آحمد صبحي منصور Ýí 2015-01-30
كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف .
الباب الثانى : تقديس الولي الصوفي في مصر المملوكية
الفصل الرابع :أنواع الأولياء الصوفية ومهامهم وكراماتهم
أنواع الأولياء الصوفية : المجاذيب وأرباب الأحوال وأصحاب النوبة والوقت
* المجاذيب :
1 ــ اعتبرهم ابن خلدون نوعا من الأولياء مع سقوط التكاليف [1] عنهم . إلا أنه عاد فاعتبرهم دون مرتبة الإنسان فلا يلحقون بالأولياء [2] . وفضل ابن عطاء المجذوب على السالك لأن الأول طويت له الطريق ولم تطو عنه [3] ، أي أن المجذوب أختاره الله واختصر عليه الطريق ، أما السالك فقد تركه الله يقطع الطريق ويسلكها بنفسه . وعلل الشعراني سبب ذهاب عقلهم بالتجلي الإلهي الذي أتاهم على غفلة فذهب بعقولهم ، وجعلهم الشعراني على ثلاثة أقسام تبعا للوارد الإلهي والعقل [4] . وتكون حالة المجذوب بحسب الحالة التي جٌذب في أثنائها فإن جذب في حال قبض ( أي اكتئاب ) فعمره كله قبض ، وإن جذب في حال بسط فعمره كله بسط وضحك [5] ، وساد الاعتقاد بأنهم يعيشون في عالم آخر يقول ابن عنان " إن من شأن المجاذيب أنك ترى أحدهم ماشياً وهو راكب ، وتراه يأكل في رمضان وهو صائم لم يفطر ، وتراه عارياً وهو مرتد لثيابه [6] " وهذا تصريح للمجذوب بأن يفعل ما يريد . وافتخر الشعراني بأدبه مع المجاذيب وأرباب الأحوال مذ كان صغيراً ، وقال المتبولي سلّموا على أرباب الأحوال بالقلب دون اللفظ فإنهم في حضرة لا يقدرون على خطاب أحد باللفظ [7] . وأوصى الشعراني بعدم مخالطة المجاذيب لأنهم يعلمون السرائر والخواطر المذمومة [8] ، أي يعلمون الغيب الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ولما قتل العثمانيون بعض المجاذيب قال الخواص : " طاب الرحيل من هذه الديار [9] ".
2 ــ يقول الدشطوطي يصف الجذبة " .. فحصل لي جاذب إلاهي وصرت أغيب اليومين والثلاثة ثم أفيق أجد الناس حولي وهم متعجبون من أمري ، ثم صرت أغيب العشرة أيام والشهر ولا آكل ولا أشرب .. فخرجت سائحاً إلى وقتي هذا " [10] . ولسهولة هذا الادعاء كثر مدعو الجذب والولاية ، وكان المجذوب يوصف عادة بأنه معتقد أي يعتقد الناس في ولايته وأحياناً بأنه مقصد للزيارة أي يقصده الناس بالتبرك [11] ، وكانوا يفسرون هذيانهم على سبيل الكشف وعلم الغيب [12] ، وكان المؤرخون يعللون اعتقاد الناس في صوفي ما بأنه مجذوب ويقولون " لعوام الناس فيه اعتقاد لاندراجه عندهم في المجاذيب [13] " و" .. حصل له نوع من الجذب فصار للناس فيه اعتقاد [14] " و " .. يذكر بين العوام بالجذب ويعتقد لذلك " [15].
3- وتمتع المجاذيب بتقديس المماليك لهم [16] ، وكان السلطان برقوق يعتقد في الزهوري المجذوب حتى لقد كان الأخير يبصق في وجهه [17] ، ولما افتتح برقوق مدرسته دخل عليه مجذوب وأعطاه ( طوبة ) وأمره أن يضعها في المدرسة ، فوضعها السلطان في قنديل وعلقه في المحراب ، يقول ابن إياس " فهي باقية في القنديل إلى الآن " [18] .. ولا نجد أبلغ من وصف أبي المحاسن لاعتقاد الناس في يحيي الصنافيري يقول عنه " هو ممن سلم من الإنكار عليه وأجمع الناس على اعتقاده ، وهو لا يفيق من سكرته ، وكان الناس يترددون إليه فوجاً فوجاً من بين عالم وقاض وأمير ورئيس ، ولا يلتفت إليهم ، ولما زاد تردد الناس عليه صار يرجمهم بالحجارة ، فلم يردهم ذلك عنه رغبة في التماس بركته ، ففر منهم وساح في الجبال مدة طويلة " [19] ..
* أرباب الأحوال:
1- شاع هذا المصطلح في العصر المملوكي خصوصاً في أواخره ، ويقول الشعراني إنهم ( أعطوا في الدنيا التقديم والتأخير والولاية والعزل والقهر بما لهم من دلال على الله ) ويقول الدشطوطي " أرباب الأحوال مع الله كحالهم قبل خلق الخلق وإنزال الشرائع " [20] . واحتج ابن الحاج على مدّعي ذلك من الصوفية المنحرفين : " ثم أنهم يولون ويعزلون في تلك الأحوال ويخبرون بمنازل أصحابهم .. ولا شك أنها أحوال نفسانية أو شيطانية لأن الفتح من الله لا يكون مع ارتكاب المكروهات أو المحرمات " [21] ، أما المرسي فيعلل تميزهم هذا بضعفهم عن كتم أحوالهم وضيقهم عن وسعها [22]، وبالغ بعضهم في ادعاءاته ، يقول المتبولي : " ..وعزة ربي لتتوزع أحوالي بعدي على سبعين رجلا ًولا يحملون " [23] أي لن يستطيعوا تحمل الحملات مثله.
2- وقد يكون الحال بمعنى الانفعال الصوفي الحاد ، فالشيخ أبو الحمايل " كان يغلب عليه الحال فيتكلم بالألسن العبرانية والسريانية والعجمية ، وتارة يزغرت في الأفراح والأعراس مثلما تزغرت النساء ، وإذا اشتد عليه الحال في مجلس الذكر ينهض قائماً ويأخذ الرجلين ويضرب بهما الحائط [24] " ، وتمثل هذه الحالة إحدى درجات الجذب ، وقد جمع بعض الأولياء بين المرتبتين مثل عبيد البلقيني الذي " كان من أرباب الأحوال والكشف ، حصل له جذب في أول عمره .. "[25] .
3- وكان من السهل تعليل ما يصيب الأولياء من أمراض بأنها " حال " وقد عدّ الشعراني من المنن معرفته بطب أرباب الأحوال[26].
واستغل أرباب الأحوال شهرتهم في التسول واعتبروه حقاً لهم لأنهم يدفعون البلاء [27] .
أصحاب النوبة :
1- في أواخر العصر المملوكي برزت تقسيمات عدة للأولياء ، بالإضافة لما سبق مثل الكٌمل والعارفين وأصحاب الحضرة وأصحاب الوقت ، إلا أن أصحاب النوبة هم الأشهر وهم الذين يحفظون إدراكهم ( أي الأماكن التي يحرسونها ) في سائر الأرض وعليهم قضاء الحوائج [28] . وحديث الشعراني عنهم متناقض فهو يجعل نفسه أحياناً مساعداً لهم فيطوف بقلبه على جميع أقطار الأرض ، وفي نفس الوقت يحرص على استئذانهم كلما خرج من بيته ليكون في رعايتهم [29] ، فلا نعرف هل يعد نفسه منهم أم لا ، ويذكر الشعرانى أن شيخه الخواص كان أحدهم ، ويتمتع بالتصريف في ثلاثة أرباع مصر وقراها ، وكثيراً ما يرسل الحوائج إلى الشيخ محيسن المجذوب الذي جعله أصحاب التصريف في الربع الباقي ، مع أنه " صاحب درك بحر الهند " [30] ، ثم يذكر أن أصحاب النوبة كانوا في صراع مع الخواص ، يعارضهم ويعارضونه ، وانتهى الصراع بمقتل الخواص [31] . أما الشيخ محيسن فقد أعطبوا رجله [32] ، ومن السهل تفسير هذا التنافس بالصراع المحتدم بين الأولياء في نهاية العصر حول المريدين والنذور والنفوذ .
2- وقد احتج الشعراني على منكري أصحاب النوبة ووصفهم بأنهم لم يدخلوا دائرة الولاية قط فلو دخلوها لعرفوا أهلها [33] ، ووصف الخواص وأبو الفضل الأحمدي بمعرفة أصحاب النوبة في سائر أقطار الأرض ومعرفة من تولى منهم ومن عزل [34] . ولما دخل السلطان سليم العثماني مصر أرسل الخواص فقيراً ينظركم معه من أصحاب النوبة [35] ( أي من يساعده منهم).
3- وقد وصف أصحاب النوبة بالشدة والعنف كانعكاس للصراع بين الأولياء وقتها ، يقول الشيخ حسن العراقي " لا يأذن أصحاب النوبة لفقير أن يسكن في مصر إلا إن كان مراعياً للأدب معهم ، وإلا أخرجوه إلى القرى أو إلى خارج السور ، وعد الشعراني من المنن حفظه من تصريفهم فيه بمرض أو سلب حال [36] ، وأوصى الخواص بالاستعانة عليهم بالله ورسوله [37] ، ولا شك أن المقصود بهذه الصفة هم الأولياء المنافسون ، فالخواص هو نفسه القائل " قل من فقراء هذا الزمان من يعرف أنه تحت حكم أصحاب النوبة .. ولو عرف لسألهم ... وانتظر ما يقع منهم من تولية أو عدمها [38] . وهو يقصد نفسه .
أصحاب الوقت:
لا اختلاف بينهم في المفهوم عن أصحاب النوبة ، اللهم إلا اندراج العلماء بينهم ولهم تقريباً نفس حقوق أصحاب النوبة [39] ، وقد أكثر الشعراني من الحديث المعاد عن أصحاب الحضرة الإلهية والكُمَّل والعارفين [40] عدا تصنيفات أخرى لم يجد الخواص لها أسماء [41] .
مما يجعل القارئ يتخيل عدد الأولياء مساوياً لأعداد الناس في نهاية العصر ، وإن كانت الصفات منحوتة من بيئة العصر وتصوراته وهواجسه وتخيلاته وجهالاته ، بينما كان العقل غائباً في أجازة مفتوحة .
[1] - مقدمة ابن خلدون 110، 111.
[2] - شفاء السائل في تهذيب المسائل 88 وفي هذا الكتاب ناقض ابن خلدون ما قاله عن التصوف في المقدمة .
[3] - لطائف المنن 111.
[4] - الشعراني اليواقيت والجواهر 155-156 وقد ذكر أمثلة لذلك في الطبقات الكبرى جـ2/ 120.
[5] - الشعراني اليواقيت والجواهر 155-156 وقد ذكر أمثلة لذلك في الطبقات الكبرى جـ2/ 120.
[6] - أخبار القرن العاشر .
[7] - لطائف المنن 189- 190.
[8] - البحر المورود 185.
[9] - أخبار القرن العاشر 210.
[10] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/120، 121
[11] - من الصعب حصرهم في سائر المراجع وعلى سبيل المثال : المنهل جـ3/187، النجوم جـ11/138 ، 16/177 ، 195، 13/18، ابن إياس جـ2/211 ط بولاق ، 4/386، الضوء اللامع جـ1/184 ، 3/50 السلوك 3 قسم 2/511، إنباء الغمر 3/261، 3/153، 1/59.
[12] - ابن حجر ذيل الدرر الكامنة مخطوط 22.
[13] - التبر المسبوك للسخاوي 237 ترجمة الشيخ بكير – وورد في الضوء اللامع جـ3/18
[14] - تاريخ ابن إياس تحقيق محمد مصطفى جـ2/265 ترجمة الشيخ الطوخي .
[15] - الضوء اللامع جـ2/260 ترجمة ابن المؤمني.
[16] - لطائف المنن للشعراني 129.
[17] - إنباء الغمر جـ2/57 ، النجوم الزاهرة 13/10.
[18] - تاريخ ابن إياس تحقيق محمد مصطفى 1/2- 373.
[19] - المنهل الصافي مخطوط 5/481 ، النجوم الزاهرة 11/118- 119.
[20] - الشعراني .. لواقح الأنوار ص 101، 102.
[21] - المدخل جـ2/151.
[22] - الشعراني الطبقات الكبرى جـ2/17.
[23] - الطبقات الكبرى للشعراني جـ2/76.
[24] - الطبقات الكبرى – للشعراني جـ2/110، جـ2/111.
[25] - الطبقات الكبرى – الشعراني جـ2 /127.
[26] - لطائف المنن 355 .. الشعراني .
[27] - لطائف المنن .. الشعراني : 40.
[28] - لطائف المنن ، الشعراني 144، 151.
[29] - لطائف المنن 144ن البحر المورود 89، 90.
[30] - لطائف المنن 146.
[31] - الطبقات الكبرى جـ2/130.
[32] - الطبقات الكبرى جـ2/ 124
[33] - لطائف المنن ص 144.
[34] - الطبقات الكبرى جـ2/130، جـ2/150.
[35] - الطبقات الكبرى جـ2 /131.
[36] - لطائف المنن ص 147.
[37] - الطبقات الكبرى جـ2/144.
[38] - الشعراني . إرشاد المغفلين ص 273.
[39] - لطائف المنن 256، 277.
[40] - لطائف المنن 365، 392 ، 291.
[41] - لواقح الأنوار 99
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,690,340 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
الاستخارة : احببت ان اسئلك عن الاست خاره التي اذا هم...
إعملوا على مكانتكم : الدكت ور/ احمد صبحي منصور حاولت إرسال ذلك...
عالم الغيب والشهادة: يقول رب العزة جل وعلا ( أَمْ حَسِب ْتُمْ أَنْ...
الصلاة فى هذا المسجد: هل يجوز صلاة في مساجد اين نحت أو نقش اسم...
تحية المسجد : نحن نصلى ركعتي ن تحية للمسج د عندما ندخل...
more
فكرتنى يادكتور احمد .. كان والدى رحمه الله تاجر يمتلك مصنع لتصنيع الجلود احذية وشنط وماشابه وكان يمتلك خمس معارض لبيع منتجات مصنعه هذا ... وكان ياخذنى وانا طفل معه .. فكنا اول مانوصل يدخل علينا رجل ضخم طويل يلبس عمامه مضفرة باللونين الابيض والاخضر ويلبس مسابح كبيرة الحجم فى رقبته ويحمل فى يده مبخرة يخرج منها دخان كثيف رائحته لا تمت للبخور بصله ...كان والدى رحمه الله وغفر له يتبارك بهذا الرجل ويجعله يمر على جميع معارضه ويصمم انه يبخرنى حماية لى من العين والحسد ويغدق عليه الكثير من الاموال وانا كنت اكره هذا الرجل جدا واختنق من دخانه وعندما اشتكى منه كان والدى يقول دا راجل بركه ... مرضت فى يوم من دخانه لانه عندى حساسية ولم يكن والدى يعلم بحساسية صدرى فارتحت هذا اليوم فى البيت وقلت الحمدلله اترحمت اليوم من دخان هذا الرجل البركه واذا بى افاجئ بهذا الرجل ومبخرته فوق راسى على السرير احضره والدى من اجل انه يزول عنى المرض ههههههههههههههه وماكان منى الا انى ضحكت وقلت له انت ورايا ورايا؟ ههههههههههههه .. فعلا المجاذيب كان لهم تاثير كبير سكن فى وجدان الناس البسطاء قبل الامراء محاطين بهذه الهالة والقدسية للاسف ... اللهم اغفر لى ولوالدايا وللمسلمين يارب انت ولى ذلك والقادر عليه