آحمد صبحي منصور Ýí 2013-04-02
كتاب الحج بين الاسلام والمسلمين
الباب الرابع : إنتهاك المسلمين للبيت الحرام والشهر الحرام
الفصل الرابع : صحابة الفتوحات كانوا من مشاهير الصحابة حول النبى عليه السلام
أولا : أبوبكر صاحب النبى فى الغار:
المشهور أن أبا بكر هو صاحب النبى فى الغار فى قوله جل وعلا : ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ) (40)( التوبة ). ونتدبر ألاية الكريمة بالاستعانة بالله جل وعلا ، ونقول :
1 ـ ليس حقيقة قرآنية إيمانية كون أبى بكر هو صاحب النبى عليه السلام المقصود فى هذه الآية ، الحقيقة الايمانية المُطلقة القرآنية هى قوله جلّ وعلا (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ )، أى كان هناك صاحب للنبى فى الغار دون تحديد إسمه . من يُنكر قوله جل وعلا ( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِه ) يكفر بالقرآن الكريم . أما كون هذا الصاحب فلانا أو غيره فهذا يدخل فى الحقائق التاريخية النسبية ، وهى قضية علمية تاريخية موضعها مجال البحث التاريخى . وبناء عليه لو قلت إن صاحب النبى فى الغار كان ( عمر بن الخطّاب أو عمر بن عبد العزيز ) فلن تكون كافرا ، لكن تكون جاهلا بالتاريخ .
2 ـ لم يقل جلّ وعلا : ( إذ يقول لصاحبه فى الغار ) لأن المعنى هنا هو قصر الصحبة على وقت الاختفاء فى الغار ، وهذا مخالف لمعنى الصاحب . فطبقا للقرآن الكريم فإنّ الصاحب هو الملازم فى الصحبة مدة طويلة تصل الى سنين فى نفس المكان والزمان ، مثل قول يوسف لصاحبيه فى السجن :( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ (39)(يوسف )، فهنا صُحبة إجبارية فى السجن استمرت سنينا . ويقول جل وعلا عن عذاب الآخرة:( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (11) وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (12)(المعارج ).(الصاحبة ) هنا هى الزوجة التى تدوم عشرتها لزوجها، تصحبه فى الزمان والمكان سنينا طوالا كالابن والأخ وليست مجرد زوجة تزوجها وانفصل عنها بعد مدة يسيرة ، بل صاحبته فى مسيرة حياته . وبالتالى فإن قوله جل وعلا عن أبى بكر (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ) يفيد دوام صُحبة أبى بكر للنبى عليه السلام سنين طوالا ، خصوصا حين نتذكر الفارق الزمنى بين الاختفاء فى الغار وبين وقت نزول هذه الآية قبيل موت النبى عليه السلام .
3 ـ هذا الصاحب المُلازم للنبى لا يشير رب العزة فى الآية الكريمة الى هدايته وتقواه ، فلم يقل (إذ يقول لصديقه)، لأن (الصديق) من (الصدق ). و(الصديق) مصطلح قرآنى ورد مع الأقارب الذين يجوز الأكل عندهم( النور61 ).ولو كان أبوبكر صديقا صادقا للنبى مستحقا للقب (الصديق الصادق ) لقال جل وعلا ( إذ يقول لصديقه ) . ولو قالها رب العزّة يصف أبا بكر بالصدق فستكون له شهادة الاهية بالصدق فى الايمان بالاسلام . ولكن إكتفى بوصفه بالصاحب وحرمه من وصف ( الصديق ). ثم جاء أئمة الدين السّنى ولم يكتفوا بوصف أبى بكر بأنه ( صديق ) النبى ، بل جعلوا لقبه ( الصّدّيق ).!
4 ـ ولقد قال النبى لصاحبه :( إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا)، وكان السياق أن يُقال بعدها :( فانزل الله سكينته عليهما وأيدهما ) ، أى يكون الكلام عنهما معا فقد كانا معا إثنين فى الغار والحديث عنهما معا بالمثنى (ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا )،ولكنّ عند الحديث عن السكينة والتأييد الالهى تمّ حرمان أبى بكر منها ، وجاء هذا مقصورا على النبى دون صاحبه : (فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا ). وهذا يشير بقوّة الى أن الصفة المشتركة بين النبى وصاحبه أبى بكر هى مجرد الصحبة فقط ، دون الصدق والتأييد الالهى .
5 ـ ثم ، إن مصطلح الصاحب يأتى فى القرآن ـ غالبا ـ بين المختلفين فى العقيدة . جاء مرة واحدة فى القرآن الكريم يفيد المشاركة فى نفس العقيدة فى قوله جلّ وعلا عن ثمود وصاحبهم الذى عقر الناقة: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ (29)( القمر ). وما عداه يأتى مصطلح الصاحب فى سياق الاختلاف العقيدى بين الصاحبين فى الايمان والكفر ، كقوله جل وعلا :(فَقَالَ لِصَاحِبِهِ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً (34) وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً (35) وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنقَلَباً (36) قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً (37)( الكهف ).فهنا إثنان من الأصحاب أحدهما كافر والآخر مؤمن ، وكلاهما يعبّر عن عقيدته لصاحبه .
6 ـ الأكثر تأكيدا هو وصف النبى محمد عليه السلام بأنّه كان صاحبا للملأ المشركين برغم التناقض العقيدى بينهما. وقد إتّخذ رب العزة من صُحبة النبى للمشركين حُجّة عليهم . فمن خلال صُحبته لهم كانوا يعرفون رجاحة عقله ، لذا قال جلّ وعلا عنهم :( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)الاعراف)،( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)سبأ ). أى يدعوهم رب العزّة فى التفكر فى معرفتهم بصاحبهم محمد الذى صحبوه سنينا طويلا وخالطوه وعرفوا عقله وحكمته ، فكيف يتهمونه بالجنون عندما أصبح نبيا ؟ لقد عرفوه قبل النبوه حكيما رشيدا فكيف يتهمونه بالضلال والغواية بعد أن أنزل الله جلّ وعلا عليه القرآن الكريم :(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم ).
7 ـ نخلّص مما سبق الى أن وصف أبى بكر بالصاحب تعنى طُول صحبته للنبى ، ولكنها ليست دليلا على هدايته ، بل تومىء الآية الى غير ذلك . ونستفيد منها أن الله جلّ وعلا لم يُعط أبا بكر تزكية بالهداية وهو فى أواخر حياته ، لأن الآية فى سورة التوبة التى نزلت قبيل موت النبى عليه السلام ، أى كان أبو بكر وقت نزولها فى أواخر عمره ، ثم مات بعدها بحوالى ثلاث سنوات. وفى السنتين الأخيرتين من عمره كان مسئولا عن فاجعة الفتوحات. من هنا نفهم تلك الإشارة التى تومىء الى أنه مجرد صاحب للنبى ، ضمن صحبة النبى لمشركين غيره .
8 ـ يكفى هنا أن وصف النبى بالصاحب ربطته بالمشركين دون المؤمنين أى كان صاحبا للمشركين وليس المؤمنين :( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ مُبِينٌ (184)الاعراف )،( قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ (46)سبأ ).(وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) النجم ). كما وُصف أبو بكر بأنه صاحب النبى (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ ..(40)( التوبة ).
9 ـ أى يمكن طبقا لمصطلحات القرآن الكريم أن نقول أن أصحاب النبى المحيطين به هم المشركون المعاندون ، أمّا المؤمنون المخلصون من عوام الناس وفقرائهم فقد كانوا عنه بعيدين .
ثانيا : تعلّق النبى محمد بصُحبة المشركين الأغنياء دون المؤمنين الفقراء
1 ـ هنا نتدبر قوله جل وعلا : ( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) الكهف ). ونفهم من ظاهر الآية الكريمة ثلاث قضايا مترابطة : تحرّج النبى من المؤمنين الفقراء الى درجة طرده لهم ، وتقرّبه للمشركين الأثرياء الى درجة طاعته لهم ، وحبه لمتاع الدنيا .
2 ـ فى حُبّه لمتاع الدنيا وزينتها جاء فى الاية الكريمة الأمر له عليه السلام بأن يصبّر نفسه مع المؤمنين وألّا تنفر عيناه منهم لتنظر الى زينة الحياة الدنيا ومترفيها:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) . وتكرر هذا النهى للنبى فى مكة بألّا يمدّ عينيه لأولئك المترفين ومتاعهم الدنيوى : (وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131) ( طه ). وبعد هجرته للمدينة لم يفارقه شغفه بالنظر لأصحاب الثروات والاعجاب بنعيمهم وجاههم شأن معظم البشر، وكان منافقو المدينة هم الأكثر أموالا وأولادا فقال جل وعلا للنبى مرتين فى سورة التوبة : ( فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)،( وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (85) التوبة ). وتكرار الأمر والنهى يدل على عدم طاعة النبى للأمر والنهى الأول فاستلزم تكرار الأمر والنهى .
3 ـ فى ضيق النبى من المؤمنين الفقراء الى درجة طرده لهم ، وتقرّبه للمشركين الأثرياء الى درجة طاعته لهم نلاحظ الآتى :
3 / 1 : قوة التعبير القرآنى للنبى:( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ )،أى أن يقوم النبى بإجبار نفسه على الصبر على معايشة المؤمنين الفقراء ولا تتركهم عيناه لتنظر للمترفين . هنا أمر بأن يصبر نفسه مع المؤمنين ، مع نهى عن إنبهاره بالأثرياء . ثم يأتى نهى آخر عن طاعة الكفرة المترفين المتطرفين (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28) الكهف ).
3/ 2 : قبل هذه ألاية الكريمة تعرّض النبى عليه السلام لتأنيب شديد حين أعرض وتجهّم وعبس فى وجه مؤمن ضرير أملا فى رضى شخص كافر مترف من المستكبرين ، يقول جلّ وعلا : ( عَبَسَ وَتَوَلَّى (1) أَنْ جَاءَهُ الأَعْمَى (2) وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (3) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى (4) أَمَّا مَنْ اسْتَغْنَى (5) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (6) وَمَا عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (7) وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى (8) وَهُوَ يَخْشَى (9) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (10) عبس ).
3/ 3 : إستكبار الملأ الكافر لا يتغير، فالملأ من قوم نوح وصفوا المؤمنين الذين إتّبعوا نوحا بأنهم ( الأرذلون ) وعلّلوا عدم إيمانهم بوجود هؤلاء الأرذلين مع نوح : ( قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الأَرْذَلُونَ (111)الشعراء ) ( وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِي الرَّأْيِ ) (27) هود ). ولكن النبى نوحا عليه السلام رفض طرد إخوانه المؤمنين ،وقال للكفرة المستكبرين :( وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا )(29)( هود) (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ (114)( الشعراء ). أمّا خاتم النبيين محمد عليهم السلام لم ينتظر أن يقول له الملأ القرشى هذا ، بل بادر بطرد المؤمنين تقرّبا منه لهم ، وطاعة مسبّقة منه لتوجيهات الكفرة المترفين الذين يستنكفون من الجلوس مع المؤمنين الفقراء أو النظر اليهم . فنزل نهى آخر للنبى ينهاه عن طرد المؤمنين الفقراء حتى لا يكون ظالما:( وَلا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ (52)الانعام ). وتكرار الأمر والنهى يدل على عدم طاعة النبى للأمر والنهى الأول فاستلزم تكرار الأمر والنهى .
4 : فى طاعة النبى للمشركين نلاحظ الآتى :
4/ 1 : تكرار الأوامر للنبى تنهاه عن طاعة الكفرة من قريش ، بدءا من اوائل ما نزل فى القرآن الكريم ، ففى سورة القلم : ( فَلا تُطِعْ الْمُكَذِّبِينَ (8))،( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ (10))، الى سورة الانسان:( وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً (24) الى سورة الفرقان : ( فَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ )(52 )). وتكرار الأمر والنهى يدل على عدم طاعة النبى للأمر والنهى الأول فاستلزم تكرار الأمر والنهى .
4/ 2 : وصلت طاعته لهم الى حدّ أنهم كادوا أن يفتنوه عن الوحى لولا أن ثبّته الله جل وعلا : ( وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنْ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِي عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذاً لاتَّخَذُوكَ خَلِيلاً (73) وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً (74) الاسراء ).
4/ 3 :بعد الهجرة للمدينة وترك قريش إستمر النبى فى طاعة الملأ من أهل النفاق والكفر ممّا إستلزم أن يتكرّر له النهى مرتين فى سورة الأحزاب عن طاعة الكافرين والمنافقين :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ )(1)،(وَلا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ )(48) (الأحزاب).
4/ 4 : ومع إشتداد المعارضة من المنافقين ووضوح كراهيتهم للنبى والاسلام والمسلمين فقد كان النبى حريصا على صُحبتهم ، حتى إنهم عندما أقاموا مسجد الضرار وكرا للتآمر كان النبى نفسه يقيم فى هذا المسجد حرصا على صُحبة اولئك المنافقين الكبار. ومن أجلهم هجر المسجد الأول الذى تم تأسيسه على التقوى ، وكان يقيم فيه المؤمنون الفقراء الذين يحبّون أن يتطهّروا، والله جل وعلا يحب المتطهرين. قال جل وعلا :( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِرَاراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَاداً لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ وَلَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ الْحُسْنَى وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (107) قال له ربه جلّ وعلا:( لا تَقُمْ فِيهِ أَبَداً لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ (108) التوبة ).
4/ 5 : وكان المنافقون فى حضور النبى يسخرون من المؤمنين الفقراء الذين كانوا يتبرعون بما لديهم من مال للنبى :( الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79) التوبة ). وكان النبى لا يغضب مراعاة لخاطر المؤمنين المظلومين ، بل يستغفر للمنافقين الساخرين ، فتوعد رب العزة أولئك المنافقين الساخرين بألّا يغفر لهم مهما إستغفر لهم النبى : ( اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (80)التوبة ).
ثالثا : السبب فى تعلّق النبى محمد بصُحبة المشركين الأغنياء دون المؤمنين الفقراء:
1 ـ كان عليه السلام متأكّدا من إسلام أولئك الفقراء وإخلاصهم ، ولكن قلّة حيلتهم جعله عليه السلام أكثر خوفا عليهم وأكثر حرصا على هداية الأقوياء من الملأ ، يأمل أن يكون فى إسلامهم نُصرة للإسلام . كان هذا هو السبب فى تعلّق النبى محمد بصُحبة المشركين الأغنياء دون المؤمنين الفقراء. هذا ، مع إن ربه جل وعلا أكّد له بأن أكثر الناس لن يؤمنوا مهما بلغ حرصه على هدايتهم : ( وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (103)( يوسف )، ثم إنّ الملأ القرشى لم يكن ضالّا فقط بل إحترف إضلال الآخرين ، والذى يبلغ هذه الدرجة يستحيل أن يهتدى مهما بلغ حرص النبى على هدايته :(إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ (37)( النحل )
2 ـ ظل مستمرا حرصه عليه السلام على هدايتهم ، بل تطوّر الى درجة الالحاح أو الإكراه على دخولهم الاسلام ما إستطاع ، فقال له ربه جلّ وعلا :( أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (99) ( يونس ).
3 ـ ولأنهم لم يهتدوا ، فكان يحزن حزنا شديدا يكاد يهلك به نفسه ، فقال له ربّه جل وعلا :(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (6)( الكهف )، وينهاه ربه جل وعلا أن تذهب نفسه عليهم حسرات ، لأن الشيطان زيّن لهم سوء عملهم فكانوا يرونه حسنا ، ومن يبلغ هذه الدرجة من الضلال فمستحيل هدايته : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ )(8) ( فاطر ).
4 ـ الخُلاصة : إنّ صُحبته عليه السلام كانت للكبار مبتعدا عن الفقراء وعوام المؤمنين . كانت هذه عادته فى مكة ، واستمرّ بها النبى فى المدينة.
رابعا : الوضع السياسى هو الذى حتّم ذلك على النبى عليه السلام
1 ـ لقد تصرّف النبى عليه السلام بجهده البشرى وبدون ما يعرف بالمعجزات أو الآيات التى كانت للأنبياء السابقين . تعيّن عليه أن يكافح بنفسه ومعه المخلصون من المؤمنين ، هو الذى كان يخطّط ويشارك فى التنفيذ . وعندما يقع فى خطأ كان ينزل عليه الوحى بالتوجيه والنقد . واجه عليه السلام أكبر تحديات تواجه فردا من البشر ، فنجح فيها ، وأقام باسم الاسلام دولة إسلامية تحقّق أكبر قدر من اليوتوبيا التى كان ولا يزال يحلم بها الفلاسفة . حقّق هذا الإعجاز البشرى فى الصحراء العربية حيث أقام دولة ديمقراطية حقوقية تسبق عصرها ، وتسبق عصرنا فى مجال الحريات ، وفى عصر تسيّده الاستبداد والاستعباد .
2 ـ كان الاسلام جُملة إعتراضية إستثنائية فى هذا العصر بعقيدته وشريعته وبقيمه العليا من العدل والقسط والحرية المطلقة وديمقراطيته المباشرة وما فيه من رحمة وإحسان وحُقوق الانسان . كانت الثقافة السائدة فى العصور الوسطى هى الاستبداد والاستعباد والاسترقاق والفساد وحق المستبد فى قتل من يشاء ، كانت عصور الحروب الدينية ومحاكم التفتيش ، وقد كانت هكذا قرونا قبل النبى محمد ، واستمرت قرونا بعده ، وظهر الاسلام نقطة ضوء وسط هذا الرُكام من الظلمات ، فأضاءت وقت حياة النبى بتطبيق النبى ، ثم خفُت الضوء وتوارى بموته ، وإنطفأ بالفتوحات ، وإختفى تقريبا من الحياة العملية للمسلمين ، وبقى نور الاسلام محصورا فى القرآن المحفوظ رغم أنوف المسلمين .!!
3 ـ والفارق هائل بين نصوص القرآن وتطبيقها ، ووقع عبء التطبيق على خاتم النبيين ، وتلك هى سنّته الحقيقية . ومأساة التطبيق هنا أن النبى عليه السلام كان عليه أن يتعامل مع ثقافة مغايرة متحكّمة مسيطرة ، يمثلها تواتر قريش فى تحريف ملة ابراهيم وتجارتها بالدين ، طبق الشائع السائد فى العالم وقتها من الفرس والروم الى الصين والهند . والتطبيق قد يحتاج الى مرونة ومواءمة فى تعامل مع مراكز القوى . ونجح النبى عليه السلام ، وحين كان يخطىء لأنه بشر كان الوحى ينزل يصحّح وينبّه وينذر وينقد ويوبّخ .
وفى كل هذا لا ننسى أنه عليه السلام كان رجلا ينتمى لنفس القوم : (أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرْ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) ( يونس )، كان رجلا منهم ولكنه خرج عن ثقافة عصره، وقام بتطبيق ثقافة مغايرة وسط مجتمع يرفضها ، فجاهد ونجح فى تأسيس دولة . ويكفى فى تقدير عظمة نجاحه عليه السلام ان نتذكر أن نفس ثقافة الاستبداد والاستعباد والفساد لا تزال سائدة فى معظم العالم اليوم ، خصوصا فى بلاد ( المسلمين ) وعلى رأسها ( محور الشّر فى العالم ) ( السعودية ).!!. لا لوم عليه ـ عليه السلام أن عادت ثقافة الاستبداد والاستعباد بعد موته بالفتوحات التى قام بها صحابة الفتوحات المنتمون للثقافة الجاهلية . فيكفيه فخرا عليه السلام أنه حقّق المستحيل ، وأثبت أنه يمكن تطبيق اليوتوبيا القرآنية حتى فى القرون الوسطى ، وفى منطقة صحراوية أبعد ما تكون عن التحضّر ، ولكنه عليه السلام أقام فيها شرع الاسلام الذى لا مثيل له فى التحضّر .. عليه سلام الله جل وعلا. ومن الظلم له عليه السلام أن نصدّق تلك السيرة التى كتبوها عنه بعد موته تصوّره فاتحا غازيا سفّاكا للدماء قاتلا للأسرى يسبى ويسلب الأموال ويأمر بإغتيال خصومه . تلك الروايات فى السيرة والأحاديث صنعها أئمة الأديان الأرضية ليصنعوا نبيا من ثقافتهم العصر أوسطية ، والذى يحب النبى محمدا عليه السلام ويواليه لا بد أن يبرئه من هذه الصورة البشعة التى كتبها ابن اسحاق والبخارى ومسلم وغيرهم .
4 ـ فى مصر وحضارتها وحين إحتكر فرعون موسى القوة والثروة أمر الله جل وعلا موسى وهارون أن يقولا له قولا ليّنا لعله يتذكّر أو يخشى ( طه 44 )، وهنا إستعمال للمواءمة السياسية مع طاغية متألّه . إختلف الوضع فى مكة التى كان فيها نوع من توازن القوى متأرجح ، فجزء من قريش آمن بالرسول ، وبنو هاشم مع محمد يدافعون عنه بحُكم العصبية الأُسرية. لذا جرى هذا الصراع فى هذه المساحة الرمادية . ومن هنا كان حرص النبى على تحييد عتاة كفار مكة ما استطاع،أملا فى هداية بعضهم وحماية للمستضعفين المؤمنين. وبالهجرة الى المدينة أصبح الوضع أكثر تعقيدا ، فالمطلوب هنا تكوين دولة الاسلام وتطبيق شريعته ، وسط ألغام يمثّلها المنافقون ، وحيث حوصرت المدينة باليهود فترة وبالأعراب ، وبهجوم قريش ، أى كانت فى حالة طوارىء مستمرة ، ولكنها لم تستوجب مطلقا وجود أحكام عُرفية ،لأن الحرية المطلقة كانت الحل ؛ حرية الدين ، وحرية المعارضة السلمية بالقول والفعل بدون حمل سلاح . المنافقون من ناحيتهم إستغلوا الحرية الدينية وحرية المعارضة حتى سقفها الأعلى ، ولم يمنعهم من حمل السلاح إلّا خوفهم ، كانوا مُصابين من الخوف، وصف رب العزة خوفهم بصورة رائعة (فى سورة التوبة 56 :57)، ففى داخل المدينة يوجد مؤمنون مخلصون صدقوا الله جل وعلا ما عاهدوا الله عليه ، ومستعدون للفداء بالنفس ، وفارق هائل بين الفريقين ( آل عمران 151، 172 : 173 ). وجود هؤلاء المؤمنين المخلصين ( الفدائيين ) أخاف الملأ المنافقين فى المدينة ، فكانوا يُظهرون ما فى قلوبهم من غلّ بالقول والفعل ، ثم يتراجعون خوفا ، ويحلفون كذبا ليحموا أنفسهم ، أى إتخذوا أيمانهم وقاية ( المنافقون 2 ). بسبب خوفهم من الصدام مع المؤمنين المخلصين .
5 ـ بإختصار كانت هناك خطوط حمراء للجانبين إستلزمت نوعا من المواءمة ، والتعامل فى منطقة رمادية فى مجال تشابكت فيه العلاقات وتعقّدت ، وتداخلت فيه مراكز القوى وتوزّعت .
6 ـ والنبى عليه السلام كان بالمؤمنين رءوفا رحيما ، وكان رحمة للذين آمنوا ( التوبة 128 ،61 ) ، وقد خلقه الله جل وعلا لينّا وليس فظّا غليظ القلب ، فكان يعفو عمّن يسىء اليه ويستغفر للمؤمنين ( آل عمران 159 ) بل كان يستغفر أيضا للمشركين حتى عوتب من ربه فى ذلك ( التوبة 113 : 115 ). لذا كان حريصا على تجميع مراكز القوى فى المدينة حوله ليأمن شرّهم من ناحية ، وليحاول التأثير فيهم من ناحية أخرى . وفى نفس الوقت هو مطمئن لاخلاص المؤمنين من عوام الناس الذين لا يطمعون فى الظهور والرياء ومواكب الشهرة لأنّ غايتهم هى رضا الله جل وعلا ، عاشوا بهذا وماتوا على هذا فصاروا من السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار الذين رضى الله جل وعلا عنهم ورضوا عنه ( التوبة 100 ). تركوا الساحة ليملأها مريدو الدنيا الذين أرادو الاستفادة من الوضع الجديد أو تحييده لأنهم بالفعل ينتمون الى ثقافة العصور الوسطى . ثقافة السلب والنهب والسبى والقتال فى سبيل الثروة والسلطة . وبعد موت النبى عليه السلام صاروا القادة و( صحابة الفتوحات ) بينما توارى فى الظل واختفى السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار يحافظون على إيمانهم من طوفان الرجس الذى جاءت به الفتوحات ،والتى طبقت ثقافة العصور الوسطى تحت إسم الاسلام ، والاسلام منها ومن أصحابها برىء
أخيرا: المعنى المّراد ممّا سبق :
إن المحيطين بالنبى كانوا من الأثرياء والقادة والمشاهير فى مجتمع العرب حيث القبيلة والعشيرة وشيوخها ونفوذ المجتمع الذكورى . هؤلاء الكبار هم الذين أحاطوا بالنبى عليه السلام حرصا على استمرار وضعهم ومكانتهم ، ثم تولوا السّلطة بعد موته ـ وصاروا ( صحابة الفتوحات ) الذين سار التاريخ فى ركابهم ورضى عنهم ، بينما تجاهل المؤمنين المخلصين الفقراء من العوام ، لم يرض عنهم التاريخ ، ولكن رضى الله جل وعلا عنهم ، ورضوا عنه .
أستجيب لأى تعليق إذا كان فيه إضافة ، وسيكون تعليقى ممّا يردّ على هذه الاضافة بمعلومة اراها هامة . أما التعليقات التى تدل على ان صاحبها لم يقرأ لى ما سبق نشره فقد قررت أن لا أرد عليها حرصا على وقتى ..وجهدى .
من هنا أحيّى الاستاذ حمد حمد على تعليقه لأنه يؤكّد حقيقة لدى أتباع الديانات الأرضية ، وهى أنهم يحوّلون التاريخ الذى يكتبه أئمتهم الى دين ، بالاضافة الى كتب أئمتهم فى التشريع للدين الأرضى .
لو قرأت الأناجيل لوجدتها سيرة للمسيح من وجهة نظر كاتبيها ، وهى تماثل السيرة النبوية عندنا . ولقد تميز ب المسلمون عن غيرهم فى علم التاريخ ، تميزوا به على مستوى النقد للروايات وصنع سند لها ، وعلى مستوى التكامل التاريخى بحيث ترى كل مؤرخ يكمل ما كتبه المؤرخ السابق فتاريخ مصر متواصل من عهد الفتح حتى العصر العثمانى ، وتتميز بهذا كتب الحوليات التى تؤرخ للأحداث بالحول والسنة . ثم يتميز علم التاريخ للمسلمين أيضا بتنوعه الكبير ، من تاريخ عام وتارخ أشخاص حسب طبقاتهم ، وتارخ مدن وتارخ دول وتاريخ العمران ، وتاريخ متخصص فى اصناف العلماء ..الخ .. هذا التميز فى علم التاريخ عظّم من دور التاريخ فى أديان المسلمين الأرضية ، بدءا من السيرة النبوية التى بدأها ابن اسحاق ، ونقلها ابن هشام ، وبدأ بها الطبرى تاريخه ونقل عنه من جاء بعد ه من مؤرخى الحوليات كابن الأثير فى ( الكامل ) وابن الجوزى فى ( المنتظم ) وابن كثير فى ( البداية والنهاية ) ثم تاريخ الصحابة الذى بدأ به ابن سعد فى الطبقات الكبرى ، وتبعه ابن الأثير فى ( أسد الغابة ) و ابن حجر فى ( الاصابة ) .
وهذا الحرص على تسجيل تاريخ النبى والصحابة ليس فقط إنعكاسا لتقديس النبى والصحابة بل هو أيضا يعكس تطور عقيدة الناس فى النبى . فالتقديس للنبى لا يبدو ظاهرا فى سيرة ابن اسحاق ، ولكن بمرور الزمن تمّ إختراع روايات جديدة لم تكن موجودة من قبل يتم فيها تأليه النبى ، وكان هذا فى عصور سيطر فيها التصوف ، وأخترع مؤرخو الصوفية نوعا جديدا من التأريخ لأوليائهم هو كتب ( المناقب ) التى يملأونها بخرافات عن مناقب هذا الولى وكراماته وتاليهه. وحتى لا يقال لماذا إختصوا أولياءهم بهذا التأليه كتبوا سيرة نبوية ملأوها بتقديس النبى وتأليهه . كل ذلك خرافات وأكاذيب ، ولكنها تصدق فقط فى نقل عقائد أصحابها المخالفة للاسلام .
بارك الله فيك يا دكتور أحمد منصور
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5111 |
اجمالي القراءات | : | 56,687,949 |
تعليقات له | : | 5,445 |
تعليقات عليه | : | 14,818 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
أحاديث البخاري المستهترة برب العباد 3.
تساؤلات بمناسبة المطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية
دعوة للتبرع
الاصلاح بالمسجد : هل الحث على الاخل اق في المسا جد و في مختلف...
آذانهم للصلاة : هل الأذا ن للصلا ة مذكور فى القرآ ن الكري م ...
البقرة 190 : 191 : الآي ة 190 من سورة البقر ة تقول : (...
الزانى والزانية: لماذا تقدمت ( الزان ية ) عن الزان ى فى قوله جل...
المحو والاثبات: : في كتابك م "لا ناسخ و لامنس وخ في القرآ ن ...
more
اخي الحبيب الدكتور احمد حفظكم الله وسدد خطاكم
لقد اصبحت كتب التاريخ هي الحكم علي الفرد لدينا ان كان مسلما او كافرا وهذا ماتوارثته الاجيال جيلا بعد جيل من وسائل التعليم المختلفه الفاشله ومروجيها , واغلبها عن مؤامره للتشكيك بكتاب الله جل وعلا ولهجر ه وان كانت ايات الله سبحانه وتعالي تحذر من ذلك ولكن لا احد يقرأ وان قرأ لم يتدبر لان الغالبيه العظمي اصيبت بفايرس( كذلك وجدنا آبائنا يفعلون) وكذلك كتبنا التاريخيه وابطالها . من يصدق هذا المقال وان كانت تدعم بآيات قرآنيه تثبت بطلان وكذب التاريخ لاحد ابطاله المعبودين (ابوبكر) ( ومن اصدق من الله قيلا) والله اكبر.