آحمد صبحي منصور Ýí 2014-12-04
كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )
الجزء الأول : العقائد الدينية فى مصر المملوكية بين الاسلام والتصوف
الباب الأول : مراحل العقيدة الصوفية وتطورها في مصر المملوكية من خلال الصراع السنى الصوفى
الفصل الأول : المرحلة الأولى للعقيدة الصوفية : من بداية التصوف في القرن الثالث الهجري إلى وفاة الغزالي سنة 505
وسائل الغزالى فى تشريع وحدة الوجود ( أقبح أنواع الكفر )
استخدم الغزالي مهارته في الفلسفة والمنطق في شرح عقيدة وحدة الوجود ، ولم يتورع عن المغالطة : .
1 ــ فهو أحيانا يجعل المخلوقات أفعالا لله ويخلط بين الأفعال والصفات الإلهية ثم يخلط بينها وبين الله ،وذلك كله كي يحقق وحدة الوجود بين الخالق والمخلوقات : يقول : ( فسبحان من احتجب عن الظهور بشدة ظهوره واستتر عن الأبصار بإشراق نوره .. المتحقق بالمعرفة لا يعرف غير الله تعالى ، أو ليس في الوجود تحقيقاً إلا الله تعالى وأفعاله ، فمن عرف الأفعال من حيث أنها أفعال لم يجاوز معرفة الفاعل إلى غيره .. فكل موجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وفعله وبديع أفعاله ، فمن عرفها من حيث صنع الله تعالى فرأى من الصنع صفات الصانع كانت معرفته ومحبته مقصورة على الله تعالى غير مجاوزة سواه )[1] . أي أنه قصر الوجود على الله تعالى وأفعاله واعتبر العالم فعلا لله تتجلى فيه ذات الله باعتبار أن الفعل صفة لله. وتناسى أن صفات الله قائمة بذاته لا تنفصل عنه . لذا قال الله تعالى ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ .الإخلاص1) أي في ذاته وصفاته ولم يقل ( قل هو الله واحد ) لأن ( أحد ) تمنع النظير في الذات والصفات معاً .
2 ـــ وهو أحياناً يخلط بين المخلوقات المخلوقة بقدرة الله تعالى والقدرة كصفة إلهية ، ثم يخلط بين هذه الصفة وذات الله تعالى يقول ،( وجميع موجودات الدنيا أثر من أثارة قدرة الله تعالى ونور من أنوار ذاته ، بل لا ظلمة أشد من العدم ولا نور أظهر من الوجود ، ووجود الأشياء كلها نور من أنوار ذات الله تعالى [2] ) أي أن الموجودات هي قدرة الله ، وقدرة الله هي ذات الله فوجود الأشياء كلها من أنوار ذات الله تعالى ..
3 ــ ثم يخلط بين أفعال البشر وأفعال الله التي يجعلها صفات إلهية . ويرى ، أنها – أي الصفات – هي الأصل الذي تصدر عنه أفعال البشر المصلحين يقول ( والحداد يصلح آلات الحراثة والنجار يصلح آلات الحداد ، وكذا جميع أرباب الصناعات المصلحين لآلات الأطعمة ، والسلطان يصلح الصناع . والأنبياء يصلحون العلماء الذين هم ورثتهم ، والعلماء يصلحون السلاطين ، والملائكة يصلحون الأنبياء إلى أن ينتهي إلى حضرة الربوبية التي هي ينبوع كل نظام ومطلع كل حسن وجمال ومنشأ كل ترتيب وتأليف )[3] . فهنا تدرج يبدأ بالحداد والنجار وينتهي بالله – وليس ثمة فارق في النوع عنده وإنما الفارق في الترتيب ، إذ كل الموجودات صدرت عن الله وأفعالها ترجع في النهاية إليه حسب عقيدة وحدة الوجود التي تجعل الجمال الإلهي يشمل كل الكائنات ويبدو فيها وتعبر عنه ، يقول ( وجمال الحضرة الإلهية في نهاية الإشراق والاستنارة ، وفي غاية الاستغراق والشمول حتى لم يشذ عن ظهوره ذرة من ملكوت السموات والأرض ، فصار ظهوره سبب خفائه ، فسبحان من احتجب بإشراق نوره واختفى عن البصائر والإبصار بظهوره )[4] .
4 ــ أي لأن الناس من غير الصوفية لا يقولون بهذا الرأي ولا يرون في مخلوقاته الظاهرة فقد خفي عنهم بشدة ظهوره في الموجودات ، وهم لا يرونه لأنهم محجوبون ، واستشهد الغزالي على ذلك بقول الشاعر الصوفي ) [5] .
لقد ظهرت فما تخفي على أحد إلا على أكمه لا يعرف القمرا
لكن بطنت بما أظهرت محتجباً فكيف يعرف من بالعرف قد سترا
أما الصوفية فلا يرون في الوجود المادي والمعنوي، إلا الله ولا يرون الله إلا في هذا الوجود أو بتعبيره ( فلم يروا في الكونين شيئا سواه، إن سنحت لأبصارهم صورة عبرت إلى المصور بصائرهم ).[6]
5 ــ ولأن عقيدة وحدة الوجود لا ترى فارقا نوعيا بين الله والمخلوقات فقد مثّل الغزالي لنظريته وبرهن عليها بما في مظاهر الكون من كثرة وتعدد في الشيء الواحد ليطبق ذلك على الله باعتباره مع الكون المخلوق وجوداً واحداً ..يقول عن الإنسان ( الشيء قد يكون كثيراً بنوع مشاهدة واعتبار ، ويكون واحداً بنوع آخر من المشاهدة والاعتبار ، وهذا كما أن الإنسان كثيراً إن التفت إلى روحه وجسده وأطرافه وعروقه وعظامه وأحشائه ، وهو باعتبار آخر ومشاهدة أخرى واحد إذ نقول أنه إنسان واحد ، فهو بالإضافة إلى الإنسانية واحد، وكم من شخص يشاهد إنساناً لا يخطر بباله كثرة أمعائه وعروقه وأطرافه وتفصيل روّحه وجسده وأعضائه ، والفرق بينهما أنه في حالة الاستغراق والاستهتار به مستغرق بواحد ليس فيه تفريق ، وكأنه في عين الجميع والملتفت إلى الكثرة في تفرقة ،فكذلك كل ما في الوجود من الخالق والمخلوق له اعتبارات ومشاهدات كثيرة مختلفة ، فهو باعتبار واحد ، وباعتبارات أخرى سواه كثير ).[7] ، فهنا مقارنة بين الله والإنسان ، فكما أن الإنسان واحد لمن ينظر نظرة سطحية إلا أنه أيضا متعدد بأعضائه وجوارحه وخلاياه .. وكذلك يكون الله واحدا باعتبار وكثيراً باعتبار آخر .. هكذا يبرهن الغزالي على وحدة الوجود متناسياً أن الله تعالى قال له ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ) الشورى 11).
6 ــ ويقارن الغزالي بين أفعال الله وصفاته والشمس والماء ويقول( كما أن قوام نور الأجسام بنور الشمس المضيئة بنفسها ، ومهما انكشفت بعض الشمس فقد جرت العادة بأن يوضع طشت ماء حتى ترى الشمس فيه ، ويمكن النظر إليها ليكون الماء واسطة يغض قليلا من نور الشمس حتى يطاق النظر إليها ، فكذلك الأفعال واسطة تشاهد فيها صفات الفاعل ، ولا ننبهر بأنوار الذات بعد أن تباعدنا عنه بواسطة الأفعال )[8]
7 – ثم يتهرب الغزالي من الاستدلال على عقيدته بما جاء في كتاب الله ويعلن أن أسرار هذه العقيدة الدينية محظور أن تسجل في كتاب ، وأن من فعل ذلك فقد كفر ، ثم أنها لا تتعلق بالفقه وأحكامه الدنيوية : ( فإن قلت كيف يتصور أن لا يشاهد إلا واحداً وهو يشاهد السماء والأرض وسائر الأجسام المحسوسة وهي كثيرة، فكيف يكون الكثير واحداً ؟ فأعلم أن هذه غاية علوم المكاشفة ، وأسرار هذا العلم لا يجوز أن تسطر في كتاب ، فقد قال العارفون : إفشاء سر الربوبية كفر ، ثم هو غير متعلق بعلم المعاملة [9] ) أي الفقه .
8 - ومن خلال ( وحدة الوجود ) نظر الغزالي إلى عقيدة الإتحاد والصوفي المتحد بالله ، فقصر تعريف الصوفي على من يؤمن بوحدة الوجود ومر بنا قوله عن الصوفية ( فلم يروا في الكونين شيئا سواه )[10] .وفي معرض حديثه عن شكر الله تعالى قال عن الصوفية (إن نظر بعين التوحيد المحض ( يعني وحدة الوجود ) ، وهذا النظر يعرفك قطعا أنه الشاكر وأنه المشكور وأنه المحب وأنه المحبوب ،وهذا نظر من عرف أنه ليس في الوجود غيره ) ( ..فإذا نظرت من هذا المقام عرفت أن الكل منه مصدره ، وإليه مرجعه ، فهو الشاكر وهو المشكور وهو المحب وهو المحبوب ومن هنا نظر " حبيب بن أبي حبيب " حيث قرأ " أنا وجدناه صابراً نعم العبد أنه أواب " فقال : واعجباه أعطى و أثنى , إشارة إلى أنه أثنى على إعطائه فعلى نفسه أثنى فهو المثني والمثنى عليه ، ومن هنا نظر الشيخ أبو سعيد المهيني حيث قرئ بين يديه ( يحبهم يحبونه ) فقال : لعمري يحبهم ودعه يحبهم فبحق حبهم لأنه إنما يحب نفسه إشارة إلى أنه المحب وهو المحبوب ، وهذه رتبة عالية لا تفهمها إلا بمثال على حد عقلك ، فلا يخفى عليك أن المصنّف إذا أحب تصنيفه فقد أحب نفسه ، والصانع إذا أحب صنعته فقد أحب نفسه ، والوالد إذا أحب ولده من حيث أنه ولده فقد أحب نفسه ، وكل ما في الوجود سوى الله تعالى فهو تصنيف الله تعالى وصنعته فإن أحبه فما أحب إلا نفسه )[11].
ومعنى ذلك أن الكافرين – وهم أيضاً صنعة الله – يتمتعون بحب الله باعتبارهم جزءا منه .. وهو خطأ ،لأن الله تعالى يقول لهم – مثلاً - (.. لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ .. غافر10) ، ولكن الغزالي – كما أسلفنا – لإيمانه بوحدة الوجود فلا يرى بأساً في تمثيل الله تعالى بالبشر ، ثم يقول الغزالي ليربط بين الاتحاد الصوفي ووحدة الوجود والإيمان بها (.. وهذا كله نظر بعين التوحيد ، وتعبر الصوفية عن هذه الحالة بفناء النفس ، أي فني عن نفسه ، وعن غير الله فلم ير إلا الله تعالى ، فمن لم يفهم هذا ينكر عليهم ) [12] .
9 ــ ووحدة الوجود هي الأصل في عقيدة الحلول ،والحلول هو اتحاد ( الله ) بالصوفي ، والاتحاد هو استغراق الصوفي في الله ، أي أن الحلول هو الصورة السالبة للاتحاد .. يقول الغزالي عن وحدة الوجود ( وهذه المشاهدة التي لا يظهر فيها إلا الواحد الحق تارة تدوم ، وتارة تطرأ ، كالبرق الخاطف ، وهو الأكثر ، والدوام نادر عزيز [13]. ) ، وذلك المعنى قريب من شعور الصوفي بحلول الله فيه .. والحلول على قدر درجة الصوفي وتحمله ، وقد اصطنع الغزالي أسلوب القصص في شرح الحلول .. يقول مثلا : ( كان إبراهيم بن أدهم في سياحته فسمع قائلا يقول :
كل شيء منك مغفور سوى الإعراض عنّا.
قد وهبنا لك ما فات فهب ما فات منّا .
فاضطرب و غشي عليه فلم يفق يوماً وليلة وطرأت عليه أحوال ، ثم قال :ثم سمعت النداء من الجبل : يا إبراهيم كن عبداً . فكنت عبداً واسترحت ) .[14] . فإبراهيم بن أدهم سمع بزعمه شعراً اتحادياً فغاب عن طبيعته البشرية ( وطرأت عليه أحوال ) ثم ناداه ربه وأرجعه إلى بشريته فاستراح .. فهنا حلول استمر يوماً وليلة ...
ويقول ( حكي أبو تراب النخشبي أنه كان معجبا ببعض المريدين فكان يدنيه ويقوم بمصالحه .. فقال له أبو تراب مرة : لو رأيت أبا يزيد ؟ ( البسطامي ) فقل : إني عنه مشغول ، فلما أكثر عليه أبو تراب من قوله : لو رأيت أبا يزيد هاج وجد المريد ، فقال : ويحك ، ما أصنع بأبي يزيد ؟ قد رأيت الله تعالى فأغناني عن أبي يزيد ، قال : أبو تراب : فهاج طبعي ولم أملك نفسي ، فقلت : ويلك تغتر بالله عز وجل ، لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة ، قال فبهت الفتى من قوله وأنكره فقال : وكيف ذلك ؟ قال له : ويلك أما ترى الله تعالى عندك فيظهر لك على مقدارك ، وترى أبا يزيد عند الله قد ظهر له على مقداره ، فعرف ما قلت فقال : أحملني إليه ) وتمضي الأسطورة فيموت المريد صعقاً عندما يرى أبا يزيد البسطامي ، ويفسر أبو يزيد موت المريد بقوله ( كان صاحبكم صادقاً واستكن في قلبه سر لم ينكشف له بوصفه ، لما رآنا انكشف له سر قلبه فضاق عن حمله لأنه في مقام الضعفاء المريدين ، فقتله ذلك )[15] .
أي أن حلول الله في المريد يختلف عنه في الشيخ ، فالحلول درجات ، والصوفي إذا تحمل حلولاً فوق طاقته فقد يهلك أو يفقد عقله كما حدث في رواية أخرى سبكها الغزالي ( روي أن بعض الصديقين سأله بعض الأبدال أن يسال الله تعالى أن يرزقه ذرة من معرفته (أي عقيدة الصوفية في الاتحاد والحلول) ، ففعل ذلك ، فهام في الجبال وحار عقله ووله قلبه وبقى شاخصاً سبعة أيام لا ينتفع بشيء ولا ينتفع به شيء ، فسأل له الصديق ربه تعالى فقال : يا رب أنقصه من الذرة بعضها ، فأوحى الله إليه : إنما أعطيناه جزءاً من مائة ألف جزء من ذرة المعرفة ، وذلك أن مائة ألف عبد سألوني شيئاً من المحبة في الوقت الذي سألني فيه هذا ، فأخرت إجابتهم إلى أن شفعت أنت لهذا ، فلما أجبتك فيما سألت أعطيتهم كما أعطيته ، فقسمت ذرة من المعرفة بين مائة ألف عبد فهذا ما أصابه عن ذلك ، فقال : سبحانك يا أحكم الحاكمين ، أنقصه مما أعطيته ، فأذهب الله عنه جملة الجزء وبقى معه عشر معشاره .. فاعتدل خوفه وحبه وسكن وصار كسائر العارفين )[16] .
وبهذه الطريقة الملتوية يحاول الغزالي أن يجد سنداً لعقيدة الحلول فيما حاكاه عن ربه من وحي الله الذي اختص به الصوفية ،فيما يزعمون ،والله تعالى يقول .. ({وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوْحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ ... الأنعام 93 ) .
[1] إحياء جـ 2 / 247 : 248 .
[2] إحياء جـ 4 / 370 .
[3] إحياء جـ4 / 104 .
[4] إحياء جـ 4 / 276 .
[5] إحياء جـ 4 / 277 .
[6] إحياء جـ 2 / 236 .
[7] إحياء جـ 2/ 212 : 213.
[8] إحياء جـ 4 / 370 .
[9] إحياء جـ 4 212 : 213 .
[10] إحياء جـ 2 / 236 .
[11] إحياء جـ 4 / 74 .
[12] إحياء جـ 4 / 74 .
[13] إحياء جـ 4 / 213 .
[14] إحياء . جـ 4 / 74 .
[15] إحياء جـ 4 / 305
[16] إحياء جـ4 / 288
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,691,201 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
سؤالان : السؤا ل الأول : معلو م انك تنكر كل...
ثلاثة أسئلة: ثلاثة أسئلة من الاست اذة أم محمد : السؤ ال ...
عن قوم لوط: مقال جميل لا أعرف كاتبه وأنقل ه للفائ دة: ...
مسألة ميراث: اود ان اسأل عن ميراث .. توفي زوج أختي ولديه ا ...
راعنا: تكرر في القرا ن الكري م الطلب من المؤم نين, ...
more