أولا : مشاهد التدمير للكنائس المصرية ولمؤسسات وبيوت المصريين من أقباط ومسلمين فى الاسبوعين الماضيين حقق مع الأسف ما كنت أحذّر منه ، وأتذكر مقالا نشرته فى جريدة الاحرار فى 26 اكتوبر1992 فى سلسلة (قال الراوى) تحت عنوان :(الكراهية المقدسة!!) .
أعيد نشره بلا تعليق :
-
هو صديقى لأنه صادق فى تعبيره عن مشاعره أمامى ، وصديقى هذا مغرم بالدين المغشوش وكاره معرض عن الدين الصحيح ، هذا مع أنه يحمل بطاقة تقول أنه مسلم الديانة، ويتعامل مع الناس على أنه من زعماء الاسلام فى هذا الوقت البائس . صديقى فى تدينه المغشوش يؤمن بوجوب التبرؤ من الأقباط ويعتقد أن موالاتهم كفر، وأن التودد اليهم معصية ، وأنه يجب مضايقتهم فى الطرقات وايذاؤهم فى الحارات ، وانهم يستحقون قطع الرقبة ، ويتمنى أن تقوم الدولة الدينية لتحقق له مايتمناه ومايعتبره الإسلام ..
-
وحقيقة الأمر أن صديقى هذا لايكره الأقباط فحسب ، وانما يكره الإسلام الحقيقى الذى أنزله الله تعالى فى القرآن والذى طبقه خاتم النبيين ـ عليه السلام ـ ومشكلة صديقى أنه يؤمن بأحاديث مزورة تمت صياغتها فى عصور التعصب ، وهى تخالف صحيح الاسلام ، ومشكلة صديقى ـ أيضا ـ أنه يعطى عقله أجازة مفتوحة وهو يستمع الى دعاة الفتنة فى أجهزة الاعلام عن الموالاة والتبرؤ فى التعامل مع أهل الكتاب ..
-
أن الموالاة تعنى فى حديث القرآن أن تكون (مع) المؤمنين (ضد) الكافرين فى حالة اعتداء الكافرين على المؤمنين فى ديارهم ، وفى حالة اضطهاد أخيك فى الايمان ينبغى أن تقف الى جانبه تواليه ضد من يعتدى عليه . وهكذا نزلت أيات التبرؤ ضمن موضوعات القتال وهم يسيئون ـ عن جهل أو عن عمد ـ فهم آيات القتال فى القرآن الكريم ، ومعروف أن القتال فى الاسلام هو للدفاع وليس للاعتداء، يقول تعالى" وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) البقرة ) ويقول " فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (194) البقرة ) ، ومن المنطقى أن الذى يعتدى على أخى فى دينى فانه ينبغى على أن أدافع عنه وأن أواليه ، وأن أقف الى جانبه ضد ذلك المعتدى ، وذلك هو معنى الموالاة والتبرؤ فى صحيح الاسلام .
-
وفى ذلك الموضوع نزلت سورة بأكملها هى سورة "الممتحنة" . والواضح من السياق فيها أن بعض المؤمنين بعد الهجرة كان يحتفظ بعلاقات مع مشركى قريش الذين أخرجوا المؤمنين من ديارهم وأموالهم والذين دأبوا على اضطهادهم حين كانوا فى مكة ثم واصلوا حربهم بعد أن هاجروا للمدينة . ولذلك بدأت السورة بالنهى عن موالاة أولئك الأعداء وتذكر السبب ، تقول الآية الأولى فى سورة الممتحنة :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ رَبِّكُمْ (1) . أى أخرجوكم لأنكم تؤمنون بالله تعالى ربكم . ثم تتحدث السورة الكريمة عن صنف من المشركين لم يقاتل المؤمنين ولم يسهم فى طردهم من ديارهم ولم يتحالف مع أعدائهم ويأمر القرآن المؤمنين بأن يكونوا أبرارا معهم ، يقول تعالى " لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) . ثم تؤكد الأية التالية على أن التبرؤ إنما يكون من أولئك المعتدين فقط" إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ (9) ) الممتحنة . وذلك يعنى بوضوح أن القرآن يأمر بالمودة مع المخالف فى العقيدة طالما كان مسالما لم يصدر منه اعتداء، بل أن القرآن يأمر بالصفح الجميل عنهم " وَإِنَّ السَّاعَةَ لآتِيَةٌ فَاصْفَحْ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) الحجر ) ،والصفح الجميل يعنى أنهم إذا أساءوا اساءة لاتدخل فى اطار القتال والطرد من الديارفأنت مأمور بالصفح عنهم ، ويقول تعالى يؤكد نفس المعنى " وَقِيلِهِ يَا رَبِّ إِنَّ هَؤُلاءِ قَوْمٌ لا يُؤْمِنُونَ (88) فَاصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (89) الزخرف ) ، ، ويقول تعالى يأمرنا بأن نغفر لهم ونترك الحكم لله تعالى يوم الدين " قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) الجاثية ) . وقد كان النبى والمؤمنون فى مكة يصبرون على الأذى ويغفرون لأعدائهم، فلما أصبح الأذى طردا وقتالا تحتم عليهم أن يردوا الاعتداء بمثله وأن يأتى النهى بعدم موالاة أولئك المعتدين .
-
والأقباط فى مصر لم يضطهدوا أحدا فى دينه ، ولم يقع منهم اعتداء علينا، بل أنهم أكثر من تعرض للاضطهاد فى عهد(كراكلا) و(دقلديانوس) فى العصر البيزنطى ، ثم فى عصور التخلف والتعصب نالوا الاضطهاد من بعض الولاة العرب وغيرهم .
-
ولاينبغى أن تقترن الصحوة الاسلامية التى نتحدث عنها بعودة التعصب الدينى ومفاهيم القرون الوسطى المظلمة، إن الصحوة الحقيقية هى فى العودة للإسلام الحقيقى الذى عرفه الرسول عليه السلام . إن الصحوة الحقيقية هى أن نفهم قوله تعالى" لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (82) وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنْ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنْ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (83) المائدة ) فالنصارى هم الأقرب مودة للذين آمنوا ، ولذلك كان بعضهم من القسيسين والرهبان يعرفون الحق ويعترفون به. والصحوة الحقيقية هى أن تعود سماحة الإسلام الأولى التى عرفها عصر الرسول عليه السلام حين كان يفرح النبى وأصحابه بانتصار الروم النصارى على الفرس المجوس ، وحين كانوا يحزنون اذا انتصر الفرس على الروم ، وينزل القرآن يبشر المؤمنين بأن الروم النصارى سينتصرون بعد هزيمتهم بعد بضع سنين " الم (1) غُلِبَتْ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) الروم )
-
ان الصحوة الاسلامية الحقيقية لامكان فيها للتعصب أو الكراهية المقدسة .. وصديقى صاحب التدين المغشوش يكره الاسلام قبل أن يكره الاقباط .
أخيرا :
مصر أرتبط إسمها هى والبيت الحرام بالأمن ، وقد دعا ابراهيم ربه جل وعلا أن يكون البيت الحرام مثابة للناس وأمنا : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً )(125) ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً ) (126)( البقرة ). وجاء النبى يعقوب ـ وهو حفيد ابراهيم ـ لمصر بأهله إستجابة لدعوة إبنه يوسف بن يعقوب ، وفى إستقبالهم قال النبى يوسف لأبيه وأهله : ( ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ (99) ( يوسف ). هذا تكريم لمصر يجب أن يفخر به كل مصرى مؤمن بالقرآن ، وبالتالى لا ينتهك أمن هذا البلد إلا كافر بالاسلام والقرآن . لقد إشتهرت مصر خلال تاريخها بأنها البلد الآمن الذى يستقبل الوافدين بترحاب من الشرق والغرب والشمال والجنوب . ثم يأتى يوم تتغير فيه ثقافته الآمنة المسالمة بالوهابية الصحراوية الدموية ، فيصبح أهله ضحية للإرهاب ، بل وتصبح سيناء بلد الوادى المقدس طوى مباءة للارهاب ..
ثم يحمل الارهابيون شعار الاسلام .!!!
سبحانك ربى .. هذا بهتان عظيم .!!
اجمالي القراءات
13400
قدر المستنيرين من أمثالك أن يجاهدوا لرفع الظلم عن الأقليات العرقية والدينية والمذهبية . وأخطر معاناة الأقليات الدينية حين يتسلط عليهم العدو متسلحا بدين أرضى معتد آثم .
وكنا نُحسن الظّن بالبوذية ، وتراها دينا أرضيا متسامحا ، ولكن العادة أن الدين الأرضى إذا تسيّد وتمكن واختلط بالسياسة مؤثرا فيها فإنه ينقلب بأتباعه الى شيطان مريد .
ولذلك ننادى بالعلمانية ، ونؤكد أن الاسلام دين علمانى ، يحرم فيه استغلال إسم الله ودينه فى الطموح الدنيوى ، ويمتنع فيه وجود مؤسسة دينية ، أو كهنوت أو واسطة بشرية أو حجرية بين الخالق والمخلوق ، وتتأسس فيه الحرية الدينية المطلقة لكل فرد ، ومسئولية كل فرد عن إخياره الدينى أمام الله جل وعلا وحده يوم القيامة .
شكرا لك أخى الحبيب .