آحمد صبحي منصور Ýí 2014-06-11
كتاب ( المعارضة الوهابية فى الدولة السعودية فى القرن العشرين )
القسم الأول : المعارضة في عهد عبد العزيز آل سعود : الإخوان وعبد العزيز
الفصل الثالث : التكوين الأيديولوجي للإخوان أساس المعارضة السعودية في عهد عبد العزيز
فكر إبن عبد الوهاب مصدر البناء الايدلوجي للاخوان
لمحة فى البداية
1 ـ سبق ان تعرضنا لتقرير تاريخي عن بناء ابن سعود للاخوان ،من حيث التوطين ،وتكوين الاخوان ماديا ،وتأسيس الهجر او المستوطنات ،والنظم الادارية فيها وخارجها ..الخ .وهذا هو الشكل الخارجي الوصفي الذي يهتم به البحث التاريخي . أما باحث العقيدة فيهتم بالبناء والتكوين الأيدلوجي الذي يحكم تصرفات الاخوان مع انفسهم وقائدهم الاكبر ابن سعود ،ومع الاخر المختلف معهم في المذهب والطائفة (من المسلمين )او المختلف معهم في الدين (النصاري والانجليز ). قام عبد العزيز بتكوين الاخوان ماديا في مستوطنات وترتيبات ادارية جديدة وربما حديثة ،و اعتمد في بنائهم الايدولوجي علي فكر محمد بن عبد الوهاب .
2 ـ وعلى هامش تأسيسه لمملكته فإن عبد العزيز هو صاحب الأثر الأكبر فى نشر الوهابية فى العالم ، وفى إحتكارها لاسم الاسلام . عبد العزيز هو المسئول عن إجهاض مدرسة الامام محمد عبده المستنيرة المخالفة للوهابية والتى كان ممكنا ــ لو إستمرت ـ أن تقضى على الوهابية وتفضح تناقضها مع الاسلام . ظهر الامام محمد عبده في مصر ، بثقلها السياسى والحضارى وريادتها فى المنطقة ، ظهر كأكبر مجتهد في اواخر القرن 19 و اوائل القرن العشرين ،ولكنه مات 1905 أي قبل تكوين الاخوان بخمس سنوات ،وبعد موت محمد عبده تحالف تلميذه السورى رشيد رضا مع عبد العزيز آل سعود ليحقق أمل عبد العزيز فى تحويل مصر من تدينها الصوفى السنى المعتدل الى الوهابية ليأمن خطر مصر لو وقفت فى صف العداء ضده . كان رشيد رضا مهندس تأسيس الجمعيات السلفية فى مصر ثم الاخوان المسلمين ، عوضا عن الاخوان الوهابيين النجديين . أدرك عبد العزيز بعد فتح الحجاز خطر الاخوان الوهابيين النجديين فعمل بعد سيطرته على موسم الحج على نشر الوهابية فى مصر ، وتكوين ( إخوان وهابيين مصريين ) يستفيد منهم فى جعل مصر وهابية وفى نشر الوهابية فى العالم ( الاسلامى ) دون أن يكونوا خطرا على مملكته كالاخوان النجديين . وانتشرت الوهابية فى مصر تحت مسمى السلفية والسُّنيّة من خلال الجمعية الشرعية و الشبان المسلمين وأنصار السُّنّة . وتجنبوا إسم الوهابية الذى كان ممقوتا وقتها فى مصر وخارجها . ثم أسّس رشيد رضا ( الاخوان المسلمين ) وجعل رئاستها لشاب نشيط من ( الشبان المسلمين ، وهو ( حسن البنا ) ، وهى حركة سياسية وهابية تسعى للوصول للحكم باسم الاسلام . وتواجه باسم الاسلام الأحزاب المصرية العلمانية على إختلاف توجهاتها . والجديد الذى أضافه الأخوان ( المسلمون ) ــ وما ظهر من تنظيماتهم وما بطن ــ أنهم أقنعوا العالم بأن حركتهم السياسية الوهابية ـ هى ( حركة إسلامية ) . ومن وقتها وحتى الآن تعارف الناس على لصقهم بالاسلام ، وتسميتهم ( إسلاميين ) وظهرت مصطلحات ( الاسلام السياسى ) ومرادفاته ، وإختفى تماما الأصل الوهابى للإخوان ( المسلمين ) . هذا مع أن ما يؤمن به الاخوان المسلمون فى مصر وغيرها ـــ وفى سائر الحركات والتنظيمات السرية والعلنية والدعوية والسياسية ـــ هو نفس ما كان يتعلمه الاخوان النجديون فى ( الهجر ) فى عهد عبد العزيز . هى نفسها تعليمات محمد بن عبد الوهاب . نفس التعليمات التى أسّس بها عبد العزيز مُلكه ، ونفس التعليمات التى ينظر بها الاخوان ( النجديون والمصريون ) للمختلف معهم ، سواء كان من نفس الدين أو نفس المذهب ، أو من غير الدين . وأدى البترول وتشعُّب الاخوان المسلمين فى العالم الى تصدير الوهابية للغرب ، وبنفس تعاليم محمد بن الوهاب التى تحمل إسم الاسلام زورا وبهتانا .
3 ــ وربما أكون الوحيد الذى تصدى من منتصف الثمانينيات ( 1985 ) لتوضيح التناقض بين الوهابية السنية والاسلام . كان ذلك فى خمسه كتب قررتها عام 1985 على الطلبة فى جامعة الأزهر ، وانتهى الأمر بتركى جامعة الأزهر بعد عامين من المحاكمات ، ثم دخولى مع الجيل الأول من القرآنيين السجن . كل ذلك عام 1987 . وكل ذلك بسبب النفوذ الوهابى السعودى فى مصر. والآن تبدأ الجولة الثانية من الاضطهاد باعتقال عشرات الأحبة من أهل القرآن ، توطيدا لاعتقالى . كل ذلك لأننى نجحت فى إحياء مدرسة الامام محمد عبده الاجتهادية التى أجهض عبد العزيز دورها . ولا زلنا نمارس هذه المهمة فى تصحيح واصلاح المسلمين من داخل الاسلام نفسه وبالاحتكام الى القرآن الكريم . وهذا هو أكبر الأخطار على الوهابية والدولة السعودية .
4 ـ نعود الى ودور عبد العزيز الوهابى فى تعليم الإخوان النجديين التعاليم الوهابية .فماهي اسس الفكر الوهابي التي تشربها الاخوان النجديون واثرت في حركتهم مع ابن سعود وضد ابن سعود ؟. يمكن ايجاز هذه الاسس في العناصر الآتية :كراهية الاخر ،تكفيره واستحلال دمه وماله .ونبحثها فى دراسة مقارنة بالاسلام لتوضيح التناقض بين الوهابية والاسلام
أولا : كراهية الآخر بين الاسلام والوهابية :
فى الاسلام : فى التعامل الخارجى
1 ـ يتحدث القرآن عن كراهية المشركين المعتدين للمؤمنين المُسالمين ، يقول جل وعلا (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) ( لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10)التوبة )
2 ـ فى مقابل كراهية هذا المعتدى للمسلمين المُسالمين فإن المؤمنين مأمورون ليس كراهية هذا العدو الباغى بل عدم التودد اليه ، يقول جل وعلا : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) (22 المجادلة ). وهناك أمر آخر وهو عدم التحالف مع المعتدى الذى: يقاتل المؤمنين بسبب إختيارهم الدينى ، والذى أخرج المؤمنين المُسالمين من ديارهم ، والذى ساند وأيّد هذا . يحرم موالاتهم ضد عموم المسلمين ، يقول جل وعلا : ( إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) الممتحنة 9: ) .
3 ـ أمّا المشرك الذى لا يعتدى على المؤمنين ولم يقاتلهم ولم يخرجهم من ديارهم فيجب معاملته بالبر والقسط لأن الله جل وعلا يحب المقسطين ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) الممتحنة ).
4 ـ ومفروض التعامل بالعدل مع من نخاصمه ، يقول جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) المائدة )
5 ـ وأن نتسابق فى الخيرات مع أهل الكتاب المُسالمين ، ثم ننتظر الحكم علينا وعليهم يوم القيامة ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة )، أما أهل الكتاب المعتدين من اليهود والنصارى فيحرُم أن نتحالف معهم أو نواليهم فى إعتدائهم على المسلمين المُسالمين ومن يتحالف معهم ويواليهم فهو ظالم مثلهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) المائدة )
فى التعامل الداخلى .
1 ـ فى التعامل داخل الدولة الاسلامية ، حيث يكون جميع الأفراد مُسالمين فى السلوك فإن تقسيمهم ليس على حساب الدين بل حسب الوضع الاجتماعى والاقتصادى . يقول جل وعلا : (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً (36) النساء ). الاحسان هنا للوالدين والأقارب واليتامى والمساكين والجيران وابن السبيل الغريب . لم يقل جل وعلا الجار المسلم أو اليتم الكافر أو القريب المنافق . لا توجد تصنيفات دينية أو مذهبية. ولكنها تصنيفات اجتماعية واقتصادية ، يكفى أن تكون فقيرا أو مسكينا أو جارا أو يتيما لتنال حقك من الاحسان . ، ونفس الحال فى توزيع الصدقات المالية : (إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (60) التوبة ) وفى توزيع الغنائم : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) ) الأنفال ) وفى ما يفىء الى بيت المال : (مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7) ) الحشر ) . و من صفات الأبرار الذين يؤتون المال على حبه : ( وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ )(177) البقرة )
2 ـ ومنه ردُّ التحية بأحس منها أو مثلها ، ليس مهما من بدأ بالتحية ، وليس مهما ضيغة التحية باللسان أو بالاشارة ، أو بأى لغة ، يقول جل وعلا : ( وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً (86) ( النساء ). يعنى لو حيّاك يهودى فقال ( شالوم ) أو مسيحى قال بالفرنسية أو الانجليزية كذا ، فيجب أن ترد عليه التحية بمثلها او أحسن منها ، والله جل وعلا سيحاسبك على كل شىء .
3 ـ والتعامل مع المخالف لك فى الدين يجب أن تصفح عنه وتغفر منتظرا حكم الله جل وعلا عليك وعليه ، يقول جل وعلا : (وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) الحجر ) ( وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) ) الزخرف ) ( قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) الجاثية ). إذا واجهك باللغو يجب أن ترد عليه بالسلام : يقول جل وعلا : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً (63) الفرقان )( وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) القصص ) .
4 ـ وعلي هذا الاساس سارت سيرة النبي الحقيقية، وقد وصفه رب العزة بالرحمة ، وبسبب رحمته تجمعوا حوله حبا فيه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنْ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) (159) آل عمران ) ووصفه رب العزة ببالرحمة فقال جل وعلا : (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ ) (61)( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (128) ) التوبة ) وأرسله جل وعلا رحمة للعالمين ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107)) الأنبياء )
كراهية الآخر فى العقيدة الوهابية
1 ـ على النقيض من ذلك جعل ابن عبد الوهاب كراهية الآخر أساسا فى العقيدة الوهابية بعد أن إحتكر لنفسه الاسلام ، وحصر الاسلام فى آرائه التى صارت فيما بعد معروفة بالوهابية ومن ينكرها فهو كافر مكروه مبغوض يجب قتله وقتاله واستحلال ماله ونسائه . و أفتي بكراهية الاخر ليس فقط من اهل الديانات الاخرى ،ولكن المختلف فى المذهب داخل المسلمين ،أي ممن اسماهم المشركين ،داخل الجزيرة العربية وخارجها، من الصوفية والشيعة ،في اطار الصراع السني والحنبلي التيمي الوهابي مع الصوفية ،وعلي هذا الاساس كان فهمه لآيات القرآن التي تتحدث عن المشركين ،فالمشركون عنده هم المسلمون الصوفية والشيعة والسنيين غير الوهابيين ، ولا فارق إن كانوا مسالمين أم معتدين . يكفى أن لا يكونوا وهابيين ليكرههم الوهابيون ولتكون هذه الكراهية عنصرا من عناصر الايمان الوهابى . يقول ابن عبد الوهاب (ان الانسان لا يستقيم له اسلام ولو وحّد الله وترك الشرك الا بعداوة المشركين والتصريح لهم بالعداوة والبغض )[1]، أى مهما كان المسلم خالص الدين والقلب والعبادة لله جل وعلا وحده فإن دينه لا يستقيم إلا بأن يضيف الى قلبه كراهية المشركين (غير الوهابيين ) ، وأن لا يكتفى بالكراهية القلبية بل عليه أن يعلنها ، وأن يصرّح لهم بالعداء .وبالتالى فالذى لا يكره الآخر لا يستقيم إيمانه فى الوهابية .
2 ـ ويربط بين الكراهية والتكفير للاخرين فيقول (فالله الله يا اخواني تمسكوا باصل دينكم واوله واخره وأُسُّه ورأسه شهادة ان لا اله الا الله واعرفوا معناها ،واحبوها واحبوا اهلها واحبوا اخوانكم ،ولو كانوا بعيدين ، واكفروا بالطواغيت وعادوهم وابغضوا من احبهم او جادل عنهم ،او لم يكفرهم او قال :ما كلفني الله بهم ،فقد كذب هذا علي الله وافتري ،فقد كلفه الله تعالي بهم ،وافترض عليه الكفر بهم والبراءة منهم،ولو كانوا اخوانهم واولادهم، فالله الله تمسكوا بذلك لعلكم تلقون ربكم لا تشركون به شيئا ،اللهم توفنا مسلمين )[2]. ويؤكد نفس المعني في الربط بين الكراهية والتكفير للاخر ،فيقول (فاذا قيل لك ايش دينك ؟فقل ديني الاسلام واصله وقواعده امران :الاول الامر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحريض علي ذلك والموالاة فيه ،وتكفير من تركه ،والثاني الانذار عن الشرك في عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله )[3]ويقول (ان من وحد الله وعبد الله لا يجوز له موالاة من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم )[4] وقال عن معني اكفروا بالطاغوت (ان تعتقد بطلان عبادة غير الله ،وتبغضها وتكفر اهلها وتعاديها )وقال عن معني الايمان (ان تعتقد ان الله هو الاله المعبود وحده دون سواه وتخلص جميع انواع العبادة كلها لله ،وتنفيها عن كل معبود سواه وتحب أهل الإخلاص وتواليهم ،وتبغض اهل الشرك وتعاديهم )[5].والموالاة في تشريع القرآن تأتي بمعنى التحالف الحربي عندما يعتدي المشركون علي المسلمين المسالمين وليس بالاعتداء علي المسالمين المختلفين في العقيدة ، ولكن دعا ابن عبد الوهاب الي كراهية الاخر المختلف معه في العقيدة والمذهب حتي ولو كان مسلما مسالما ، وقد نفذ الاخوان هذه التعليمات بدقة ،اذ كانوا لا يسلمون علي غير الوهابيين ،ولا يردون عليهم السلام . وحين خرجوا على عبد العزيز رفض ابن خثيلة أن يلقى عليه السلام . وقد سبق هذا فى التقرير التاريخى .
ثانيا : تكفير الآخر واستحلال دمه وماله وبلاده بين الاسلام والوهابية
1 ـ من الكلمات الكثيرة الورود فى القرآن الكريم : الكفر والشرك ، ومرادفاتها من الفسق والظلم والبغى ، ومشتقاتها كلها . وهذه كله يعنى التكفير . ولكنه تكفير يهدف الاصلاح ، بمعنى توصيف لأفعال وعقائد وممارسات الكفر والشرك ، وفى المقابل توصيف للإيمان والتقوى والاخبات والبر والاحسان والعدل ..والبشر لهم الاختيار بين هذا وذاك ، وحسابهم مؤجل الى يوم الدين . وفى القصص القرآنى عن الماضى ( قصص الأنبياء وأقوامهم ) وعن الحاضر ( أى وقت نزول القرآن ) جاء وصف الكافرين بأفعالهم وسلوكياتهم فى إطار التصحيح والدعوة للهداية ، مع الأمر بالاعراض عنهم ، والانتظار للحكم عليهم وعلى المؤمنين يوم القيامة .
2 ـ وما جاء فى القرآن (الرسالة الالهية الخاتمة للبشر الى قيام الساعة ) توصيف للكفر ومرادفاته وإشتقاقاته ينطبق على من سيأتى يكرر نفس أفعال الكفار قبل وأثناء نزول القرآن الكريم . وهذا إعجاز قرآنى نراه فى إنطباق صفات الكفر على الوهابيين وتعاليم ابن عبد الوهاب . فهذه الكراهية التى جعلها ابن عبد الوهاب من أُسُس الوهابية نراها فى مشاعر الكفار المشركين المعتدين فى عصر النبوة ، والذين وصفهم رب العزة بالاعتداء : (كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) ( لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10)التوبة ) وهو نفس الوصف لمشاعر المنافقين الذين منعهم خوفهم من قتل وقتال المسلمين فاكتفوا بالبغض القلبى ، وفضحهم رب العزة فقال يحذر المؤمنين منهم : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتْ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَاأَنْتُمْ أُوْلاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمْ الأَنَامِلَ مِنْ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120) آل عمران )
3 ـ التكفير فى الوهابية هو الخطوة الأساس ليس للإصلاح ولكن للإعتداء والبغى . هو تكرار حرفى لما كانت تفعله قريش الكافرة التى إتهمت الرسول عليه السلام والمؤمنين بأنهم ( صبأوا ) عن دن الآباء والأسلاف . ونفس الحال مع الأعراب البدو الذين وصفهم رب العزة بأنهم أشد الناس كفرا ونفاقا . وفيما بعد جرت حركة الردة يتزعمها مسيلمة الكذاب فى نفس المكان الذى عاش فيه ــ فيما بعد ــ محمد بن عبد الوهاب ، ومن نجد وما حولها ا بدأت وانتشرت حركات تكفيرية أخرى تجعل التكفير وسيلة للقتل والتدمير كحركة الزنج والقرامطة ، وكان يلى التكفير إقامة مذابح للمسلمين فى الجزيرة العربية والعراق والشام . ثم ظهر ابن عبد الوهاب ، وكان فى تحالفه مع ابن سعود نفس الشعار ( الدم الدم .. الهدم الهدم ) . وكان التكفير هو المسوغ الشرعى الوهابى للإعتداء على الجيران وقتالهم وإحتلال بلادهم . وبهذا قامت الدولة السعودية الأولى . وبنفس تعاليم ابن عبد الوهاب قام عبد العزيز بإعداد الأعراب ليكونوا ( الإخوان ). يحكمون اولا بكفر الآخر ثم يقاتلونه ويستولون على بلاده وثرواته. هذا هو الفارق بين التكفير بهدف الاصلاح و التكفير بهدف الاعتداء والقتل والبغى.
التكفير الوهابى للاخر :
حكم عبد الوهاب بكفر الشيعة كلها ،واعتبر بلادهم بلاد حرب ، وقال(وان كلهم يشهدون ان لا اله الا الله وان محمد رسول الله ويصلون الجمعة والجماعة ،فلما اظهروا مخالفة الشريعة في اشياء دون ما نحن فيه اجمع العماء علي كفرهم وقتالهم وان بلادهم بلاد حرب، وغزاهم المسلمون حتي استنقذوا ما بايديهم من بلاد المسلمين )[6].
وحكم بتكفير الجميع بمجرد كلمة ،مثل ابن تيمية ،يقول (ان الانسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعزر بالجهل وقد يقولها وهو يظن انها تقربة لله كما يظن المشركون ) واستدل علي ما قاله الفقهاء السابقون في بيان حكم المرتد والمسلم الذي يكفر بعد اسلامه ،ثم ذكر انواعا كثيرة يترتب عليها الكفر واستحلال الدم والمال ،منها اشياء يسيرة عند من يفعلها مثل كلمة يذكرها بلسانه دون قلبه او كلمة يذكرها علي وجه المزاح [7] .
واتجه ابن عبد الوهاب الي اهل عصره ليحكم بكفرهم ويؤكد علي انهم اشد كفرا من الكفار السابقين يقول(ان شرك الجاهلين السابقين اخف من شرك اهل زماننا بأمرين ،احدهما:ان الاولين لا يشركون ولا يدعون الملائكة والاولياء والاوثان مع الله الا في الرخاء واما في الشدة فيخلصون له الدعاء ،كما قال تعالي [واذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون الا اياه ]،الامر الثاني :ان الاولين يدعون مع الله اناسا مقربين عند الله اما انبياء واما اولياء واما ملائكة ،او يدعون احجارا او اشجارا مطيعة لله ليست عاصية ،واهل زماننا يدعون مع الله اناسا افسق الناس)[8] .
واحتج علي علماء عصره الذين يسمون البدو مسلمين ويقولون بحرمة دمائهم واموالهم مع ان اولئك العلماء حسبما يقول عبد الوهاب يقرون بأن البدو تركوا الاسلام وانكروا البعث ويستهزئون ممن يؤمن بالبعث ، ويقول عبد الوهاب علي علماء عصره (ومع كل هذا يصرح هؤلاء الشياطين المردة الجهلة ان البدو اسلموا ولو جري منهم كل ذلك، لأنهم يقولون لا اله الا الله )ثم يقارن بينهم وبين المرتدين في خلافة ابي بكر ،ويجعل بدو عصره اكثر كفرا من المرتدين السابقين،ثم يقول عن العلماء (ثم يفتي هؤلاء المردة الجهال ان هؤلاء البدو مسلمون ولو صرحوا بذلك كله طالما قالوا لا اله الا الله ، سبحانك هذا بهتان عظيم ،ويحكي ان بدويا جاء إليه وسمع شيئا من الاسلام ،وقال (اشهد اننا كفار ) [9].
الوهابية واستحلال دم الاخر وماله ونسائه :
1 ـ ويرتبط التكفير باستحلال الدم والمال في فكر ابن عبد الوهاب ، ويربط في اسلوبه بين كلمتي (الكفار )ووصف (الذين قاتلهم رسول الله ) ليجعل الكفر مرتبطا باستحلال الدم حسب السّنّة ،وليفسر غزوات النبي بأنها كانت للاكراه في الدين واجبار المشركين علي الدخول في الاسلام خلافا لحقائق الاسلام التي سنعرض لها فيما بعد .
2 ـ ونعطي بعض امثلة لما تناثر بين سطور الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الربط بين الكفار واستحلال دمائهم: (القاعدة الاولي )من اربعة قواعد تميز بين المؤمنين والمشركين يقول عنها ابن عبد الوهاب (ان تعلم ان الكفار الذين قاتلهم رسول الله كانوا مقرين بان الله هو الخالق الرازق المحيي المميت ..وما ادخلهم ذلك الي الاسلام )والقاعدة الثالثة (ان النبي –ص- ظهر علي اناس متفرقين في عبادتهم …وقاتلهم النبي –ص- وما فرق بينهم …)[10].
واستدل بقوله تعالي ( وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله )، وأوّل معني الفتنة بالمفهوم التراثي السياسي الذي يعني الحروب والثورات ،مع ان معني الفتنة في هذا السياق القرآنى هي الاضطهاد في الدين فيما يخص علاقة الناس ببعضهم البعض ،كقوله تعالي عن المشركين الذين كانوا يضطهدون المؤمنين ويقاتلونهم ليجبروهم علي الرجوع الي عبادة الاسلاف (والفتنة اكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتي يردوكم عن دينكم ان استطاعوا: ) البقرة 217)وقوله تعالي عن تعذيب وحرق اصحاب الاخدود(ان الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم .:البروج10) وكقول بعض المنافقين للنبي يطلب منه ان يأذن له بالتخلف عن المسير للجهاد الدفاعي ولا يجبره عليه( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ،الا في الفتنة سقطوا :التوبة 49)أي ائذن لي ولا ترغمني علي الخروج . والفتنة في تعامل الله تعالي مع الناس هي الاختبار والامتحان ولذلك سقط المنافقون في امتحان الايمان فقال تعالي عنهم (الا في الفتنة سقطوا)وقال عن الابتلاء بالخير والشر (ونبلوكم بالخير والشر فتنة والينا ترجعون :الانبياء 35).
ونتابع ابن عبد الوهاب وهو يعلق علي احد القضايا فيقول (فمن هذه المسألة التي وضحها الله في كتابه وهي ان المشركين الذين قاتلهم الرسول –ص- يدعون الله تعالي ويدعون غيره في الرخاء )ويقول( اذا تحققت ان الذين قاتلهم رسول الله اصح عقولا واخف شركا من هؤلاء )[11].ويقول في تفسير كلمة التوحيد (ان تعرف ان الكفار الذين قاتلهم رسول الله وقتلهم واباح اموالهم واستحل نساءهم كانوا مقرين لله سبحانه وتعالي بتوحيد الربوبية وهو انه لا يخلق ولا يرزق ولا يحيي ولا يميت ولا يدبر الامور الا الله )..ومع هذا فلم يدخلهم ذلك في الاسلام ولم يحرم دمائهم ولا اموالهم ولكن الذي كفرهم واحل دمائهم هو انهم لم يشهدوا بتوحيد الالوهية ..الي ان يقول ..(وتمام هذا ان نعرف ان المشركين الذين قاتلهم رسول الله كانوا يدعون الصالحين فكفروا بهذا ..وهذا هو الكفر الذي قاتلهم عليه رسول الله )[12]. بتكرار قوله ( الذين قاتلهم رسول الله ) يحاول ابن عبد الوهاب التأكيد بأن الله جل وعلا أرسل رسوله لحرب العالمين وقتل العالمين وارهاب العالمين ، وليس رحمة للعالمين .!
واستدل ايضا بحرب الردة التي حدثت في خلاف ابي بكر وقد دارت اهم معاركها في نجد .وكان يقارن بين اولئك المرتدين والبدو في عصره وموطنه .ويجعل اهل عصره اشد كفرا من المرتدين ومشركي العرب الجاهليين [13]وبالتالي يستحقون القتل والقتال .ويقول ان الرجل اذا صدق رسول الله في شئ وكذبه في شئ فهو كافر وكذلك كمن آمن ببعض القرآن وكفر ببعضه ،ومن اقر بذلك كله وجحد البعض فقد كفر بالاجماع ،وحل دمه وماله، ومن صدق الرسول في كل شئ وانكر وجوب الصلاة فهو كافر حلال الدم بالاجماع .ومن رفع رجلا الي مرتبة النبي كفر وحل ماله ودمه ولم تنفعه الشهادتان ولا الصلاة [14]. كل شىء ( فهو كافر حلال الدم .. وحل ماله و دمه ) . هذا دين السفاحين وقُطّاع الطرق ، وليس دين الله الرحمن الرحيم . وبالتطبيق العملي لهذه الفتاوي فان الحكم عام باستحلال قتل الجميع وسلب اموالهم وانتهاك اعراضهم –الجميع ما عدا اتباع محمد بن عبد الوهاب طالما لم يختلفوا فيما بينهم ،فاذا اختلفوا وعارض بعضهم بعضا فان تلك الفتاوي ستجد مجال عملها فيما بينهم.
علي ان هذه الفتاوي اتت اكلها في عصر الدولة السعودية الاولي وبها تحول الغزو الي ( جهاد اسلامي ) بناء علي تكفير اصحاب البلاد المجاورة واستحلال دمائهم واموالهم واوطانهم، ثم اعاد عبد العزيز زخم الفكر الوهابي حين انشأ علي اساسه الاخوان في القري او الهجر، حيث كانوا ينقطعون للعبادة والتدريب الحربي وحفظ مؤلفات ابن عبد الوهاب والاستماع الي دروس المطوعة ،وهم فقهاء نصف اميين تلقوا العلم علي ايدي علماء لا يسمع عنهم احد خارج الجزيرة العربية، ولكن اولئك العلماء هم الذين كونوا الايدولوجية الفكرية للاخوان ،وجعلوا فتاوي محمد بن عبد الوهاب تتحول الي واقع بالنار والدم في العقدين الثاني والثالث للقرن العشرين .
وكل ذلك يناقض الاسلام القائم على السلام والحرية والعدل والاحسان والتحذير من البغى والظلم والإكراه فى الدين
أخيرا : لمحة عن تشريعات الاسلام فى القتال :
نزلت آيات القرآن ترصد وتعلق على إعتداءات مشركى قريش الذين اخرجوا المسلمين من ديارهم واموالهم وأذوهم وقاتلوهم بسبب انهم اختاروا دينا غير دين الاجداد ، وأول إذن الاهى بالقتال الدفاعى جاء فى حيثياته أن المشركين أخرجوا المسلمين المُسالمين من ديارهم وأموالهم ، وبعد هجرتهم ظل المسلمون المُسالمون فى المدينة يواجهون الاعتداء الحربى من كفار مكة دون دفاع عن النفس . قال جل وعلا : ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الحج ). ولأنهم مُسالمون تعودوا الصبر على الأذى ولم يتعودوا الدفاع عن أنفسهم فإن بعضهم رفض القتال الدفاعى وتمسك بالأمر السابق وهو ( كفّ اليد عن القتال ) فقال جل وعلا : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) ( النساء )، أى طلبوا مُهلة لأنهم ( كرهوا ) الحرب الدفاعية مع أنها لحمايتهم من الإستئصال ، من عدو لا يزال يقاتلهم منتهزا فرصة عدم دفاعهم عن أنفسهم . لذا يقول جل وعلا عن فريضة القتال الدفاعى : (كُتِبَ عَلَيْكُمْ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (216) ) البقرة ) واستمر المشركون فى الاعتداء على المسلمين فى المدينة حتى فى الأشهر الحُرُم ، فتحرج بعض المؤمنين من القتال الدفاعى فى الأشهر الحرم ، وسألوا النبى عليه السلام فى ذلك فقال جل وعلا: ( يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنْ الْقَتْلِ وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنْ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (217) البقرة ). ونزل لهم فى نفس السورة أن يكون القتال دفاعيا فقط دون إعتداء لأن الله جل وعلا لا يحب المعتدين : (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ). فإن كفّ المشركون عن إعتدائهم انتهى القتال معهم (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنْ الْقَتْلِ وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ (191) فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192) البقرة ) وأن الهدف الأسمى من القتال الدفاعى هو منع الفتنة فى الدين ، أو منع الاكراه فى الدين أو منع الاضطهاد فى الدين ، حتى تتحقق الحرية الدينية ، ويختار كل إنسان دينه بحرية ويكون مسئولا عن هذا الاختيار يوم ( الدين ) أو يوم الحساب ، وبهذا يكون الدين كله لله ، بحرية البشر التى منحها الله جل وعلا لهم ، وبمسئولية البشر أما الله جل وعلا وحده يوم القيامة ، وهذا هو الهدف الأسمى للقتال الدفاعى : منع الفتنة وأن يكون الدين كله لله جل وعلا : ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ (193) ) البقرة ) فإن انتهوا عن العدوان فلا عدوان إلا على الظالمين المعتدين فقط ، والله جل وعلا هو العليم بما يفعلون ( وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنْ انتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) ) الأنفال ). وليست الكراهية للعدو مبررا للإعتداء عليه . بل حتى ليس قيام العدو بصد المسلمين عن المسجد الحرام مبررا للعدوان عليه ، يقول جل وعلا : ( وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2) المائدة ). التعاون هو على البر والتقوى . أما فى الوهابية فالتعاون على الُم والعدوان .
والحمد لله رب العالمين أن حفظ القرآن الكريم ليكون حُجّة على كل أعداء الاسلام الذين يستخدمون اسم الاسلام فى البغى والظلم والعدوان .
الهوامش
1-الشيخ محمد بن عبد الوهاب :كتاب كشف الشبهات ،و13 رسالة اخري .القاهرة .الطبعة الرابعة /1399.نشر قصي محب الدين الخطيب .رسالة ستة مواضع منقولة من السيرة 28.
2- رسالة تفسير كلمة التوحيد :35 .
3- رسالة تلقين اصول العقيدة للعامة :41.
4- رسالة ثلاث مسائل :42.
5- رسالة معني الطاغوت :43.
6- رسالة كشف الشبهات :12.
7- كشف الشبهات :5،12.
8-كشف الشبهات :10، رسالة تفسير كلمة التوحيد 35، رسالة اربع قواعد للدين 39.
9- رسالة ستة مواضع منقولة من السيرة :31،32.
10- رسالة الرابعة قواعد من الدين تميز بين المؤمنين والمشركين :37،38.
11- رسالة كشف الشبهات :10،11.وانظر ايضا 3،4،6،10.
12-رسالة تفسير كلمة التوحيد :34.
13- رسالة ستة مواضع منقولة من السيرة النبوية :31،32.
14- رسالة كشف الشبهات:12:11.
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,690,239 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
دعوة للتبرع
خيبر و ابن اسحاق: لي سؤال بخصوص غزوة الخيب ر ماهي حقيقت ها ...
سؤالان : السؤ ال الأول : هذا رأيى فى موضوع غزة . وأرجو...
ثلاثة أسئلة: السؤا ل الأول هل هناك فرق بين ( قترة ) والفع ل ...
مظلوم..!!: كافحت انا واخوا تى حتى اصبح لنا مصنع فى منطقة...
أثقالها ..: في سورة الزلز لة:وأ رجت الأرض أثقال ها.ما ...
more
حفظك الله يا أبي العزيز ... و ياليت قومي يعلمون !! يا ليت ...