكتب أملا فى التوبة . ونرجو من الله جل وعلا أن يهدينا وأن يجعلنا من التوابين .
الدولة العميقة بين الرئيس السيسى وفرعون موسى
بين الرئيس السيسى وفرعون موسى : النهاية والعظة والعبرة
في الأحد 08 مارس 2015
بعد هذا التشابه بين الدولة العميقة لفرعون موسى والرئيس السيسى ، ماهو الدرس وماهى العظة ؟ نقول هذا خوفا من إنهيار الدولة المصرية العميقة الحالية كما إنهارت غرقا من قبل فى عصر موسى ، خصوصا ونحن نشهد الآن تغييرا فى خرائط المنطقة ، وسقوطا متتاليا للدول ، من الصومال الى العراق وسوريا وليبيا .الأخطر من هذا ، أنه حين غرق فرعون ومعه دولته العميقة أصبحت مصر تركة مباحة ( لبنى اسرائيل ). فهل إذا سقطت الدولة المصرية العميقة الحالية ، فهل أيضا سترثها ( إسرائيل ) ؟
إن موضوعا خطيرا كهذا يستلزم توضيحا قرآنيا بقدر ما يسمح به المجال . ونرتبه كالآتى خطوة خطوة :
أولا : تكرار الأمر الالهى بالعبرة والعظة من قصة فرعون دون فائدة
1 ــ تكررت قصة فرعون موسى فى القرآن الكريم بصورة ملحوظة . وهذا التكرار ليس عبثا ، فتعالى رب العزة عن العبث . إن القرآن الكريم كتاب قد أُحكمت آياته ، وهو قول فصل وما هو بالهزل . وهذا التكرار فى قصة فرعوى يحوى إعجازا مستقبليا ، لأن ثقافة الاستبداد الفرعونية ظلت سائدة بعد سقوط فرعون ، وفى قريش فى حربها للنبى ، وفى قريش بعد سنوات من موت النبى . وتأسست الديانات الأرضية للمحمديين على هذه الفرعونية ، وبها قامت دولهم الدينية والمستبدة . ولأنها متجذرة فيهم فإن السبيل الوحيد هو تغيير هذه الثقافة الدينية من الداخل بالاحتكام الى القرآن الكريم . بدون هذا الاصلاح ــ الذى لا نمل من التأكيد عليه ــ فستظل المنطقة تعيش فى حلقات مستمرة من الدمار والخراب ، وحين يثورون على مستبد فإنهم يستبدلونه بمستبد آخر . إتبع الغرب الديمقراطية وحقوق الانسان فتطور وازدهر ، وإتبعتها إسرائيل فهزمت العرب ، وتفوقت على مستوى العالم المتقدم ، بينما لا يزال المحمديون أسرى أديانهم الأرضية وثقافتهم الاستبدادية . يزعمون التمسك بالقرآن ـ ويقرأون صباح مساء قصص فرعون فى القرآن وما حلّ به واللعنة التى حاقت به ، وهم مع ذلك لا يعقلون . التكرار هنا جاء ردا مسبقا على هؤلاء المحمديين الذين إتخذوا آيات الله جل وعلا هزوا ، وسيكون كتاب الله جل وعلا حكما عليهم يوم القيامة .
2 ـ وفى هذا التكرار تأتى الاشارة الى العبرة والعظة بعد ذكر ما حاق بفرعون ودولته العميقة . لقد جعل رب العزة جثة فرعون باقية ليكون لمن خلفه آية وعبرة : ( فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنْ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ (92) يونس ). وفعلا ، فإن كثيرا من الناس عن آيات رب الغزة غافلون .ويقول جل وعلا عن غرق فرعون وكيف جعله سلفا ومثلا سيئا للآتين بعده : ( فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ (55) فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً لِلآخِرِينَ (56) الزخرف ). وهذه السلفية الفرعونية فى تقديس الحاكم هى السائدة حتى الآن . كلهم سلفيون ، ولكن بآلهة مختلفة ، وزعيمهم هو فرعون موسى .أساس الضلال لدى فرعون موسى أنه لم يكن مؤمنا بالآخرة ولا يعتقد أن مصيره الرجوع الى الله جل وعلا ، لذا علا فى الأرض واستكبر ومعه جنوده فانتهى بهم الى الغرق وتلك عاقبة الظالمين : ( وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ (39) فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ (40) القصص ). يقول جل وعلا يخاطبنا : (فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ). فمن منا ينظر ويعى ويتعظ ويعتبر ؟. ويقول جل وعلا عن عاقبته : ( فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الآخِرَةِ وَالأُولَى (25) إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى (26) النازعات ). يقول جل وعلا لنا : (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشَى ) فهل هناك من يعتبر ومن يخشى مما حدث لفرعون فى الدنيا وما سيحدث له فى الآخرة ؟ .
3 ـ وبرغم التكرار القرآنى على الاتعاظ من قصة فرعون نجد المحمديين غافلين عنه تماما . فالطغاة الباغون على ( داب فرعون ) وسنته يسيرون . ونتعجب من خمرة السلطة التى تصيب الحاكم الشرقى . ما إن يجلس على الكرسى حتى تلتصق مؤخرته بالكرسى لا يريد مفارقته ، لا يتركه إلا بعمليه جراحية أو بالقتل. العادة أنه بعد إستمرار المستبد سنوات طوالا فى الحكم أن يرتبط الخلاص منه بسقوط دولته جزئيا أو كليا ، ويصبح مصيرها مرهونا بصراع القوى المحلية والاقليمية والدولية . بدا هذا فى الصومال ، إذ حكم العسكرى سياد برى الصومال مستبدا ، وحين سقط سقطت معه الدولة الصومالية عام 1991. ويتوالى فيما بعد سقوط دول المسلمين ليصبح لدينا نموذجين : ( الصوملة ) أى التجزئة الكلية للدولة وتفتتها ، و( الأفغنة ) أى إعادة تماسك بعض الدولة مع استمرارها فى حروب أهلية . وبين نموذجى الصوملة والأفغنة تتأرجح دول المحمديين من العراق الى ليبيا وسوريا واليمن . وعلى الطريق بقية الدول الاستبدادية الأخرى: مصر والخليج وشمال أفريقيا والسودان .والغريب أن الحكام الذين لم يسقطوا حتى الآن لا يتعظون بما حدث لرفاقهم المستبدين . ينطبق عليهم قوله جل وعلا عن المنافقين الكافرين بالقرآن الكريم : ( أَوَلا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لا يَتُوبُونَ وَلا هُمْ يَذَّكَّرُونَ (126) التوبة )، لا هم يتعظون بالقرآن ولا بما يرونه من سقوط أقرانهم . لا يتعظون من مصير صدام ولا مبارك ولا القذافى ولا زين العابدين ولا على صالح ..
4 ــ كلهم يسيرون فى غياب تام عن الوعى على سُنّة فرعون و( دأب فرعون ). يتخذون فرعون إماما لهم ، فقد جعله الله جل وعلا ودولته العميقة أئمة يدعون الى النار : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ) (41) القصص )، والى أن تقوم الساعة يظل أولئك الكفرة المستبدون على دأب فرعون يسيرون ، ومصيرهم أن يكونوا وقود النار مثل إمامهم فرعون ، حيث لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم شيئا : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً وَأُوْلَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) آل عمران ),
وعند الاحتضار تضربهم ملائكة الموت على وجوههم وعلى مؤخراتهم التى أدمنت كرسى السُّلطة : ( وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (50) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ (51) كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ فَأَخَذَهُمْ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقَابِ (52) الانفال ) ، ( كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَكُلٌّ كَانُوا ظَالِمِينَ (54) الانفال )
ثانيا : مصير مصر بعد غرق فرعون ودولته العميقة
1 ـ يذكر رب العزة حقيقتين مجهولتين عن تاريخ فرعون موسى:
1 / 1 : تمّ تدمير منشئات الدولة العميقة لفرعون موسى ، يقول جل وعلا : ( وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف ). وفعلا ، لا توجد آثار لفرعون موسى على الاطلاق لأنه تم تدمير كل ما تركه . ولهذا يتشكك بعض علماء المصريات فى قصة موسى وفرعون بسبب عدم عثورهم على آثار تدعمها .
1/ 2 : أنه بعد غرق فرعون بدولته العميقة فإن ( مصر ) أصبحت أرضا زراعية بفلاحيها وعمالها وأهلها ولكن بلا دولة ، جسما هائلا بلا مركز تحكم ، فعاد بنو إسرائيل الى مصر يسيطرون عليها ردحا من الزمان ، يعيشون فى مصر ( ملوكا ) . قال لهم موسى : (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ (20) المائدة ) ثم جاءهم الأمر بترك مصر و دخول الأرض المقدسة التى كتبها الله لهم ، فرفضوا فحكم الله جل وعلا عليهم أربعين سنة يتيهون فى الأرض ( المائدة 21 : 26 ) . يؤكد رب العزة على أن كل ما تركه هذا الفرعون من جنات وعيون وكنوز ورثته بنواسرائيل : ( فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (57) وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ (58) كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ (59)) الشعراء ). وتحققت بهذا مقالة موسى لهم من قبل ، إذ كانوا يشتكون له من عسف فرعون بهم ، وهو يأمرهم بالصبر عسى أن يهلك الله جل وعلا عدوهم ويستخلفهم فى الأرض بعده إختبارا لهم : ( قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128) قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (129) الاعراف ). لذا يقول جل وعلا عن حكم بنى إسرائيل مصر بعد غرق فرعون ودولته العميقة :( وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) الاعراف )
2 ـ نأتى للسؤال المُفجع : هل إذا سقطت دولة السيسى العميقة سترثها وتحكمها إسرائيل ؟ : هذا مستحيل . قد يكون هو الحل الأصلح ولكنه مستحيل الحدوث . هو الأصلح لأنه على الأقل فإن المصرى الغلبان المُسالم سيجد الحماية والأمن بنفس حال الفلسطينى داخل إسرائيل . ولكنه حل مستحيل ، فى حرب 1973. تسللت فرقة من الجيش الاسرائيلى بقيادة شارون وعبرت الى الضفة الغربية من القناة وحاصرت الجيش الثالث المصرى فى السويس ، وكان يبعد 80 كيلومترا عن القاهرة التى كانت بلا حماية عسكرية ، ولكن رفض موشى ديان إحتلال القاهرة حتى لا تبتلع القاهرة بملايينها جنوده وحتى لا يكون مسئولا عن إطعام ورعاية هذه الملايين . الحل البديل هو الأفظع . هى نفس السياسة التى تتبعها إسرائيل وأمريكا والغرب فى التعامل مع العرب والمحمديين : (هم يريدون أن يقتلوا بعضهم فلنساعدهم فى ذلك ). على إفتراض أن لديهم الرغبة المخلصة فإن الغرب واسرائيل لا يستطيعون حل الخلافات بين الشيعة والسنة . الحل المفيد للغرب هو الاستفادة من هذا الوضع بإتاحة الفرصة أكثر لهم لكى يستمروا فى قتال بعضهم . النتيجة هو ما نسميه بالصوملة ( تفكيك الدولة الى دويلات متصارعة ) أو ( الأفغنة ) أى دولة مركزية تواجه تمردات عسكرية مستمرة ومنهكة . ويقوم الغرب ببيع الأسلحة لكل الأطراف وتستمر المذابح . يحدث هذا فى العراق وسوريا وليبيا واليمن ، ولكن الحال سيكون أفظع فى مصر ، ليس فقط لكثرة عدد السكان ولكن أيضا لاكتظاظهم فى مناطق محصورة ، فإذا شبّ حريق الاقتتال الأهلى فى مصر وانتشر بين أهلها السلاح وانقسم الجيش وتأسست الميليشيات وتنوعت مصادر التمويل ( فارسية وخليجية وغربية ) فيستحول مجرى النيل الى اللون الأحمر . نرجو من الله جل وعلا السلامة .
3 ـ كلامنا مؤلم بلا شك . ومهما بلغ الألم منه فهو لاشىء مقارنة بما يحدث من داعش اليوم ، فكيف بها إذا ظهرت قوية هادرة فى مصر ؟ ومن هنا تأتى دعوتنا السيسى للإصلاح والتوبة ، لأن البديل قائم وقادم وقاتم .
ثالثا : مصير كنوز فرعون :
1 ــ عندما إشتد الاضطهاد الفرعونى بموسى وهارون وقومهما أمرهما الله جل وعلا بالصلاة السرية فى بيوت سرية :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّأَا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتاً وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (87) يونس ) . وفيها دعا موسى وهارون أن يطمس الله جل وعلا على أموال فرعون حتى لا تكون عُدة له فى ضلاله :( وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ (88) يونس ) واستجاب الله جل وعلا هذا الدعاء: ( قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا )(89) يونس). تم ( طمس ) أموال فرعون فلم يحملها معه وهو يطارد موسى وقومه ، وغرق وقد تركها خلفه فى خزائنها .
2 ـ حتى تتفرغ لممارسة السُّلطة فإن الدولة الفرعونية العميقة كانت ــ ولا تزال ـ تحتاج الى خادم يستثمر لها أموالها ، وكاتت ـ ولا تزال ـ تفضل أن يكون هذا الخادم من الأقلية المقهورة ، لتضمن بإرهابها ولاءه ، فيكفى أن يشهد ما يحدث لقومه من عسفها ليكون مخلصا فى خدمته للدولة الفرعونية ، ثم إن هذه الخدمة لا تعنى لهذا الخادم مجرد النجاة من العسف الذى يعانى منه قومه ، بل أيضا أن يعيش منعما فى ركاب الفرعون . هذا هو الذى حدث من فرعون موسى ، وهو ما يحدث الآن ، من تكوين طبقة من أصحاب البلايين من رجال الأعمال خدما لآرباب الدولة الفرعونية العميقة ، وأكثرهم من الأقباط . بمعنى أن الأغلبية من الأقباط يعانون من الاضطهاد ، ولكن أيضا فإن الأغلبية من رجال الأعمال الخدم للفرعون الحالى هم أيضا من الأقباط . !!
3 ـ ( قارون ) كان هو هذا الرجل فى عصر فرعون موسى . قارون أصلا من بنى إسرائيل ولكن بغى على قومه متحالفا وخادما لفرعون : ( إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) القصص 76 ). وبلغ مكانة هائلة فى دولة فرعون موسى الى درجة أن إسمه يأتى تاليا لهامان وزير فرعون وقائد جيشه ، وكان مثل سادته رافضا لدعوة موسى بإنقاذ بنى اسرائيل من اضطهاد فرعون . يقول جل وعلا : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ (23) إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (24) غافر )أى قال قارون نفس المقالة عن موسى . ويقول جل وعلا يجعل قارون مقدما على فرعون : ( وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) العنكبوت ) وتأخر الانتقام من قارون ، فلم يصحب فرعون فى حملته ، وبقى بعده الى أن عوقب بالخسف . يقول جل وعلا :( فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) العنكبوت )
4 ــ الفلاحون المصريون المقهورون تحت سلطة الدولة الفرعونية العريقة لم يكن لديهم الاحساس بالانتماء للوطن ، لأنه وطن فرعون وقومه وليس لهم وطنا ، بل هو سجن بالأشغال الشاقة المؤبدة . هو نفس مشاعر المقهورين حتى الآن تحت سلطة المستبد الشرقى . بسقوط دولته تعم الفوضى وينتشر السلب والنهب وتدمير القصور والاستراحات وسرقة الكنوز والمقتنيات . حدث هذا بعد فرعون موسى ، ولا يزال يحدث مع سقوط فراعنة العصر من صدام الى القذافى . المعابد التى أسسها فرعون موسى تم تدميرها ، وكنوزه تم نهبها . من المنتظر أن ينهب الفلاحون الغلابة ما فى المطابخ من طعام ومافى القصور من أثاث ورياش . ولكن قارون كان هو ( العارف ) بمكان الكنوز والذى ظل حيا بعد غرق فرعون ودولته هو الذى إستطاع نهب كل كنوز فرعون .
فى الفترة التى أعقبت هلاك فرعون ودولته والتى أصبح فيها بنواسرائيل ( ملوكا ) على مصر ووارثين لجناتها وومزارعها تمكن قارون من تجميع كل الكنوز الفرعونية ، وهو الوحيد الباقى من حاشية فرعون والأعرف من غيره بخباياها . بلغت الكنوز الفرعونية الى حصل عليها قارون أن كانت مفاتيحها تنوء العصبة من الرجال بحملها ( القصص 76 ) . وانتهى الأمر بأن خسف الله جل وعلا به وبداره الأرض ، فأصبح لاشىء . وفى نهاية قصته يقول جل وعلا : ( تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأَرْضِ وَلا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (83) القصص )
5 ــ وتبقى العبرة . مصير أموال فرعون وقارون هو نفس المصير لأموال كل المستبدين الظالمين الكافرين ، من الأمويين والعباسيين والفاطميين والعثمانيين ..الخ .. وهو نفس المصير الذى نشهده اليوم ، فالمستبد الشرقى ينهب بلده بكل إخلاص ، ويتفنّن فى إخفاء سرقاته فى شركات عابرة للقارات وبنوك (أف شورز ) وعقارات وأسهم وسندات تحت أسماء وهمية ، فإذا وقع وقُتل ضاع عليه كل شىء.، وإذا بقى حيا معزولا أصبح تحت رحمة من يحميه ، ولا يستطيع إسترجاع ما نهبه . ونتساءل : أين ذهبت أموال القذافى ؟ كانت له ممتلكات وإستثمارات فى أمريكا وأوربا ومصر . وحين شبّت الثورة قام بتهريب أطنان من الذهب و الدولارات الكاش الى جنوب أفريقيا. ولقى حتفه مثل فأر مذعور وما أغنى عنه ماله وما كسب . ولكن من يعتبر ؟
أخيرا
من بين قوم فرعون كان هناك أمير فرعونى كان يكتم إيمانه خوفا من الارهاب الفرعونى . وقد ظل ينصح الفرعون دون جدوى. بل تآمروا عليه وأنجاه الله جل وعلا من مكرهم . وفى النهاية عندما يأس منهم قال لهم : (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر ) بعدها مباشرة كان غرق فرعون دولته العميقة .خير الكلام :
(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) غافر ).
ودائما : صدق الله العظيم .!!
بين نقيضين : السيسى وعمر بن عبد العزيز
في الإثنين 09 مارس 2015
مقدمة :
1 ـ ـيلفت النظر نبرة التدين التى تجمع بين الرئيس السيسى والخليفة الأموى عمر بن عبد العزيز . نبرة التدين هذه حين يتميز بها خطاب الحاكم المستبد فهى إسلاميا تضعه فى موقع من إثنين لا ثالث بينهما : إما أن يكون صادقا يطبّق مايقول ، وإما أن يكون مجرما كذابا منافقا .
2 ــ كان عمر بن عبد العزيز حسبما تُجمع الروايات فى تاريخه صادقا ، طبّق ما يرفعه من شعارات على نفسه ، و لم يتردد أن يطبقها على غيره ، وتمسك بمنهجه واقفا ضد أسرته الحاكمة وضد تقاليد عصره ، ودفع الثمن إغتيالا بالسّم ومات شابا لم يكمل الأربعين في رجب سنة 101 هجرية ، بعد أن حكم سنتين وخمسة أشهر فقط . على العكس من ذلك تماما ، نرى السيسى الذى وصل الستين من عمره ، وكان يبكى فى صلاة الظهر خشوعا ليقنع الرئيس مرسى بتقواه ، والذى يهدد شيوخ الأزهر بأنه سيحاججهم أمام الله . الرئيس السيسى بعد أن خدع مرسى ووضعه فى السجن وخدع الشعب المصرى بالكلمات المعسولة والتقوى الزائفة يتواصل فى عهده قتل المصريين فى سياسة عملية واضحة المعالم : تقول لرجل الشرطة : لا محاكمة عليك لوقتلت ، وتقول للشعب تنتظرك المحاكمات والقتل لو تظاهرت .!!.
3 ــ سريعا نقول : يجمع بين السيسى وعمر بن عبد العزيز أن كليهما كان حاكما مطلقا ، وأن كليهما جاء فى إطار نظام عسكرى إستبدادى ، وأن كليهما واجه معارضة مسلحة ، وأن لكليهما نبرة خطاب دينية . الخلاف بينهما أن عمر بن عبد العزيز كان فى عصر يتنفس الدكتاتورية السياسية ويعتبرها حقا شرعيا للحاكم ، وعمر بن عبد العزيز ورث إمبراطورية مستبدة ترحب به مستبدا كاسلافه ، وتعتبر الخروج عن الاستبداد الملكى ضعفا يُلقى بصاحبه الى التهلكة . ولكنه ــ إتفاقا مع النبرة الدينية الاسلامية فى خطابه ــ ـ خرج على هذه الشرعية الاستبدادية الظالمة ، وفاجأ العالم بثورة إصلاحية سلمية ، دفع حياته ثمنا لتمسكه بها.أما السيسى فقد جاء فى عصر الديمقراطية وحقوق الانسان ــ وأوصلته للسلطة جموع المصريين أملا فى تحقيق مبادى ثورتهم ( عيش/حرية/ عدالة إجتماعية ) واستعمل السيسى نبرة دينية اسلامية فى خطابه ، .وحتى الآن وبعد عدة أشهر فى رئاسته فقد قتل السيسى وسجن من المصريين أكثر مما فعله مبارك خلال ثلاثين عاما . الى مزيد من تفاصيل التناقض بين السيسى وعمر بن عبد العزيز
أولا : ( عمر و السيسى ) قبل الوصول الى السلطة :
1 ــ عمر بن عبد العزيز قبل توليه الخلافة
(عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم ). جده هو الخليفة مروان بن الحكم . كان أبوه ولى العهد بعد أخيه عبد الملك بن مروان . وقد تولى عبد العزيز بن مروان مصر . وتوفى عبد العزيز فى حياة أخيه فعهد الخليفة عبد الملك لابنه الوليد ، وزوّج عمر بن عبد العزيز ( إبن أخيه ) من بنته فاطمة بنت عبد الملك . حكم الأمويون بالقسوة المفرطة ، وخصوصا فى الحجاز موطن المعارضة . كان الحجاج بن يوسف هو الوالي علي الحجاز مابين (73 ـ75هـ) في خلافة عبد الملك، فأذاق الناس النكال خصوصا في المدينة. كان عمر بن عبد العزيز رافضا هذا الظلم . وقد تولي عمر بن عبد العزيز إمارة المدينة سنة87هـ وكان شابا عمره خمسا وعشرين سنة . وذلك في خلافة ابن عمه الوليد بن عبد الملك. وفي إمارته علي المدينة أعاد مبدأ الشورى الإسلامي الذي أجهضه الأمويون. وكانت تلك الخطوة هي أول ما بدأ به ، يحكي ابن سعد في ترجمته أنه لما جاء المدينة واليا عليها صلي الظهر ثم دعا عشرة من كبار الفقهاء، في المدينة المشهورين بالورع وهم " عروة بن الزبير ، عبد الله بن عبد الله بن عتبة ، وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث ، وأبو بكر بن سليمان بن أبي حثمة ، سليمان بن يسار القاسم بن محمد، سالم بن عبد الله ،عبد الله بن عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عامر بن ربيعة، خراجة بن زيد بن ثابت" وجعلهم أعوانا له يأخذ برأيهم ولا يقطع أمرا دونهم ويبلغونه بأي ظلم يقع. وعاشت المدينة المنورة ـ والحجاز ـ أروع الأيام في العصر الأموي في ولاية عمر بن عبد العزيز (87 ـ93 هـ) إذ أنصف المظلوم وأطعم الجائع وأمن الخائف، وقام بتوسيع مسجد المدينة ، وحفر الآبار في طريق الحجاج ، وأقام لهم الخانات ومحطات الراحة ، وأنشأ عين ماء فوارة بالمدينة. فجاءت ولاية عمر بن عبد العزيز بلسما داوي الجراح وأراح النفوس.
ثم اختلف عمر مع ابن عمه الخليفة الوليد حين أراد الخليفة خلع أخيه سليمان من ولاية العهد ليولي ابنه عبد العزيز بن الوليد، فرفض عمر بن عبد العزيز أن يوافقه ، فعزله الوليد عن إمارة الحجاز وسجنه ، فلم يرجع عمر عن رأيه . وفشل الخليفة الوليد في البيعة لابنه ، ومات فتولي سليمان الخلافة ، وقد أصبح مُمتنّا لابن عمه عمه عمر بن عبد العزيز فجعله كالوزير معه ، ثم في النهاية عهد له بالخلافة علي أن يكون بعده يزيد بن عبد الملك ليظل الحكم فى ذرية عبد الملك بن مروان .
شخصية عمر بن عبد العزيز الصالحة ظهرت قبل أن يلى الخلافة . فماذا عن السيسى قبل أن يلى الرئاسة ؟
السيسى قبل رئاسته :
فى عصر مبارك وفساده كان لا يترقى الى الرتب العليا فى الجيش إلا من يثق النظام فى فساده وولائه ، وكانت تلك مهمة المخابرات الحربية . وحظى السيسى على ثقة مبارك فترقى فى عهده ،وواصل الترقى حتى أصبح رئيس المخابرات الحربية نفسها. بالتالى كان عضوا فاعلا فى نظام مبارك وفساده وإجرامه . كما كان أول من تباهى بجريمة الشرطة العسكرية ف مارس 2011، ( كشوف العذرية) ، وزعم أنها تحمي الفتيات من الاغتصاب وتحمي الجنود من الاتهام بالاغتصاب.أى إنه إستحل إنتهاك أعراض الفتيات المصريات المناضلات ، وهو اللاتى تعرضن للتعذيب ، ومستمر إضطهاد بعضهن حتى الآن فى رئاسة السيسى . فهل مهمة الشرطة العسكرية حماية الفتيات الثائرات وتوصيلهن لبيوتهن معززات مكرمات أم إعتقالهن وضربهن وسجنهن ثم هتك أعراضهن بحجة كشف العذرية ؟ تحول خطير فى العقيدة العسكرية للجيش المصرى لا يساويها فى الإجرام سوى جرأة السيسى فى تبريرها . لأنه نفسه سيقول هذا لو تعرضت إبنته لنفس المعاملة .
اى برغم خطابه الدينى فإن السيسى مجرد مخادع ، سار على داب الفرعون مبارك بل وتفوق عليه . هذا بينما بدأ عمر بن عبد العزيز فى شبابه وهو والعلى المدينة بإصلاح غير مسبوق فى الدولة الأموية ، مع إن المدينة كانت موطن المعارضة السياسية للأمويين .
ثانيا : ( عمر والسيسى فى الحُكم )
عمر بن عبد العزيز فى خلافته :
الأوامر الاصلاحية
فى خطبة العرش : تقول الرواية فى الطبقات الكبرى لابن سعد : ( كان اول ما أُنكر من عمر بن عبد العزيز)، (انه لما دفن سليمان بن عبد الملك اتي بدابة سليمان التي كان يركب فلم يركبها وركبدابته التي جاء عليها فدخل القصر وقد مهدت له فرش سليمان التي كان يجلس عليها فلميجلس عليها ثم خرج الى المسجد فصعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال اما بعدفانه ليس بعد نبيكم نبي ولا بعد الكتاب الذي انزل عليه كتاب الا ان ما احل اللهحلال الى يوم القيامةوما حرم الله حرام الى يوم القيامة الا اني لست بقاض ولكنيمنفذ الا اني لست بمبتدع ولكني متبع الا انه ليس لاحد ان يطاع في معصية الله . الا انيلست بخيركم ولكني رجل منكم غير ان الله جعلني اثقلكم حملا ). وبتحليل هذه الرواية يتضح أن عمر بن عبد العزيز من البداية خرج على المألوف الأموى فأنكروا عليه رفضه البروتوكول الأموى فى مواكب الخلافة . والعادة أن يُلقى الخليفة الجديد خُطبة يُعطى فيها ملامح حكمه . وكان عمر بن عبد العزيز صريحا فى خطبته وفى تعبيره عن عقيدته الاسلامية . لم يكن معروفا وقتها فى عصر عمر بن عبدالعزيز تعبير ( الكتاب والسّنة ) الذى تم إختراعه فيما بعد فى العصر العباسى . لذا إفتتح خطبته بالتأكيد على أنه :( ليس بعد نبيكم نبي ولا بعد الكتاب الذي انزل عليه كتاب الا ان ما احل اللهحلال الى يوم القيامة وما حرم الله حرام الى يوم القيامة ). ثم يعلن نفسه منفذا للشرع وفقا للحلال والحرام المذكور فى القرآن الكريم ، ,ان الجميع سواء أمام شريعة الله جل وعلا فى القرآن ، وأنه ليس خيرا من أحد ولكنه الأكثر مسئولية .
وكتب الخليفة عمر بن عبد العزيز بنفس الخطاب الدينى الى الولاة يدعوهم الى البيعة ، وأقواهم وأخطرهم ( يزيد بن المهلب ) وقد قرأ خطاب الخليفة الجديد فعرف ان عمر بن عبد العزيز مخالف لمن سبقه . وعرف ابن المهلب أن لا مستقبل له مع هذا الخليفة الصالح ، فقد كان يزيد بن المهلب على طريقة الحجاج وخلفاء بنى أمية .وكان ابن المهلب هذا يحكم النصف الشرقى من الدولة الأموية وزعيم القبائل اليمنية القحطانية .
وارسل عمر بن عبد العزيز بأوامر اصلاحية الى الولاة وكف أيديهم عن المظالم وعن فرض ضرائب وأخذ رشاوى ، وألا يحكم أحدهم بقتل شخص إلا بمراجعته . وقبله كان من حق الوالى أن يقتل من يشاء ، والحجاج قتل عشرات الالوف بلا جريرة .
تطبيق الاصلاحات
عزل الولاة المفسدين :
بدأ عمر بن عبد العزيز إصلاحاته بعزل الولاة المفسدين إذ لا يمكن أن يقوم المفسدون بتنفيذ الإصلاح وإقامة العدل، لذلك بادر بعزل أقواهم وأفجرهم يزيد بن المهلب ، ووضعه فى السجن ، وعزل أسامة بن زيد التنوخي عن خراج مصر وكان غاشما ظلوما كثير الاعتداء وأمر بحبسه ، وظل في الحبس طيلة خلافة عمر ، ولما تولي بعده الخلافة يزيد بن عبد الملك رده إلي منصبه !!. وبادر عمر بعزل يزيد بن أبي مسلم عن شمال أفريقيا وكان أحد مجانين الظلمة وكان يأمر بتعذيب المساجين ويطرب لصراخهم ويقول للزبانية : الله أكبر سبحان الله والحمد لله اضرب يا غلام في موضع كذا.. وكانت حالته شر الحالات فعزله عمر وولي مكانه إسماعيل بن عبد الله المخزومي.وعزل باقي الولاة وولي مكانهم في العراق وخراسان وسمرقند. وبأولئك الولاة الجدد قام بتنفيذ سياسته الإصلاحية .
إسترداد المنهوبات :
كالعادة استحل أمراء البيت الأموى ممتلكات الناس فاستولوا على الأراضى والعقارات المملوكة للغير ووزعوها ( أو أقطعوها إقطاعات ) على أنفسهم وهذا معنى ( الإقطاع ). وكان هذا الظلم سياسة عادية ـ ولا تزال فى دول المحمديين وفى حكم الدولة المصرية العميقة فى عصر السيسى حتى الآن . وورث عمر بن عبد العزيز وفق هذا ( الشرع ) الظالم إقطاعات ، وفى سياسته الاصلاحية بادر برد كل المنهوبات ومنها الاقطاعات ، وبدأ بنفسه ، فأرجع ما أعطاه له أبوه الى بيت المال مكتفيا بميراثه الحلال ومرتبه البسيط . وأخذ جواهر زوجته فاطمة بنت عبد الملك ووضعها في بيت المال. ثم صادر عمر بن عبد العزيز كل ما سلبه أهله الأمويون وأرجعه الى بيت المال ، وسمى ذلك ( مظالم ) ففزعوا الى عمتهم فاطمة بنت مروان بن الحكم لتكلمه فرفض التراجع . وهددوه فهددهم بالتنازل عن الخلافة لمن يستحقها من العلويين ، فسكتوا على مضض. ولقد كان ابنه الأكبر عبد الملك شابا صالحا أراد أن يقف أبوه منهم موقفا حازما فقال له عمر : يا بني إن بادهت الناس بما تقول أحوجوني إلى السيف ولا خير في خير لا يحيا إلا بالسيف.!!. أى إنه سلك معهم مسلكا سياسيا سلميا بقدر المستطاع ونجح فى مصادرة أموالهم .ويقول سليمان بن موسي " مازال عمر بن عبد العزيز يرد المظالم منذ يوم استخلف إلي يوم مات ".!!.وإن كان ذلك دليلا علي عدله فهو دليل أيضا علي كثرة المظالم وتنوعها . ولم يكن عمر يطالب الناس بالبينة القاطعة علي ما صودر من أموالهم لما كان يعرف من ظلم الولاة السابقين، وإذا مات صاحب المال المصادر أعاده لورثته . وقد وصلت أوامره بهذا الخصوص إلي الأقطار البعيدة حتي كان الوالي علي اليمين يراجعه في ذلك تحريا للأمر وتفصيلاته فكتب له عمر بأن يجتهد برأيه ولا ينتظر رأي الخليفة في كل صغيرة وكبيرة بسبب بعد المسافة بينهما. وقد امتلأت دمشق بأصحاب المظالم يشكون للخليفة ما لحق بهم ويطلبون استرداد أموالهم . فقال لهم : " الحقوا ببلادكم ".وأعطي الولاة كافة السلطات لإنصافهم في بلادهم .
إلغاء المكوس والضرائب الظالمة وكان الأمويون قد ابتدعوا ضرائب ومكوسا جديدة تحت مسميات مختلفة فأمر عمر بإلغائها ومنها ما يعرف الآن بالجمارك .وكان موظفو الأمويين يفرضوا ضرائب عالية علي المحاصيل والثمار أو يشترونها بثمن بخس . وكان يحدث ذلك أكثر في فارس . حيث يقوم الأكراد بتحصيل العشور من الناس علي الطرقات ، فأمر عمر بإلغاء ذلك كله . ويقول محمد بن سعد في ترجمته إنه لما ولي عمر بن عبد العزيز وضع المكس عن كل أرض . وكانت الدولة تأخذ ضرائب علي كل فرس دينار وعلي كل غلام دينارا وعن الفدان خمسة دراهم فألغي ذلك، وأباح للمزارعين بيع ما تحت أيديهم من الأرض ومنع محصل الضرائب من الوقوف علي الطرقات ، وجعل عمال الصدقة من أبناء البلد يأخذون الزكاة من أهلها بالعدل ، ولم يجعل عقوبة علي من يرفض دفع الزكاة . ومنع السخرة وعاقب من يتطاول من الموظفين علي الناس . وكان الأمويون قد استأثروا لأنفسهم بمناطق جعلوها محميات ممنوع علي الناس دخولها والانتفاع بها فألغي عمر ذلك . فيقولون إنه لما تولي أباح الأحماء كلها، أباح للناس الانتفاع بها ، وكتب إلي الولاة بذلك ، ومنع أن يستولي أحد لنفسه علي الجزائر وطرح النهر وقال : إنما هو شيء أنبته الله فليس أحد أحق به من أحد .
رفع الجزية عمن أسلم
وكان الأمويون يأخذون الجزية من غير العرب حتي لو أسلموا بحجة أنهم دخلوا الإسلام فرارا من الجزية . وقد كتب إليه والي مصر: إن أهل الذمة قد أسرعوا في الإسلام وكسروا الجزية ، فقال لهم عمر: " إن الله بعث محمدا داعيا ولم يبعثه جابيا". وأمر برفع الجزية عن كل من أسلم، وبعث إلي والي خراسان يأمره بتشجيع من يدفع الجزية علي الدخول في الإسلام مقابل رفع الجزية عنه، فإن أسلموا كانوا والمسلمون سواء، واقترح بعضهم علي الخليفة أن يمتحنهم بالختان فرفض عمر قائلا : أنا أردهم عن الإسلام بالختان؟ لو أسلموا كانوا إلي الطهرة أسرع . وأسلم علي هذا نحو أربعة آلاف. وكان الذي يدخل في الإسلام قبل استحقاق الجزية بيوم لا تؤخذ منه الجزية ، بل إن عمر أمر الولاة إن كان قد دفع الجزية وأسلم وقتها فلا تؤخذ منه الجزية.
الإحسان للموالي وأهل الذمة
وبينما تعصب الأمويون ضد أهل الذمة والموالي وهم الأكثرية فإن عمر جاء بسياسة التسامح الإسلامية ، فقد جعل العرب والموالي المسلمين سواء في الرزق والكسوة والمعونة والعطاء، وقضي للذمي بحقه في الشفعة وأباح لأهل الكتاب الوقف علي الكنائس وبيوت العبادة ، ولم يكن الأمويون يسمحون بذلك، وكتب إلي الآفاق بالرفق بأهل الذمة ويقول في ذلك الكتاب " وإذا كبر الرجل منهم وليس له مال فأنفق عليه..".
الرفق بالمساجين
كانت سجون الأمويين سيئة السمعة خصوصا في ولاية الحجاج علي العراق . وبعد وفاة الحجاج سنة 95 هـ وجدوا في سجونه 33 ألفا بدون جريمة، ومات في السجن 120 ألفا، وكان يحبس الرجال والنساء في موضع واحد ولم يكن في السجن ستر يحمي الناس من البرد والحر لذا كان يموت أكثرهم في تلك السجون. وجاء عمر بن عبد العزيز فأصلح السجون ، وأمر بالعناية بالمساجين ومنع أن يبيت أحدهم في القيود إلا إذا كان مطلوبا في دم و أجري علي المساجين النفقات. وأمر بالفصل بين أنواع المساجين حسب الجرائم ، وبالفصل بين الرجال والنساء ،ومنع من تجاوز العقوبة ومنع أخذ الرشوة من أهل المسجون وأمر بكسوته مرة في الشتاء ومرتين في الصيف ، وأن يتم عرضهم كل يوم سبت وكتب إلي كل والي " استوصي بمن في سجونك خيرا حتي لا تصيبهم ضيعة ، وأقم لهم ما يصلحهم من الطعام والإدام ". وخارج السجن وداخله منع الخليفة العادل من التعدي في العقوبة ومن التعذيب وإهانة الإنسان وقال: " إياك و المثلة وجر الرأس واللحية". وكل هذا كان خلافا للمتعارف عليه فى عصره .
سياسته في الزكاة
ومع رفع الظلم انتهج سياسة العدل في تحصيل الزكاة وفي توزيعها، يقول ابن ثوبان " إن عمر بن عبد العزيز أخذ الصدقة من حقها وأعطاها في حقها وأعطي العاملين عليها بقدر عمالتهم وقال الحمد لله الذي لم يمتني حتي أقمت فريضة من فرائضه ". ومما يذكر له أنه منع أخذ الزكاة في الخمور وأراق جرار الخمر ، وقرر أن يكون أخذ الزكاة من أطيب الأموال.
والتزم في توزيع الصدقات بالنص القرآني فكان الغارم يأخذ حقه من بيت المال ، وقضي ديون الكثيرين بهذه الطريقة ، وكان يعطي بعض البطارقة النصارى من الصدقات ألف دينار ضمن سهم المؤلفة قلوبهم. وقالوا إنه أعطى كثيرا من المؤلفة قلوبهم في الشام . أما الفقراء والمساكين وأبناء السبيل فقد ابتكر طريقة جديدة لإيصال مستحقاتهم إليهم إذ أنشأ دورا لإيواء الفقراء وعلاجهم . وأنشأ خانات لإيواء المسافرين وأبناء السبيل، وأمر بالإنفاق علي طلبة العلم .ونتيجة للعدل في توزيع الصدقة والعدل في أخذ الضرائب والزكاة فقد تحول كثير من الفقراء إلي أغنياء فيقول بعض العاملين علي الصدقة " فلقد رأيت من يتصدق عليه يأتي في العام القابل وهو يعطي الصدقة "
سياسته في الضمان الاجتماعي
( العطاء ) هو مرتب سنوي أو ( معاش ) كان يُعطي فرضا للعرب من بيت المال الى كبار السّن والمقاتلين ، وقد أنشأ عمر بن الخطاب دواوين لتوزيع العطاء وتقديره. ثم جاء الأمويون وفرضوا سياستهم الخاصة فمنحوا أنصارهم وحرموا خصومهم. إلي أن جاء عمر بن عبد العزيز فأعاد فرض العطاء للجميع . وكانت المدينة تتمتع بسخط الأمويين من قبل فحرموا معظم أهلها من العطاء ، وحين تولي عمر بن عبد العزيز بعث إلي الوالي عليها يأمره أن يفرض العطاء للناس فيها إلا من كان تاجرا، وفي خلال خلافته القصيرة منح أهل المدينة ثلاث مرات ، وكان يفرض للطفل المولود . والمحرومون من العطاء أعاد إليهم عمر بن عبد العزيز عطاءهم بأثر رجعي، ومن كان غائبا أعطي عطاءه لأهله. وجعل من بنود العطاء أن يعطي من كانت عليه أمانة ولا يقدر علي أدائها ومن أراد الزواج وعجز عن المهر وكان بعض الناس يتحايل ويدعي ليأخذ ويعرف الولاة ذلك ويقولون للخليفة فيتسامح معهم لأنهم تحملوا الكثير من ظلم الأمويين من قبل . لذلك كانوا يقولون: كل يوم يجيء خير من عمر بن عبد العزيز. هذا في الوقت الذي عاش فيه عمر في تقشف لا يقدر عليه إلا من كان مثله في الإيمان والتقوى، وقد جاءت امرأة إلي بيت عمر تطلب شيئا فنظرت إلي البيت وما فيه شيء فقالت لزوجة الخليفة: كيف أُعمّر بيتي من هذا البيت الخرب؟ فقالت لها زوجة عمر : لقد خرّب هذا البيت عمارة بيوت أمثالك. وزوجة عمر هي فاطمة بنت عبد الملك بن مروان، أبوها خليفة ، وجدها خليفة، وأخوتها الأربعة خلفاء. وقد رضيت بأن تتنازل عن كل متع الحياة إرضاءا لزوجها ابن عمها عمر رضي الله عنه !!. وجاءه رجل من الأنصار فقال له " يا أمير المؤمنين أنا فلان ابن فلان ، قتل جدي يوم بدر، وقتل أبي يوم أحد ، فنظر عمر بن عبد العزيز إلى أقاربه قائلا" هذه والله المناقب، لا مناقبكم : مسكن ودير الجماجم". ومسكن ودير الجماجم من المعارك التي انتصر فيها الأمويون علي الثائرين عليهم.
وقد سألوه أن يتحفظ في طعامه وأن يكون له حرس إذا صلي حتي لا يتعرض للاغتيال ، فرفض ، فقالوا له: إن الخلفاء قبلك كانوا يفعلون ذلك فقال لهم : فأين هم الآن ؟
وفي الوقت الذي كان الدعاء للخليفة من شعائر الخطبة للجمعة نجده يكتب إلي الولاة "لا تخصوني بشيء من الدعاء ، ادعوا للمؤمنين والمؤمنات عامة، فإن أكن منهم أدخل فيهم "!! وبينما كان الأمويون يعتبرون أنفسهم في مكانة أعلي وفوق جميع المسلمين فإن عمر كان لا يري ذلك ويأمر بالمساواة بينهم وبين الناس ، يقول للوالي علي المدينة " لا يكن أحد من الناس أثر عندك من أحد، ولا تقولن هؤلاء من أهل بيت أمير المؤمنين فإن أهل بيت أمير المؤمنين وغيرهم عندي اليوم سواء ". وكان عمر بن عبد العزيز يواصل الليل بالنهار في عمل دؤوب في تحمل مسئولية الخلافة ، يقول محمد بن قيس " رأيت عمر بن عبد العزيز إذا صلي العشاء دعا بشمعة من مال الله ليكتب في أمر المسلمين وفي المظالم فترد في كل أرض، فإذا أصبح جلس في رد المظالم وأمر بالصدقات أن تقسم في أهلها" !!
وألزم عمر الولاة أن يسيروا بنفس الطريقة، فكان واليه علي المدينة أبو بكر بن محمد بن عمر بن حزم يعمل بالليل كعمله بالنهار لأن عمر كان يحثه علي ذلك!!
السلام والقوة
أوقف عمر غزو القسطنطينية عام 99 هجرية . وفى نفس العام أغارت الترك على أذربيجان فقتلوا من المسلمين جماعة، فوجه عمر حاتم بن النعمان الباهلي فقتل أولئك الترك ولم يفلت منهم إلا اليسير. كانت الدولة الأموية تمتد من آسيا الوسطى الى آسيا الصغرى والى حدود فرنسا الجنوبية . ولم يوجه عمر بن عبد العزيز حملة حربية تواصل الفتوح وفى نفس الوقت لم يتسامح فى الاعتداء على المسلمين فى أطراف دولته . وكتب عمر بن عبد العزيز إلى ملوك السند يدعوهم إلى الإسلام على أن يملكهم بلادهم ولهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وقد كانت سيرته بلغتهم، فأسلم بعضهم وتسموا بأسماء العرب. ثم إرتدوا عن الاسلام فى خلافة هشام بن عبد الملك . و كان بنو أمية يسبون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب،إلى أن ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، فترك ذلك وكتب أن يُقرأ عوضه: (إن الله يأمر بالعدل والاحسان ..).
مع الخوارج :
كانت المعارك مستمرة بين الخوارج والأمويين ، وفى عام 100 هجرية ثاروا فى الكوفة بقيادة شوذب ( بسطام اليشكرى )، فكتب عمر بن عبد العزيز إلى والى الكوفة ألا يتعرض لهم إلا إذا سفكوا الدماء ، فإن فعلوها حاربهم . واستعد والى الكوفة بجبش قوى لمواجهتهم ، وفى نفس الوقت أرسل عمر بن عبد العزيز الى قائد الخوارج رسالة يقول له فيها : ( بلغني أنك خرجت غضباً لله ولرسوله ولست أولى بذلك مني، فهلم إلي أناظرك، فإن كان الحق بأيدينا دخلت فيما دخل الناس، وإن كان في يدك نظرنا في أمرك.) فكتب شوذب إلى عمر:( قد أنصفت وقد بعثت إليك رجلين يدارسانك ويناظرانك.). وجاء الرجلان الى عمر بن عبد العزيز فى محل إقامته ودارت بينه وبينهما مناظرة علنية .وفى المناظرة إعترفا بعدله ، وتغلب عليهما عمر فى المناظرة ، ولكنهما أحرجاه عن مسئوليته عن تولى ابن عمه يزيد بن عبد الملك الخلافة من بعده ، والمفروض أن يكون الأمر شورى بالاستحقاق وليس بالوراثة .وبكى عمر عجزا عن الاجابة وطلب مهلة للتفكير .( فخاف بنو أمية أن يخرج ما بأيديهم من الأموال وأن يخلع يزيد ولاية العهد، فوضعوا على عمر من سقاه سماً، فلم يلبث بعد ذلك إلا ثلاثاً حتى مرض ومات. ! ). وعاد الأمويون لنفس سيرتهم . توفي عمر بن عبد العزيز في رجب سنة101 ، ودفن بدير نصرانى ( دير سمعان) . وكانت خلافته سنتين وخمسة أشهر، ومات شابا لم يبلغ الأربعين . وترك سيرة ناصعة فى التاريخ تجمع بين العظمة التاريخية( النجاح السياسى ) والعظمة الانسانية ( النجاح الأخلاقى ). وقلما يتوفر هذا لغير الأنبياء .
فماذا عن السيسى ؟
بعد عدة أشهر من توليه الرئاسة واجه السيسى ــ مع إختلاف الظروف ـ نفس التحديات التى واجهها عمر بن عبد العزيز . فساد الادارة والمسئولين ونهب أراضى الدولة وسلب ثروات الناس وسوء أحوال الفقراء . إنحاز السيسى للمفسدين على حساب المقهورين ، بينما إنحار عمر بن عبد العزيز للحق والعدل وواجه أهله وأعمدة دولته بلا هوادة .
واجه عمر بن عبد العزيز الخوارج الثائرين عليه برغم عدله فاستعد لهم حربيا بمعاقبتهم إن سفكوا الدماء ، ودعاهم للمناظرة العلنية على قدم المساواة ، ولما تبين له قوة حجتهم فى مسئوليته عن فرض ولى عهد بعده على المسلمين دون مشورة إعترف لهم بالحق باكيا ، فكان فى هذا مقتله على يد أسرته . أما السيسى فهو يقاتل معارضية المسلحين والمُسالمين بلا هوادة وبلا تفرقة . وبينما يخرج عمر بن عبد العزيز عن المتعارف عليه فى التعامل مع المساجين الجنائيين وفق حقوق الانسان التى نعرفها اليوم فإن السيسى تزدحم سجونه بخصومه السياسيين، ويوضع فى السجون بعضهم بلا محاكمة طبقا لقانون ظالم يمتد به الحبس الاحتياطى ليشمل من تغضب عليه السلطة وتضعه فى الحبس بلا أمل فى الخروج وبلا محاكمة ، وحيث يتعرض للتعذيب بلا مساءلة . وتتوالى الأنباء عن مقتل مساجين ومحتجزين فى أقسام الشرطة وحالات إغتصاب ..
اخيرا
نتوقف اليوم عن تقييم السيسى .. ننتظر ونرى . وقد نعود اليه مرة أخرى إذا جدّ جديد يستحق المزيد .
السيسى والرهانات المدمرة لمصر والمنطقة
الأحد 05 ابريل 2015
بعد أقل من عام من إنفراد السيسى بحكم مصر وبلا مجلس نيابى نرى السيسى يتخذ ــ منفردا ــ نفسالرهانات التى كانت لأستاذه حسنى مبارك ، تلك الرهانات التى وصلت بمصر من قبل الى الحضيض سياسيا وإقتصاديا ،وسبّبت قيام أكبر ثورة شعبية مصرية وصل بها السيسى مؤخرا للسلطة ، فإذا به يُعيد إنتاج سياسة مبارك ورهاناته الخاطئة، وفى وضع غاية فى الحرج مصريا وإقليميا . وهذه الرهانات هى :
أولا : الرهان على الأمن على حساب الحرية :
1 ــ حكم مبارك ثلاثين عاما بقانون الطوارىء ، مستخدما ( أمن الدولة ) و ( الأمن المركزى ) فى تأديب المصريين . ورفض أى إصلاح تشريعى سوى تشديد قبضته وإفساح الطريق للفساد ليسير بصحبة الاستبداد آمنا مستريحا . وقلنا ونقول أنه فى مواجهة الارهاب لا بد من إصلاح إقتصادى يؤسّس لحرب الفقر و لتحقيق عدالة إجتماعية و ( أمن إجتماعى ) ، ولا بد من إصلاح تشريعى يؤسس حرية الفكر والرأى والاجتهاد الدينى لمواجهة الثقافة الدينية الوهابية ، ولا بد من إصلاح تعليمى يُنقذ شباب المصريين بدلا من تعلميهم الوهابية على أنها الاسلام ثم إذا تصرفوا على أساسها بالتفجير والتخريب واجههم أمن الدولة والأمن المركزى . الحرية هى التى تقضى على الارهاب لأنه مؤسس على فكر يزعم إنتماءه الى الاسلام ، فلا بد من حرية فكرية حقيقية للقضاء عليه .
2 ــ السيسى أعاد دولة مبارك الأمنية بما فيها من تعذيب وقهر للمصريين ، وهو يواجه فكر الارهاب بالأمن المركزى وأمن الدولة وقُضاته الذين شوّهوا سُمعة القضاء المصرى فى العالم . وبدلا من إصلاح تشريعى ــ وهو الآن يتحكم بالتشريع منفردا ـ فإنه ــ خلال عدة أشهر من رئاسته ـ أسرف فى إصدار قوانين أمنية إستثنائية تفوّق فيها على مبارك الذى حكم ثلاثين عاما .
ثانيا : الرهان على السلفية الوهابية المصرية على حساب التنوير
1 ــ تلاعب السيسى بالكلمات فى تصريحات علنية عن ( الثورة الدينية ) وهو يشهد طلبة الأزهر وغير الأزهر يتحولون الى ارهابيين ، ويرى حكم الاخوان وإعلامهم الدينى وما فعله بمصر . واضح جدا الحاجة الشديدة الى إصلاح الخطاب الدينى ، وواضح جدا أن كبار الشيوخ فى الأزهر يقفون ضد الاصلاح الدينى علنا ، وأنهم يروّجون للفكر الوهابى الداعشى وينحازون الى داعش وضد أى محاولة للتنوير ، وواضح جدا هذا التحالف الفكرى بين مسئولى الأزهر وقادة السلفية ، وواضح جدا إشتراك الجميع فى التمسك بالوهابية ودينها الارهابى .
2 ــ السيسى يدرك هذا ، ويستطيع أن يقوم بالاصلاح بمجرد تنفيذ القانون دون إصدار قوانين جديدة ، ولكنه مع هذا يترك شيوخ الوهابية فى الأزهر والأوقاف والاعلام والتعليم والجماعات السلفية متحكمين فى الخطاب الدينى الذى يدعو لاصلاحه . بل إنه عزل وزير الثقافة الذى دخل فى جدل مع شيوخ الأزهر ، وأحرجهم فكافأه السيسى بالعزل . ثم يجرى الآن مطاردة من يجرؤ على نقد الوهابية ، ومطاردة من يدافع عن ضحايا التعذيب وحقوق المصريين فى الجمعيات الحقوقية.
ثالثا : الرهان على السلفية السعودية الخليجية على حساب الدور المصرى
1 ــ قام مبارك بتركيع مصر للسعودية ودول الخليج الوهابية ، فأصبحت تابعة ليس فقط للسياسة السعودية ودويلات الخليج بل تابعة للأسرة السعودية ، بل و يصل العار الى درجة أضطهاد المصريين القرآنيين بأوامر من السفير السعودى فى القاهرة . عار ما بعده عار .!!.
إستفاد مبارك وحاشيته من وقوفه الى جانب الوهابيين السعوديين والخليجيين ضد صدام حسين فى حرب الخليج . عشرات البلايين من الدولارات وجدت طريقها لجيوب مبارك وعصابته، وهى جيوب لا قاع لها . نفس الموقف إتخذه مبارك فى تأييد صدام فى حربه المعتدية على ايران ، وكسب البلايين لنفسه وحاشيته ، وجعل مصر تابعة للعراق وقتها ، بل وتغاضى عن إضطهاد صدام للمصريين العاملين فى العراق وسلب حقوقهم وتعذيبهم وقتلهم وارسال جثثهم الى مصر تحمل آثار التعذيب فيما كان يٌعرف بالنعش الطائرة . عار ما بعده عار .!! .
السيسى ينتهج نفس السياسة فى المراهنة على السعودية ودويلات الخليج ؛ يجعل مصرراكعة تحت أقدام الأسرة السعودية والأسر الحاكمة فى دويلات الخليج ، ومن أجلهم يعادى إيران . هذا مخالف للثوابت الجيوبوليتيكية للمنطقة . ( أو الجغرافيا السياسية التى تحكم منطقة الشرق الأوسط ) .ويستحق شرحا موجزا :
رابعا : من حقائق الجغرافيا السياسية لمصر والشرق الأوسط
1 ــ فى هذه المنطقة توجد دولتان رئيستان هما إيران ومصر . ما بينهما ( العراق والشام والجزيرة العربية ) مناطق تُخوم جغرافية تظهر فيها دول مرحلية مؤقتة ، تقوم وتسقط . منذ فجر التاريخ تبدلت وتغيرت وتتابعت تكوين وسقوط دول وإمارات ونظم حكم ، وتغيرت الحدود ، وتعددت أسماء الدول ، بين ايران ومصر ، بينما بقيت ايران ومصر . كل منهما تمثل حضارة مستقلة وتاريخا رائدا ودورا مستمرا حتى فى خضوعهما لاستعمار وحكم أجنبى عربى وغير عربى .
2 ــ بعض من حكم مصر من غير المصريين أدرك هذه الحقيقة فوصل بها الى تكوين امبراطوريات مركزها مصر كما فعل المماليك والفاطميون ، ودخل فى حكمهم أجزاء من العراق وجميع الشام مع الحجاز . وحتى من سيطر على مصر مع تبعيته الاسمية للدولة العباسية كالدولة الطولونية والاخشيدية قام بضم الشام والحجاز والتأثير على بقية شبه الجزيرة العربية . والوالى العثمانى ( محمد على ) حين حكم مصر أدرك دورها ، وهو الذى دمر الدولة السعودية الأولى وأعاد الحجاز للتبعية المصرية ، وسيطر على الشام ووصل نفوذه الى الخليج ،وكان على وشك إسقاط الدولة العثمانية نفسها لولا أن خافت منه أوربا وخصوصا انجلترة حتى لا يسيطر على الخليج وهو الممر الهام للهند ( دُرّة التاج البريطانى وقتها ) فتعاونت اوربا وانجلترة فى تقليم أظافر محمد على وتحجيم دور مصر لكى تستأثر بالمنطقة بدلا من مصر ، ثم مال ما لبث أن إحتلت انجلترة مصر نفسها ثم تقاسمت مناطق التخوم فى العراق والشام مع فرنسا فظهرت دول سايكس بيكو ( العراق ، سوريا ، لبنان ) ثم اسرائيل والأردن ، بالاضافة للسعودية . وهذا كله بعد الحرب العالمية الأولى . ويجرى الآن إعادة رسم الخريطة فى بعض مناطق التخوم فى غيبة مصر وركوعها تحت أقدام الأسرة السعودية لصالح الأسرة السعودية .
3 ــ جاء عبد الناصر يُعيد تجربة ( محمد على ) فى مواجهة الاستعمار الغربى وحلفائه فى المنطقة وأبرزهم السعودوين فى دولتهم السعودة الثالثة الراهنة . وجود عبد الناصر بالثقل المصرى كان نذيرا بإسقاط هذه الدولة السعودية ( المؤقتة ) كما أسقطها محمد على من قبل . مشروع عبد الناصر كان يؤذن بتغيير خريطة المنطقة بين ايران ومصر على حساب السعودية والغرب . لذا كان لا بد من القضاء على عبد الناصر ومشروعه، لتحجيم دور مصر ولتظل المنطقة تابعة للغرب الأمريكى الأوربى وعملائه فى الخليج والشرق الأوسط . كانت ايران وقتها تحت النفوذ الغربى وكانت مصر بمفردها تتزعم دول العالم الثالث ( عدم الحياد والحياد الايجابى ). وسيثبت فى المستقبل تآمر السعودية مع اسرائيل وأمريكا على هزيمة عبد الناصر فى يونية 1967 ، ثم فى قتل عبد الناصر ليتولى السادات العميل السعودى الأمريكى حكم مصر لتبدأ مصر من عهده وحتى الآن دور الراكع أمام أقدام الأسرة السعودية ، ولكى تشعر الأسرة السعودية بالأمن فلا بد أن ترى مصر راكعة لها .
4 ــ وقامت ثورة الخمينى مُعادية للغرب وامريكا وتسعى لنشر التشيع فى العالم ( الاسلامى ) بتصدير ما يُسمّى بالثورة الاسلامية . تفعل إيران الشيعية هذا وعينها على الخليج وبترول الخليج . شعرت الأسرة السعودية بالهلع فاستخدمت مصر ضد ايران خلال حكم مبارك ومرسى والسيسى .
5 ــ من حقائق الجغرافيا السياسية للمنطقة أن الدول المؤقتة حول مصر تعلو بمصر إذا إرتفعت قامة مصر وقامت مصر بدورها ، وأنها أيضا تهبط بمصر إذا هبطت مصر وارتفع فوقها حاكم من تلك الدول المؤقتة حول مصر ( مثل صدام ، القذافى ، آل سعود ، وأخيرا قطر.!! ). كان العرب أحسن حالا فى زعامة عبد الناصر ، ثم كانوا ـ ولا يزالون أسوأ حالا بعد سقوط عبد الناصر وتحكم زعماء الوهابيين فى المنطقة .
وفى تاريخ العصر الوسيط كان أهل المنطقة أحسن حالا بمصر وهى تهزم الصليبيين وتستأصلهم من حكم صلاح الدين الأيوبى والظاهر بيبرس والأشرف خليل بن قلاوون . وكانوا الأسوأ حالا بهزيمة المصريين وتعاون حكامهم الأيوبيين مع الصليبيين من العادل الأيونى الى أبنائه . وارتفع شأن العرب والمسلمين بهزيمة مصر المملوكية للمغول ، بينما إحتل المغول ايران و العراق .
6 ــ وبهذا تتميز مصر على منافستها ايران ، فايران تمثل أقلية دينية هى التشيع الاثناعشرى فقط ، وهى بقوميتها الآرية ولغتها الفارسية غريبة عن المحيط العربى السنى ، فليس سوى مصر زعيمة للعالم السُّنى . وليس من مُنقذ لهم سوى مصر بتدينها السنى الصوفى المعتدل .
خامسا : لو تخيلنا فى مصر حاكما يعى دور مصر :
1 ــ لو تخيلنا فى مصر الان حاكما مصريا وطنيا على قدر الدور المصرى ، لا يقل وعيا عن احمد بن طولون والأخشيد والخلفاء الفاطميين والمماليك ومحمد على فماذا كان سيفعل فى تفعيل دور مصر ؟
2 ــ لقد أخطأ عبد الناصر فى أنه لم يدرك ثقافة العصر فى الديمقراطية وحقوق الانسان ، لذا فالمفترض فيمن يمثّل الدور المصرى أن يتشرّب الديمقراطية ويجعل من المصريين كلهم عقولا حُرة تتفاعل فيما فيه الخير لمصر والمنطقة معها ، تنهض به مصر والدول المؤقتة معها فى طريق الديمقراطية وحقوق الانسان وتتخلص من الوهابية التى شوّهت الاسلام وقتلت ملايين المسلمين ، ولاستطاع الأزهر أن يقيم دورا تنويريا فيما يسمى بالعالم الاسلامى كله وفى المجتمعات الاسلامية فى أمريكا والغرب .
2 ــ ايران برغم عُزلتها وغُربتها الآرية الفارسية الشيعية نجحت لأنها إستفادت بغيبة الدور المصرى وركوع مصر تحت أقدام الأسرة السعودية . وبرغم التدمير الذى تعرضت له من إعتداء صدام حسين والحرب الايرانية العراقية وبرغم الحصار الغربى برزت إيران قوة مناهضة لأمريكا ، ودخلت فى الميدان النووى ، وأقامت صناعة للسلاح ، وتمدّد نفوذها الاقليمى فى الخليج والعراق وسوريا ولبنان وفى اليمن وحتى فى فلسطين ، بينما لا تزال مصر بفضل حكم العسكر تركع أمام أقدام الأسرة السعودية والخليجية .
سادسا : لو كان ..!!
لو كان فى مصر حاكم يدرك أهمية الدور المصرى كيف سيكون تصرفه مع ايران والأُسر الحاكمة فى الرياض والخليج ؟ وكيف سيتعامل مع ايران ؟ . لن يراهن على الأُسر الحاكمة فى الرياض والخليج ، ولا على أى نظام حكم فى الدول المؤقتة فى المنطقة ، ولن يراهن على ايران ليكون تابعا لايران .
سيراهن فقط على الدور المصرى ، بأن يستغله لصالح مصر . كالآتى :
1ــ لا يمكن للأغلبية المصرية أن تعتنق التشيع على الاطلاق . لم تنجح الدولة الفاطمية فى هذا وهى تحكم مصر . المسلمون المصريون يقدسون آل البيت ويقدسون أيضا الصحابة أبا بكر وعمر وعثمان والسيدة عائشة بل والصعلوك الكذّاب أباهريرة ، ولا يسمحون بلعنهم كما يفعل الشيعة . أى سيظل الشيعة المصريون أقلية ضئيلة مهما حاول الايرانيون الشيعة نشر التشيع فى مصر. هذه حقيقة لا ينكرها سوى الجاهل بالتاريخ المصرى والدين الواقعى العملى للمصريين ــ وما أكثرهم الآن فى مصر وأزهرها .
لا خطر على مصر من التشيع . بل إن التشيع فى مصر ضرورة الآن لحفظ التوازن ، وحتى لا يحتكر الساحة الوهابيون ، خصوصا وأنّ دينهم الأرضى فرع من دين السّنة مما يتيح له فرصة الانتشار بين السنيين المصريين أكثر عكس التشيع . أى لا بد من تقرير حرية الفكر وحرية الدين لكل المصريين من أقباط وسنيين وشيعة وملحدين ومفكرين ، فهذا هو السبيل لانطلاق العبقرية المصرية .
2 ــ إيران تسعى الى ضم دول الخليج ( الفارسى ) اليها لأنها تعتقد أنه ( خليجها ) ولأن ما حوله هو المجال الحيوى لها ، وترى أنها الأحق ببتروله من الغرب وأمريكا ، ولأن أغلبية السكان فى تلك المناطق البترولية هم من الشيعة المنتمين أصلا الى ايران ، وهؤلاء الشيعة تحت الاضطهاد الوهابى من جانب الأسرات الحاكمة التى تحتلُّ بلادهم ، وهؤلاء الشيعة هم الأصحاب الحقيقيون للبترول . ومن مصلحة ايران إسقاط تلك العائلات الحاكمة لتأخذ ما تراه حقا لها وسرقه منها الوهابيون أعدى أعداء الشيعة .
لذا فهذه الأسرات الوهابية الحاكمة فى السعودية والخليج تدخل مرحلة صراع الوجود ، بين خيارين لا ثالث لهما : الحياة أو الموت . وهى تحتاج فى بقائها وأمنها الى مصر أكبر معقل للسنيين ، وهى القائد للمسلمين العرب والسنيين . وبالتالى فلو تحالفت مصر مع ايران لسقطت سريعا تلك الدول بعائلاتها الحاكمة ، بل لو لوّحت مصر ــ مجرد تلويح ــ بالتحالف أو التقارب مع ايران لتزلزلت عروش الرياض والخليج .!.
3ــ الاستفادة المصرية من الدور الايرانى المعادى للأسر الحاكمة فى الدول المؤقتة فى الخليج ليس بالركوع تحت أقدام تلك العائلات الحاكمة وإستجداء مساعدات منهم ، وتحمُّل المنّ والأذى منهم ، والسكوت على إحتقارهم وأضطهادهم للعمالة المصرية عندهم ، ولكن بارغامهم على أن يكونوا أتباعا لمصر التى تتولى حمايتهم ضد الخطر الايرانى الماحق .
آن الأوان للحساب الآن ، ليس بأن ترسل مصر جيشا لليمن ليحارب اليمنيين تلبية لأوامر سلمان السعودى ، أو أن ترسل جيشا ليدافع عن السعودية ضد داعش وهى أصلا صناعة سعودية ، ولكن باستغلال هذه الحاجة السعودية والخليجية ـ وهو موقف حياة أو موت ــ فى الحصول على الآتى وهو ممكن جدا وهذا أوان تنفيذه لو وجد حاكما مصريا واعيا :
3 / 1 ـ إسترجاع الحق المصرى فى السيطرة على الحجاز والأمكان المقدسة للمسلمين فى مكة والمدينة . كان الحجاز يتبع مصر من العهد الطولونى الى أن إحتل عبد العزيز آل سعود مؤسس الدولة السعودية الراهنة الحجاز بعد مذابح فى عام 1924 . الحجاز منطقة حيوية لمصر سياسيا ودينيا . وإعادته للحماية المصرية وهو تحت الرعاية المصرية أفضل لكل المسلمين من شيعة وسُنة وصوفية ، بل إن سيطرة الوهابيين المعتدين على البيت الحرام حرام شرعا ، لأنهم معتدون ينطبق عليهم قوله جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) التوبة ) ، ولأنهم يصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِي وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (25) الحج ).
إن مجرد عقد مؤتمرات لتحرير المسجد الحرام من الاحتلال السعودى للتنبيه على هذه القضية الاسلامية الصميمة ، كفيل بدق مئات المسامير فى نعش الدولة السعودية . وكتبنا فى هذا من سنوات ندعو اليه بلا فائدة . فهل نجد الآن من يُعيننا على عقد هذه المؤتمرات ؟ والوقت ملائم جدا ؟
3 / 2 : استرجاع حقوق مصر من عوائد البترول بأثر رجعى من عام 1973 وحتى الآن، اى بالمحاسبة على عوائد البترول التى تضخمت وتضاعفت بعد حرب اكتوبر 1973، فنتيجة الدماء المصرية تضخمت عوائد البترول لتصل آلاف البلايين من الدولارات ، واستخدت الأسرة السعودية حوالى مائة بليون منها فى نشر الوهابية فى مصر وخارجها ، ووضعت آلاف البلايين فى حسابات شخصية لها فى البنوك الأجنبية ما ظهر منها وما بطن ، أى استخدمت العوائد الضخمة التى جاءت بالدماء المصرية فى تركيع مصر. وآن الأوان للحساب .
لقد قام النبى عليه السلام بالاستعداد للهجوم على قافلة قريش وحدثت موقعة بدر ، لأن قريش ــ بعد أن أخرجت المسلمين من ديارهم وأموالهم ـ إستولت على بيوت المسلمين وأموالهم واسهمهم فى رحلة الشتاء والصيف وتجارتها بين اليمن والشام . وبالتالى كانت تلك القافلة تتاجر بأموال المسلمين ، وكان أخذها حقا وتعويضا للمؤمنين المهاجرين . نفس الحال مع عوائد البترول التى تركمت وتضاعفت بدماء المصريين . للمصريين حقُّ شرعى ــ في الزيادات التى طرأت وتراكمت ـ لا يقل عن النصف . لا نقول بشنّ حرب من أجلها ، ولكن بإستغلال حاجة تلك العائلات الحاكمة للحماية المصرية فى إسترجاع تلك الحقوق المصرية فى الزيادة فى عوائد البترول .
3 / 3 : تفاوضت أمريكا والغرب مع ايران بشأن برنامجها النووى ، واستفادت ايران وستستفيد أكثر بهذا ، بل إن هذا ــ مع الحرب السعودية على اليمن ـ هو البداية لسقوط الأسرة السعودية .
وقبل أن تسقط السعودية فعلى مصر أن تتفاوض مع ايران ـ كقوة اقليمية أمام قوة اقليمية أخرى ـ حول مناطق التخوم الواقعة بينهما فى العراق والشام والجزيرة العربية ، لصالح القوتين الاقليميتين وسكان تلك التخوم . وكفى ما سلبته تلك العائلات الحاكمة الظالمة من ثروات شعوب المنطقة ، ويكفى تشويههم للاسلام العظيم ، ويكفى ما سببوه من مذابح وضحايا بالملايين .
هذا هو الدور المصرى المأمول والذى يتفق مع مكانة مصر ومسئوليتها الاقليمية والاسلامية .
واخيرا :
1 ــ هى سياسة مترابطة . هذا الموقف الاقليمى الذى يُعيد الدور المصرى يستلزم تخلص مصر من ثقافة الوهابية وسيطرتها الحياة الدينية فى مصر ، وهذا بالتالى يستلزم إصلاحا تشريعيا وتعليميا وسياسيا سبقت الاشارة اليه .
2 ـ السيسى يتبنى الرهان الخاطىء الذى سيدمر مصر والمنطقة فى هذا الوقت العصيب ..وقد أوضحنا له ما يجب أن يفعله . هذا التوضيح موجّه أساسا للضمير المصرى ..لعلّ وعسى ..!!
3 ـ اللهم بلغت .. اللهم فاشهد .
خير الكلام :
(فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (44) ) غافر )
ودائما : صدق الله العظيم .!
الحلقة الرابعة : حكومة كعب الغزال بعد القضاء على ثورة الشيخ منيع
الإثنين 13 ابريل 2015
ملاحظة : حلقات حكومة كعب الغزال مقالات فى الأدب السياسى الساخر ، كانت تسخر من نظام حسنى مبارك . وسبق نشر الحلقة الأولى فى 14 ابريل 2008 ، بعنوان : ( الواد عطوة وشفاعة المصطفى.!!:رغم أنف أبىذر..!!). ونشرت الحلقة الثانية فى 22 ابريل 2008 ، بعنوان : ( الفتنة الكبرى : وقائع الفتنة الكبرى بين الشيخ محجوب وزوجته كعب الغزال ودور عشاق كعب الغزال : الواد عطوة والواد محمود أبوقاعود والواد سيد عجور فى أحداث الفتنة ، وكيف انتهت بالتحكيم وتحكم كعب الغزال. .)
ونشرت الحلقة الثالثة فى 03 مايو 2008 بعنوان : ( محاكمة الواد عب ودود . )
وننشر الآن الحلقة الرابعة من ( حكومة كعب الغزال ) لأن نظام حسنى مبارك عاد بنجاح ساحق . إحتفالا بحكومة العسكر ننشر الحلقة الرابعة من ( حكومة كعب الغزال):
حكومة كعب الغزال بعد القضاء على ثورة الشيخ منيع / الحلقة الرابعة
مقدمة : إستخدم الشيخ ( منيع ) دراويشه فى الثورة على حكومة كعب الغزال ، وانضم اليهم الشباب البائس . ولأن لحكومة كعب الغزال خبرة سياسية هائلة فى التحكم فى الدولة العميقة من أكثر من ستين عاما، فقد تراجعت تراجعا تكتيكيا فى مواجهة الثورة ، وأتاحت للشيخ منيع وجماعته أن يحكموا ، وكعب الغزال تعرف أنهم ( بقر )، لا يفقهون شيئا سوى الوعظ والترغيب والترهيب وآداب دخول الحمام والخروج منه وفنون الاستخارة وعذاب القبر والثعبان الأحول . وثبت فشل الشيخ منيع وعصابته فتقدمت كعب الغزال ورفسته مع أصحابه بقدميها الإثنتين ، فوقعوا فى جُبّ عميق ، لا يزالون فيه يصرخون ويلطمون، ويستغيثون ، بلا مغيث ولا يحزنون . وعادت كعب الغزال للحكم ، وخططت لسياستها خلال السنوات القادمة ، بأن تخلق لها معارضة جديدة مُستأنسة مُستنفعة ، أليفة حليفة ، حبُّوبة لهلوبة .
وكان أعمدة حكمها : الواد حمودة راغب ( القفا ) و الواد فتوح المعجبانى والواد محمود ابو قاعود. هذا بالاضافة الى الطاقم القديم ( الحرس القديم ) وظل الشيخ محجوب حامل مفاتيح الجنة والنار وصكوك الغفران . ونعرض هنا لبعض كبار المسئولين فى حكومة كعب الغزال الذين ستقوم بهم سياستها فى المرحلة المصيرية القادمة ، مع العلم بأن كل حكم كعب الغزال مراحل مصيرية ، وكل سياساتها هى حل المشاكل فى السنوات القادمة ، وكل السنوات القادمة ليست قادمة .
أولا : عريض القفا :الواد حمودة راغب ( القفا )
1ـ المشكلة الحقيقية فى الواد حمودة راغب تكمن فى قفاه، لذا أطلقوا عليه لقب ( القفا ). قفاه هو الذى يحمل بطاقته الشخصية الحقيقية ويلخص كل حياة الواد حمودة راغب...
قفا الواد لامع ودافئ وعريض يغرى اى انسان يراه بان يصفع ذلك القفا مثنى وثلاث ورباع ، يستوى فى ذلك اذا كان ذلك الانسان قديسا يشار اليه بالبنان على شاكلة عمر الخيام او كان رجلا مسالما من رواد حقوق الانسان مثل كوفى عنان...
كثير من الناس المحترمين المسالمين وقعوا ضحية لقفا الواد حمودة راغب ،كل منهم - حسبما اقر واعترف – رأى نفسه مدفوعا الى صفع ذلك القفا ،وهو لا يدرى، بعضهم بادر وسبق وقدم شكوى الى قسم الشرطة يتهم حمودة راغب بان قفاه ظل يضرب يد الشاكى حتى تورمت ،والغريب ان الشرطة صدقت التهمة والزمت حمودة راغب بالتعهد ان يبعد قفاه مسافة اربعة اميال عن يدى ذلك الشاكى المسكين ...
بكل ذلك القفا ذهب الواد حمودة راغب الى قرية كعب الغزال ليستقر فيه وليبدأ مع قفاه صفحة جديدة ...
2- مشكلة اخرى فى قفا الواد حمودة راغب نفسه هى انه راغب ...
انه يرغب فى السلطة ويعشق النفوذ ويحلم بالقوة .رغبته فى السلطة وعشقه للنفوذ وحلمه بالقوة سبب له اتساع قفاه، فكل محاولاته للوصول الى السلطة والتمتع بالنفوذ وممارسة القوة كانت تنتهى دائما بالصفع على قفاه ، فيتورم ويتسع وينتشر .
مثل كل انسان ولد الواد راغب بقفا انسان عادى لا يلفت الانظار ولكن انتهى به طموحه الى الفشل والى الصفع واللطع والسكع ... حتى اصبح قفاه اصفر فاقع اللون يسر الناظرين ، وبكل تجاربه فى الفشل وعراقته فى الخسارة فقد قرر ان يجرب حظه مع قرية كعب الغزال ...
الواد راغب جلس وفكر وقدر؛ كيف يستطيع الوصول الى قلب كعب الغزال ويسيطر عليه ليسيطر عليها ثم يسيطر من خلاله على القرية ...
خطرت له فكرة عبقرية هى اقامة مهرجان فنى فى البلد تحت اسم كعب الغزال.
3- فى ذلك الوقت كانت السيدة كعب الغزال قد امتدت بها الايام،ضاع منها الشباب وهرب منها الشباب فلم يعد احد منهم يحلم بالنداهة التى تأتيه ليلا وتختفى . وشعرت كعب الغزال ان شخصيتها المجهولة (النداهة ) لم تعد تناسب جسدها الذى ترهل وتجعد وبلغ منه الكبر عتيا ،لذا قامت كعب الغزال بتكوين فرقة سرية من النداهات يمارسن نفس الواجب الوطنى ، اى يقن بامتصاص رحيق الشباب وهن يلبسن النقاب ويكشفن اسرار الجميع فى اتقان بديع ، وبهذا ظلت كعب الغزال تعرف المستور والمنشور من دبيب النملة الى الفارق بين البغل والبغلة .
وبسبب امتداد الايام بها فقد مل الناس وجودها ووجود نفس الوجوه حولها ، وبدأ الشباب فى الهمس وعلا الهمس فاصبح نقاشا ، وعرفت كعب الغزال باول همسة قبل ان يغنيها فريد الاطرش ، وسارعت بتدعيم فرقة النداهات فزودتها بعناصر من الذكور المخنثين لارضاء كل الاذواق ماظهر منها وما بطن،وما علا منها وما سفل .وحدث تنافس بين الذكور والاناث فى تأدية الواجب الوطنى فتكاثرت المعلومات لدى كعب الغزال تؤكد وجود حركات معارضة مختلفة بدأت تتشكل وتتطور وتنمو وتنتشر خصوصا بين الشباب راسبى الاعدادية والفاشلين من الثانوية الى الكلية والجالسين على المصاطب على المصاطب والمقاهى بلا هوية ...
ثانيا : الواد فتوح المعجبانى
1 ــ كعب الغزال تعودت ان يتدعم قرارها بفتوى من الشيخ محجوب ( حامل مفاتيح الجنة والنار ومتعهد صكوك الغفران )، فاستصدرت منه فتوى بانشاء إدارة للتعذيب والترهيب بناءا على احاديث الترغيب والترهيب ، وعينت للقيام بشئون الهيئة الجديدة الواد فتوح المعجبانى الذى اشتهر فيما بعد بلقب الثعبان الاصلع ...
2 ـ فى طفولته تعرض الواد فتوح المعجبانى لعملية اغتصاب شنيعة ، قام بها اثنان ملثمان ، وكلما صرخ المسكين جاء اناس اخرون يسارعون بالتلثم ومشاركة الجناة يتعانون معهم على الاثم والعدوان .عاش بعدها يحمل داخله هذه المأساة ويكره كل الناس ، ولما بلغ مبلغ الرجال زارته كعب الغزال وهى منقبة حين كانت تقوم وحدها بدور النداهة . حاول المسكين ان يتجاوب معها فلم يستطع ، واكتشف ان عقدته المترسبة داخله قد حرمته من القدرة الجنسية فازداد كراهية للبشر جميعا ، وأحست كعب الغزال بحجم الكراهية الشديدة لديه فادخرته لوقت اللزوم .وهكذا اختارته فيما بعد نائبا لشيخ الغفر ورئيسا لادارة التعذيب والترهيب .وفى وظيفته الجديدة راى الواد فتوح المعجبانى نفسه وحقق طموحه ، فقد كان يصر على ان يقوم بالتعذيب بنفسه وهو يغطى وجهه باللثام ، وسمى نفسه الفارس المقنع ، فاطلقت عليه المعارضة الثعبان الاصلع ...
3 ــ وتكونت للواد فتوح شخصيتان ، الاولى الشخصية المعروفة للناس ، فتوح المعجبانى الذى يسير فى القرية مختالا معجبا بنفسه ليخفى حقده وكراهيته لبنى ادم ، ثم الثعبان الاصلع الشخصية السرية التى لا يعرفها سوى كعب الغزال؛كل القرية تكره الثعبان الاصلع ولا تعرف من هو ....
4 ــ تكاثر عدد ضحايا الثعبان الاصلع حتى شاع بين الناس انه لا تأخذه فى الباطل لومة لائم ، وانه مستعد لتعذيب امه وبنته وخالاته وعماته وحماته ليظل محتفظا بمنصبه . وانتشرت اساطير مرعبة عن الثعبان الاصلع ، منها ان الذى يرى وجهه لابد ان يموت فى الحال ، وان السعيد من ضحايا التعذيب هو الذى لا يكشف له الثعبان الاصلع عن وجهه ، ويظل يعذبه وهو يرتدى القناع. وساعد انصار كعب الغزال فى خلق روايات التخويف اكثر واكثر من شدة بأس الثعبان الاصلع فى التعذيب فأشاعوا ان من لم يمت من التعذيب على يد الثعبان الاصلع سيموت خوفا من تعذيب الثعبان الاصلع ...
5 ــ ومع ان مساعدى كعب الغزال هم من قاموا بالترويج لاسطورة الثعبان الاصلع وارهاب الناس باسمه الا انه سرعان ما وقعوا انفسهم ضحية لهذه الحملة الارهابية ، كل منهم يسأل: ماذا لو غضبت علىّ كعب الغزال والقت بى بين انياب الثعبان الاصلع؟
ثالثا : الواد محمود أبو قاعود
1 ــ الواد محمود ابو قاعود بالذات كان اكثرهم خوفا ، مع إن له تاريخا سابقا مع كعب الغزال ...
الواد محمود ابو قاعود ورث عن السيدة والدته ادمان السرقة ، حتى كان ينطبق عليه المثل القائل ( يسرق الكحل من العين )؛ وكانت – عليها سحائب الرحمة والرضوان – اذا ضبطوها فى حالة تلبس بالسرقة تسرع بالصراخ والعويل والتكبير والتهليل والهتاف والتطبيل ، فيسارعون بالفرار منها ، فتبتسم وتغمز بعينها وتمضى فى طريقها ...
2 ــ الواد محمود ابو قاعود ورث منها المهارة فى السرقة ، ولكن لأنه ورث من والده الغباء الشديد فقد كانت سرقاته مفضوحة ومكشوفة ، واصبحت نقطة ضعف تجعله اكثر تحت سيطرة كعب الغزال وتجعله اكثر خوفا من الثعبان الاصلع ...
ولكن العجيب ان ادمانه للسرقة كان اكبر من خوفه من الثعبان الاصلع وسيدة الثعبان الاصلع ...وبفضل بركات كعب الغزال أصبح الحرامى محمود أبو قاعود بليونيرا يُشار اليه بأصابع القدم .
3 ــ ومنذ أن تصدر الواد محمود ابو قاعود قائمة المفسدين والحرامية الكبار ، فى مملكة كعب الغزال توثقت الصلة بينه وبين الواد فتوح راغب المشهور بلقب:(القفا )، واتفقا على اقامة حفل او مهرجان كعب الغزال .
4 ــ تعاون الواد حمودة راغب القفا مع محمود أبو قاعود فى إقامة هذا الحفل . دفع الواد حمودة راغب القفا كل ما يملك من مال للواد محمود ابو قاعود ، فحصل على كل الموافقات والتسهيلات ، بل اكثر من هذا حصل على وعد بأن تحضر السيدة الاولى كعب الغزال المهرجان الفنى بنفسها. وتحدد للمهرجان يوم الحادى والثلاثين من شهر رجب المبارك ، وهو يوم عيد ميلاد السيدة كعب الغزال او تاريخ الوكسة كما يسميها شباب النهارده ....
5- تم اعداد مسرح كبير فى ميدان الاستقلال فى البلد والذى تسميه المعارضة ميدان الاستهبال والاستغفال ، وامام المسرح تم تجهيز الصف الاول للسيدة الاولى وكبار اتباعها ، وتخلف عن الحضور الشيخ محجوب بسبب اصابته بالاسهال ...
ماذا جرى فى هذا الحفل الاسطورى ؟
الاجابة فى الحلقة الخامسة .
حكومة كعب الغزال وكيف صنعت المعارضة الجهنمية / الحلقة الخامسة
الثلاثاء 14 ابريل 2015
1 ــ كانت كعب الغزالى محتاجة لشىء جديد يشغل الشعب من جديد ، حتى لا يثور ، وتتلخبط الأمور ، فالغلاء ينهش الجميع منذ إعتقال الشيخ منيع ، وإخوانه الجرابيع . والشعب لن يظل خانعا ‘ذا إستمر جائعا .
لم تعد تُجدى خُطبها الحنونة العاطفية ولا مشاريعها الوهمية البليونية ، ولا أخبار القبض على المتآمرين من جماعة الاخوان الملاعين. لهذا وافقت كعب الغزال على إقامة حفل يفوق الخيال .
2 ــ وتعددت المفاجآت فى الحفل الاسطورى ...
اولها ان الحفل كله سيدور حول اغنية (كعب الغزال) لمحمد رشدى ، وثانيها انه لا توجد فرقة موسيقية عسكرية ولا قومية ولا ذهبية ولا ماسية ، ولا حتى صوفية . الموجود فقط هو الواد حمودة راغب القفا الذى ستتسلط كل الاضواء على قفاه من كل الجهات ألصلية والفرعية ؛هو وحده الممثل والمغنى والعازف والراقص والمذيع والقارئ والمعلق ؛هو وحده البطل ، أما الجمهور فهو المسرح الذى سيلعب عليه وسيلعب به الواد حمودة راغب القفا..
2 ــ بعد تقديم الشكر والعرفان والولاء والاخلاص الى السيدة الاولى كعب الغزال قال الواد فتوح ــ وهو يقدم الحفل الذى حضرته كعب الغزال مع كل أعمدة حكمها ــ انه سيجرب لاول مرة العرض المسرحى المفرد الذى سيقوم شخص واحد فيه بكل الادوار ، وبذلك ستكون البلد رائدة لهذا الفن الجديد فى العالم كله تحت قيادة السيدة كعب الغزال . وحتى يجمع بين العالمية والمحلية فإن هذا العرض المسرحى المفرد سيدور ايضا حول موضوع وحيد محلى هو التحية للسيدة كعب الغزال بتجسيد اغنية محمد رشدى ( كعب الغزال يا متحنى بدم الغزال)....
3 ــ وظهر الواد حمودة القفا ، فلمعت الأضواء حول قفاه من الجهات الأربع الأصلية والفرعية . وصفقت له كعب الغزال ، فصفق له كبار الأتباع . وسكت التصفيق إنتظارا لما سيقوله الواد حمودة القفا.
تقدم الواد حمودة راغب القفا وإنحنى للست كعب الغزال ، وشكر الحاضرين بلسان طلق لبق بلق ، ثم قال إنه سيقدم أغنية محمد رشدى ( كعب الغزال ) بتوزيع جديد وطريقة جديدة . وقال انه لن يغنى الاغنية ولكن سيعيش الاغنية مع الجمهور وليس مطلوبا من الجمهور سوى الانصات ...
4 ــ بعد حركات بهلوانية راقصة ، تصحبها موسيقى من جهاز تسجيل انحنى الواد حمودة راغب للجمهور وقال: تبدأ الاغنية بترديد مقطع:
كعب الغزال يا متحنى بدم الغزال ... كعب الغزال يا متحنى بدم الغزال ...
غناها الواد راغب بصوته .
ثم توقف فجأة وقال: الشاعر هنا يتحدث بالعامية المصرية، والمعنى بالفصحى يا سيدتى كعب الغزال يا من تزينين كعب قدمك بدم الغزال .اى هو يخاطب امرأة حسناء جميلة وقد انبهر باحمرار كعب قدميها فعبر عن ذلك باستعارة بأنها قامت بصبغ كعبها بدم الغزال . وفجأة التفت غاضبا الى الجمهور ، وصرخ:
- ممكن واحد من المعارضة المثقفين منكم يطلع ويقولى ان الشاعر يقصد الهجوم على السيدة كعب الغزال ويتهمها بالدموية وسفك الدماء والوحشية علشان بتحنى كعبها بدم الغزال؟ ... ساعتها ... هاقوله اقعد يا لوح ...
ثم استطرد قائلا:
- دم الغزال هنا مقصود به (المسك) ، وعطور المسك التى تتكون فى بطن الغزال ، وبعدين الغزال يحك بطنه فى الشجرة فيقع منها المسك ، وهو ده قصد الشاعر بالظبط...فاهمين يا بقر ..!!
5 ــ وعاد الواد حمودة راغب يغنى المقطع التالى:
انا شايف الارض بتتمرجح تحت الخلخال ... ما تبطل تمشى بحنية لايقوم زلزال ... لايقوم زلزال ...
وقفز قفزة سريعة ، ثم توقف وتكلم فى جدية:
- فى شرح هذا البيت باللغة العربية الفصحى ، الشاعر يقول انه رأى الارض تتراقص عندما مرت عليه كعب الغزال تتثنى وتتمايل وهى تلبس الخلخال ، ولأنها كانت تمشى بحنان ودلال فإن الشاعر خشى ان يحدث زلزال ... ليس فى الارض ، ولكن فى اجساد الشباب الذين يتابعون مشية كعب الغزال ، فى شبق واشتهاء وسوء حال ، ولذلك ... وخشية من وقوع ذلك الزلزال ، فإن الشاعر يتوجه برجاء الى كعب الغزال ان تتوقف عن السير بهذه الطريقة المغرية حتى يستتب الامن فى البلاد وبين العباد ...
عاود الواد حمودة القفز ثم وقف صامتا ، ثم التفت الى الجمهور فى غضب قائلا:
- ممكن الواد بتاع المعارضة اياه يتنطط ويقولى ان الزلزال هنا اسقاط ليس عن الرغبة الجنسية ولكن عن الثورة الشعبية الكامنة تحت الرماد ، لأن كعب الغزال تركت الشعب جائعا وانفقت كل اموال الدولة على مشروعات وهمية ، وتركت أعوانها يخربون البلاد ، وينهبون العباد ، وهى تتقاسم معهم المسروقات ، بالجنيه والدولارات ، وتتمتع وحدها بكل النعيم بينما يعيش الشعب الحزين فى عذاب مقيم ، يئن من الجوع ، وإذا صرخ فممنوع . !
سكت الواد حمودة راغب ثم صرخ وتكلم بلهجة خطابية:
- اذا قال كده اقوله اخرس يا معارض يا منحط يا حرامى البط ... الست كعب الغزال لا تنام الليل حزنا على سوء الحال ... الست كعب الغزال لا تنام الليل لانها تفكر فى تحسين الاحوال ..لكل النساء والرجال والأطفال ... فالست كعب الغزال صممت على حل مشكلة الخبز بزراعة القمح فى رومانيا واثيوبيا والبرتغال ... الست كعب الغزال هى اول من افتتح الصحراء وقهر ما فيها من اهوال ...الست كعب الغزال هى صاحبة المشروعات التى تٌبهر المصريين والمصريات والمسلمين والمسلمات والقبطيين والقبطيات الأحياء منهم والأموات .
ثم صرخ باعلى صوته:
- وبعدين انت نسيت توشكى واللى صرفناه فيها من اموال؟ هتقولى ده مشروع فاشل هتقولى ده كلام عُزّال ... وبدال ما تبقى معارض عمّال على بطّال ، خليك ايجابى وقولنا حل السؤال!. وإوعى يا ابن الهبلة تمسك لى طبلة ، وتقولى على مشروعات التعمير والتفحير والدعوة للتنوير إن هيه كلام فشار ما لوش أى إعتبار . كده تبقى حمار
صمت الواد حمودة ثم انطلق ضاحكا :
- مثلا عندى حل لمشروع توشكى ... نبعت الشيخ محجوب وفرقة ميليشيات من اخواته الشيوخ الى توشكا - يبنوا هناك حيطة ويقعدوا يقولوا: تبرع يا اخى لبناء مسجد نفق توشكي ، وساعتها هتلاقى توشكي بقت خضره ببركة مشايخنا ...
ونفس الحال مع كل المشروعات القديمة المنسية ، من إسوان للمنشية ..عايزة بركة الشيخ محجوب . الشيخ محجوب والهلافيت الشغالين معاه ثروة قومية بس إحنا سايبينهم عواطلية .
6 ــ وبعد عدة رقصات وقف ليغنى المقطع التالى:
انا كنت مسافر فى الصحراء ومشوارى طويل
ايه اللى غصبنى اروح عندك وابيع مواويل
اتاريك مكار.. رحت شاغلهم قوية ومناديل
ونسيت مواويلى ..بقيت انت لوحدك موال ...
ما تبطل تمشى بحنية لا يقوم زلزال ...
وتوقف كعادته ثم انطلق يشرح باللغة الفصحى قائلا:
- الشاعر هنا – لا فُضّ فوه ، أو فُضّ فوه ، ما تفرقش ، يقدر يركّب طقم اسنان – يقول انه كان سائرا فى الصحراء فى رحلة طويلة ثم يتساءل فى حزن عن السبب الذى اجبره على ان يترك رحلته الصحراوية فى طريقه الى توشكى ، ثم منها الى صحراء قناة السويس . ولكن لسبب ما تذكر كعب الغزال . ويأتى المسكين الى كعب الغزال ليغنى لها اشعار الغرام والغزل والهيام... وهنا الشاعر فى الحقيقة لا يتسائل باحثا عن الاجابة ، والا كان حمارا لا يختلف عنكم اهل البلدة الاعزاء ... التساؤل هنا خرج من اصله اللغوى وهو الاستفهام واصبح له هدفه البلاغى وهو التعجب ... اى يتعجب عن السبب الذى اجبره على قطع رحلته الصحراوية الغراء والذهاب الى كعب الغزال ، او قد يكون التحسر او الالم حسب نفسية الشاعر واحساساته ... لذا تراه بعدها يعرب عن خيبة امله حين اكتشف ان المحبوبة ليست ساذجة او عبيطة ، بل ألعبان وبنت ستين فى سبعين ، لذا فقد تلاعبت بالشاعر المسكين واستغلت عواطفه وإشتغلته بيديها كما تلاعب اصابعها وهى تنسج خيوط الطواقى والمناديل ... كل ذلك والشاعر المسكين قد نسى اغانيه وقصائده ودواوين شعره وتوجه بكل قلبه وما بقى من عقله نحو المحبوبة يغنى لها المواويل وهى لا تتوقف عن المشى بدلال وحنية ولا تخاف من ثورة الزلزال ...
وبعد الشرح سكت.. ثم التفت الى الجمهور غاضبا وسأل:
- فهمتوا يا غجر؟ الواضح هنا ان الشاعر خد بمبة ، بسلامته راح الى كعب الغزال عامل فيها عبد الحليم حافظ ، وقعد يسبّل عينيه ويغنى اسير الحبايب يا قلبى يا دايب ... وفكر ان اللى قدامه مريم فخر الدين او ميرفت امين ، طلعت له واحدة تشبه اسماعيل يس ... خد مقلب .. المسكين ...الشاعر المسكين خد مقلب على رأى المثل اللى بيقول (راحت تاخد بطار ابوهه ، رجعت حبلى ) ... يعنى بسلامتها راحت تقتل اللى قتل ابوها فرجعت حامل فى الشهر التاسع ...ده حال الشاعر المسكين ، خيبه بعيد عن السامعين ولا خيبة الاخوان المسلمين ..
ممكن هنا يطلع واد تانى يقول: هنا اسقاط سياسى يتهم كعب الغزال بالمكر والاحتيال والتلاعب بعقول الرجال ... وان ده لا يليق بمن تحكم الشعب العريق ... ساعتها هاقوله اقعد واتنيل على عين اهلك ... شعب عريق مين يا حزين ... يصبر على الضرب ويقول امين ... يصبر صبر ايوب وطول عمره مركوب ... من اول مينا والفراعنة والهكسوس .. لغاية الصعيدى والمنوفى والمتعوس ... حكام نصابين من كل صنف وكل ملة...وشعب مافيش زيه فى الخنوع والذلة ...
7 ـ وعلى هذا المنوال استمر الواد حمودة راغب يرقص ويغنى ويصرخ ويشرح ويمدح ويهجو ، ويخلط الهبل على الشيطنة والعبط مع المسكنة . وكانت ليلة ليلاء . والشئ الذى ازعج كعب الغزال ، ان الجمهور ظل يصفق له باستمتاع ، بلا انقطاع ..
خامسا : بعد الحفل الاسطورى
1 ـ جلس حمودة راغب القفا صامتا امام كعب الغزال ... كانت تتامله فى صمت وليس فى الحجرة غيرهما ... اخيرا تكلمت كعب الغزال ... قالت:
- انت ايه ؟ انت مين ؟ انت ليه ؟ انت فين ؟ انت ازاى؟ انت كام ؟...انت معايا ولا ضدى ؟ اللى زيك أٌلعبان يتلون بكل الالوان ... واكيد جاى عندى فاكرنى صيدة زى صاحبك الشاعر اللى كان فى الصحرا ومشواره طويل ...
رد عليها قائلا:
- العفو يا ست الكل ، مش معقول ابيع المية فى حارة السقايين ...
قالت:
- طيب وجاى ليه عندى هنا فى حارة السقايين يا ابن الملاعين ؟
قال:
- جاى خدام ...
قالت:
- مستحيل تشتغل عندى ... ماقدرش اثق فيك حتى لو حلفت لى بشرف امك ...
قال : لو حلفت بشرف أمى أكون كداب
ضحكت ثم قالت:
- قلت تشتغل خدام .. طيب ازاى؟ اذا ماكانش لك مكان عندى ؟
قال:
- عمرى ما فكرت ابدا اخدمك هنا زى الواد عطوة والواد عجور والواد ابو قاعود ...
قالت ضاحكة:
- والواد الشيخ محجوب...
ابتسما ... وقالت:
- فهمتك ... وانا موافقة ... تشتغل لحسابى فى المعارضة ...
قال:
- بالظبط ...
قالت:
- موافقة ... بس نتفق ...
قال:
- تحت امرك يا ست الكل ...
قالت:
- اذا لعبت بديلك عندك الثعبان الاصلع ... واقف لك بالمرصاد ...نفسه ومُنى عينه يستلم قفاك ، ويلعب فيه على راحته .
قال:
- عارف ... وخايف ...
قالت:
- تروح تعلن توبتك ... وتربى دقنك..وتجمّع كل المعارضة حواليك وتلم كل فى قلبه مرض ومغلول من ناحيتى ... وبكده تكشف لى عن الكل ...
قال:
- وبعدين...؟
قالت:
- كل شوية اقبض على شوية واعذب شوية ... وافرش السجن حرير لشوية تائبين ... بس انت فى الحفظ والصون انت واللى تثق فيهم وترضى عنهم ...
قال:
- وحدود حركتى؟
قالت:
- بالاتفاق... لازم شوية عيال من بتوعك يشتغلوا ارهابيين هنا ، وفى البلاد التانية ... وممكن اقدم لك شوية عيال من عندى يشتغلوا معاك . ونقبض على اللى تحب نقبض عليه بعد كل عملية ...
قال:
- وبكده كل البلد تقول ان كعب الغزال ارحم من الارهابيين ومن الشيخ منيع وجماعته الكحيانين ...
قالت:
- وكل البلاد اللى برة تأيدنى علشان باقف ضد الارهاب ...
قال:
- يعنى بكده وجودى مرتبط بوجودك ... موافق ... بس فين مكسبى؟
قالت:
- هتعيش تحت حمايتى...ومن هنا ورايح مافيش اى كف هيقرب من قفاك . قفاك خط أحمر . يكون فى الحفظ والصون ..بشرفى
قال : بلاش تحلفى بشرفك . أنا فى عرضك .!
قالت : وحياة قفاك والذُّل اللى شافه أنا معاك صريحة .. ومريحة
لمس الواد حمودة راغب قفاه وتنهد قائلا:
- معقول؟!
قالت:
- ليه لأ... ده ممكن اذا لعبتها كويس لمصلحتى ... اما اذا لعبت ضدى وصدقت نفسك هتلاقى الثعبان الاصلع بيلف حوالين قفاك ...
هتف الواد حمودة قائلا:
- يا حفيظ يا رب
وبهذا تمت ولادة المعارضة الجديدة ، وهى التى ستجعل البلاد على الحديدة ..!!
وبعد أن تخلصت كعب الغزال من معارضة الشيخ المحتال ، المسمى منيع وأصحابه الجرابيع ، أنشأت معارضة قوية فى هذا العصر ، مكتوب عليها : صُنع فى مصر .!!
الخاتمة :
أيها السيسى ..وداعا ..!!
الاربعاء 29 ابريل 2015
أولا :عن السيسى والاستبداد الشرقى
1 ــ صاحب السلطة مؤقت فى سلطته ، يأتى اليها ثم لا بد أن يرحل عنها ، لا فارق إن كان سلطانا أو رئيسا ، لا فارق بين أن يموت مستبدا متبجحا أو مستبدا يبتسم و يخفى أنيابه ، أو رئيسا منتخبا فى نظام ديمقراطى . فى كل الأحوال هو صاحب سلطة يعلو بها على الناس ، ويمارس سلطته ثم يتركها ويصبح أسير كلمة ( كان ) : ( كان عظيما ، كان حقيرا ، كان حكيما ، كان حمارا ، كان عارا ..).
2 ــ فى النظم الديمقراطية تدخل السجن لو قمت بالإساءة العلنية لشخص مغمور ، ولكن لك أن تسُبّ من يعمل فى العمل العام ( خادما للجمهور ) أو ( Public service) ، من رئيس الجمهورية الى رئيس الولاية ، من القاضى الى المدعى العام الى رئيس الشرطة . فطالما صعد الى السلطة وعلا فوق الناس فمن حق الناس بل من واجبهم إنتقاده . لو أراد تحصين نفسه من النقد والسّب والشتم فليكن مغمورا بعيدا عن التأثير فى حياة الناس . تأثيره فى حياة الناس يجعل من حق الناس إلتهام عرضه بالحق أو بالباطل . العكس تماما فى بلاد المحمديين . تدخل السجن لو تعرضت بالنقد للمستبد وأجهزته الحاكمة من أصغر فرد الى أحقر شخص . بينما من حقك أن ( تمرمط ) باى إنسان غلبان الأرض . فى مصر كانوا يتفننون فى تكفيرى وتخوينى وإتهامى بتلقى أموال من الخارج وأنا أعيش على حافة الجوع وليس لى حساب فى أى بنك . وقيل لى مرارا أن أرفع دعوى ضد الصحف والشيوخ ، وكنت أقول : اخشى أن اذهب شاكيا فيضعوننى فى السجن بتهمة التطاول على ( الأسياد ) . هذا هو ما يعتقدونه فى أنفسهم : ( الأسياد ) أو ( الالهة ) الذين يحرُمُ إنتقادهم . إسلاميا كل البشر خطّاءون حتى الأنبياء . ولكنهم لا يعتبرون أنفسهم بشرا مثل الأنبياء ومثل الرؤساء فى النظم الديمقراطية . لذا تخفت أصوات النقد طيلة مدة سُلطتهم ويتراقص فى مواكبهم الرقيق الأبيض من الشيوخ والكهنة وحملة الأقلام وحملة البخور . وبموت المستبد وإنتهاء نفوذه وإختفاء طغيانه يلعنه من كان يقدسه ، وينقلونه فجأة من سدرة التقديس الى حضيض التنجيس ، من التأليه الى التحقير ، لا توسط .
ثانيا :
1 ـ بعد اقل من عام قفز السيسى ــ سريعا ــ الى قائمة المستبدين . فى بداية عهده بدأ ناعما يُنافس عبد الحليم حافظ فى أغانيه الرومانسية ، كان يخفى مخالبه وأنيابه ثم ــ سريعا جدا ــ أظهرها ، فأعاد ــ سريعا ـ دولة العسكر ودولة البوليس معا بصورة تفوق عهد عبد الناصر ( العسكرى ) وعهد مبارك البوليسى .
2 ــ كان مبارك يحكم ( ممثلا ) للعسكر ، ويستخدم الأمن ، وينهب البلايين لنفسه وأسرته وعصابته . جاء السيسى بدولة العسكر الى الصدارة وبكل بجاحة وصراحة ، وجعل نفسه فى القلب فى مؤسسة العسكر ، وبه أصبح العسكر هم التاجر الأول والصانع الأول والمقاول الأول والمسيطر الأول على الأرض المصرية والشعب المصرى . بالسيسى أصبح العسكر المصرى يحتل ( مصر ) . من حق العسكر مصادرة أى أرض ، ولو إقترب شخص صادر العسكر أرضه من أرضه التى صادرها العسكر وجد نفسه فى السجن بالقضاء العسكرى . لا يستطيع الشعب الجائع مساءلة قادة العسكر عن إمبراطوريتهم الواسعة التى يحتكرونها لصالحهم ، والتى بها يحتكرون مصر ويحتلون مصر .لا يستطيع أحد أن يتساءل عن أرباحهم أو عن الصفقات التى يعقدونها أو العمولات التى يحصلون عليها ، والمساعدات التى تأتى اليهم ، وما هى الحدود بين ميزانيتهم وميزانية الدولة . أسئلة خطيرة محظورة ، لكن لا يجرؤ أحد على إثارتها لأنه سيجد أمامه النائب العام والسجن .
3 ــ إن مصر ــ بعد التجريف والنهب الذى إستمر ثلاثين عاما ــ تحتاج الى إصلاح فورى ومستمر عقدين من الزمان على الأقل ، فجاءها مستبد يجمع أطياف الإستبداد العسكرى والأمنى من عبد الناصر الى السادات ومبارك . ولقد بدأ السيسى بتصريحات عن الاصلاح الدينى والتعليمى أثارت إعجابنا فكتبنا نشجعه ، ثم تبين لنا سريعا أنه يتلاعب بالألفاظ ، وأنه وصل بالاستبداد والقمع وإنتهاك حقوق الانسان خلال عدة أشهر بما يتفوق به على مبارك . مبارك من أسوأ من حكم مصر، والسيسى مرشّح لأن يتفوّق على مبارك نفسه . على الأقل فإن فساد مبارك لم يظهر جليا إلا بعد سنتين من عهده من الحكم .
ثانيا : وما هو الحل :
1 ــ الثورة المصرية التى أطاحت بمبارك جعلت دولة العسكر تتراجع خطوة وتعطى الفرصة للإخوان ليكونوا بديلا لها لتفضحهم ، ثم تعود بعدهم لتقبض بيد من حديد على السلطة وتعاقب الثوار . وهذه هى مهمة السيسى التى نجح فيها حتى الان . وسياسة السيسى هى محاصرة المعارضة وقمعها ، وشغل الناس بمشروعات طويلة الأمد ( قناة السويس والعاصمة الجديدة ..الخ )، وبعض مشروعات قصيرة فى بعض المرافق والطرق مع الإبقاء على هامش ضيق من الانتقاد ، وهو إنتقاد مُهدد بالنائب العام ووحشية البوليس . ولكنها كلها مُسكّنات لن تصمد مع إقتصاد يعيش على المعونات ، وغلاء أسعار ينهش عشرات الملايين مقابل حفنة من المترفين المُتخمين المتنعمين . وبالتالى فإن ما تنبأنا به منذ عام 2012 من ثورة قادمة تبدأ إرهاصاتها فى الأُفُق من الآن .
2 ــ وما يحدث وسيحدث فى مصر فى تحولها الديمقراطى حدث من قبل فى أوربا بصورة أطول واشنع . التحول الديمقراطى من الاستبداد الى الديمقراطية إستهلك فى فرنسا عقودا طويلة ، من الثورة الفرنسية ( 14 يولية 1789 : 1799 ) وإعدام لويس السادس عشر( 1793 ) ، ومجىء إستبداد اليعاقبة وارهابهم ( وهم أشبه بالاخوان المسلمين فى حُمقهم ودمويتهم واستبدادهم ) ثم وصل نابليون الى منصب القنصل الأول عام 1800 ، ثم صار إمبراطورا مستبدا عام 1804 ، وسقط ( 1815 : 1818 ) فعادت أسرة البوربون ( 1815 : 1830 ) الذين ( لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا ) على حد قول وزير الخارجية الفرنسى الشهير وقتها ( تاليران )( 1754 : 1838 ) ودخلت فرنسا فى مخاض طويل الى أن وصلت الى الديمقراطية الشكلية فى الجمهورية الثانية فى حكم نابليون الثالث الذى كان رئيسا من عام :1848 الي 1852 ثم إمبراطورا( 1852 : 1870 )...وأخيرا شارل ديجول مؤسس الجمهورية الخامسة ( 1959 : 1969 ) . نضال إستمر من 1789 الى 1959 حتى نعمت فرنسا بديمقراطيتها الرئاسية .
3 ــ مصر تحتاج الى إصلاح تعليمى يؤسس وعيا ديمقراطيا يبدد ثقافة العبيد السلفية الوهابية . وهذا الاصلاح سيتم رغم انف المستبد بثورة الانترنت وتسارع ثورة الاتصالات الخرافية .
4 ــ حين كنت فى مصر كنت أقول بأن الاصلاح فى مصر يأتى من قمة السلطة ، لأننى كُنت أعانى من إضطهاد قمة السلطة . كنت أعرف فسادها وإستحالة أن يتحول المفسد الى مُصلح ، ولكننى كنت إريد إحراج السلطة الفاسدة وفضح وقوفها ضد الاصلاح . الإصلاح الحقيقى هو إصلاح الأغلبية الصامتة الخانعة الساكتة الساكنة لتقف تطالب بحقوقها وتستعد للتضحية من أجل حياة كرة كريمة ، ولا تسمح للأفّاقين بركوب موجة ثورتها وإعادة إنتاج الاستبداد . هذا الاصلاح يقوم بالدعوة له المفكرون الحقوقيون والمثقفون على إختلاف مللهم ونحلهم وأديانهم ومذاهبهم وتوجهاتهم السياسية ، بالاتفاق على النضال من أجل تحقيق العدل بكل أنواعه : العدل السياسى بالديمقراطية ، العدل الدينى بحرية الدين والفكر والرأى ، العدل الاجتماعى بالتكافل الاجتماعى وحقوق الفقراء . إصلاح الأغلبية المصرية والعربية يجعلها تكشف سريعا كل الأفاقين العسكريين والذين يخلطون السياسة بالدين ، وتُنهى نفوذ رجال الدين . هذا هو دور المفكرين والمثقفين والحقوقيين فى التوعية والتنوير . هم أبطال هذه المرحلة لتقصير فترة التحول الديمقراطى وتقليل المعاناة وعدد الضحايا .
5 ــ إن النكوص عن هذا يعتبر خيانة للدور المأمول منهم ، بهذا النكوص يتحولون الى رقيق أبيض يرقص فى موكب السلطان ، ولن يرحمهم التاريخ . ولن يرحمهم ايضا رب العزة القائل فى كتابه الكريم : ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ) 112 ) هود ) . الذى يثق فى ظالم ويركن اليه يكون ظهيرا له مساعدا له فى ظلمه ، ولا يستحق سوى الاحتقار من الناس وعذاب رب الناس .
أخيرا
1 ــ لقد عشت عصر عبد الناصر . كنتّ أقدسه ثم صحوت على سقوطه عام 1967 ، وشهدت السادات وهو يدمر مصر بتبعيتها لأمريكا والسعودية ، ثم عانيت من مبارك . والآن يأتى السيسى وأنا على وشك الرحيل من الحياة بعد عقود كنت فيها مؤرخا شاهدا على العصر . ليس فى العُمر متسع لآنتظار أمل كاذب من السيسى . لذا أرجو ألّا أضطر للكتابة مجددا عن خيبة الأمل فى السيسى .. فلم يعد يستحقُّ إهتمامى ، إلا إذا تحول الى إصلاح حقيقى ، وهذا يبدو مستحيلا . مستحيل أن يغيّر الانسان جلده وهو فى الستين ، مستحيل على من أرتكب جريمة ( كشف العذرية ) وبررها علنا أن يصبح مصلحا مهما تلاعب بالالفاظ . السيسى خدم مبارك ورضى عنه مبارك وترقى فى دولة مبارك مشاركا فى فساد مبارك ، لذا قام بالعفو عن مبارك وسجن زعماء الثورة على مبارك . السيسى مثل مبارك ولكن السيسى أكثر دهاءا وأقصر قامة من مبارك .!! مستحيل على من يقتل الآلاف ويعذب الآلاف ويسجن الآلاف أن يصبح مُصلحا . السيسى ومبارك والسادات من محافظة المنوفية .. متى تُعلن المنوفية توبتها ؟!
2 ــ السيسى يذكرنى بهذه القصيدة الرائعة الرمزية لأمير الشعراء أحمد شوقى :
برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا
يمشى في الأرض يهدى ويسب الماكرينا
و يقول الحمد لله إله العالمينا
يا عباد الله توبوا فهو كهف التائبينا
وازهدوا فإن العيش عيش الزاهدينا
و اطلبوا الديك يؤذن لصلاة الصبح فينا
فأتى الديك رسول من إمام الناسكينا
عرض الأمر عليه و هو يرجو أن يلينا
فأجاب الديك عذرا يا أضل المهتدينا
بلغ الثعلب عني عن جدودي الصالحينا
عن ذوى التيجان ممن دخلوا البطن اللعينا
أنهم قالوا و خير القول قول العارفينا
مخطئ من ظن يوما أن للثعلب دينا.
3 ــ ويا أيها السيسى : وداعا ..الى أن نلتقى خصوما أمام الواحد القهار ..!
ملاحظة :
هذه هى المقالة الأخيرة فى السيسى ، والتى ستتحول مع ماسبقها من مقالات عنه الى كتاب منشور فى موقعنا ( اهل القرآن ) عن ( شاهد على بضعة أشهر من حُكم السيسى ).
أغلب الظن أن السيسى لا علم له بهذه المقالات ، ولكن الأجيال القادمة ستعرفه من خلال هذه الشهادة التاريخية عنه ، ويقولون عنه : ( كان ..) .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,686,520 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
الناس درجات: أنا محتار مع الناس بما فيهم اقارب ى . لا أمدح...
أبى رحمه الله تعالى: قرأت لدكتو رنا احمد منصور اكرمك الله انك...
المتقون ..والخمر: انتم تقولو ن ان الخمر کان حراما من...
ابن الأخ لا يرث ..: فى الفقه السنى يوجد مستحق ون فى المير اث ...
نحن والبروتستانت: ما تعليق ك على التشا بة بينكم و بين...
more