تعليق معاصر على ما سبق : السيدة زينب ..والحمار .. وداعش
آحمد صبحي منصور
Ýí
2014-07-11
تعليق معاصر على ما سبق : السيدة زينب ..والحمار .. وداعش
فى الجمعة 7 يولية 2014
مقدمة : جاءنى هذا السؤال ضمن باب ( فاسألوا أهل الذكر ) فى موقعنا ( أهل القرآن )، يقول السائل : ( السيدة زينب بنت الرسول لماذا لحقت السيدة زينب من قبل الأمويين والعباسيين وقريش من بلد الي بلد ومن اجل ماذا ولماذا ؟ أرجو من سيادتكم القرأة في التاريخ لمعرفت الأسباب الحقيقية من وراء ذلك. هل كانت السيدة زينب تحمل الوصية المكتوب للرسول عليه السلام ) . الاجابة على هذا السؤال هى تعليق وخاتمة لهذا الفصل ، يصل الحاضر البائس بالماضى التعس .
أولا : السيدة زينب
1 ـ ظهرت زينب بنت على بن أبى طالب فى صفحات التاريخ الحقيقى فى موقعة كربلاء ، وفى اللقاء المشهور مع يزيد بن معاوية فى دمشق ، ثم رجعت الى المدينة ، ومعها من بقى من مذبحة كربلاء من أقاربها ، ومعها رأس الحسين التى تم دفنها فى البقيع . وبعدها كانت ثورة المدينة على الأمويين ، وارسال جيش أموى قضى على هذه الثورة واستباح المدينة إغتصابا وسلبا ونهبا وقتلا . هى موقعة ( الحرة ) فى العام التالى لموقعة كربلاء . وأشرنا لهذا فى بحث لنا منشور عن ( الفقيه الناقم سعيد بن المسيب ) . نقول هذا لنؤكد أن ( زينب بنت على بن أبى طالب ) أخت الحسين لم يسمع عنها أحد بعد كربلاء ، وصمت عنها التاريخ بعد رجوعها الى المدينة ، حتى إن التاريخ الذى سجل تفاصيل ما حدث فى المدينة ( الثورة علىالأمويين / موقعة الحرة ) لم يذكر شيئا عنها . أى لم يكن لها دور استدعى إنتباه التاريخ فى هذه الوقائع التى هزت المسلمين بعد كربلاء .
2 ـــ يتناقض هذا مع الخرافات التى تمت كتابتها بعد مذبحة كربلاء بعدة قرون ، وقتها أصبح تقديس الحسين وأخته زينب ( السيدة زينب ) من معالم الأديان الأرضية الثلاثة للمسلمين ( سنة / شيعة صوفية ) فصار بعضهم يشيع ان ( السيدة زينب ) سافرت الى دمشق أو الى العراق أو الى مصر ، وتُقام أضرحة مقدسة لها هنا وهناك . وبالمثل يُقال عن رأس الحسين ، وتُقام أضرحة على رءوس الحسين ، مع المعروف أنه كانت له رأس واحدة تم دفنها فى المدينة . كل ما قيل وما يُقال عن رأس الحسين و( السيدة زينب ) وأضرحتها هنا وهناك هو مجرد ( هجص ) . وكم فى الأديان الأرضية من هجص .
3 ــ الغريب ان مصر لم تشهد طوال تاريخها بناء ضريح ( للسيدة زينب ) . لم يكن موجودا فى العصر الأموى والعباسى والمملوكى . تم إنشاؤه فى العصر العثمانى على يد وال عثمانى فى القرن التاسع عشر بناءا على رؤيا منامية ، يعنى أن أحد الأولياء الصوفية رأى فى المنام أن السيدة زينب ( هبطت روحها هنا ) فأقيم المسجد المشهور ( مسجد السيدة زينب ) فى هذا المكان . وقد ناقشت هذا فى كتابين قررتهما على طلبة قسم التاريخ بجامعة الأزهر عام 1984 ، وهما: ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )، وفى كتاب ( شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى )
4 ـ ــ كتاب ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية )، لم يتم نشره هنا بعدُ . وقد كان فتحا جديدا غير مسبوق فى مجال البحث التاريخى ، يؤسس لكيفية البحث فى التاريخ الدينى للمسلمين ( وهو بالمناسبة مجال مجهول كنت أول من إقتحمه ) ويتعرض كتاب ( البحث فى مصادر التاريخ الدينى : دراسة عملية ) للمصادر التاريخية لهذا التاريخ ، مشفوعا بتحليل لهذه المصادر ، وتطبيقات عملية فى إستخلاص المادة التاريخية منها . ومعظم مصادر التاريخ الدينى للمسلمين مجهولة للباحثين ، وقد ركّز الكتاب على أهمها مثل ( كتب المناقب الصوفية ) وكتب ( المزارات ) التى كانت تصف المدافن وقبورها المقدسة ، والحياة الاجتماعية والدينية التى دارت حولها . ومنها فى العصر المملوكى فى مصر كتابا ((الكواكب السيارة ) لابن الزيات و( تحفة الأحباب ) للسخاوى الصوفى . قلت فى هذا الكتاب : ( ومن الطريف أن (الكواكب السيارة ) و( تحفة الأحباب ) ما تركا ضريحاً مشهوراً أو مغمورا إلا ذكراه وترجما لصاحبه أو صاحبته خصوصاً إذا كان من الأشراف, أو آل البيت, ومع ذلك فإننا لا نجد أثراً في الكتابين لما يعرف الآن بضريح ( السيدة زينب) كما لم تذكره كتب الخطط السابقة مثل (الانتصار) لابن دقماق و ( خطط المقريزي) التي وصفت كل شبر في القاهرة ومصر . وذلك لأن ضريح ( السيدة زينب ) أخترع في العصر العثماني على أساس رؤيا منامية رآها صوفي معتقد وذلك سنة 955 هجرية سنة 1548 ميلادية ثم جُدّد الضريح سنة 1173 هجرية سنة 1759 ميلادية وأقامت وزارة الأوقاف المسجد الحالي سنة 1940 ميلادية على أنقاض المبنى القديم. وأشاعوا أن (زينب بنت على ) قدمت لمصر في أواخر حياتها مع أن كتب التاريخ المؤلفة حتى العصر المملوكي لم يرد فيها ذكر مطلقاً لتوافد السيدة ( زينب بنت على ) لمصر وما كان لأحد أن يتجاهل قدومها من المؤرخين , خصوصاً وأن المقريزي في ( المقفى ) و ( الخطط ) ذكر جميع من وفد لمصر من الصحابة والتابعين , وتابعه السيوطي في ( حسن المحاضرة ) فذكر جميع من ورد من الصحابة والتابعين لمصر بالترتيب الأبجدي . كما لم يرد ذكر مطلقاً لقدوم السيدة زينب في جميع مصادر التاريخ على تنوعها وكثرتها واهتمامها بآل البيت .) .
5 ـ ــ أما كتاب ( شخصية مصر بعد الفتح الاسلامى ) فهو منشور هنا . وهو يثبت أن الفتح الاسلامى لمصر لم يقدم جديدا فى مصر من الناحية الاسترتيجية السياسية لموقعها ، ولم يقدم جديدا للمصريين فى حياتهم الدينية ، إذ قام المصريون بتمصير ( الاسلام ) وإرجاع العقائد الفرعونية تحت مسميات اسلامية ، خصوصا عبادة ( ايزيس ) ، وأوضح الكتاب الجذور الفرعونية فى تقديس المصريين للسيدة زينب ، وكيف أنهم وصفوها بنفس الصفات التى كان أجدادهم فى مصر القديمة يضيفونها الى ( إيزيس ) ومنها ألقاب ( السيدة ، صاحبة المحكمة ، نصيرة الغلابة ..الخ ) . قلت فى هذا الكتاب :
6 ــ ( وأشهر ثالوث عرفه المصريون وتأثر به غير المصريين كان ( اوزيريس / إيزيس / حورس /) وقد استمر هذا الثالوث في العصر البطلمي تحت ر عارية البطالمة تحت اسم ( اوزيريس / إيزيس / حورس ) وكان القسم الرسمي للدولة البطليمة ( اقسم باوزيريس وإيزيس و بسائر الآلهة الآخر) وانتشرت في اليونان – قبل غزو لاسكندر – عبادة إيزيس وعرف من أصول الديانة اليونانية ( أسرار الوزيس ) وهو ليس إلا أسرار الالهة إيزيس المصرية لابسة ثوبا أغريقا كما أن الإله الإغريقي ( ديونيوس ) ليس إلا ( اوزيريس ) المصري ولكن بثوب إغريقي . ثم دخل في الثالوث المصري الإله الإغريقي ( زيوس ) مع ( سيرابيس ) الذي حمل محل ( اوزيريس ) وبقيت معهما ( إيزيس) [1] .
إلا أن ( إيزيس ) بالذات كانت لها مكانتها الخاصة لدى المصريين وغيرهم , فانتشرت خارج مصر محتفظة بطابعها المصري دون تغيير , وربما يرجع ذلك إلى المسحة الإنسانية في اتخاذها باعتبارها ( أم الإله ) التي تشقي من أجل ابنها وزوجها . فغزت إيزيس روما وانتشرت عبادتها بسرعة البرق داخل الإمبراطورية الرومانية وخارجها بعد أن سهلت المواصلات البرية والبحرية سبل الاتصال بين أجزاء العالم المعروف وقتها . فمن الإسكندرية كانت السفن الرومانية البعيدة تحمل معها صورة إيزيس وتنشر عبادتها . وليس أدل على ذلك من بردية مشهورة من البهنسا ترجع إلى القرن الثاني الميلادي تذكر ألاماكن التي انتشرت فيها عبادة إيزيس في إرجاء المعمورة . هذه ألاماكن تشمل معظم مدن مصر إذ أن هناك ذكرا لسبع وستين مدينة في الدلتا فقط أما خارج مصر فتذكر أسماء خمس وخمسين مدينة مرتبة حسب البلاد التي تقع فيها . ومن دراسة هذه البردية نتبين أن سلطان الآلهة إيزيس شمل الهند وبلاد العرب شرقا وسينوب على البحر الأسود شمالا وروما وايطاليا غربا , وانتشر معها حورس بصفته أبن إيزيس الملتصق بها , وأن دخل اسمه بعض التحوير بخلاف أمه التي ظلت محتفظة باسمها وشخصيتها [2] .
ويذكر القرآن الكريم أن الجاهلين كانوا يعبدون ( ألعزي) ضمن ثالوث ( اللات – ألعزي – مناة ) (أفرا يتم اللات والعزي ومناة الثالثة الاخري النجم 18 , 19 ، واضح أن( ألعزي ) هي ( إيزيس) ولابد أن المصريين القدامى كانوا ينطقون ( إيزيس ) ( بالعزي ) ثم نطق اليونان حرف العين بالهمزة نظرا لخلو اللغة الأغريقية من حرف العين، ثم أضافوا لها السين على عادة اللغة اليونانية فصارت ( إيزيس ) . ونقلنا نحن الترجمة اليونانية كما هي ( Isis) وأصلها ( عزي ) .
ومن روما انتقلت عبادة إيزيس إلى أجزاء كثيرة في أوربا واحتفظت الشعائر اليومية في المعابد الاوربية لإيزيس بالصيغ القديمة التي كانت لها في مصر من طقوس الكهنة والأعياد والأغاني الدينية [3] , ولم يكن في الإمبراطورية الرومانية الواسعة الأرجاء مقاطعة واحدة لم تعبد فيها الآلهة المصرية من شمال أفريقيا إلى الدانوب إلى فرنسا وانجلتره والألب وألمانيا واستمر سلطانها حتى نهاية القرن الثاني لميلاد المسيح [4] , ثم تدهور سلطانها بعض الشيء , إلا أنها عادت بعد انتشار المسيحية متجسدة شخصية العذراء التي تحمل طفلها ( يسوع ) ابن ( الله) تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا , وذلك الانقلاب في المسيحية كانت مصر الرائدة فيه . يتحدث مؤرخ أوربي عن صورة إيزيس التي انتشرت بها من مصر إلى العالم فيقول ( أما إيزيس فهي أيضا هاتر .. وتحمل إيزيس طفلا هو حورس .. وصورة إيزيس تمثلها وهي تحمل بين ذراعيها طفلها الرضيع حورس وقد وقفت في وسط الهلال ) تلك الصورة لإيزيس تتطابق مع صورة العذراء وطفلها يسوع عند المسيحيين في مصر وخارجها يقول ( أما إيزيس فكانت تجتذب إليها كثيرا من الأنفس المتعبدة القانتة وتماثيلها المقامة في معابدها كانت تمثلها في صورة ربة السماء وهي تحمل بين ذراعها طفلها حورس , وكانت الشموع توقد أمامها كما كانت النذور تقدم إليها , على حين أن الكهان الحليقين الناذرين أنفسهم للعزوبة كانوا يقومون على خدمة هيكلها) [5] .
وبعد انتشار المسيحية في مصر انتشرت معها المعابد الخاصة بالعذراء التي تحمل طفلها الإلهي على نفس النسق الذي ألفه المصريون آلاف السنين قبل المسيحية حين عبدوا إيزيس ونشروا معابدها في مصر وخارجها . وقد اشرنا إلى أن عبادة إيزيس شملت معظم مدن مصر وشملت سبعا وستين مدينة في الدلتا فقط , وبعد انتشار المسيحية عادت إيزيس في صورة العذراء وأنشئت لها عشرات الكنائس والأديرة . وقد عد المقريزي في الخطط المقريزية عشرات الأديرة والكنائس المقامة على اسم العذراء في العصر المملوكي وقبله على امتداد العمران المصري وقد صورت فيها صورة العذراء والطفل والهالة التي تحيط برأسيهما , وكانت تقام موالد سنوية لهذه الأديرة والكنائس ويقصدها المصريون من أقباط و مسلمين [6] بنفس النمط الذي اعتاده أسلافهم مع معابد إيزيس وأعيادها . ولتعزيز الصلة بين إيزيس والعذراء يعتقد المسيحيون المصريون أن العذراء قد هربت إلى مصر بطفلها الرضيع بسبب اضطهاد الوالي الروماني هيرودس , ويجلعونها في رحلتها في البلاد المصرية تمر على أهم الأديرة [7] التي أنشئت فيما بعد بقرون , ثم عادت إلى فلسطين , ومعناه أن العقل المصري المتأثر بعقيدة إيزيس مدة ألاف السنين يريد أن يضفي على العذراء المسحة المصرية , وبهذه المسحة المصرية تحولت ( مريم ) عليها السلام إلى ( إيزيس) في اعتقاد المصريين وانتقلت بهذا الشكل إلى خارج مصر في آسيا وأوربا .
وفي العصر العثماني انتشر التصوف وتسيد الحياة المصرية وحظيت الخرافات بالتقديس فأتيح للعقل المصري أن يستعيد ( إيزيس ) في صورة إسلامية , كما استعادها قبلا في صورة مسيحية , وبهذا كان الادعاء بقدوم ( زينب بنت على بن أبي طالب ) إلى مصر وأقيمت على ذكراها مقبرة سنة 955 هـ سنة 1548 ولقبوها ( بالسيدة ) وهو اللقب الفرعوني لإيزيس . هذا مع أن حقائق التاريخ تنكر قدوم ( زينب ) رضي الله عنها إلى مصر لقد انتقلت إلى دمشق مع رأس الحسين بعد مصرعه ثم عادت إلى المدينة , وحين عدتها ثارت المدينة على الأمويين وحدثت موقعة الحرة , وظلت ( زينب بنت على ) معتكفة عن الناس تعتني بالبقية الباقية من أولاد أخويها الحسن والحسين الذين نجوا من مذبحة كربلاء . إلى أن ماتت ودفنت في البقيع سنة 62 هـ وطيلة العصور الإسلامية التي توالت على مصر لم يرد ذكر ( لزينب بنت على ) على أنها قدمت إلى مصر أو ماتت فيها , وعلى كثرة وكتب الطبقات المصرية التي تؤرخ للصحابة المشاهير وكتب المزارات التي تصف الأضرحة الشهيرة وكتب الخطط التي تختص بالآثار والتراجم لم يرد ذكر لضريح منسوب ( لزينب بنت على ) في العصرين الفاطمي والمملوكي , وهما أكثر العصور اهتماما بتشييد الأضرحة والتأريخ لها . على سبيل المثال لا يوجد ذكر ضريح ( السيدة زينب) في تحفة الأحباب و( الكواكب السيارة ) وهما أشهر الكتب في المزارات في العصر المملوكي , كما لا يوجد ذكر لذك الضريح في ( خطط المقريزي ) وهو عمدة هذا الباب , كما لم يوجد في كتاب السيوطي ( حسن المحاضرة ) وقد عد فيه من أتي لمصر من الصحابة وآل البيت والتابعين والأضرحة والمزارات , وقد توفي السيوطي في أواخر العصر المملوكي سنة 911 .
وكان اختراع مجيء السيدة زينب قد بدأ في العصر العثماني في صورة رؤيا منامية رآها صفي مشهور يحظى باعتقاد الوالي العثماني فأنشأ على ذكرها ضريحا سنة 955 ثم جدده عبد الرحمن كتخدا سنة 1173 هـ سنة 1759 , ثم جددته وزارة الأوقاف سنة .1940 .ومع أن ضريح ( السيدة ) لا يتجاوز في عمره أربعة قرون ونصف القرن إلا أنه حظي بالتقديس وكثرت إليه الوفود والحجيج , وعم التوسل به وأصبح معلما دينيا هاما في التدين المصري , بل ما لبثت ( السيدة ) أن صارت رئيسة الديوان في العقيدة المصرية , وذلك يذكرنا ( بديوان المحكمة ) محكمة ( إيزيس واوزيريس ) التي تفصل بين الناس ويحتكم إليها الآلهة والأولياء . بل أن العقل المصري يطلق عليها لقب ( السيدة ) وإذا ذكر لقب ( السيدة ) ينصرف المعني إلى ( زينب بنت على ) وضريحها في حي ( السيدة ) . ولقب ( السيدة ) ورئيسة المحكمة كانا أهم ما يميز إيزيس في المعتقدات الفرعونية التي انتقلت بحذافيرها إلى أوربا , فكانوا يقولون عنها هناك أنها سيدة جميع العناصر الآلهة العليا ، وملكة الموتى ورئيسة أهل السماء [8] . والمصريون أولي بعقيداتهم المحلية لذا أطلقوا – في العصر المسيحي – علي العذراء لقب ( السيدة ) وعلى العائلة لقب ( العائلة المقدسة ) ثم فيما بعد في العصر العثماني أشاعوا أسطورة مجيء ( زينب بنت على ) وأطلقوا عليها لقب (السيدة ) ومنحوها اختصاصات إيزيس وهي لا شأن لها بإيزيس ولم تر مصر طيلة حياتها . )
ثانيا : الحمار :
1 ـ ــ فى نفس العام 1984 كنت ألقى محاضرة فى كلية التربية جامعة الأزهر ، فسألنى طالب : ( هل جاءت السيدة زينب الى مصر ؟ ) فقلت : ( لا . والذى يقول أنها جاءت الى مصر فهو حمار ) فقال الطالب : ( إن الدكتور الطيب النجار يقول انها جاءت الى مصر ) فقلت بسرعة : ( يبقى حمار ) .لم يكن هذا شتما فى الدكتور الطيب النجار . هو فقط توصيف قرآنى لمن يكون مجاله التخصص فى التراث وأسفاره وكتبه ، يحملها على كاهله دون أن يفقه منها شيئا . هو كالحمار يحمل أسفارا ، هكذا قال رب العزة على الضالين من علماء بنى اسرائيل : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (5) الجمعة ). أفظع وصف قرآنى فى حق هؤلاء ( العلماء المُضلّين الجهلة ) قوله جل وعلا : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلاً الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ (178) وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمْ الْغَافِلُونَ (179) الأعراف ).
وقت أن سئلت هذا السؤال كان الطيب النجار محتفظا بنفوذه فى الجامعة . وأُكرر : لم أقصد شتمه ، بل وصفته بما يليق به . فالباحث فى المجالات الاسلامية التاريخية والتراثية إما أن يكون باحثا حقيقيا وإما أن يكون حمارا .. ليس هنا ألقاب ومناصب . بل كفاءة علمية ، وبدونها يكون المُشتغل بالتاريخ والتراث.. حمارا ..وهذا الصنف من الحمير يزداد بالملايين بين الشيوخ و ( الباحثين ) فى بلاد المحمديين. ينشرون الجهل فيصدقهم العوام ..
2 ـ ـ د . محمد الطيب النجار نموذج لشيوخ الأزهر أرباب المناصب . كان استاذا لى وأنا طالب فى السنة الأولى فى قسم التاريخ الاسلامى عام 1969 . وبسببه كتابه ( تاريخ الأنبياء ) قررت عدم الحضور فى الكلية ، وعدت الى بلدى لأعمل مدرسا فى مدرسة خاصة بمدينة ههيا محافظة الشرقية ، ثم بعدها قائما بأعمال الناظر فى معهد ابتدائى فى بلدنا أبوحريز ( 1971 : ) الى أن تم تعيينى معيدا بعد أن تخرجت فى قسم التاريخ بمرتبة الشرف الأولى ، وتم تعيينى معيدا فى القسم فى شهر ديسمبر عام 1973 . صعقنى جهل الطيب النجار ورفاقه ، ورأيت أن معيشتى فى القاهرة من أجل حضور دروسهم هى مضيعة للوقت ، فكنت خلال السنوات الثلاث ( 1971 : 1973 ) أكتفى بشراء الكتب ومذاكرتها قبيل الامتحان ، وأحضر الامتحان وأنجح فيه بتقدير جيد جدا ، وظللت محتفطا بالمركز الأول على قسم التاريخ الى أن تخرجت فيه معيدا .
كان الطيب النجار رئيسا لقسم التاريخ الاسلامى ( 1969 : 1973 ) ، ثم إختاره السادات و كيلا لجامعة الأزهر عام 1978 ، وفى أزمتى مع الجامعة بسبب رسالتى للدكتوراة انتهى الأمر بحذف ثلثى الرسالة ومناقشة الثلث فقط ، وكان وكيل الأزهر ( الطيب النجار ) عضوا فى اللجنة التى ناقشت رسالتى للدكتوراة فى اكتوبر 1980، ومدحنى فقال : ( إنك أتعبت من سيأتى بعدك ) ولأننى قمت بتقديم فحوى رسالتى من الذاكرة مرتجلا وبلغة عربية سليمة بلا أدنى خطأ فقد أعلن الطيب النجار أنه يتعين على كل من يناقش رسالة أن يرتجل موجزها كما فعلت . بعدها أصبح الطيب النجار رئيسا لجامعة الأزهر عام 1981 ثم عضوا في مجمع اللغة العربية عام 1984 .
3 ــ فى أول عام لى طالبا فى قسم التاريخ 1969 ، قرر علينا د الطيب النجار كتابه فى مادة ( تاريخ الأنبياء ) لم يعجبنى حينئذ ، ثم فى الدراسات العليا قرّر علينا نفس الكتاب فى تاريخ الأنبياء بكل ما فيه من جهل ، فأحسست بإهانة شديدة وأنا وقتها معيد فى القسم ، مفروض أن أذاكر هذا الجهل وأن أُمتحن فيه . كان الطيب النجار محتكرا تدريس هذه المادة يقررها على الطلبة فى السنة الأولى وعلى طلبة الدراسات العليا ، لا يعنيه إلا بيعه الكتاب للطلبة فى الكليات الأزهرية . واستمر هذا الكتاب الفضيحة مقررا ، وكل استاذ فى قسم التاريخ يدرس مادة ( تاريخ الأنبياء ) مُرغم على تدريس هذا الكتاب خوفا من سطوة الطيب النجار ، خصوصا وبعد أن ترك رئاسة جامعة الأزهر أصبح استاذا متفرغا فى قسم التاريخ الاسلامى والحضارة الاسلامية . وفى سنة 1985 أسند لى القسم تدريس مادة ( تاريخ الأنبياء ) فرفضت تدريس كتاب الطيب النجار ، وقلت وكتبت علنا إن هذا الكتاب كنت أخجل من قراءته وأنا طالب فى قسم التاريخ عام 1969 ، فكيف أدرسه وأنا مدرس على وشك الترقية لاستاذ مساعد عام 1985 . ألفت كتابى ( الأنبياء فى القرآن الكريم ــ دراسة تحليلية ) مع أربعة كتب أخرى ، وقامت القيامة ، وحدث ما حدث من وقف على العمل وإحالة للتحقيق ومنع من الترقية والسفر ، وإحالة الى المحاكمة داخل الجامعة متهما بإنكار حقائق الاسلام ، وأننى ارتكبت ما يُزرى بمكانتى كعالم فى الأزهر ..أى إن الاجتهاد القرآنى فى توضيح حقائق الاسلام تطبيقا لقانون الأزهر نفسه يكون إنكارا لحقائق الاسلام وارتكابا لعار لا يليق بعالم فى الأزهر .
4 ــ كان الطيب النجار أكبر المُحرّضين علىّ وقتها . كانت العلاقات وقتها مقطوعة بين السعودية ومصر إثر مؤتمر الصمود والتصدى الذى دعا اليه صدام حسين وعزل به مصر . وتسللت السعودية ( رابطة العالم الاسلامى الوهابية ) الى مصر عن طريق شيوخ الأزهر للضغط على الحكومة المصرية لتقيم علىّ ( حد الردة ) أو على الأقل لتضعنى فى السجن . فتم عقد مؤتمر فى ( إسلام أباد ) برعاية وحضور الرئيس الباكساتى ( الوهابى )ضياء الحق ، عام 1987 ، وهذا المؤتمر رعته السعودية (رابطة العالم الاسلامى الوهابية )، وحضرة أئمة الوهابية مع لفيف من شيوخ الأزهر ، وفى مقدمتهم الطيب النجار . ، وناقش المؤتمر كتاب الطيب النجار عن ( تاريخ الأنبياء ) كما ناقش كتابى ( الأنبياء فى القرآن الكريم : دراسة تحليلية ) وقرر المؤتمر تكريم الطيب النجار ومنحه جائزة ، كما قرر اتهامى بالردة ، وعاد شيوخ الأزهر بهذه التوصية للرئيس مبارك ، وأقامت السعودية ( رابطة العالم الاسلامى الوهابية ) مؤتمرا آخر فى ( جدة ) حضره الطيب النجار ، وألحّ مؤتمر جدة على نفس الطلب ، وتمت التضحية بى على محراب عودة العلاقات المصرية السعودية . وبعدها صار الطيب النجار رئيسا للمركز الدولي للسيرة و السنة النبوية بالأوقاف عام 1987، أنشأته له السعودية (رابطة العالم الاسلامى الوهابية ) للردّ علينا ، وتبرعت له بأربعة مليون جنيه وفق ما أعلنته حينئذ جريدة ( اللواء الاسلامى ). ولم يسمع أحد بعدها عن أى نشاط لهذا المركز الدولى للسيرة والسّنة ، وراحت الملايين الأربعة فى جيوب المشايخ .
أخيرا : داعش
1 ــ وفى النهاية تمخّض الجهل فولد ( داعش ) .
2 ــ داعش تطبق ما كان يطمح اليه إخوان عبد العزيز .
3 ــ ثقافة داعش الوهابية يقوم على حفظها ورعايتها والدفاع عنها شيوخ الأزهر . خلال ثلاثين عاما تربى طلبة الأزهر على ثقافة داعش ، فأصبحوا إرهابيين يقتلون ويدمرون ويحيسبون أنهم يحسنون صُنعا . والمضحك أن الدولة المصرية تنفق عليهم بلايين الجنيهات لتعلمهم ثقافة داعش ، ثم تطاردهم وتضعهم فى السجون لأنهم يريدون ويحاولون تطبيق دين داعش .
4 ــ من يهاجم ثقافة داعش فى مصر تضعه الدولة المصرية فى السجن متهما بإزدراء دين داعش .
5 ــ وكل داعش وأنتم بخير.
[1]ألعبادي : مصر من لاسكندر إلى الفتح العربي : 50 , أحمد بدوي تاريخ مصر الأجتماعى: 28 , 95 , 96 .
[2]ألعبادي : مصر من لاسكندر إلى الفتح العربي : 274 .
[3]أرمان : ديانة مصر القديمة : فصل بعنوان ( الديانة المصرية في أوربا ) من ص 479 وما بعدها .
[4]أرمان : ديانة مصر القديمة : 486 , 487 . وانظر عن إيزيس في انجلتره تاريخ الكنيسة القبطية : منسي القمص ص 20 ط 3 سنة 1982 .
[5]ويلز : موجز تاريخ العالم : فصل بعنوان ( التطورات الدينية في ظلال الإمبراطورية الرومانية ) من ص 168 : 169 .
[6]خطط المقريزي : 3/ 551 , 554 , 558 , 559 , 560 , 561 , 563 , 565 , 568 , 599 , 580 , 581 , 582 , 583 .
[7]تاريخ الكنيسة القبطية 17 : 19 .
[8]أرمان : تاريخ الكنيسة القبطية : 483 , 101 .
اجمالي القراءات
12502
رغم اعتزاز فرج فودة بنشأته الريفية، فلقد كان يزعجه الفهم السطحي للدين لدى سكان الريف، وخاصة استعداد العقلية الريفية للتسليم بالقصص الخرافية بلا تمحيص. وهو يروي حادثة شهدها وعمره نحو 10 سنوات، وهي "جنازة الرجل (أبو إسماعين)، وقد حضرت جنازته فلم أشهد نعشا يطير ولا يحزنون، وكل ما شاهدته أن بعضا من السذج أخذوا يهتفون دون سبب حول النعش: الله أكبر، الله أكبر! والنبي بلاش، والنبي خلاص، طاوعنا وروح المدفن، سنبني لك مقاما. ومن وقتها وحتى الآن اتسعت وأصبح طيران النعش حقيقة لا يختلف عليها اثنان، والبعض أقسم أن النعش بعد أن طار سار فى جميع طرقات البلدة وحده، ثم عاد وحده إلى مدفنه ... والآن، يقام سنويا أكبر مولد في البلدة للشيخ أبو إسماعين، الذي أصبح مقامه أكبر المقامات في مدافن البلدة، والذي لا يسأل أحد عن أصله وفصله، ويكتفي الجميع بترديد قصة طيرانه."
ويروي فرج فودة حادثة أخرى عن مولد يقام في بلدته لشيخ يسمى (سيدي الأحباس)، وهو شخصية اختلقها فودة نفسه مع أصدقائه
في مرحلة الصبا، وادعى أنها زارته في المنام وأمرته بإقامة مولد لها، فصدقهم رجل ممن يهوون خرافات الأولياء، وبالفعل أصبح لسيدي الأحباس مولد. ويزيد فودة فيقول: "والأكثر طرافة أن بعض من شاركوني في اختلاق القصة … شاركوا في سنوات تالية بحماس متدفق في الاحتفال بالليلة الكبيرة للقطب العظيم سيدي الأحباس